تصاعد التوتر بين العليمي وطارق صالح.. بين طموحات الأخير وأوهام السلطة الوراثية (تقرير)
تاريخ النشر: 30th, June 2025 GMT
أحدثت التوترات بين رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، وعضو المجلس طارق صالح جدلا واسعا بين أوساط السياسيين والإعلاميين في اليمن.
وهاجم طارق صالح، في بيان صادر عن الأمانة العامة لما يسمى بـ "المكتب السياسي للمقاومة الوطنية" التابعة له، العليمي، متهما إياه بالإقصاء وإضعاف مؤسسات الدولة. كما رافقت تصريحات طارق حملة هجوم شرسة ضد العليمي من قبل الإعلاميين والناشطين المحسوبين على طارق.
العليمي، بدوره اعترف، اليوم الاثنين، بوجود تباينات وخلافات بين أعضاء المجلس القيادة، مشيراً إلى أن هناك بعض المكاسب المهمة ذات الصلة بمهام المجلس المشمولة بإعلان نقل السلطة، التي من أبرزها وحدة المجلس وتماسكه حول هدف مشترك وعدو مشترك". وفقا لوكالة سبأ الرسمية.
وأضاف "صحيح هناك بعض التباينات"، لكنه لم يذكرها. إلا إنه قال إن "مكونات المجلس تتنافس من أجل صدارة المعركة ضد جماعة الحوثي".
وفي سياق اعترافه بوجود خلافات مع العليمي أيضا، زعم طارق صالح خلال ترؤسه اليوم الاثنين، اجتماعًا دوريًا لقيادة المكتب السياسي التابع له - أن الانتصار في المعركة الوطنية لاستعادة الدولة اليمنية يبدأ من وحدة الصف الجمهوري وتحقيق الشراكة الفاعلة بين مختلف مكونات الشرعية.
تدخل سعودي لاحتواء الخلافات
وفي وقت سابق كشفت مصادر سياسية عن تعليق اجتماعات مجلس القيادة الرئاسي بسبب جملة من التباينات والخلافات بين أعضاء المجلس، مشيرة إلى أن ستة من أعضاء المجلس متواجدون بشكل شبه دائم في الرياض وأبو ظبي، وهو ما يعيق عقد اجتماعات المجلس داخل اليمن أو خارجها.
وقالت المصادر إن الخلافات وصلت إلى موضوع رئاسة المجلس، والضغط من أجل تطبيق مبدأ التدوير بحجة إصلاح مسار المجلس، في ظل استمرار تجاهل رئيس المجلس رشاد العليمي لبقية الأعضاء عند إصدار القرارات أو عقد الاجتماعات مع الهيئات المستحدثة وفق اتفاق نقل السلطة في أبريل 2022، إضافة إلى قيامه باستقطاب شخصيات سياسية دون الرجوع إلى أعضاء المجلس.
وذكرت أن الرياض قررت التدخل لفرض تهدئة داخل المجلس، خصوصاً بين رشاد العليمي وطارق صالح، اللذين يتوزع ولاؤهما بين السعودية والإمارات. لافتة إلى أن تفاقم الخلافات بين العليمي وطارق جاء مدفوعاً بطموحات الأخير لتولي منصب رئيس المجلس، بعد أن تمكن من إقناع عدد من الأعضاء بضرورة إزاحة العليمي وتدوير المنصب.
وبحسب المصادر فإن العليمي عرقل محاولات عدة من قبل طارق صالح لفرض هيمنته السياسية والعسكرية على محافظة تعز، وانتزاع اعتراف بتحويل أجزاء من مديريات تعز الساحلية ومحافظة الحديدة إلى محافظة جديدة يطلق عليها “الساحل الغربي”، تهيمن على مناطق واسعة من باب المندب والجزر الواقعة في البحر الأحمر.
وأشارت إلى أن الجانب السعودي يسعى لإجراء مشاورات تهدف إلى إعادة هيكلة المجلس، الذي فشل أعضاؤه في تنفيذ المهام الموكلة إليهم منذ إقالة الرئيس هادي، خصوصاً فيما يتعلق بتوحيد التشكيلات الأمنية والعسكرية، ومواجهة التحديات الاقتصادية، وانهيار العملة والخدمات.
أوهام السلطة الوراثية
وفي السياق فال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى راجح "من الصعب على شخص مثل طارق، الذي اعتاد أن يرى العليمي مجرد شغال في دولة عائلته بوظيفة وزير داخلية، أن يتقبل موقعه كرئيس لمجلس الثمانية، وفي مرتبة أعلى منه".
