لجريدة عمان:
2025-07-01@03:20:26 GMT

غزة ... انتصار الإرادة

تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT

انتصرت غزة، التي أبهرت العالم بصمودها الأسطوري، واستطاعت أن تقدم تجربة تعد الأولى في تاريخ البشرية في تحملها معاناة الألم والقتل والدمار طيلة أكثر من 460 يومًا، وهو ما لم يحدث في بقعة لا تتجاوز مساحتها 356 كيلومترًا مربعًا.

انتصرت غزة؛ لأنها تستحق الحياة، ولأنها تضيف إنجازًا جديدًا إلى سجلها التاريخي مع الغزاة الذين تعاقبوا عليها، والذين في كل مرة يتم دحرهم وتبقى عصية على الطامعين، حتى وإن بقوا فيها لسنوات.

انتهت المحنة التي كانت شرارتها في 7 أكتوبر، والتي كنا ننتظر أن تنفرج مع كل دقيقة تمر علينا، ليس في الوطن العربي والأمة الإسلامية فقط، بل على كل أحرار العالم الذين أيقظت غزة ضمائرهم التي غُمي عليها طوال الـ100 عام الماضية، والتي عششت ونمت فيها الصهيونية العالمية وأنتجت كيانًا عقيدته الغدر والقتل والتدمير والإبادة وتفوق العرق السامي.

اليوم، تضع غزة العالم على مفترق طرق حول المرحلة المقبلة، ليس للقطاع وحده، بل لمشروع الدولة الفلسطينية التي طال انتظارها، والتي قربت العالم الحر أكثر وأكثر من أهمية وجود هذه الدولة على ما تبقى من ترابها الذي يُسرق ليل نهار من عصابات المستوطنين وجيش الاحتلال. الدولة الفلسطينية كانت مشروعًا حاضرًا في اتفاقيات أوسلو عام 1994م، والتي جاءت بضمانات دولية استطاعت القيادات العنصرية الإسرائيلية المتطرفة إجهاضه على مدى الثلاثين عامًا الماضية.

الواقع اليوم للقضية الفلسطينية يختلف كثيرًا عن واقعها قبل 7 أكتوبر، فهي أمام مرحلة تحول، إما الذهاب بها إلى السلام العادل وقيام الدولة الفلسطينية، وهذا هو الأرجح، وإما إعادتها إلى ملفات النسيان، وهذا مستبعد.

القناعات لدى العديد من الإسرائيليين اليوم هي أقوى مما كانت عليه في العقود السابقة بضرورة قيام الدولة الفلسطينية إذا ما أرادت إسرائيل الأمن والسلام، ودون ذلك سيبقى الاحتلال يتنقل من حرب إلى أخرى؛ تارة في غزة، وثانية في الضفة، وثالثة في لبنان، وقد تفتح جبهة رابعة في القدس وداخل الخط الأخضر في عمق إسرائيل.

من يرى أهالي غزة وهم يعودون للحياة منذ لحظات إيقاف الحرب التي أُرغمت عليها إسرائيل، سواءً من الداخل أو الخارج، يقتنع أن هذا الشعب ليس رقمًا هامشيًا ومن الصعب تركيعه، لإيمانه بقضيته وتمسكه بأرضه وإصراره على البقاء والحفاظ على مكتسباته. وقد رأى العالم كيف واجهت المقاومة كل هذا العتاد العسكري الذي دعم الاحتلال بمئات المليارات من الدولارات، والذي فشل في استعادة أسراه طيلة 15 شهرًا و19 يومًا، رغم وجود أجهزة قرابة 7 دول غربية تساند جهود الاحتلال في مساحة ضيقة جدًا، مع الخسائر البشرية في جيش الاحتلال التي بلغت 14,700 جندي و60,000 مصاب، واقتصاد تتراجع مؤشراته إلى أقل من النصف، وهجرة عكسية لقرابة 30% من السكان، وخيبات من الأحلام المزيفة التي عاشها قادة الاحتلال.

سالم الجهوري كاتب صحفـي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الدولة الفلسطینیة

إقرأ أيضاً:

حول واقع ومستقبل التنظيمات الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر

في ظل ما تعيشه المنطقة العربية من صراع وهيمنة متزايدة من قبل الآلة العسكرية الإسرائيلية، ومن ورائها الدعم الأمريكي والغربي المباشر بواسطة السلاح والغطاء السياسي والدبلوماسي، يأتي سؤال استشرافي حول مستقبل الحركات والفصائل الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها، وخصوصا بعد التغيرات التي تحدث في إعادة تشكّل لموازين القوى في المنطقة العربية. من هنا، نحاول أن نرى راهنية الحركات الفلسطينية المقاومة، وهل من الممكن إعادة بناء أو تأسيس حركات جديدة، كي تقاوم إسرائيل في المستقبل القريب، وسواء كانت الإمكانية متواجدة من عدمها، فما هي الأسباب التي قد تؤدي إلى هذا أو ذاك؟

