عبث الصراع بين الثنائيات في العالم العربي والإسلامي
تاريخ النشر: 11th, January 2025 GMT
د. عبدالله الأشعل **
يُقصد بالثنائيات التي يضيع الصراع فيها العالم العربي والإسلامي هي الصراع بين القوميين والإسلاميين، وبين القُطرية والقومية، وبين الناصريين والإخوان المُسلمين، وبين العلمانية والإسلام، وبين الشيعة والسنة، وبين العروبة والأقليات الإثنية غير العربية، وبين الأقليات الدينية مقارنة بالإسلام كما يفهمه عامة النَّاس.
1- الصراع بين القوميين والإسلاميين. هناك صراع حقيقي بين الطرفين وظهر ذلك في قمته عام 1967 عندما وقعت المأساة في مصر والعالم العربي والإسلامي وتغول المشروع الصهيوني وتسبب فيما تلى ذلك من تطورات مؤسفة انتهت إلى رهن إرادة العالم العربي والإسلامي، وكشفت ذلك ملحمة غزة التي لم يهب العرب والمسلمون لنجدتها وإنقاذها من الإبادة التي تمارسها إسرائيل بأسلحة أمريكية وتحييد أمريكي للعرب والمسلمين، وكأن إسرائيل انفردت بغزة. وما دام المحيط العربي والإسلامي مقيدًا إرادته فإن العالم كله من ورائه لن يفعل شيئاً والنتيجة هي حرية إسرائيل في إبادة الشعب الفلسطيني أمام مرأى ومسمع المسلمين والعرب أمام العالم كله مادامت الولايات المتحدة ضمنت لإسرائيل حرية العمل بخمسة ضمانات.
الأول هو تحييد المحيط العربي والإسلامي. والثاني حماية جرائم إسرائيل في الأمم المتحدة رغم تقارير الأمم المتحدة وهيئاتها العاملة في فلسطين وفي خارجها التي تحث الأمم المتحدة على اتخاذ موقف حازم يوقف الإبادة في غزة. والثالث تقديم الأسلحة الفتاكة المحرمة دوليًا واللازمة لعملية الإبادة؛ فالولايات المتحدة شريكً كامل لإسرائيل في الإبادة. وقد أوضحنا في مقال سابق أن الولايات المتحدة تمارس هذا العمل حنينًا تاريخيًا إلى الإبادة الواسعة التي مارسها الأنجلوسكسون في أمريكا الشمالية بعد اكتشافها عن طريق كريستوفر كولمبس. والرابع يتمثل في إمداد إسرائيل بالأموال اللازمة لدعم اقتصادها الذي تهاوى بسبب طول مدة حرب الإبادة. والخامس إعاقة أي تسوية أو أي وقف لإطلاق النار؛ سواء من خلال المحادثات أو في مجلس الأمن، مع إيهام العالم بأنَّ أمريكا حريصة على المدنيين الذين تقتلهم بيد إسرائيل بأسلحتها.
ولذلك طالبنا- في مقال سابق- بأن تصدر الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا باعتبار أمريكا وإسرائيل عدوًا للبشرية؛ وهي مرتبة قصوى بعد وصف إسرائيل بأنها تمارس التطهير العرقي والتمييز بين سكانها من الصهاينة والفلسطينيين؛ حيث أصبحت هذه الأوصاف محتملة، وتدعو إلى تجاوزها إلى المرتبة التي أشرنا إليها. وفي مقال سابق أيضًا، قدمنا عريضة اتهام ضد الولايات المتحدة بتدمير القانون الدولي والاستخفاف بالأمم المتحدة في فلسطين والعالم العربي، وقدمنا أيضًا أدلة الاتهام في هذا الصدد، والمطلوب أن تُترجم هذه الوثيقة وتقدم إلى المحكمة الجنائية الدولية- التي تحاربها الولايات المتحدة- كي تصدر أمرًا بالقبض على الرئيس الأمريكي جو بايدن، حيثما حلَّ؛ باعتباره رأس الإدارة الأمريكية الفيدرالية، على غرار ما أصدرته المحكمة الجنائية الدولية من أمر بالقبض على بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت، وكان يجب أن تصدر المحكمة أمرين في وقت واحد باعتبارهم الثلاثة- أي نتنياهو وجالانت وبايدن- شركاء في حرب الإبادة، وكل منهم له دور أساسي في المشروع الإجرامي.