وأضاف "هذا التحول ليس سهلاً على من نشأ في مناخ السلطة الوراثية، ولهذا جاءت رسالته النقدية العلنية للعليمي، والحملة الواسعة التي أطلقها ضده، كمؤشر على طبع متأصل، لا يستطيع الانفكاك منه، خاصة حين يكون الطرف الآخر شخصية تنتمي إلى تعز".
وأردف راجح قائلا: "هنا، تصعد كل محمولات الموروث الثقيل، وتظهر بشكل فجّ فيما سماها "عنطزة" لا تخلو من القبح، وكأن كل ما مرّ باليمن من مآسي ودمار وتمزقات بسبب تشبث العائلة بالسلطة، لم يكن كافيًا لخفوت هذه النزعة".
وأكد أن هذه العائلة، رغم كل الكوارث التي أنتجها مشروعها، ما زالت مُصرة على اختزال الجمهورية في سلطنة عائلية، وتتعامل مع فكرة الدولة باعتبارها إرثًا يجب الحفاظ عليه داخل إطار ضيّق، لا يتسع للوطن ولا للتنوع ولا لفكرة الشراكة.
وزاد "لم يكتفوا بما حدث، ومازال لديهم مخزون من الانتقام يدفعهم للمضي أبعد من ذلك. مشروعهم التوريثي لم يكتفي بتقويض الدولة وتمزيق البلاد، والمشاركة من شريط المخا في تقسيم اليمن. لا زال مرض السلطة يدغدغ مشاعرهم، يريدون العودة ولو بإقامة السلطنة الموعودة على قطعة صغيرة من هذا البلد الممزق".
أداء مأزوم يتيح للحوثيين البقاء
الناشط السياسي هشام المسوري، قال إن "طارق صالح نجا من مصير عمه. لكنه خرج معزولًا، مذعورًا، بلا هوية سياسية واضحة. كان، كما يبدو، ناجيًا بلا قضية، يتحدث بلغة لا تنتمي إلى زمن المقاومة وحرب التحرير".
وأضاف المسوري في مقال بعنوان (طارق صالح: من عبء على الحوثي إلى عبء على الشرعية) "انتقاله إلى المعسكر الآخر لم يكن فعلًا سياسيًا حرًا، بل هروبًا من فاجعة. في ظهوره الأول بمحافظة شبوة، لم يبدُ كقائد يدعو للمقاومة، بل كمصاب بجرح شخصي يبحث عن خلاص فردي. كمنكسر يبحث عن ملجأ.
وتابع "لم يكن يحمل خطابًا مغايراً، بل صدى لما فعله به الحوثيون. بدا أقرب إلى شخص خرج من مجزرة شخصية ولم يدخل بعدُ في قضية وطنية عامة. كانت الفجيعة تسبق الموقف. لا نية للثأر، لا مشروع للمستقبل، لا فكرة عن المعركة القادمة".
وزاد المسوري "أعيد دمجه لاحقاً، لا عبر القتال، بل عبر رغبة القوى الإقليمية في توازنات يمكن التحكم بها. حُدّدت له الجغرافيا الجاهزة، ورُسم له الدور. وبدلاً من أن يكون خصمًا للحوثيين، صار جزءًا من مسرح يتيح لهم البقاء بفضل الجمود على الجهة المقابلة. سُمح له بالكلام، لا بالفعل. بالحضور، لا بالمبادرة".
ويرى المسوري أن أداء طارق صالح ظلّ مأزوماً ولا يعكس أي إرادة لتحرير البلاد من الإمامة. بل يبدو كمن يُفاوض على بقعة من الأرض المحررة. مشغول بإظهار نفسه كعسكري منضبط، لا كقائد لحرب تحرير. لم يخض المعارك، بل يمثّلها. لم يُعرف عنه خوض معركة فعلية واحدة، بل كان عنوانه الأبرز هو الانسحاب: من الحديدة إلى الخوخة. صمتٌ بارد إزاء المعركة المصيرية، وضجيج دعائي في مواجهة حلفاء يفترض أنهم على الضفة ذاتها".
كما أكد أن حضوره العسكري استعراضًا أكثر منه فعلاً. لم يكن ينقصه الزي الرسمي أو الانضباط الشكلي، بل الإرادة والرؤية والسياسة. العدو الذي نجا منه لم يعد عدوه الأول، بل صار غائبًا عن جهازه الإعلامي وأدائه السياسي، وكأن الحوثيين أصبحوا قدرًا لا يُرد.
