زرياب عوض الكريم

مُخطط أو "مشروع الجزيرة" على منخفضات النيل الأزرق ، تسمية في القرن التاسع عشر للجزء الشمالي الشرقي من حيز (الجغرافيا المفيدة) Useful geography belt المماثلة لتجربة (جغرافيا الأمن) في غانا البريطانية geography of security.

في حقبة الإدارة الإستعمارية التركو مصرية ، ضمن كلمة للحاكم التركي أحمد باشا أبو ودان ، تأسس (النموذج البدئي) primative formula لفكرة الجغرافيا المفيدة أو السودان المفيد قبل أن يحقق البريطانيون في أعقاب الحرب العالمية (ii) الحلم الإستعماري التنموي المستعصي منذ ألف عام منها سنوات قبل الميلاد , في نقل وتوطين نظام الري الآلي mechanical irrigation system.



وكما هي تجربة الإستعمار البريطاني والمستعمرات البريطانية نجح البريطانيون في إنشاء مزرعة جماعية أو مزرعة دولة تعاونية النمط على ضفاف منخفضات النيل الأزرق وتحقيق (النموذج النهائي) للسودان المفيد ، أو في إنتاج الفكرة المستحيلة لكنهم لتعقيدات مرتبطة بطبيعة تصوراتهم المفاهيمية للنظام الأخلاقي الإنجليزي فشلوا في توزيع العائد المرجوا منها على المستفيدين الحقيقين (التخطيط الإجتماعي لأطراف المصلحة).

وظفت القومية الشمالية المتحالفة مع الغزو الأنغلو مصري كقومية محاربة militant nationalism ، هذه الثغرة العرفية في النظام الأخلاقي البريطاني ، ورفضت إعتبار السودان المفيد الذي يقع ضمن أراضي الحلفاء بإعتبارها جغرافيا آمنة من الإضطرابات والتمردات , خارج نطاق دولة الغنيمة state of capture لإنتصارهم في معركة النهر (كرري) عام 1898 حسب توصيف رئيس الوزراء البريطاني تشرشل آنذاك , أو جزءاً من المكتسبات المشتركة مع القوميات الآخرى (المهزومة) ، وقام الحاكم العسكري الشمالي إبراهيم عبود بتمليك أراضي المزرعة الجماعية (المشروع) للإقطاعيين الشمالين المهاجرين وإعتبار الفلاحين المهاجرين من القوميات الأخرى أقناناً serfdom أو عمالة مهاجرة immigrant labour ضمن تدابير تأميم من جانب واحد لم تأخذ صداها السياسي والإجتماعي على غرار جدل ماعرف بسودنة الوظائف nationalization العمومية بين القومية الشمالية والقومية الجنوبية في الثلاثينات.

إكتملت عملية التأميم الآحادية هذه لصالح القوميين الشماليين بتغيير مسمى مديرية النيل الأزرق لاحقاً إلى ولاية الجزيرة ، لكن ظلت عملية التأميم غير مكتملة دائما بسبب عوائق الوجود الديمغرافي للسكان المهاجرين من القوميات الأخرى من الإقليم الغربي أو الجنوبي أو غرب إفريقيا داخل حدود الشمال والشرق ، والتي تحتاج إلى تطهير عرقي لم تتهيأ له الظروف المناسبة لتحقيق التصور الهوياتي للمثقفين الشماليين في النقاء العرقي والهوياتي لهويتهم المفقودة missed identity والجماعة المتخيلة لقومية غير مكتملة الوجود منذ 1505 non total being (الشاعر محمد عبدالحي : قصيدة العودة إلى سنار) ، كما تهيئت له فرصة حرب 15 إبريل 2023 التي مثلت فائض وعي النخبة اليمينية للقومية الشمالية بالصراع الإجتماعي منذ عام 1938 (مؤتمر المثقفين الشماليين G.C(الخريجين)) , والحل النهائي الذي لم يتمكنوا من تنفيذه عام 1989 ضد القوميات الأخرى في الشرق والغرب بعد التخلص من الجنوب المسيحي الوثني وفصله.

