كشفت الحروب الصليبية – على مدى قرنين من الزمن – عن عمق التغلغل والاختراق اليهودي، وخطورته العالية – في مستوياتها التصاعدية – على شعوب أوروبا المسيحية، اجتماعيا وسياسيا وفكريا، حيث كانت الجماعات الوظيفية الإجرامية، في تشكيلاتها الأولية، وغاياتها الذرائعية النفعية – الإجرام مقابل المال والنفوذ – بمثابة النواة الأولى، في مشروع التسلط والنفوذ اليهودي، الذي تجاوز مظاهر السيطرة المحلية، على مركز صناعة القرار (الملك ونظام حكمه)، إلى فرض معادلة السيطرة الإقليمية، من خلال السيطرة على المؤسسة الدينية (الكنيسة المسيحية)، ولم يكن (الرهبان اليهود)، سوى بعض ثمار المرحلة الأولى، الذين سرعان ما انتقلوا من طور (القتلة المأجورين)، إلى طور (الرهبان المقاتلين)، في انتهاك صارخ لمحظورات الكنيسة، التي تحرم على الرهبان – وكافة رجال الدين – حمل السلاح أو القتال مطلقا، وهو ما يعكس عمق الاختراق اليهودي، للهرم الوظيفي الكنسي، من كرسي البابوية إلى أصغر خدامها، ويعكس أيضا – من ناحية ثانية – مدى الجرأة على انتهاك المضمون الديني، ومقدرة اليهود العالية، في توظيف مقولاتهم وأيديولوجياتهم وعقائدهم العنصرية والإجرامية، في صياغة مقومات الإيمان المسيحي، وبناء الروح الإيمانية الجديدة، ذات الصبغة اليهودية المتطرفة، وإثباتها ضمن بنية النص المقدس، (العهد الجديد/ الإنجيل)، بوصفها جزءا أصيلا وثابتا، في طبيعة وروح التدين المسيحي، كما يعكس – من ناحية ثالثة – مدى تحكم العقل اليهودي، في صناعة الأحداث وأبطالها، وتقديمهم على مسرح التاريخ، وإيهامهم – ومن حولهم – أنهم صانعو التحولات التاريخية، بينما هم مجرد أدوات، تسيرهم وتحركهم اليد الخفية، وتجعلهم يتبنون الفكر اليهودي جملة وتفصيلا، دون وعي بذلك، ظنا منهم أنها مواقفهم ومشاريعهم الخاصة، ومن خلال التكامل الحاصل بين رأس المال اليهودي وخطط واستراتيجيات مشاريع الهيمنة الصهيونية، تحوَّل معظم التاريخ الإنساني – على مدى قرون متعاقبة – إلى منتج يهودي خالص، تتقاسم الشعوب مقولاته العنصرية، وتؤمن بخرافاته العدائية، وتوثق مشاهده الإجرامية التوحشية الدامية، وتخوض حروبه بالنيابه، معتقدة أنها حروبها ومعاركها الخاصة.

لكن قراءة فاحصة واحدة لمسار التاريخ، ستكشف – حتما – طبيعة الترابط الوثيق، بين جذور الأفكار اليهودية المتطرفة، التي شاركهم الجميع في اعتناقها، وحركة الأحداث وتداعياتها المرتبطة بها والمنبثقة عنها، التي تم تسخيرهم جميعا لاجتراحها، على اختلاف المكان والزمان والأشخاص.

يمكن القول إن جماعة “فرسان الهيكل”، كانت النموذج الأكثر إثارة في تاريخ المجتمعات البشرية، التي أغرمت بقوتها وغموضها، وسعت إلى محاكاتها، وإنتاج نماذج جماعات وظيفية مشابهة، ربما بلغت حد التطابق الفكري والسلوكي، سواء أكانت سياسية أم دينية، دون مراعاة لخصوصيات مجتمعها المسيحي أو الإسلامي.