لقد اعتبر التيار الإسلامي هزيمة مصر في عام 1967 هزيمة للتيار القومي وعقابًا من الله للقوميين العلمانيين، والصحيح أنَّ مأساة 1967 كان لها أسباب أخرى لا تدخل في الصراع بين الطرفين؛ فمصر هي التي هُزمت، والقوميون والإسلاميون أعضاء في المجتمع المصري يلحقهم جميعًا عار المأساة وهم جميعًا انتظموا عام 1973 لتصحيح الموقف مع إسرائيل. صحيحٌ أن الطرفين يكرهان إسرائيل ولكن الكُره والحقد الذي يُكنه كل طرف للطرف الآخر عبث، وأكبر من الحقد على إسرائيل. ولا بُد من التركيز على مصر باعتبارها قلب العالم العربي والإسلامي وأن الصراع بين الطرفين يبدد الجهود الواجب تركيزها لسلامة مصر.
2- الصراع بين الناصريين والإخوان المسلمين. هذا الصراع لايزال قائمًا لمجرد أن عبدالناصر رأس التيار القومي تصادم مع الإخوان المسلمين. والواقع أنه صراع على السلطة بين عبد الناصر والإخوان، وقد مات عبد الناصر وتبعثر الإخوان، فما لزوم امتداد الصراع بين ما يسمون بالناصريين ويرفعون قميص عبدالناصر وبين من ينتمون إلى الإخوان المسلمين؟ فقد تجاوزهم الزمن ومصر أصبحت في وضع لا يسمح باستمرار هذا الصراع.
3- الصراع بين الشيعة والسُنَّة. هذا الصراع تسلطه أمريكا والغرب وإسرائيل على العقول الضعيفة من المسلمين؛ فالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وهما المصدران الوحيدان للتشريع الإسلامي ليس فيهما إسلام شيعي وإسلام سُنِّي.
وبالتطبيق كان شاه إيران شيعيًا، ومع ذلك كان خادمًا للولايات المتحدة، وكانت هناك شراكة بين الشاه والسعودية لحفظ أمن الخليج، وهو مصطلح مخترع من جانب الغرب للجباية ونهب أموال الخليج، وكان الشاه متزوجًا من الأميرة فوزية أخت الملك فاروق (ملك مصر) وكانت سُنِّية.
وعندما قامت الثورة الإسلامية في إيران لم تقم ضد العرب والمسلمين السنة، وإنما الشيعة والسنة مصطلح تآمري، وكلاهما حدائق تثري الفكر الإسلامي، والذين تصدوا للفرق بين الشيعة والسنة كانوا متطرفين وبلا عقل. وهذا هو الفصيل الذي تريده إسرائيل والغرب، وعندي أن الذي هو ضد إسرائيل والغرب حليف لي، بقطع النظر عن اتجاهه الديني؛ فالمسألة كلها سياسية وليست دينية.
فالثورة الإسلامية في إيران بدأت منذ اليوم الأول ضد أمريكا وإسرائيل؛ وهما أعداء المسلمين والعرب؛ بل أعداء البشرية جمعاء، واستجابة بعض السذج لهذه الفتنة تُضيِّع المسلمين والإسلام. صحيح أن مذاهب السنة تختلف فكريًا عن مذاهب الشيعة، لكن القواسم المشتركة الأساسية واحدة؛ فالله واحد والرسول صلى الله عليه وسلم واحد، والقرآن واحد، وأركان الإسلام واحدة، وما وراء ذلك تفاصيل واختلافات فقهية.
4- الصراع بين القُطرية والقومية. اشتد الصراع بين الطرفين في ظل القومية الجامحة، علمًا بأن هذه القومية تفتقر إلى الأساس العلمي والعقلي وتنساق وراء العاطفة والشعارات النارية التي أطلقها زعماء التيار القومي؛ فالقطرية كانت في نظر القوميين تعني الانفصال والغنم الشاردة والخارجين عن الجماعة يوم سادت شعارات هابطة كوحدة الصف بديلاً عن وحدة الهدف والأصل وكان ينظر إلى القوميين من جانب القطريين على أنه اغتصاب للسلطة في بلدهم ولهذا فرح الانقلابيون في سوريا عندما انحلت الوحدة المصرية السورية عام 1961، ويتردد أن تورُّط مصر في اليمن تم بسبب شعور عبدالناصر أنه جُرح وظل اسم الجمهورية العربية المتحدة حتى بعد انفصال سوريا لغاية عام 1971، عندما ضاق أنور السادات بما فعله عبدالناصر وأصدر دستور 71 علمًا بأنَّ مصر شهدت دستورًا لكل رئيس.