أنشأ البريطانيون بعد الحرب العالمية تصورهم للجغرافيا المفيدة كجغرافيا إقتصادية ممركزة أو موحدة لدولة وطنية أو عالمثالثية على غرار نظرية السوق المشتركة , تمهيداً لنقل نمط الإنتاج الرأسمالي peripheral capitalization ، من جزئين جغرافيين شمالي شرقي (مديرية النيل الأزرق) وجنوبي غربي (مديرية النيل الأبيض) ضمن تخطيط الزراعة الآلية agrarian mechanization والتصنيع industrialization على نسق المزارع الجماعية أو التعاونية ومزارع الدولة في روسيا (الكولخوزات والسوفخوزات) وأمريكا اللاتينية (نظام الجيدو jedo) ، ونموذج الكيبوتزات الإسرائيلية.

الجزء الشمالي الشرقي من وسط السودان أو السودان المفيد أنتزعت مساحته deterritorization من أراضي إثنية (رفاعة غرب) الذين ترك لهم حزام رعوي ضيق أطلق عليه مديرية سنار , أما الجزء الجنوبي الغربي منه فأنتزعت مساحته من أراضي خمسة إثنيات , أربعة منها جنوبا هي (دار محارب , الجمع , الأحامدة , سليم) لإقامة ملحق أو إمتداد للسودان المفيد extension عرف بإسم مديرية النيل الأبيض.

تركزت التجربة الإستعمارية وفائض الإنتاج (عملية نشر التعليم والتصنيع والتمدين والإصلاح الزراعي والإتصالات) في الجزء الشمالي الشرقي من السودان المفيد وأثمرت نجاحا نسبيا ، بينما فشل توطين ذات التجربة في الجزء الجنوبي الغربي الملحق (مديرية النيل الأبيض) , ببساطة لإفتقارها للمركز الإجتماعي الحضري metropolis أو الإحتكاري (التنموي) monopolis , كما هو حال إمتداد المناقل - أبوقوتة الذي بقي متخلفاً.

تحولت نظرية الجغرافيا الآمنة أو المنطقة الآمنة للإستعمار بالأحرى أو السودان المفيد ، إلى عبئ حقيقي على التحول التنموي وإمكانية قيام ثورة وطنية ديموقراطية أو بناء دولة وطنية (غير إقطاعية) ، بإعتبارها نظاماً إجتماعياً لمستعمرة colony (من الإستعمار البديل) ، وبسبب تدميرها للريف في جميع الأقاليم الطبيعية والتاريخية التي لم يتم دسترتها أو تنظيمها إجتماعيا وسياسيا deruralization ، وغياب التوزيع العادل لفائض التنمية الإستعمارية والإنتاج المحلي داخل نموذجها (اللامواطنة). حيث أعتبرت القومية الشمالية المحاربة هي الطبقة البرجوازية الوطنية الوحيدة uneven bourgeoisization بينما القوميات الأخرى هي طبقات بروليتارية غير مسموح لها بالصعود الإجتماعي والسياسي ، وهذه هي الحيثيات المتسلسلة لثلاثة حروب أهلية ضد الأقاليم المتمردة وحرب 15 إبريل الحالية بوصفها حرب شاملة ، وحيثيات تحول أية إمكانية لتغيير سياسي متحكم به أو غير متحكم به داخل مركز السودان المفيد المختل عرقياً وتنموياً إلى حرب شاملة.

