إلى صُنَّاع الثقافة .. الهندسة الثقافية تحقق التضامن الهوياتي
تاريخ النشر: 11th, January 2025 GMT
رغم حداثة مفهوم الهندسة الثقافية في سياق السياسات المتعلقة بتطوير مجالات العمل الثقافي، إلا أنه بات مفهوما مركزيا في الأدبيات التسييرية لكل نشاط جمالي طمعا في تطبيق وظيفي للتراث الثقافي المادي والروحي يعود على المجتمعات بأفضل ما يجود به الإبداع، وللأسف لا تزال مؤسساتنا الثقافية في المنطقة تتعامل مع الإرث الثقافي بشكل لا يرقى لأهميته ووظيفته الاقتصادية، بل الاجتماعية وهي الأهم، كون الفعل الثقافي في جوهره يخدم المجتمع لا من حيث العائد المادي فقط بل الأمر أعمق من ذلك، فالنشاطات الثقافية لدينا ما زالت شكلا من أشكال التجمهر الفئوي، ولم تصل بعد إلى تركيبها حدثا في الوعي قبل المكان.
إن الجوهري في الهندسة الثقافية هو تطوير العلاقة بين الجمهور والفضاء العمومي، ولذا يتوجب العمل على خلق آليات لصناعة الجمهور، وهو أمر يقترح علينا القيام ببعض التدابير لفهم الأبعاد الكلية لهذه الثنائية (ثقافة/جمهور) وهي تدابير تقوم على عمليات من تحليل لبيان الصلة التي يقيمها الفعل الثقافي مع المجتمع، ولأننا قلنا إن الجمهور هو الركن الأساس في هذه العملية فإنه وهو كذلك ليس كتلة صمَّاء مُعْدة للاستهلاك، إذ لا تنطبق على الجمهور أشراط الاستهلاك المادي، فالجمهور الثقافي شيء آخر غير الحشد، فالأخير هو نموذج لوحدة اجتماعية خاضعة للتمييز، ولذا فالحشد (يتشييء) أما الأول فإنه يمتاز باستقلالية روُضَتّها إرادة في الانتظام، ومن حيث معناه العام فإنه لم يعد تلك الجموع المُعَزْزَة بالتمثيل (المواكب، الاحتفالات، أصوات الهتاف) فهذه ميزة الحشد لا الجمهور، وهو متباين طالما لم يعد فكرة مسبقة في الذاكرة أو المكان كما نفهم مقولة الكاتبة الفرنسية هيلين مارلين. والحقيقة أن الجمهور أقرب إلى (الجماعة) لا (الجَمع) ومن الخطأ الخلط بينهما، فالفرق أن الجَمع تنقصه القوة الاجتماعية المؤدية إلى التماسك أو الترابط وتنظيم التفاعل في ظل علاقات اجتماعية يحركها الوعي الذاتي، ولذا فالجمع بطبيعته غير اتفاقي، غير مستقر ومؤقت، فالأفراد لا يكتسبون عضوية (الجَمْع) كما هو الشأن بالنسبة للـ(جماعة). ولتحقيق درجات من تضمين بين النشاط الثقافي والجمهور العام فإننا نفهم كيف أن الجمهور كـ«ظاهرة» هو تعبير عن تنوع مركب، وهذا التركيب هو ما يجب أن يتقصَّدُه صُنَّاع الثقافة طمعا في الوصول إليه وبناء لجسور الفهم معه وذلك عبر تعميق حضوره وجعله أكثر إنتاجية وزحزحة حالات التسليب التي يعيشها.