وقال "انتقل من هامش الحوثي إلى قلب "الشرعية"، يعيد إنتاج العبء ذاته. لكنه عبء لا يتمثل في الحجم أو النفوذ، بل في نزع المعنى عن الفعل السياسي والعسكري. يبدو متورطًا أكثر في صراعات السلطة على السلطة، في المزايدة على أشلاء الشرعية، لا في إعادة إنتاج مشروع تحرير وطني".
واستدرك "لا يمتلك قرار خوض معركة التحرير التي يتحدث عنها، ولا أحد يمكنه تحميل طارق صالح مسؤولية الجمود العسكري. هذه مسألة تعود إلى عوامل وأسباب عديدة: ذاتية تتعلق بالمكونات التي تتألف منها الشرعية، وضعف إرادة القتال لديها، وغياب الانسجام فيما بينها، وسوء أدائها وفشلها على مختلف مستويات إدارة الخدمات العامة؛ وعوامل موضوعية تتصل بدول التحالف وحساباتها، وتبعات الصراع بين السعودية والإمارات وتأثيره المدمّر على اليمن ومسار معركتنا مع الإمامة الحوثية".
تسويق سرديات الحوثيين
واستطرد "لكن هذا لا يتيح لطارق صالح التعامل مع بقاء الحوثي كمسلّمة، تستلزم عدم الاهتمام بأي شكل من أشكال الإعداد والاستعداد، أو مراكمة القوة والتعبئة العامة لكسر هذه الحلقة، وبناء الجاهزية التي تتيح القدرة على التحرك وخوض الحرب في الظرف الملائم، والاستفادة من أي فرص قد تأتي بها متغيرات أو ظروف محلية أو خارجية".
في الواقع، وفق المسوري لم يتخذ طارق سياسة أو يضع خططًا فعلية تنظر إلى الحوثيين كتهديد حاسم يتطلب تركيز كل القوام والطاقة والجهد لهزيمته أو حتى لإضعافه. يبدو طارق مكتفيًا بما لديه من الأرض، ومنجذبًا إلى الصراعات داخل معسكر المقاومة والشرعية، ومكرّسًا جهازه السياسي والإعلامي للمزاحمة داخل السلطة، ومحاكاة الحكومة الشرعية في أسوأ ما فيها.
"ما يفعله جهازه الإعلامي تجاه تعز، تحديدًا، يتجاوز مجرد المكايدة السياسية. إنه إسهام مباشر في تآكل القضية التي كان يُفترض أن يقف في صفها. تعز، المدينة التي خانها وشن الحرب عليها قبل أن ينتقل إليها مضطراً، ومع ذلك امتصت رغبة الانتقام العادل منه ولم تَخُنه" يقول المسوري.
وأكد أن "ما يجري لا يعكس فقط فشلًا في تقديم مزيدا من خيارات التحرير، بل مشاركة نشطة في التمكين للنكوص. لا يقاتل الحوثيين، لكنه يسهم في تسويق سردياتهم: أن المقاومة فاشلة، وأن "أبناء تعز" ليسوا رجال دولة، وأن علينا استيراد قيادة لها، ربما من الساحل".
وختم الناشط السياسي المسوري مقاله بالقول "في النهاية، طارق صالح لم يغادر منطق كونه أداة في يد أحد. لم يُنتج خطابًا ولا مشروعًا ولا رؤية. لم يُجرِ قطيعة مع إرث عمه، ولم يُبنِ سردية تخصه. هو اليوم عبء على شرعية لا تملك مبادرة فعلية، كما كان بالأمس عبئًا على جماعة لا تطيق وجود فاعل مستقل داخل منظومتها المُغلقة".
مطالبات بدمج قوات طارق تحت مظلة وزارة الدفاع
أما مازن عقلان، فقال "نتفق مع العميد طارق صالح ومكتبه السياسي أن الشرعية تتهاوى وتتهتك وتحتاج إلى إصلاح عاجل، والبداية من رفع الوصاية عن مؤسسات الدولة الرسمية في مديريات الساحل الغربي، ودمج قوات المقاومة الوطنية بجميع ألويتها تحت مظلة وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة وإغلاق ما يسمى بالقانونية وسجونها الخاصة، وإعلان المكتب السياسي كمكون سياسي جمهوري وليس سلطة أمر واقع في الساحل الغربي تقوم مقام الدولة ومؤسساتها الشرعية".
