جاء التغيير الدراماتيكي في النظام السياسي السوري مفاجئاً حتى لأكثر المتفائلين بالتغيير من السوريين وفي توقيت حساس جداً، تشهد فيه المنطقة عمليات ميدانية عسكرية مستمرة منذ انطلاق شرارة عملية طوفان الأقصى في غزة. عامل المفاجأة هذا خلق حالة من التباين في ردود الأفعال الإقليمية والدولية في تفسير طبيعة هذا التغيير وفي أي خانة يمكن تصنيف النظام الجديد وماهي أفضل الطرق والسبل للتعاطي والتعامل معه؟ وبالرغم من هذه الضبابية وحالة عدم اليقين في المشهد السوري ، الا ان هذا الحدث يشير الى اننا كعراقيين وسوريين أمام واقع جديد كلياً يتطلب ان نبحث فيه عن الجوانب الإيجابية التي يمكن من خلالها تحقيق مكاسب لكلا الشعبين،  ولاسيما بما يتعلق بالاقتصاد على المستوى المتوسط والطويل.

فمن أول المكاسب التي حققها العراق بشكل فوري ومنذ اليوم الأول لسقوط النظام السوري السابق هو التخلص من تدفقات المواد المخدرة القادمة من سوريا، بعد توقف وانقطاع سلاسل تصنيع ونقل وتوريد هذه المواد والتي كانت في السابق ذات نشاط كبير عبر الحدود وصولاً لداخل العمق العراقي. توقف وصول هذه المواد ساهم بشكل مباشر في تخليص المجتمع العراقي من مصدر خطير للمواد المخدرة، إضافة الى تحصين الدولار العراقي من الهروب بعد قطع أحد أهم الطريق الحيوية الذي كان يستخدم سابقاً في تهريب الدولار لتمويل هذه التجارة غير القانونية وغيرها من نشاطات غير مشروعة.

إضافة الى ذلك، فإن نشوء نظام سوري متصالح مع جيرانه ومنفتح ايجابياً على المجتمع الدولي، يمكن ان يمهد الطريق أمام العراق وسوريا لنسج علاقات اقتصادية استراتيجية يمكنها تحقيق الكثير من المكاسب المستدامة ورفع مستوى التبادل التجاري والتي لم يكن من الممكن تحقيقها سابقاً. من هذه الجوانب هو في قطاع نقل الطاقة، حيث يمكن للعراق الاستفادة من الموقع الاستراتيجي لسوريا ذات الاطلالة البحرية الواسعة على البحر الأبيض المتوسط في مد انابيب لنقل النفط العراقي سواء من حقول الوسط او الجنوب، وصولاً لمنصات التصدير البحري في بنياس او غيرها من منصات، إضافة لفتح المجال مستقبلاً لبحث جدوى انشاء مراكز صناعات بتروكيماوية وتحويلية عراقية بالقرب من المنافذ البحرية السورية تعتمد على واردات النفط العراقي، في انتاج منتجات تحويلية تستهدف الأسواق الأوروبية والأمريكية وأسواق شمال أفريقيا، مستفيدة من القرب الجغرافي السوري لتلك الأسواق، مما سيعزز من دور العراق الجيواقتصادي اقليمياً ودولياً، وينعكس في المقابل إيجابياً على الاقتصاد السوري بشكل إيجابي، نتيجة الاستفادة من تدفقات النفط العراقي، سواء من ناحية إمدادات الطاقة للاستهلاك الداخلي أو من ناحية الإيرادات المتحققة من التصنيع والتصدير.