فالمهاجرين الشماليين في السودان المفيد سواء أعتبروا ملاك أراضي إقطاعيين land holders بوضع اليد (1958) أو طبقة برجوازية (وسطى) وحيدة (1938) تحتكر تمثيل الهوية الوطنية ومابعد الإستعمارية وتحتكر عنف الدولة والمفاوضة السياسية ( صديق محمد عثمان: مقالة) ، بينما المهاجرين من القوميات الأخرى في الشرق والغرب بعد التخلص من القومية الجنوبية (بإعتبارها عبئ هوياتي) burden of diversity على الشمال الكبير المتجانس دينياً والمتناقض إثنياً , يتم تصنيفهم كطبقات بروليتارية او طفيلية من الأقنان أو حتى برجوازيات هامشية مساعدة (الحركات الإقليمية المسلحة) غير مسموح لهم بالمنافسة السياسية والإجتماعية إلا تحت هذا السقف ، وغير مسموح لهم بتقرير مصير أقاليمهم حتى والإستقلال عن هيمنة المركز ، فستستمر الإبادة العرقية المتسلسلة منذ 1955 بشكل جماعي أو جزئي والتطهير العرقي كآلية وحيدة لتحقيق التجانس المفقود أو الإنتخاب العرقي بهدف التخلص من فائض الهويات تدريجياً وعبئ الإحتجاج الإجتماعي (المظلوميات والمطامع المنافسة). بعد يأس المثقفين الشماليين من ستراتيجية الحاكم العسكري السابق إبراهيم عبود ( الإستيعاب القسري) والإشتراكي جعفر نميري (البوتقة الثقافية) في الحد من التنافس العرقي competiting nationalisms على التغيير السياسي أو الدولة.

خلال سبعين عاما ، أعتبر الفلاحين المهاجرين من القوميات الأخرى من الغرب والشرق والجنوب السابق في مشروع الجزيرة تحديدا أو السودان المفيد عموما (وسط السودان) أقناناً لا يحق لهم شروط المواطنة من السكن وتملُك الأراضي العقارية الزراعية وغير الزراعية حتى سبعينات وتسعينات القرن العشرين وفق الصيغة التعاقدية غير الحرة وغير العادلة للتعايش والمواطنة وإكتساب الثروة في السودان المفيد ، وخصصت لهم ضواحي هامشية ملحقة بالمدن والكيبوتزات الأساسية تسمى الكنابي cannabi و مدن الصفيح أو جنوب الحزام الخ , وأسواق تعاونية هامشية ملحقة بالأسواق الأساسية التي يمتلك عقاراتها الإقطاعيون من غير جهد حقيقي مثل أسواق ليبيا وقندهار في الخرطوم وغيرها الخ.

في حرب 15 إبريل إتهم القوميون والإقطاعيون الشماليون الأقنان الموصفين إجتماعياً ونفسياً سكان (الكنابي) بالإنحياز إلى جانب قوات الدعم السريع R.S.F التي قاموا بتشكيلها في السابق كميليشيات حماية ذاتية زبونية Self defence.

بينما قامت اللجان المجتمعية لحزب الجبهة الإسلامية بتسليح الإقطاعيين الشماليين في كيبوتزات مشروع الجزيرة (القرى) لمقاومة قوات الدعم السريع وحثهم على عدم مغادرة بيوتهم وإثارة مخاوفهم من تغيير ملكية الأراضي التي حازوها بوضع اليد والتمييز التفضيلي من خلال خطاب الإستقطاب الإجتماعي وتعبئة الكراهية العرقية خصوصاً ضد سكان الكنابي (الأقنان) والتحريض على طردهم وتهجيرهم والنزعة الإنتقامية تجاههم ، في أحداث تشبه تعبئة الرأي الإجتماعي (1970) ضد سكان الكنابي في الجزيرة أبا وأحياء ود نوباوي والهجرة مترافقاً مع حملة تطهير عرقي (مسكوت عنها) ضدهم قادها الشيوعيين في الجيش وساندها الطيران المصري ، وقتذاك إنقسم الإقطاعيون الشماليون والأقنان من قوميات الإقليم الغربي أيضاً الذين كانوا يشتركون الولاء لأنصار الإمام الهادي المهدي (عائلة المهدي) حول الصراع السياسي وقام الشيوعيين بحل نظام الإدارة الأصلية (الأهلية) في غرب السودان دون الإقليم الجنوبي والشرقي تحسباً لتعبئة قوميات الإقليم الغربي ضدهم ، وقتذاك تواطئ الإقطاعيون الشماليون من الأنصار مع الحاكم العسكري الإشتراكي نميري في مديريتي النيل الأزرق والأبيض وقاموا بتسليم قائد المحاولة العسكرية للزحف من ليبيا إلى العاصمة العميد محمد نور سعد (1976) والوشاية بوجوده في منطقة غرب مديرية النيل الأبيض إلى نظام نميري الشيوعي.