وأضاف "ليس قوات المقاومة الوطنية فقط بل جميع التشكيلات العسكرية خارج مؤسسات الدولة وهياكلها الرسمية، وبهذه الطريقة سنضمن قوة ووحدة قرار الشرعية وتماسك مؤسساتها ومقدرتها على فرض هيبة الدولة والتمكن إنقاذ الوضع واستعادة البوصلة نحو معركة التحرير وتنفيذ إصلاحات اقتصادية، علما أن جميع هذه الخطوات نص عليها الإعلان الدستوري الذي تم بموجبه نقل السلطة لمجلس القيادة الرئاسي وتعيين طارق صالح عضوا فيه".
الباحث عدنان هاشم، المهتم بسياسة إيران في الشرق الأوسط، كتب "يستعد حلفاء الإمارات من الساحل الغربي وحتى قرى المثلث المسيطر على عدن لمقتلة جديدة ضد حزب الإصلاح في تعز وباقي المحافظات".
وقال "يبدأ الأمر بحملة تحريض واسعة يقودها صحفيون وسياسيون وعسكريون، ذلك التحالف الذي سلم صنعاء في سبتمبر2014، هذا الخطاب يبدأ كعادته إنها عملية جراحية لمواجهة الإرهاب (كانت في عمران والآن في تعز وعدن وربما مأرب)".
وأضاف "إنها عملية جراحية لمواجهة القوى التقليدية وافساح المجال للتقدمية، ويقدمون أنفسهم كمناضلين كبار لا كعملاء لمخابرات دولة أجنبية".
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن المجلس الرئاسي رشاد العليمي طارق صالح خلافات الساحل الغربی أعضاء المجلس طارق صالح لم یکن إلى أن
إقرأ أيضاً:
مجلس القيادة الرئاسي في قلب صراع النفوذ على تعز اليمنية
تصدرت محافظة تعز الواقعة في الجنوب الغربي لليمن، خلال الأيام الماضية ولا تزال، واجهة النقاش مجددا، على وقع التصعيد السياسي بين المكتب السياسي لـ"المقاومة الوطنية" بقيادة عضو مجلس القيادة الرئاسي العميد طارق محمد عبد الله صالح، وبين رئيس مجلس القيادة الدكتور رشاد العليمي، تصعيد عكس بقوة صراع النفوذ المحتدم الذي يخوضه الطرفان حول محافظة تعز؛ المشرفة إداريا على مضيق باب المندب الاستراتيجي وعلى ثاني أهم ميناء لليمن على البحر الأحمر، ميناء المخا التاريخي.
على جانبي الخلاف اصطف عددٌ من الموالين وأثاروا نقاشا أخذ في جانب منه منحى سلبيا، فاستدعيت المفردات والعبارات المسيئة، خصوصا بحق الرموز الكبيرة لمحافظة تعز ومنهم الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، التي تتبنى موقفا تقليديا مناهضا لجماعة الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، يكتسب وجاهته من الأضرار التي تسبب بها نظام صالح بحق محافظة تعز وأبنائها خلال وجوده في السلطة وبعد أن تركها بفعل ثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير الشبابية الشعبية.
يشعر العديد من هؤلاء الرموز وعلى رأسهم توكل كرمان بالقلق من التمدد الناعم لنفوذ العميد طارق، الذي يتسلح بمركزه السلطوي وبالإمداد المالي القادم من الإمارات، وبالتركّزِ المتزايدِ للقوة العسكرية التابعة له في مدينة المخا وباب المندب، بما يتصادم مع الإرث المخيب للآمال الذي ارتبط بالعميد طارق صالح بصفته نجل شقيق الرئيس الأسبق، وبصفته قائدا لحرسه الخاص، وبسبب الدور الغامض في مواجهة الحوثيين فيما يسمى بــ"انتفاضة" الثاني من كانون الأول/ ديسمبر 2017، باعتبارها المحاولة الأخيرة واليائسة للرئيس الأسبق علي عبد الله صالح للانقضاض على سلطة الحوثيين في صنعاء، بعد سنوات من التخادم التي برز خلالها دور العميد طارق بوضوح تام في تدعيم وحدات القتال الخاصة والقناصين لرفد الجهد القتالي للانقلابيين؛ ضد السلطة الشرعية وضد المدافعين عن محافظة تعز على وجه الخصوص.
يأتي هذا التصعيد في ظل التحديات الكبيرة التي تهيمن على المحافظة، وتلقي بظلالها الثقيل على سكانها، الواقعين تحت وطأة الحاجة الشديدة للمياه، والافتقار الحاد للطاقة الكهربائية، وتفاقم التحديات الصحية والبيئية الناجمة عن التدهور الكبير في خدمات النظافة والإصحاح البيئي وتفاقم الأمراض الناجمة عن هذه المشاكل.
