يشهد السودان تحركًا سريعًا على كافة المجالات السياسية والعسكرية، وفي وقت واحد، من كل الأطراف الفاعلة في البلاد.وهناك مَن يعزو هذه التحركات إلى محاولة إنهاء الأزمة قبل مجيء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يُعرف عنه تقلُّبُ المزاج والتعاملُ بعنف مدمر مع قضايا الشرق الأوسط.
وأعطتِ استعادة الجيش السوداني لولاية الجزيرة زخمًا جديدًا لتلك التحركات، حيث اقترب الجيش من تحقيق انتصار ساحق وشامل في كل الأرجاء السودانية بعد نجاحه وفق خطة عسكرية محكمة في استعادة ولاية الجزيرة التي تُعَد ثاني أكبر ولايات البلاد، والأكبر اقتصاديًّا فيها.
ولم يعُد أمام هذه الحقيقة الجديدة إلا أن تقتنع الأطراف المعارضة في الداخل والخارج بالدخول في سباق محموم لمحاولة الحصول على مكاسب قبل أن يبسط الجيش كاملَ سيطرته على البلاد، ويصبح هو فقط مَن له حقُّ فرض شروط المنتصر.
وكان لافتًا أن الجيش السوداني يتحرك وفق خطة عسكرية مدروسة حققت حتى الآن انتصارات غير مسبوقة في ولاية الجزيرة والعاصمة الخرطوم في وقت واحد، وقد احتل الجيش مع صباح السبت سلاسلَ الجبال التي كان يتحصن بها الدعم السريع حول مصفاة الجيلي في الخرطوم، وهو ما يعني أن هذه المصفاة الاستراتيچية سوف تقع خلال أيام أو ساعات بأيدي الجيش، ومن ثم السيطرة الكاملة على العاصمة الخرطوم.
وإذا كانتِ استعادة الجزيرة تُنسب إلى عبقرية الفريق شمس الدين الكباشي، فإن الفريق ياسر العطا قد نجح بدوره في تحقيق انتصارات مذهلة في العاصمة أم درمان، وهو ما يعني أن قوات الدعم السريع في طريقها إلى الانهيار، مما يشكل خسارةً كبرى لحركة «تقدُّم» برئاسة عبد الله حمدوك التي تعتمد على دعم الحلف الغربي لسرقة انتصارات الشعب السوداني.
وكان مجلس السيادة بزعامة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قد قَبِل مبادرتَي مصر وتركيا لإنهاء الأزمة داخليًّا وخارجيًّا، حيث تنصبُّ المبادرة التركية على المصالحة بين السودان والإمارات، ومن ثم وقف الدعم العسكري لقوات التمرد.. بينما تركز المبادرة المصرية على إنهاء الخلافات الداخلية، واستكمال الحوار الشامل الذي فتحته بين كافة القوى السياسية للوصول إلى اتفاق يُنهي الأزمة السودانية، وتتوافق عليه كافة التيارات السياسية الفاعلة في الشارع السوداني.
وفي هذا الاتجاه، وافقت مصر على استقبال وفد من حركة «تقدُّم» بزعامة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، لبحث الأزمة، والاستماع إلى وجهة نظر الحركة في كيفية إنهاء الحرب، ودفع جميع الجهود لتحقيق السلام والحفاظ على وحدة البلاد.
وكانتِ القاهرة قد استقبلت قوى الحرية والتغيير الجبهة الديمقراطية، لإدارة حوار شارك فيه عدد هائل من ممثلي الأحزاب والإدارات الأهلية، وعُمد ونُظَّار القبائل.
ويبقى أن استعادة ولاية الجزيرة قد أربكت جميع الحسابات السياسية، وأسست لواقع جديد في المشهد السوداني.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
القاهرة الإخبارية: السودان.. عامان من الصراع دون أفق واضح للحل
عرضت قناة "القاهرة الإخبارية" تقريرا بعنوان "السودان.. عامان من الصراع دون أفق واضح للحل".
وقال التقرير: "للعام الثاني على التوالي، يواصل السودان الانزلاق في أتون حرب مدمّرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وسط تصاعد غير مسبوق في وتيرة العنف، خلّف خسائر فادحة في الأرواح ودمّر قطاعات واسعة من البنية التحتية، وتُعد القمة العربية المنعقدة في بغداد فرصة حاسمة لبحث الأزمة السودانية، التي باتت تُثقل كاهل المنطقة سياسياً، واقتصادياً، وإنسانياً، وحتى أمنياً، نظراً لموقع السودان الاستراتيجي في قلب القارة".
وأضاف: "وتصف الأمم المتحدة الوضع الإنساني في السودان بأنه "الأسوأ في العصر الحديث"، في ظل أكبر موجة نزوح ولجوء تشهدها المنطقة، حيث تجاوز عدد المتضررين 12 مليون شخص، وأكد المبعوث الأممي إلى السودان، رمطان لعمامرة، أن البلاد ترزح تحت وطأة السلاح والانقسام في ظل صمت دولي مقلق، داعياً القمة العربية إلى توظيف ثقلها الجماعي لوقف النزيف الدموي في السودان.
وشدد لعمامرة، على أن السودان بلد محوري، لا تحتمل قضاياه الحياد، وأن الحل يجب أن يكون بإرادة عربية جماعية تتجاوز بيانات التضامن إلى خطوات عملية تضع حداً للحرب، وأشار إلى أن السودان، بموقعه وامتداداته، يمثل جزءاً من الهوية العربية، ولا يمكن السماح بانزلاقه نحو التفكك.
في المقابل، تواجه الجهود الإقليمية والدولية تحديات معقدة، خاصة في ظل دعوات قوات الدعم السريع إلى تشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها، وهو ما يُهدد وحدة البلاد واستقرارها، وتطالب الجامعة العربية والأمم المتحدة بضرورة تجنب الاعتراف بأي كيان موازٍ، محذرين من تداعيات تقسيم فعلي للسودان على المدى القريب.
وتعقد الآمال على قمة بغداد لإحداث اختراق سياسي حقيقي في الأزمة، وبلورة خارطة طريق تنقذ السودان من الفوضى والانقسام، فبلد كان يُعرف يوماً بـ"سلة غذاء العالم" بات اليوم يعاني الجوع والانهيار، ما يستدعي تحركاً عربياً جماعياً يرقى إلى مستوى الكارثة.