لم تنته الحرب بعد، ولا أحد لديه تصوّر عما سينتهي إليه قطاع غزة بعد وقف الحرب. لكن، من المؤكد أن حركة حماس لن تكون كما كانت في حكم القطاع، إذ كل المقترحات منذ عودة الحرب مرة أُخرى لا تشمل وجود حركة حماس في السُلطة، وقد أعلنت حركة حماس عن موافقتها بعدم المشاركة في إدارة القطاع، لكنها أيضا ما زالت مُصرّة على خروج الاحتلال مرة أُخرى من القطاع وإدارة القطاع من خلال حكومة فلسطينية، بمساعدات وإشراف مصري وعربي.

هذا على المستوى السياسي، أما على المستوى العسكري، فقد استنزفت الحركة عسكريا في حربها مع إسرائيل خلال أكثر من عام ونصف، في ظل انقطاع أي إمداد عسكري من خارج غزة، لسيطرة إسرائيل على كل الحدود والمعابر، أو تقلص المساحة لتصنيع الأسلحة داخل القطاع، بسبب احتلال القطاع والوجود الأمني المنتشر للجنود على المحاور المختلفة، وانشغال المقاتلين في القتال لا في الإعداد والتصنيع، وغير ذلك من معوقات صناعة السلاح.

أما فيما يخص الضفة الغربية، فمجموعات المقاومة هناك، في مخيمات نور الشمس وطولكرم وجنين وغيرها من جيوب مقاومة، فلم تكن هذه المجموعات تملك أسلحة ثقيلة، فضلا عن أن الجيش الإسرائيلي مستمر في عملياته العسكرية ضد تلك المجموعات حتى من قبل السابع من أكتوبر، لكن اشتد القتال فيما بعده، ما أضعف هذه المجموعات، بينما قام الاحتلال بهدم البيوت وتهجير آلاف من أهالي المخيمات، كما استهدف كثيرا من القيادات الشبابية التي كانت تؤسس وتُخطط للقتال في الضفة الغربية.

لم يكن الاحتلال يستطيع إنهاك هذه المجموعات المقاتلة في مخيمات الضفة الغربية لولا مساعدة السلطة الفلسطينية، فهي لا تنسق مع الاحتلال فحسب، بل أحيانا تتدخل بنفسها للاشتباك واعتقال وقتل هؤلاء الشباب المقاوم، من هنا، تبرهن السُلطة أن ليس لها مستقبل في تحسين الوضع الفلسطيني في مقاومة توسّع وهيمنة الاحتلال الإسرائيلي، بل أي محاولات حيال إصلاح منظمة التحرير من بعد 7 أكتوبر، عارضتها السُلطة، سواء كان أبو مازن أو حسين الشيخ من بعده، فلا أي اعتماد على السُلطة الفلسطينية بشكلها الحالي.

أما خارج فلسطين، فلا توجد فصائل فلسطينية سوى في مخيمات لبنان، فصائل تابعة لحركة فتح وحماس والجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي، وهذه الفصائل انتهى تأثيرها الفعلي تدريجيا منذ خروج منظمة التحرير من بيروت في عام 1982 حتى اتفاق الطائف بداية التسعينيات. من بعد ذلك، حُددت ملامح الدولة اللبنانية، كنظام طائفي مقسم على اللبنانيين، وقد تم تحييد وإضعاف، بل والهيمنة على أي بقايا فلسطينية متواجدة داخل المخيمات، وانتهى عصر الوجود الفلسطيني في السياسة اللبنانية.

من بعد وقف إطلاق النار في لبنان، أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وانتخاب رئيسين للبلاد والوزراء وهما جوزيف عون ونواف سلام، بدأت الدولة وكأنها تحاول استعادة المركزية في إدارة البلاد سياسيا واقتصاديا، فضلا عن الملف الخاص بإعادة الإعمار واستكمال وقف إطلاق النار، برغم الاختراقات الإسرائيلية المتكررة. في ذات السياق، ومع زيارة رئيس السُلطة الفلسطينية محمود عباس واجتماعه مع نواف سلام وجوزيف عون، فقد صدر بيان اتُفق فيه على بدء نزع السلاح من المخيمات الفلسطينية، ضمن خطة حصر السلاح اللبناني في يد الدولة فقط، فضلا عن بيان مجلس الدفاع اللبناني الذي حذّر، وبشدة، بأنه لن يسمح بارتكاب أي أعمال مسلحة داخل الأراضي اللبنانية، مشيرا إلى أي أعمال ينفذها فلسطينيون أو لبنانيون ضد إسرائيل.