يستخدم العميد طارق ورقة التمويل المستندة إلى الرصيد المتاح من الجانب الإماراتي، وتقديم خيارات بشأن حل مشاكل تعز المستفحلة وفي صدارتها مشكلة العجز الهائل في شبكة مياه الشرب. وتقريبا باتت السلطة المحلية للمحافظة جزءا من أجندة العميد طارق وجزءا من جهده لفرض النفوذ، عبر التمويل شبه المفتوح.
وكان اللافت أن العميد طارق قد أصدر بيانا انتقد فيه رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وبدا في ظاهره أنه يتعلق بمزاعم الإقصاء الذي يمارسه الرئيس بحق المكتب السياسي للعميد طارق، فيما يخص التمثيل في نقاشات الهيئات السلطوية الناشئة بموجب إعلان انتقال السلطة ومنها هيئة التشاور والمصالحة. غير أن ما رشح عن العميد طارق ومكتبه السياسي، أنه يمارس ضغطا معنويا على الرئيس، عبر تحميله مسؤولية عرقلة تنفيذ المشاريع التي تعهدت الإمارات بتمويلها في تعز، وهو ما يُلقي بالمسؤولية المباشرة على الرئيس رشاد العليمي المنحدر من محافظة تعز، والحقيقة أنه يرى الرئيس رشاد العليمي عقبة في طريقه، رغم أن الثقل الذي يمثله الرئيس لا يسهم حتى الآن في تعزيز إمكانيات تعز وسلطتها المحلية، ولا تقدم حلولا فورية لمشاكل تعز، وهو النهج الأمثل الي يمكن أن يساهم في استعصاء تعز ويحررها من ضغوط التنافس على النفوذ والهيمنة كما يحصل اليوم.
وحتى لا يبدو الأمر وكأنه صراع بين الأنداد، ثمة حاجة للإضاءة على الجزء المخفي من صراع النفوذ الذي يبدو فيه كل من عضو مجلس القيادة الرئاسي ورئيس المجلس تحت تأثير النفوذ الخفي والمعلن لدولتي التحالف: السعودية والإمارات. وإليكم توضيحا لهذا البعد من الصراع. فقد قطعت الإمارات شوطا متقدما في الإمساك بمعطيات جوهرية مهمة تدعم نفوذها في المنطقة الجغرافية الحيوية لمحافظة تعز المتمثلة في باب المندب وميناء المخا وأجزاء من محافظة الحديدة الساحلية المجاورة، ومنها إنشاء مطار عسكري بمرفقاته في جزيرة ميون التي تتوسط مضيق باب المندب، ومطار مدني في مدينة المخا، إلى جانب ميناء المخا التاريخي.
هذا التنامي في النفوذ الإماراتي دفع بالسعودية إلى ممارسة ما يكمن وصفه بالاحتواء الإيجابي للعميد طارق صالح وقواته، وهذا الاحتواء هو الذي يعيق انتقال طارق من وضعية قائد الثكنة العسكرية في الساحل الغربي لمحافظة تعز، إلى الحاكم الأوحد لمقاطعة واسعة تشمل أجزاء من تعز والحديدة، ويراد لها أن تؤدي دورا شديد الخطورة في تدعيم المشروع الانفصالي، عبر تكريس الشكل الحالي لمناطق النفوذ المتنازع عليها في الجغرافيا اليمنية.
وأخذا في الاعتبار الجرائم الشنيعة للدعم السريع في السودان، التي تقاتل تحت الإشراف المباشر للإمارات، فإن مخاوف معظم سكان محافظة تعز اليوم تدور حول مخاطر الوجود العسكري للإمارات في ساحل محافظتهم؛ مقترنا بتجهيزات غير محددة من حيث كمياتها وتأثيرها حتى الآن، وإمكانية أن يدفع هذا الوجود نحو إحداث تغييرات في البنية السياسية والأمنية والعسكرية الحالية في مركز المحافظة والمديريات التي تقع تحت سيطرة الجيش الوطني، وتعيق استمرار إرث التغيير وتحرف بوصلة الكتلة السكانية الكبيرة في تعز؛ المتجهة بشكل ثابت نحو إنهاء الانقلاب ومفاعيله والنتائج الكارثية لحرب التحالف في اليمن، والتمسك بالمرجعيات الضامنة لاستعادة الدولة اليمنية ونفوذها، وعدم المس بالكيان القانوني لهذه الدولة.
x.com/yaseentamimi68