عادت الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين للحكم منفردة عام (1989) لتقوم إبتداءاً بتصفية الكنابي التي ساندت إلى جانبها تحرك (1976) وتفكيك مزارعها الجماعية في الجزيرة أبا وغيرها وتفريغها من سكانها من خلال سياسة ممنهجة , منها خصخصة المزارع الجماعية التعاونية المملوكة إسمياً لعائلة المهدي إلى الإقطاعيين الشماليين بدلاً عن نقلها إلى أملاك الدولة كشركة مساهمة عامة (1990) أو توزيعها على الأقنان (الفلاحين) كمستحقين بعد نحو مائة عام من الإستغلال.

الصراع بين الإقطاعيين الشماليين والأقنان من القوميات الأخرى يشبه الحرب في القرن التاسع عشر (1885) من الإدارة الإستعمارية التركو مصرية ضد ملاك الرقيق الشماليين slavery holders والتي إنتهت بقتل شارلس غوردون على يد أولئك الإقطاعيين بسبب إصراره على تحرير الرق الذي لم يتحقق إلا في الثلاثينيات من القرن العشرين ، ويمكن إعتبار هذا الفصل من الحرب الدامية في مزرعة الدولة (مشروع الجزيرة) حرباً من ملاك الأراضي (إمتياز الريع العقاري) rent holders الرافضين للتحول الديمقراطي المدني والمساواة الإجتماعية ضد قوة الدعم السريع ، يستدعي مورفولوجيا الحرب الأولى في مديرية دارفور الموحدة ( 1987) بين ملاك الأراضي والرعاة الرحل بطريقة مغايرة من جهة ؟ ، ويستدعي موفولوجيا الحرب الأهلية بين مُلاك الرقيق في الجنوب الأمريكي الزراعي الذين رفضوا الفدرالية وتمسكوا بالكونفدرالية والشمال الأمريكي الصناعي (1861) التي إستغرقت سنوات طويلة من الصراع من جهة ثانية ، ويستدعي أيضاً مورفولوجيا الحرب الأهلية بين الملونين والسود في ليبيريا (1989).

تاريخياً , كان الإقطاعيين الشماليين في مزرعة الدولة (مشروع الجزيرة ، مديرية النيل الأزرق سابقاً) أو مُلاك الأراضي والريع العقاري الزراعي أو سكان الكيبوتزات (القرى) تحديداً ودون غيرهم في حزام السودان المفيد ، هُم من ينتخبون الأنظمة الإستبدادية العسكرية في السودان الشمالي ويتعهدونها بالبقاء لأطول فترة ممكنة منذ إنقلاب الشيوعيين على جعفر نميري (1973) من أجل الحفاظ على مصالحهم المستمرة ومكاسبهم التاريخية غير العادلة ، وقد كان لهم دور مهم في قطع الطريق على أي تغيير تأريخي من خلال تمويلهم حرب الجنوب لخمسين عاماً حتى إستخراج النفط بشكل كلي (1990) ، كما أنهم يمثلون الحاضنة الإجتماعية الزبونية الصلبة لنظام الجبهة الإسلامية العسكري لأزيد من 25 عاماً وتحديداً منذ إزاحة حسن الترابي من السلطة (1999) ، وللمرة الثانية فيما يبدو أنهم يلعبون دوراً مهماً ثانياً في إنقاذ نظام الجبهة الإسلامية من الهزيمة العسكرية والإطاحة السياسية.

