لجريدة عمان:
2025-06-24@09:49:02 GMT

لا .. حسب المنطق الفيزيائي

تاريخ النشر: 24th, January 2025 GMT

يبدو أن هناك ثمة علاقة بين المنطق الفـيزيائي وبين ما يسمى بـ«السببية» بمعنى حتى يتحقق الفعل الفـيزيائي المجرد من العواطف «فـي حالتنا الإنسانية» لا بد أن يكون هناك سبب ما، لحدوث ذلك، وأن الأمور لا يمكن أن تحدث هكذا بفعل التخيل غير المنطقي للأحداث، ولأننا اجتماعيون حتى الثمالة، فإن المنطق الفـيزيائي، ربما لا يتحقق بمنطقيته المجردة البحتة، بمعنى ليس شرطا أن أتصالح مع فلان من الناس بمقابل مادي ملموس، فـيكفـي أن يشعرني بشيء من الود، وهو أمر معنوي، لكي أقتنع بالتصالح معه، وبالعكس كذلك، فليس شرطا أن أعادي آخر لأنه تهجم علي بالقول أو بالفعل، فـيكفـي أن يشعرني كذلك، بعدم رغبته مآخاتي له، وأنه يرى فـيّ شيئا من عدم الرضا والارتياح، لكي أتوقف عند مستوى معين من عدم التعاطي معه، وبذلك يبدو أننا واقعون فـي مأزق المفارقة النوعية بين منطقي (الفـيزياء، والكيمياء) كيف ذلك؟ يكون ذلك من خلال النتائج المتحصلة من مختلف الممارسات اليومية، ومجموعة السلوكيات المتبادلة بين مختلف الأطراف، ففـي لحظة ما تزهر المحبة والمودة وتُحَوِّلْ الامتداد الأفقي إلى كثير من الرضا، وكثير من السرور، وهذا كله واقع فـي خانة التغير الفـيزيائي، وفـي لحظة مضادة تشيع فـيها الحقد والتنازع، حيث تضرب البعد الرأسي فـي الصميم، فتحوله القلوب والنفوس إلى حلبات للصراعات والتصادمات، وهذا أيضا واقع فـي خانة التحول الكيميائي، ومعنى ذلك فإن للاجتماعية هنا بعدان مهمان بعد أفقي، وبعد رأسي، فالبعد الأفقي: من مميزاته أنه مهما حصل فـيه من تغير سواء إيجابي أو سلبي يظل احتواء تغيره مقدور عليه، حيث تثلم عمليات الصلح والتسامح الكثير الكثير من الثلمات، ومن النتوءات، أما البعد الرأسي: فمن مميزاته أن التحول فـيه يصعب إعادته كما كان عليه الوضع قبل حدوث التحول، ولذلك قيل: «إن القلوب إذا تنافر ودها، مثل الزجاج كسرها لا يجبر» وتنافر الود هذا لن يحدث إلا بعد أن تتوغل فـي مضمونه الكثير من الممارسات القاسية من طرف إلى طرف آخر، وتبقى القدرة «فـي هذه الحالة» عاجزة عن رتق الخروقات التي تحدثها مختلف الممارسات الخاطئة مقصودة كانت أو غير مقصودة، وهذا الأمر الذي يجعل الطرفـين لا يطيق أحدهما الآخر، حيث يحتاجان إلى طرف ثالث يقوم بعمليات من الترويض المنهكة، حتى ربما، قد تعود الأمور إلى سابق عهدها، وربما لن تعود، حيث يصعب جبر كسر الزجاج، وقد أشار القرآن الكريم إلى صورة من صور الممارسات الاجتماعية التي يحدث فـيها الشقاق، وضرورة تدخل طرف ثالث لاحتواء الخلاف: (وإن خفتم شقاق بينهما، فابعثوا حكما من أهله، وحكما من أهلها، إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما، إن الله كان عليما خبيرا» الآية (35) - سورة النساء.

وعلى الرغم من أن كلا البعدين: الفـيزيائي المقرون بتغير الأشكال والأحجام، والكيميائي المقرون بتغيير المكون الأصلي «البنيوي» وتحويله إلى مكون آخر لا يمت إلى المكون الأصلي بصلة، فإن ذلك يعد علامة فارقة فـي المسألة الاجتماعية، وبالتالي فمجموعة التموضعات التي تعيشها هذه المسألة، على وجه الخصوص، فـي السياقات المنطقية للفـيزياء، والتحولات الصعبة للكيمياء، هي بذلك تذهب إلى هذا المحتوى الإنساني العميق والمعقد، والذي على ما يبدو أن يخضع للمفاهيم العلمية عندما تخضع المسألة لمجموعة من المقاربات فـي السلوك الإنساني مع المفاهيم العلمية، وإلا فمن يصدق أو يستوعب أن فـي جسم الإنسان تحدث مجموعة من التفاعلات الكيميائية فتحول هذا الإنسان من حالة إلى حالة؟

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

قوافل الغضب التي هزّت عروش الصمت

بسم الله الرحمن الرحيم

#قوافل_الغضب التي هزّت #عروش_الصمت

دوسلدورف/ أحمد سليمان العُمري 

في عالم يُحاصر الأطفال بين أنياب الاحتلال وأقدام الأنظمة العربية، انطلقت قافلتان: واحدة بحرية من أوروبا وأعقبتها أخرى برية من تونس؛ حملتا نفس الحلم: كسر الحصار عن غزّة، لكنهما اصطدما بنفس القسوة، قسوة تثبت أن الخيانة العربية والغطرسة الإسرائيلية وجهان لعملة واحدة. هنا قصّة أولئك الذين رفضوا أن يكونوا حرّاساً لهذا السجن الكبير.