ولذا فإن أولى المهام الملقاة على عاتق مؤسسات الثقافة العربية أن يكون ضمن هيكلها الوظيفي وحدة للدراسات الثقافية وظيفتها تطوير عمليات الإدارة والتسويق والاتصال، وأن يقوم على هذه الوحدة مختصون يجمعون بين تخصصات مختلفة (سياسات تطبيقية، سيسيولوجيا وعلم نفس...إلخ)، وأن يمتلك عناصر هذه الوحدة من الحصيلة الثقافية ما يسمح بتأسيس أوفى للتنظيم وقدرة على هندسة الاستخدام الموجب للثقافة في سبيل الوصول إلى جعل أي بيئة ثقافية بمثابة مسكن للوعي يصنع حالات من الارتباط المستمر، وتدفع الجمهور إلى التواصل معه لا بوصفه مكانا ثقافيا فحسب بل باعتباره مؤصلا لعلاقاتها مع العالم الاجتماعي الذي تنتمي إليه وتعبر عنه. والواقع أن جمهور اليوم بات أكثر احترافية من ذي قبل، ومعه باتت سلعنة الثقافة أمرا حتميا في ظل عولمة كل شيء من حولنا، ولأنه جمهور يحوز على قدر عال من المخزون البصري، فإن ذلك مما يضع على عاتق المسؤولين عن إدارة الثقافة في أي بلد (المتاحف،الآثار، والمعالم التاريخية والمزارات...إلخ) أن يحصنوا نشاطهم بتفكير أكثر ابداعية حتى يضاعفوا التركيب بين النشاط الثقافي والجمهور العام، وهذا بدوره يتطلب أدوات اتصال أكثر احترافية لا تكتفي بالإعلان والتنظيم التقليدي للأنشطة والفعاليات بقدر ما يتوجب عليها فهم الخصائص التي يتكون منها أي نشاط، وأي جمهور تخاطب، وكيف يمكن إحسان الصلة بين الفاعلية وجمهورها بحيث يكتسي نشاطها أبعاده الاجتماعية.
إننا نتطلع إلى أن تقوم مؤسساتنا الثقافية الحكومية والخاصة منها بأدوار كبرى في تحصين المجتمع من أزماته، فالثقافة في جوهرها سبيل المجتمعات إلى محاصرة تشظيات الوعي وإنعاش الوجدان بالجمال المُكِون للفرد الاجتماعي، الفرد الصالح والمعبأ بأسباب الحياة والمشبع بروح الإنسانية التي تصنع فيه هُوية متسامحة ومعادية للكراهية في أشكالها كافة.
غسان علي عثمان كاتب سوداني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
أبو الدهب: علامة استفهام حول عدم اعتراض جمهور الزمالك على اختيارات حلمي طولان
تحدَثَ محمود أبو الدهب نجم النادي الأهلي السابق عن استعدادات المنتخب الوطني الثاني لكرة القدم للمشاركة في بطولة كأس العرب المقرر إقامتها في قطر ابتداءً من اليوم الاثنين 1 ديسمبر حتى 18 من الشهر ذاته.
ويستهل المنتخب الوطني بقيادة مدربه حلمي طولان مشواره في بطولة كأس العرب بمواجهة الكويت ، غداً الثلاثاء 2 ديسمبر ، ثم يواجه الإمارات في الجولة الثانية يوم 6 ديسمبر ، وأخيراً الأردن يوم 9 من الشهر ذاته.
وقال محمود أبو الدهب في تصريحات لبرنامج البريمو مع الإعلامي محمد فاروق ، عبر فضائية TeN:
هناك علامات استفهام كبيرة حول عدم اعتراض جمهور الزمالك على اختيارات حلمي طولان لقائمة الفراعنة المشاركة في كأس العرب ، كما فعلوا مع حسام حسن المدير الفني للمنتخب الأول حينما لم يضم ناصر ماهر للمعسكر الماضي في دورة العين الودية بالإمارات.
وأضاف: حلمي طولان لم يقم باستدعاء ناصر ماهر لقائمة المنتخب الثاني المشاركة في كأس العرب ، بل أنه ضم لاعبين فقط من الزمالك ، ومع ذلك لم يعترض الجمهور الأبيض على الاختيارات.