والصحيح أن الصراع بين القومية والقُطرية وَهْمٌ كبيرٌ وعبثٌ لا طائل من ورائه، وأن القومية يجب أن تسعد بالقُطرية؛ لأن كل الدول العربية ورودٌ في حديقة العروبة، وكلما اختلفت ألوان هذه الورود ورائحتها، كانت حديقة العروبة غناء، ولذلك ليس هناك تناقض بين القومية العاقلة التي لا تطمس هويات الأقطار وبين هذه القُطرية.
5- الصراع بين القومية والإثنيات المختلفة. كلما كانت القومية جامحة ويديرها نظام مُستبد، أعلت شأن العروبة بحيث لا تعترف بالإثنيات الأخرى، وهذا ما حدث بالنسبة للأقليات الإثنية في العالم العربي، والحل أن تكون الدولة ديمقراطية يتساوى فيها كافة المواطنين، بقطع النظر عن أصلهم العرقي أو الثقافي؛ فالعروبة ثقافة وليست عرقًا، ولهذا السبب اصطدمت العروبة بالإثنيات، مثل أكراد العراق وسوريا، والمطلوب أن يتغير الفكر القومي بحيث يشمل ويحتضن كل الإثنيات داخل الدولة الواحدة وأن يكون مبدأ المواطنة مطبقًا بالفعل في جميع الدول العربية.
6- الصراع بين العلمانية والإسلام. يرجع هذا الصراع إلى عدم فهم الإسلام والعلمانية؛ فالإسلام نفسه يعرف العلمانية كما إن العلمانية لها تطبيقات متعددة تصطدم بالإسلام عندما تُنكر العلمانية الدين، كما حدث فى مذهب كمال أتاتورك المأخوذ من العلمانية الأوروبية، خاصة في سويسرا. العلمانية الأوروبية نشأت في تربة وفي ظروف ومناخ مختلف تمامًا، ونحن أخذنا البذرة الأوروبية الخاصة وزرعناها في أرضنا ولم نلتفت إلى الفوارق بين الأصول والفروع. العلمانية في أصلها تعتد بالعلم وبالعقل وحرية العبادة، والإسلام يحث على التفكير العقلي؛ فهو دين العقل. وبهذه المناسبة فإن الشيعة يغلبون العقل على النقل أما السُنَّة فيغلبون النقل على العقل. ولكن في كل الأحوال لا بُد أن تكون أصول المسألة محكومة بالكتاب والسنة؛ فالمسلمون اليوم مطالبون بفهم دينهم وإدراك أن قيم دينهم تستوعب كل الثنائيات.
7- التناقض بين الإسلاميين والأقليات الدينية في العالم العربي والإسلامي. وسبب هذا الصراع يرجع إلى عدم فهم الطرفين للإسلام؛ فالإسلام جامع لجميع الشرائع السماوية من اليهودية إلى الشريعة الإسلامية، أما القرآن الكريم فهو آخر تجليات السماء إلى أهل الأرض، وهو الكتاب الجامع، ولا يمكن المقارنة بين الكتب المقدسة؛ لأن هذه سذاجة وجهل بالحقائق؛ حيث إن القرآن الكريم حافل بالإشارة إلى الرسالات السابقة والشرائع السابقة، ولذلك يجب أن نتأمل الآية الكريمة التي تقول "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" (المائدة: 3)، والآية الأخرى: "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ" (آل عمران: 19)، وآية "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (آل عمران: 85)، ويترتب على ذلك أن الإسلام مكون من مجموعة من الشرائع المتكاملة وأساسها التوحيد من آدم إلى رسولنا الكريم؛ ولذلك ليس هناك أديان، ولا يجوز القول بمقارنة الاديان. أما الشرائع الأرضية وما يسمى بالفلسفات البشرية كالبوذية والكونفوشية والهندوسية وغيرها التي تحض على مكارم الأخلاق، يتسامح الإسلام بشأنها، لكن الفارق بين الإسلام والرسالات السماوية، أي أهل الكتاب، وبين الشرائع الأرضية، هو الشهادة لله ولرسوله، أما القول بالقطيعة بين المسلمين وهذه الشرائع، فإنه ضد الدين وضد شريعة الإسلام.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أكاذيب الكيان الصهيوني التي لا تنتهي
لم يعرف التاريخ الإنساني، وأعتقد لن يعرف حتى قيام الساعة، دولة تكذب وتتحرى الكذب في كل أقوالها وأفعالها مثل دولة الكيان الصهيوني الغاصب التي تكذب كما تتنفس، وتعيش على الكذب الذي قامت على أساسه وتحيا عليه.