northernwindpasserby94@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الجبهة الإسلامیة مشروع الجزیرة النیل الأزرق الشمالیین فی

إقرأ أيضاً:

مدير مكتب الجزيرة بطهران: هذا ما يعنيه استهداف مبنى الإذاعة والتلفزيون

قال مدير مكتب الجزيرة في طهران عبد القادر فايز إن القصف الإسرائيلي الذي استهدف مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون في العاصمة الإيرانية طهران يمثل ضربة مباشرة للهوية الوطنية والمؤسسة الإعلامية الأبرز في البلاد، معتبرا ما جرى يتجاوز الطابع العسكري التقليدي ويمسّ بنية الدولة الرمزية.

وكانت طائرات إسرائيلية قد قصفت في وقت سابق اليوم الاثنين، مبنى الإذاعة والتلفزيون الإيراني خلال بث مباشر لقناة "خبر" الرسمية، حيث فوجئت المذيعة بصوت الانفجارات وسقوط الحطام داخل الأستوديو، مما أدى إلى إصابة عدد من موظفي القناة، وفق ما أعلنت وسائل إعلام محلية.

وأوضح فايز أن هذه القناة المستهدفة تُعد الذراع الإخبارية الأكثر انتشارا في إيران، وتحظى بمتابعة كبيرة داخل البلاد وخارجها، موضحا أن العاملين فيها ينتمون إلى نخبة الإعلاميين في البلاد، وأنها تتناول الأخبار السياسية والتحليلات بشكل مباشر ومكثف.

وأضاف أن استهداف مؤسسة إعلامية بهذه الرمزية يتجاوز كونه عملا عسكريا، ليغدو رسالة موجهة إلى الداخل الإيراني، بأن إسرائيل تستهدف ما تبقى من مظاهر السيادة الإعلامية، في وقت تحاول فيه قنوات المعارضة الخارجية -الممولة غربيا- شغل فراغ الرواية الرسمية.

وكان التلفزيون الإيراني قد أعلن في بيان أن "العدو الصهيوني يريد إسكات صوت الشعب الإيراني"، مؤكدا أن القصف استهدف "بوحشية" أحد مباني هيئة الإذاعة والتلفزيون، في وقت ظهرت فيه المذيعة نفسها في بث لاحق، متهمة إسرائيل بمحاولة اغتيال "صوت المظلومين".

وتابع فايز قائلا إن هيئة الإذاعة والتلفزيون في إيران لا تُمثّل قناة واحدة فقط، بل تضم تحت مظلتها مؤسسات متعددة تمثّل مختلف شرائح المجتمع الإيراني دينيا وعرقيا ومذهبيا، وبالتالي فإن ضربها يحمل بعدا سياسيا ومجتمعيا بالغ الحساسية.

إعلان

فرصة لقنوات مناوئة

وأضاف أن إيران ترى في هذا الاستهداف محاولة لحذف أحد أعمدة بنيتها الإعلامية، ومنح الفرصة لقنوات مناوئة تبث من الخارج لأن تكون المصدر الأساسي للأخبار، مما يفتح الباب أمام تغيير المشهد الإعلامي في الداخل الإيراني، ضمن معركة وعي تستهدف بنية النظام نفسه.

وأشار فايز إلى أن هذا التطور قد يدفع القيادة الإيرانية إلى تصعيد جديد وغير تقليدي، مشيرا إلى أن طهران تدرس للمرة الأولى منذ بداية التصعيد استخدام صواريخ إستراتيجية لم تُستخدم سابقا، مثل "فتاح 2″ و"سجيل" الفرط صوتيين، وصاروخ "خرمشهر" الثقيل، والذي يبلغ وزنه قرابة طنين.