في الجانب الآخر، كانت الحروب الصليبية النموذج الأسوأ للإرهاب الديني المؤسسي، ورغم سقوط مزاعمها، وذرائع مشروعيتها، وانكشاف قبح غاياتها الاستعمارية، وقذارة أساليبها الوحشية، إلا أن ذلك لم يمنع التاجر/ المرابي اليهودي من استنساخ صورة ذلك النموذج الإجرامي، والاشتغال على مرتكزاته، من خلال إعادة تدوير، واستغلال المخزون الإجرامي، القابع في سجون أوروبا، بهدف صناعة جماعات استيطانية إحلالية ذات مرجعية دينية، مستمدة من المسيحية اليهودية، حيث رأى فيها التاجر اليهودي (كولومبس) – من منظوره الربوي – مشروعا استثماريا مربحا، وثروة إجرامية ضخمة، يمكن من خلالها تحقيق المكاسب المالية والسياسية الهائلة، شرط أن يتم استغلالها الاستغلال الأمثل، وهو ما سعى إليه، وحرص على تحقيقه، حين وضع المرتكزات الأساسية، لأول مشروع استيطاني إحلالي منظم، بوصفه فكرة قابلة للتنفيذ، إذا حظيت بتبنٍ رسمي، واضعا الذهب والثروات الطائلة والنفوذ السياسي، مقابل الثروة البشرية الإجرامية، وهو ما أكد عليه بنفسه، في معظم رسائله إلى ملكي أراغون وقشتالة، مؤكدا أن الغاية من رحلته البحرية، هي جمع أكبر قدر ممكن من الذهب والثروات، بما يكفي لإعداد جيش جرار، لتحرير واستعادة (أورشليم)، ليدحض بذلك الترويج الاستعماري، لصورة (كولومبس) البحار المستكشف، في بعديها الإنساني والحضاري، بالرغم من أن تلك الأرض، التي زعموا أنه اكتشفها، ومنحوه بناء على ذلك سلطة ودور المؤرخ اليهودي عليها في ممارسة الاغتيال التاريخي، والمحو والإزاحة بحقها وطمس هويتها واسمها، رغم أنها لم تكن مجهولة، لا بالنسبة إليه ولا لغيره، فقد ورد ذكرها في كتب التاريخ، الممتدة من بطليموس إلى المسعودي، كما ظهرت في معظم خرائط الجغرافيين والملاحين، حيث كانت تلك الخرائط ذاتها، هي إحدى وسائله لإقناع ملكي أراغون وقشتالة، بالموافقة على تبني ورعاية مشروعه الإجرامي، وتحفيزهما ليكونا بطلا الخلاص، وقيادة جيش تحرير (أورشليم)، مؤكدا أنهما المعنيان بهذه المهمة المقدسة، حسب أسطورة الخلاص، التي تضمنتها النبوءات اليهودية، واعداً إياهما بتوفير التمويل الكامل لذلك الجيش، هذه الحقائق وغيرها، أثبتها كولومبس (التاجر اليهودي)، كشهادة على نفسه، في يوميات رحلته الأولى، التي ترجمها المؤرخ البريطاني، كليمنت ماركهام عام 1893م، بالإضافة إلى ما ورد في الكثير من رسائله، التي خص بها الملكين، في أوقات متفرقة.

لم ينس كولومبس اليهودي، توظيف العاطفة الدينية ومشاعر الحماس، في نفوس فواعل مشروعه الاستيطاني، حيث أوعز إلى البابا بمنح أولئك المجرمين صكوك الغفران اللازمة للدور الجديد، بالإضافة إلى منحهم القداسة، بوصفهم (رسل الرب) وقادة حربه المقدسة، وهي ذات العقيدة الانتقامية اليهودية، التي تصور جرائم وحروب اليهود المقدسة، حين يخوضها إلههم (رب الجنود) إلى جانبهم، كونها تعبر عن شهوة الانتقام لديه، ورغبته الذاتية الخالصة، في محو وإبادة غير اليهود.