وفي السياق نفسه، فإن مسارات مشروع طريق التنمية التي تركز بنموذجها الحالي على مسار الفاو حتى الحدود التركية، يمكن تعديلها لتأسيس شبكة خطوط سكك أفقية إضافية تربط ميناء الفاو جنوباً بالجغرافيا السورية وصولاً لموانئ طرطوس واللاذقية. هذا الربط السككي سيقدم العديد من المزايا التي يحتاجها النموذج الحالي لطريق التنمية، أولها ان واردات السوق السورية من البضائع من اسيا والهند وباكستان وايران يمكن ان تصل عبر ميناء الفاو ومن هناك يتم نقلها سككياً نحو الأسواق السورية وهذا يمكن ان يختصر زمن الرحلة بحدود 8-10 أيام ويخفض من كلف النقل على التجار السوريين، وفي نفس الوقت سيزيد من معدل استخدام ميناء الفاو ومسارات الطريق مما يخلق عوائد مالية للاقتصاد العراقي، من جانب آخر، فإن وصول مسارات طريق التنمية للموانئ السورية سيحقق ميزة كبيرة لمشروع طريق التنمية ومراكزه التصنيعية والتي يمكنها الاستفادة من الربط مع الموانئ السورية للوصول للأسواق الأوروبية والأسواق القريبة الأخرى مستفيدة من ميزة سرعة وصول البضائع واختصار المسافة وتنافسية الخدمة من الناحية السعرية، وفي المقابل، ستتهيأ فرص تنافسية جديدة للمستوردين والتجار العراقيين للاستفادة من الربط المختصر مع موانئ البحر الأبيض لاستيراد البضائع من أوروبا وأمريكا بكلف نقل أقل وزمن وصول أسرع. 

 ومن المهم الإشارة الى ان سوريا المتصالحة الجديدة ستكون أمام تحديات كبيرة تتعلق بحاجتها الماسة الى حملات تأهيل وإعمار وبناء وهذه قد تكون فرضة كبيرة ومواتية أمام شركات المقاولات ومصانع مواد البناء العراقية للدخول والمساهمة في عمليات البناء والإعمار والتطوير العقاري في كافة المدن السورية وهذه تعد واحدة من الجوانب التي تعزز العلاقات الاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية بين البلدين الجارين وترفد اقتصادات البلدين بالموارد المطلوبة. ومن ناحية ملف المياه، فإن سياسات النظام السوري السابق والمشاكل الأمنية في الداخل السوري ساهمت في التأثير سلباً على انسيابية تدفقات المياه طوال العقود الماضية نحو العراق مما ساهم في خسارة العراق لحصص مائية مهمة كانت من استحقاقه، لذلك يعتبر ملف تقاسم وإدارة الحصص المائية بين العراق وسوريا أحد أهم الملفات التي يمكن ان يساهم وجود إدارة سورية جديدة ومتصالحة الى التوصل الى تفاهمات تعيد للعراق حقوقه المائية من خلال ضمان توزيع عادل للحصص المائية، وهذا التطور يمكن ان يساهم بشكل فعال في تحفيز الحركة التنموية الزراعية داخل العراق.  ختاماً، فإن التغيير السياسي في سوريا  سيسمح لعشرات الالاف من السوريين سواء المهجرين او المقيمين في العراق بالعودة لمدنهم وهذا سيساهم في تخفيف الأعباء على الاقتصاد العراقي وفسح المجال للعمالة العراقية لملئ الفراغ في قطاعات الاعمال المختلفة التي تحتاج للموارد البشرية الوطنية لتغطيها، وهذا مكسب اقتصادي كبير للعراق.

المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز

كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار

إقرأ أيضاً:

خلافاً للواقع..السوداني:حقوق الإنسان العراقي لامثيل لها في العالم!!