وإذ تواصلت في طهران الاتصالات السياسية، كان الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، قد أجرى اتصالا مع سلطان عمان، أبلغه فيه بأن إيران قد تتجه نحو "مستوى أشد" في الرد، في إشارة إلى تحول محتمل في طبيعة المواجهة قد يطال مضائق إستراتيجية مثل هرمز وباب المندب.

وأوضح فايز أن اتخاذ قرار من هذا النوع لا يرتبط فقط بالحسابات العسكرية، بل أيضا بعلاقات إيران مع دول الجوار، وعلى رأسها سلطنة عمان، التي تمتلك علاقة مميزة مع طهران وتقع على الضفة الأخرى من مضيق هرمز، مما يعني أن أي تصعيد هناك يحتاج إلى غطاء سياسي وإقليمي.

ويرى فايز أن استهداف مؤسسة إعلامية خلال بث مباشر، ووسط طاقم مدني غير مقاتل، يضيف بعدا قانونيا وإنسانيا على الهجوم، ويمنح إيران -من وجهة نظرها- مبررا إضافيا للتحرك بأدوات جديدة، مرجّحا أن تشهد الساعات المقبلة تطورات نوعية على مستوى الرد.

كيف تم الهجوم

بدوره، أوضح مراسل الجزيرة في طهران نور الدين دغير أن الهجوم على مبنى الإذاعة والتلفزيون استهدف القسم المركزي للمؤسسة، وهو ما يُعدّ القلب النابض لها إداريًا وبرامجيًا وعقائديًا، مشيرًا إلى أن المبنى يحتوي على مقرات القيادة، وإدارات البرامج، ومواقع التوجيه السياسي.

وأضاف أن المبنى تعرض فيما يبدو لـ4 صواريخ مباشرة، وهو ما يفسر مشاهد الدمار الكبيرة وألسنة اللهب التي تصاعدت من الموقع عقب الغارة، وفقًا للمعلومات الأولية المتوفرة.

ولفت دغير إلى أن منظومات الدفاع الجوي الإيراني تحركت بالفعل خلال الهجوم، وهو ما يشير إلى أن الهجوم تضمن على الأرجح استخدام طائرات مسيرة صغيرة من نوع "كواد كابتر"، استخدمت كتمهيد لضربات أكبر سواء عبر صواريخ موجهة أو طائرات مقاتلة.

وبيّن أن استهداف مبنى الإذاعة والتلفزيون لم يكن الوحيد في هذا التصعيد، إذ شهد محيط مطار مهرآباد في طهران هجومًا آخر يُعتقد أنه استهدف مواقع عسكرية قريبة تابعة للدفاعات الجوية، مما يضيف بعدًا إستراتيجيًا للهجوم الإسرائيلي.

مقالات مشابهة

  • مدير مكتب الجزيرة بطهران: هذا ما يعنيه استهداف مبنى الإذاعة والتلفزيون
  • “المواصلات” .. عودة الحياة لطبيعتها في منطقة شرق النيل – فيديو
  • مراسل #الجزيرة: مجلس حكام الوكالة الدولية فشل في تبني قرار يدين هجمات إسرائيل على منشآت #إيران النووية
  • الجزيرة يعيد عامر عقل لقيادة فريق كرة القدم
  • رئيس مجلس الوزراء يؤكد ضرورة تطوير مشروع الجزيرة الزراعي
  • والي الجزيرة يدعو إلى مضاعفة الجهود والاستعداد المبكر للموسم الزراعي
  • مراقبة الآبار وإنجاز مشروع زايد.. طارق صالح يتحرك لحل أزمة المياه في تعز
  • مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن مشروع مائي بقرية قشابب في مديرية حديبو بمحافظة سقطرى
  • طارق صالح يشدد على تسريع إنجاز مشروع مياه الشيخ زايد لتخفيف معاناة سكان تعز
  • والي الجزيرة يدعو مواطني البشاقرة لتخفيف وتسهيل الزواج..!