الدولة التي قامت على كذبة في العام 1948، لا يمكن أن تستمر وتبقى سوى بمزيد من الأكاذيب التي تنتجها آلة الدعاية الصهيونية المدعومة بوسائل الإعلام العالمية، بشكل يومي لكي تستدر عطف العالم الغربي وتبرر احتلالها البغيض للأراضي الفلسطينية وعدوانها الدائم والهمجي على أصحاب الأرض، وعلى كل من يحاول الوقوف في وجهها وكل من يكشف أكاذيبها ويقاوم غطرستها، وجرائمها التي لا تتوقف ضد الإنسانية.
بدأت الأكاذيب الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر مع نشأة الحركة الصهيونية، بالترويج لأكذوبة أن «فلسطين هي أرض الميعاد التي وعد الله اليهود بالعودة لها بعد قرون من الشتات في الأرض». وكانت هذه الأكذوبة، التي تحولت إلى أسطورة لا دليل على صحتها تاريخيا، المبرر الأول الذي دفع القوى الاستعمارية القديمة، بريطانيا تحديدا، الى إصدار الوعد المشؤوم «وعد بلفور» قبل عام من نهاية الحرب العالمية الأولى بانشاء وطن لليهود في فلسطين. وكان هذا الوعد، كما يقول المؤرخون، الذي صدر عن وزير الخارجية البريطاني أرثر بلفور حجر الأساس لأكبر عملية سرقة في التاريخ، سرقة وطن كامل من أصحابه، ومنحه لمجموعة من العصابات اليهودية دون وجه حق. الوعد الذي لم يعره العالم انتباها وقت صدوره تحول إلى حق مطلق للصهاينة في السنوات التالية، ومن أكذوبة «أرض الميعاد» ووعد الوطن القومي أنتجت الصهيونية العالمية سلسلة لا تنتهي من الأكاذيب التي ما زالت مستمرة حتى اليوم، والمسؤولة، في تقديري، عما يعيشه الفلسطينيون الآن من جحيم تحت الاحتلال الصهيوني.
الكذبة الأولى الخاصة بأرض الميعاد، والتي صدقها العالم نتيجة تكرارها وبفعل التأثير التراكمي طويل المدى لوسائل الاعلام التي سيطر عليها اليهود طوال القرن العشرين، لم تكن سوى أكذوبة سياسية ذات غطاء ديني غير صحيح. إذ تم تفسير النص التوراتي بطريقة ملتوية لتخدم المشروع الصهيوني. ولم تُثبت الحفريات التي يقوم بها الصهاينة أسفل المسجد الأقصى وجود هيكل سليمان أو وجود مملكة داود وسليمان في فلسطين كما تزعم الرواية التوراتية المحرفة، بل أن بعض المؤرخين الإسرائيليين شككوا في وجود اليهود في فلسطين كأمة قبل إنشاء إسرائيل.
دعونا في هذا المقال نتتبع أبرز الأكاذيب الصهيونية التي روجت لها إسرائيل لاستمرار سياساتها العنصرية والتي لم تكن مجرد دعاية عابرة، بل جزءًا من استراتيجية تم وضعها وتهدف في النهاية الى تحقيق الحلم الصهيوني بدولة تمتد «من النيل إلى الفرات»، والترويج للسردية الصهيونية في الاعلام العالمي وحصار السردية الفلسطينية والعربية.
الأكذوبة الثانية التي تمثل امتدادا للأكذوبة الأولى والمرتبطة بها ارتباطا وثيقا، هي أن فلسطين كانت أرضا بلا شعب، وبالتالي يمكن الاستيلاء عليها واحتلالها وتهجير أهلها منها، وجعلها وطنا للشعب اليهودي الذي كان بلا أرض»، وبذلك يتم نفي الوجود العربي الفلسطيني فيها. وتم الترويج لهذه الأكذوبة في الغرب المسيحي المحافظ من خلال خطاب إعلامي يربط إقامة إسرائيل بقرب ظهور المسيح (عليه السلام). وقد نجح الإعلام الصهيوني والمتصهين في تصوير اليهود باعتبارهم عائدين إلى أرضهم، فيما تمت شيطنة الفلسطينيين والتعامل معهم باعتبارهم إرهابيين يعارضون الوعد الإلهي. وكانت هذه الأكذوبة من أخطر الأكاذيب الصهيونية لتبرير احتلال فلسطين بدعوى أنها خالية من السكان، في حين كان يعيش فيها قبل إعلان قيام إسرائيل نحو مليون وثلاثمائة ألف عربي فلسطيني من المسلمين والمسيحيين.