آخر تحديث: 11 دجنبر 2025 - 10:35 ص بغداد/ شبكة أخبار العراق- أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، امس الأربعاء، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، أن دور حكومتنا الإنساني امتد إلى خارج الحدود عبر تقديم مساعدات لغزة ولبنان واستقبال النازحين منهم داخل العراق.وقال السوداني في بيان ، إن “العالم يحتفل باليوم العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من كانون الأول 2025، بمناسبة الذكرى الـ 77 لإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تلك الوثيقة التي كرست الحقوق غير القابلة للتصرف وجمعتها لتكون أساساً لكل الوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان“.وأضاف، أن “هذا اليوم هو مناسبة للتضامن الدولي في مواجهة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في كل بقاع الأرض، وانطلاقاً من التزام حكومتنا الراسخ بتعزيز منظومة حقوق الإنسان العالمية، وترسيخ مبادئ العدل والكرامة الإنسانية، التي أكدت عليها الأديان السماوية، ونص عليها الدستور العراقي في الباب الثاني (الحقوق والحريات)، نجدد التزامنا بكفالة هذه الحقوق وتعزيز حمايتها والدفاع عنها“.وأشار إلى، أنه “يتزامن احتفالنا بهذه المناسبة مع ذكرى يوم النصر على عصابات داعش الارهابية، وانتهاء سيطرتها على عدد من مدن العراق، بتضافر جهود الشعب العراقي وقواتنا المسلحة بصنوفها وتشكيلاتها كافة“.وتابع: “لقد خطت الحكومة العراقية خطوات مهمة خلال السنوات الماضية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان في مجالات مختلفة، ومنها؛ تنظيم انتخابات ناجحة لاختيار اعضاء مجلس النواب ومجالس المحافظات، وتحسين أوضاع السجون، وتوسيع الحماية الاجتماعية، ودعم وتعويض الناجين من الارهاب من جميع المكونات، فضلاً عن تعزيز التعاون مع الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني“.وأشار إلى، أن “دور حكومتنا الإنساني امتد إلى خارج الحدود عبر تقديم مساعدات عاجلة لأشقائنا الذين اكتووا بنار الحرب الاجرامية التي شنتها قوات الاحتلال على قطاع غزّة ولبنان، واستقبال النازحين منهم داخل العراق، وتقديم الدعم المادي والصحّي لهم، تأكيداً لثوابت العراق في نصرة القضايا العادلة“.وأوضح، أن “اليوم العالمي لحقوق الانسان يمثل رسالة لتجسيد مبادئ هذه الحقوق على أرض الواقع، وتعزيز روح المواطنة، وحماية الكرامة الانسانية، وهي مناسبة تزيدنا اصراراً على تحقيق تطلعات شعبنا الكريم وحفظ كرامة المواطن العراقي في كل مجال أو مكان“.   يذكر ان الشعب العراقي يعاني من الظلم والفقر والبطالة واختطاف وقتل للنشطاء والاعلاميين والكتاب والكفاءات العلمية من حشد الحكومة الإيراني وتكميم الأفواه، وقبل 3 ايام اصدر رئيس السلطة القضائية الولائي فائق زيدان امرا بتحريك الدعاوى ضد كل من ينادي بتحرير العراق من إبران والقضاء على الفساد وارهاب الدولة وغيرها، اي حقوق يتحدث عنها السوداني؟؟؟.

مقالات مشابهة

  • رشيد وبوتين يتفقان على مواجهة التحديات وتعزيز علاقات العراق وروسيا
  • إلغاء قانون قيصر.. قراءة اقتصادية في التحوّل الاقتصادي في سوريا منذ عقدين
  • الكونغرس:تجميد 50%من المساعدات الأمريكية للعراق إلا بعد حل الحشد الشعبي الإيراني الإرهابي
  • النسخة الأفضل من منتخب الأردن تتحدى تاريخا من التفوق العراقي
  • مدرب المنتخب الأردني: العراق خصم قوي ولا يمكن الحكم عليه بخسارته مع الجزائر
  • كأس العرب.. الأردن تتأهب لكسر التفوق التاريخي للعراق
  • خلافاً للواقع..السوداني:حقوق الإنسان العراقي لامثيل لها في العالم!!
  • وزير الخارجية السوري: لا يمكن إغفال التحدي الخطير للاعتداءات الإسرائيلية
  • السوداني: واهم من يتخيل أن تدينس أرض العراق يمكن أن يمر بلا عقاب
  • المالكي يؤكد على أهمية تطوير التعاون الاقتصادي والتجاري بين بغداد وواشنطن