ما يتبقى لحركة حماس في ظل الوضع الحالي، هو تمثيل سياسي، رسمي وغير رسمي، في بضعة دول (قطر وتركيا وإيران والجزائر)، هذا التمثيل ضعف عما كان عليه من قبل، بسبب ضعف التمثيل السياسي ذاته داخل القطاع، كما تأثرت القوة العسكرية لحركة حماس إثر حرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل على قطاع غزة، وربما بعد انتهاء الحرب، تتأثر أكثر، إذ طيلة الفترة الماضية، كانت هناك ضغوطات أمريكية وإقليمية حيال التضييق على التمثيل السياسي لحركة حماس في هذه البلدان.

ما العمل؟

في هذه الحالة، نحن أمام وضع هش وتحدّيات كبيرة أمام التنظيمات الفلسطينية لا سيما حركة حماس، ومن أجل استعادة دور التنظيمات الفلسطينية من حيث وجودها وتأثيرها على المشهد الفلسطيني داخليا وخارجيا، ومقاومة إسرائيل، يجب على هذه التنظيمات أن تنهض مرة أُخرى. داخليا، ربما من الصعب جدا إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، بسبب سيطرة حركة فتح عليها، كما سيطرة الاحتلال على حركة فتح ذاتها، وجعل هذه الحركة بمثابة سُلطة تخدم أهداف الاحتلال في الهيمنة، حتى أصبحت كما هي الآن، بعقلية قياداتها، عبئا على القضية الفلسطينية.

أما خارجيا، فوجود الفلسطينيين في لبنان وسوريا والأردن، والعالم كله، هو بلا أي تنظيم سياسي حقيقي، ربما تنشط بعض المجموعات الصغيرة -في أوروبا تحديدا، حيث تتوفر مساحة أكثر من الحرية للعمل الثقافي- التي تتضمن أنشطتها فعاليات تضامنية مع غزة ومع القضية الفلسطينية بشكلها العام، كما مجموعات لإحياء التراث الفلسطيني، وجمع التبرعات ورصد الانتهاكات الإسرائيلية وغير ذلك من عمل فلسطيني ذات أبعاد رمزية وثقافية وحقوقية ومادية، لكنها غير سياسية بالمعنى المباشر.

إذن، نحن أمام واقع هش للغاية للعمل التنظيمي السياسي الفلسطيني، هذا الواقع من أجل التغلب عليه يحتاج إلى مزيد من العمل، البناء وإعادة البناء مرة أُخرى، وعمل المراجعات والبحث بشكل جاد وصادق لتاريخ التنظيمات الفلسطينية، ومحاولة التعلم من الماضي، وامتلاك وعي نقدي ذاتي للواقع أو للماضي، للمضي نحو المستقبل بكامل تحدّياته غير الهينة. إذ في واقعنا توجد أنظمة عربية قمعية لن تسمح لوجود العمل الفلسطيني، حتى سياسيا، من داخل أراضيها، مثلما تفعل أنظمة مصر والأردن ولبنان، وسوريا مؤخرا، إذ غير مرحب بالعمل الفلسطيني في هذه الدول، وصراحة، الدولة الوحيدة التي كانت ترعى وجود حماس السياسي والعسكري، وتساعد في بقائه، كانت إيران، لكنها الآن وبعد تلقّيها ضربات كبيرة ومؤثرة، سواء على أذرعها أو على رأسها، بعد الضربات الأمريكية، انكفأت على ذاتها، لمحاولة ترميم ما فقدته من قوة خلال العامين الماضيين.

هذا هو تشخيص، بإيجاز، للواقع الهش للتنظيمات الفلسطينية. ربما يسعنا في مقال آخر، بعد وقف الحرب، الكتابة حول إمكانية البناء وإعادة البناء مرة أُخرى.

مقالات مشابهة

  • المنظمات الأهلية الفلسطينية: الاحتلال يمنع دخول الوقود إلى غزة منذ أربعة أشهر
  • مايكل روفائيل: ثورة 30 يونيو انتصار حقيقي على الفكر المشبوه والتدين المزيف
  • حول واقع ومستقبل التنظيمات الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر
  • ثورة 30 يونيو.. عندما انتصرت الإرادة الشعبية على مخططات خطف الدولة المصرية
  • الخارجية الفلسطينية تحذّر من مصادرة الاحتلال الإسرائيلي أراضي في الضفة الغربية
  • عبد الله يحي: وحدة الصف العسكري وتلاحمها مع الإرادة الشعبية كانت حجر الأساس في تثبيت أركان الدولة
  • الرئاسة الفلسطينية تحذّر من توسيع عمليات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة
  • الرئاسة الفلسطينية: نحذر من تهديد الاحتلال بتهجير جماعي جديد في غزة
  • الحرية المصري: ثورة 30 يونيو انتصار حقيقي على الفكر المشبوه والدين المزيف
  • نجم مانشستر سيتي يكشف خطة بيب جوارديولا للفوز على يوفنتوس