كان النجاح الذي حققته رحلته كولومبس، وكميات الذهب والثروات، التي عاد بها إلى ملكي أراغون وقشتالة، كفيلا بفتح شهية أطماع ممالك أوروبا، وإشعال فتيل نزعتها الاستعمارية المتأصلة، فتسابقت إلى إخراج مخزونها الإجرامي من السجون، واستثماره في مشروع (كولومبس) الاستعماري، وبذلك تسارعت وتيرة الاستيطان الإحلالي الأوروبي، على امتداد جغرافيا ما سُميت (أمريكا)، حتى بعد وفاة كولومبس، حيث استمرت هجرة عصابات مجرمي أوروبا، الذين استوعبوا المهمة الاستعمارية، واحترفوا الدور الوظيفي الإجرامي، ومارسوا أبشع صور المجازر والقتل الجماعي، والإبادة الجماعية الشاملة، والتعذيب والإرهاب والتوحش، بحق سكان الأرض الأصليين، وإقامة الجيوب الاستيطانية، التي مثلت امتداد (الإرهاب الإجرامي)، سياسيا وفكريا وسلوكيا، في ارتباطها بجذورها التاريخية، ودورها الإرهابي الوظيفي، بوصفها الامتداد المكاني، لمسار الإجرام الأوروبي، والاستمرار الفعلي لتموضعه الجديد، الذي أعاد إنتاج هيمنة المكان الأوروبي، من خلال تسمية الجيوب الاستيطانية، بتلك المسميات المكانية القديمة، التي استعادت شبابها وبريقها الاستعماري، بإضافة كلمة (New) إلى هوية المكان الجديد مثل، نيو يورك، نيو جيرسي، نيو مكسيكو وغيرها، لتشهد على عمق الاتصال بالأصل المكاني، أو من خلال تسمية بعض الجيوب الاستيطانية، بأسماء ملوك وملكات أوروبا، تأكيدا على عمق الارتباط والانتماء والولاء، شاهدين على أنفسهم بحضورهم الطارئ، وافتقارهم لأدنى مقومات الانتماء الثقافي أو التاريخي أو الحضاري، الذي عادة ما يربط أي جماعة بشرية، بالمكان الذي يمثل هويتها وانتماءها.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

بأول أيام عيد الأضحى .. شروط الأضحية الصحيحة والعيوب التي تفسدها

يبحث المواطنون باول يوم لعيد الاضحى المبارك عن الشروط الشرعية للأضحية، حرصا على نيل الأجر والثواب، وتعزيز قيم التكافل والتراحم بين الناس، في واحدة من أعظم الشعائر الدينية التي يرتبط بها المسلمون خلال هذه الأيام المباركة.

بطريقته الخاصة.. رامز جلال يهنئ جمهوره بمناسبة عيد الأضحىمشاهد مضيئة بعيد الأضحى..فتح مراكز الشباب والأندية الرياضية بأسوان أمام المواطنين كساحات للصلاةشاهد.. ريهام عبد الغفور في أحدث ظهور من صلاة عيد الأضحىبالحجاب .. ياسمين عبد العزيز تحتفل بعيد الأضحى المباركسعر الدولار مقابل الجنيه المصري في أول أيام عيد الأضحى المباركنصف مليون مصلي يؤدون شعائر عيد الأضحى بمراكز شباب وأندية المنيا.. صورنائب محافظ قنا يهنئ المرضى بعيد الأضحى المباركالسياحة والآثار: تشكيل غرفة عمليات فى عيد الأضحى لتلقي الشكاوىبإشارة لزيزو .. قناة الأهلي تهنئ الجماهير بعيد الأضحي المباركتعميق الروابط.. محافظ البحيرة تستقبل وفود المهنئين بعيد الأضحىالأضحية.. شعيرة عظيمة ذات أبعاد دينية واجتماعية

وتعد الأضحية من أبرز الشعائر التي شرعها الإسلام في عيد الأضحى، من خلال الضحية وتوزيع جزء من لحومها على الفقراء والمحتاجين، في مشهد يعكس أسمى معاني الرحمة والتضامن الاجتماعي. 

وقد أمر الإسلام بالأضحية لما لها من دور في تقوية الروابط بين أفراد المجتمع، وإدخال السرور على قلوب الفقراء في هذه الأيام المباركة.

ما هي الأضحية في الإسلام؟

الأضحية هي ما يذبح من بهيمة الأنعام في أيام النحر، وهي: الإبل والبقر والغنم (الضأن والماعز)، ابتغاء وجه الله تعالى.