وتزعم الأكذوبة الصهيونية الثالثة أن الفلسطينيين غادروا أرضهم طواعية بعد هزيمة الجيوش العربية وإعلان قيام دولة إسرائيل في العام 1948. وتم استخدام هذه المزاعم للتغطية على مجازر التطهير العرقي الذي قامت به عصابات الصهاينة، وأبرزها مجازر دير ياسين، واللد، والرملة، لطرد الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم.
لقد ثبت للعالم كله كذب إسرائيل في كل ما روجت له من مزاعم تخالف الحقيقة في الإعلام العالمي المتواطئ معها والمساند لها على الدوام. ومن هذه المزاعم القول بإنها «واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» الذي لا يعرف الديمقراطية. ولم ينتبه العالم إلى أن الديمقراطية الإسرائيلية ترى بعين واحدة، ومخصصة لليهود فقط، ولا تشمل سكانها من الفلسطينيين الذين يعانون من تمييز وفصل عنصري في كل مجالات الحياة. وتستخدم هذه الديمقراطية الأسلحة المحرمة والإبادة الجماعية وسياسات الاغتيال والاعتقال والتعذيب كوسيلة للتعامل مع الفلسطينيين المحرومين من حقوقهم السياسية.
وشبيه بهذا الزعم القول إن «الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم». ومع الأسف ما زالت هذه المقولة تتردد على ألسنة العسكريين والسياسيين الصهاينة وفي بعض وسائل الاعلام الغربية، رغم الجرائم الموثقة من جانب منظمات حقوقية عالمية، والتي ارتكبها ويرتكبها هذا الجيش «عديم الأخلاق» في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا وإيران، واستهدافه المدنيين من النساء والأطفال، والصحفيين والأطباء وغيرهم، واستخدامه لسلاح التجويع في غزة ومنع الإمدادات الإنسانية من الدخول الى القطاع وإتلافها عمدا، وقتل الجوعى.
ولا تتوقف آلة الكذب الصهيونية عند هذا الحد وتضيف لها الجديد من الأكاذيب كل يوم، مثل الأكذوبة المضحكة التي أصبحت مثار سخرية العالم، وهي إن «إسرائيل تواجه تهديدا وجوديا من جيرانها العرب» المحيطين بها، في الوقت الذي يعلم فيه القاصي والداني أن الكيان الغاصب هو الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي تمتلك ترسانة نووية قادرة على محو جميع الدول العربية، وتتمتع بتفوق عسكري يضمنه ويحافظ عليه ويعززه الشريك الأمريكي ودول غرب أوروبا، وتمنع بالقوة أي دولة في المنطقة من امتلاك الطاقة النووية حتى وإن كان للأغراض السلمية، كما فعلت مع العراق وايران. وينسي من يردد هذه الأكذوبة إن إسرائيل فرضت من خلال الولايات المتحدة التطبيع معها على العديد من الدول العربية، ليس فقط دول الجوار التي كان يمكن ان تهددها، وإنما على دول أخرى بعيدة جغرافيا عنها، وفي طريقها لفرضه على المزيد من الدول.
ويكفي أن نعلم أن غالبية الحروب التي دخلتها إسرائيل كانت حروبا استباقية، وكانت فيها المبادرة بالعدوان، وآخرها الحرب على إيران. والحقيقة أن حربها المستمرة منذ نحو عامين على غزة والتي تزعم أنها، أي الحرب، «دفاع عن النفس» ما هي إلا أكذوبة أخرى تأتي في إطار سعيها لتفريغ القطاع من سكانه وتهجيرهم خارجه بعد تدميره وحصاره المستمر منذ العام 2007 وحتى اليوم، وهو ما ينفي الأكذوبة الأكثر وقاحة التي ترددها الآن بأن «حركة حماس هي المسؤولة عن معاناة أهل غزة، وهي من تجوعهم»، مع أن العالم كله يشاهد كيف حولت القطاع إلى أطلال وإلى أكبر سجن مفتوح في العالم بشهادة الأمم المتحدة.