 ويبدأ وقت الذبح الشرعي للأضحية بعد الانتهاء من أداء صلاة عيد الأضحى مباشرة، ويستمر حتى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، أي الثالث عشر من شهر ذي الحجة.

ويشترط أن تكون الأضحية خالصة لوجه الله، وأن توزع لحومها بنية القربى، على الفقراء والأقارب والجيران، تعزيزا لمعاني التكافل والمودة بين المسلمين.

الشروط الشرعية لصحة الأضحية

حددت الشريعة الإسلامية عددا من الشروط التي يجب توافرها لصحة الأضحية، من أبرزها:
أن تكون من بهيمة الأنعام، وهي الإبل أو البقر أو الغنم (الضأن والماعز).


أن تبلغ السن الشرعي المقرر شرعا: ستة أشهر على الأقل للضأن، وسنة للماعز، وسنتان للبقر، وخمس سنوات للإبل.


أن تكون خالية من العيوب الظاهرة المؤثرة على صلاحيتها.


أن يتم الذبح خلال الوقت الشرعي المحدد، من بعد صلاة العيد وحتى مغيب شمس ثالث أيام التشريق.


أن يقوم بالذبح شخص مسلم، بالغ، عاقل، ويستحضر نية القربة إلى الله أثناء الذبح.

اضحيهالعيوب التي تمنع صحة الأضحية

أجمع العلماء على وجود عيوب تمنع من صحة الأضحية وتفقدها مشروعيتها، أبرزها:
العور البين: مثل فقدان البصر الكامل أو وجود ضعف شديد فيه.


المرض الظاهر: كالحمى أو أي مرض يؤثر على صحة الحيوان أو جودة لحمه.


العرج البين: وهو العرج الذي يمنع الحيوان من المشي بصورة طبيعية.


الهزال الشديد: وهو الضعف العام الذي يقلل من لحم الحيوان ويفقده القدرة على الحركة.


العيوب الجسدية: مثل قطع جزء من الأذن أو الذيل أو وجود كسور في الأطراف أو القرون.


الاضطرابات العصبية: وتشمل السلوك العدواني غير المعتاد أو فقدان الاتزان، أو أي علامات على وجود خلل عصبي.

حكمة الشريعة من شروط الأضحية

تهدف الشريعة الإسلامية من خلال هذه الاشتراطات إلى تعظيم شعيرة الأضحية، وضمان تقديم أفضل ما يملكه المسلم من بهيمة الأنعام، بعيدا عن الغش أو التقصير.

وتعد الأضحية وسيلة لتقوية الروابط الاجتماعية من خلال توزيع لحومها على المحتاجين، وتجسيدا لقيم الرحمة والتكافل التي حث عليها الإسلام، في مشهد يعكس أجواء العيد الحقيقية.

طباعة شارك عيد الاضحي اضحيه عيد الاضحي عيد الاضحي ضحيه عيد الاضحي شروط اضحيه عيد الاضحي

مقالات مشابهة

  • الاقتصاد السوري.. معامل متوقفة تعود للعمل وفرص استثمار تلوح في الأفق
  • بأول أيام عيد الأضحى .. شروط الأضحية الصحيحة والعيوب التي تفسدها
  • شركة استثمار خاصة في شيكاغو على خط المساعدات في غزة.. ما الذي يحدث خلف الكواليس؟
  • القبض على متهم تخصص نشاطه الإجرامي فـي تزوير المحررات الرسمية بالإسكندرية
  • بوتين يترأس اجتماعا لإطلاق مشاريع وطنية جديدة حتى عام 2036
  • مشاريع بيئية وصحية في جنوب لبنان بدعم من اليونيفيل
  • برج السرطان.. حظك اليوم الخميس 5 يونيو 2025: ربح جيد من استثمار سابق
  • الوزير الشيباني: نشيد بالدور الحيوي الذي أداه الاتحاد الأوروبي بدعم اللاجئين حيث فتحت أوروبا أبوابها لمن فر من جرائم النظام البائد.
  • استثمار الإنجازات المالية
  • متحدث الوزراء: توفير اللحوم بأسعار مناسبة وتعزيز المخزون الاستراتيجي