مقالات ذات صلة لماذا يخفق القلب فرحًا أو حزنًا؟ وأيهما أشد وطأة؟ 2025/06/20

الليلة التي غرق فيها الضمير العالمي

«تياغو» البرازيلي ذو العشرين ربيعاً لم يكن يعلم أن مشاركته في رحلة سفينة «مادلين» ستنتهي به في زنزانة إسرائيلية تحت الأرض. «كنا 12 ناشطاً فقط على متن السفينة»، يقول بصوت يرتجف، «عندما حاصرتنا الزوارق الحربية الإسرائيلية في المياه الدولية، وكأننا أسطولاً عسكرياً وليس متطوعين يحملون أدوية الأطفال».

بين الأمل والقمع

انطلقت السفينة من ميناء «كاتانيا» في جزيرة صقلية الإيطالية في الأول من يونيو 2025، تحمل على متنها ناشطين من جنسيات متعددة، بينهم الناشطة البيئية “غريتا تونبيرغ” والنائبة الأوروبية ريما حسن. كانت الشحنة رمزية بحجمها وعظيمة بأبعادها، تشمل مئات الكيلوغرامات من المواد الأساسية كالطحين والأرز وحليب الأطفال، بالإضافة إلى معدات طبية وأطراف صناعية وأجهزة تحلية مياه.

هدف الرحلة كان واضحاً: كسر الحصار البحري عن القطاع ونقل رسالة تضامن صامتة لكنها مدوّية، غير أن هذه المبادرة الإنسانية واجهت القسوة نفسها التي تحاصر غزّة، ففي التاسع من يونيو، وبعد ثمانية أيام من الإبحار، اعترضت القوات البحرية الإسرائيلية السفينة في مياه دولية. اعتُقل الناشطون، وتحولت رحلة الأمل إلى فصل جديد من الاعتقال والاضطهاد، حيث واجه الناشطون ظروفا قاسية من الحجز والتفتيش المشدد، في محالة واضحة لكسر إرادتهم ووقف صوت التضامن الدولي.

حيث يُسرق الحليب باسم السيادة

بينما كانت الناشط البرازيلي تياغو على متن السفينة يخترق البحر في محاولة مقدامة لكسر الحصار عن غزّة، جرى اعتقاله مع بقية زملاءه الشجعان بوحشية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وسُجنوا في ظروف مهينة، دون أن يُراعى كونهم ناشطين إنسانيين؛ جاءوا بصفتهم المدنية لا كمقاتلين.

معاناة هؤلاء الشبان بالرحلة وفي السجون الإسرائيلية لم تكن حدثًا معزولًا، بل امتداد لمعاناة غيرهم من الأحرار الذين لا ينتمون إلى هذه الأرض جغرافياً، لكنهم ينتمون لها أخلاقياً وإنسانياً.

من تياغو إلى ريما حسن، النائبة الفرنسية الفلسطينية التي لم تشفع لها حصانتها الأوروبية، مروراً بالناشطين بين تركي وألماني وإسباني وهولندي… الخ الذين اعتقلوا أو طُردوا أو شُوّهت سمعتهم لأنهم فقط تجرّؤوا على رفع علم فلسطين في عواصمهم.

وإن كانت يد الاحتلال قد امتدت في عرض البحر لتقمع من جاؤوا متضامنين، فإن اليد الأخرى، المخفية تارة والمكشوفة تارة أخرى، كانت تضرب على اليابسة. ففي مصر، تعرّض الناشطون من “مسيرة غزّة” للضرب والإهانة والتنكيل على أيدي قوات أمن بلباس مدني، في محاولة ممنهجة لإظهار أن الاعتراض يأتي من “المواطنين العاديين”، وليس من الدولة.

لقد لبس القامعون ثوب الشعب ليخونوا نبضه، وأوهموا العالم أن الشارع المصري – وهو الزخم العارم لفلسطين – قد انقلب على المبدأ. بينما الحقيقة أن اليد التي صفعت هؤلاء المتضامنين ليست يد الشعب، بل يد السلطة، وهي اليد ذاتها التي تصافح القتلة هناك، وتمنع المساعدات هنا، وتحاصر الفلسطيني في جسده ومعيشته وتُمعن في عزل كل من يحاول الوصول إليه.

بهذا المشهد، تتكامل المأساة مع الهزل، وتغدو الجغرافيا السياسية للمقاومة محكومة بمنظومتين: شعوبٌ تتقد بالشجاعة رغم البعد، وأنظمةٌ تشتغل لحساب الاحتلال وإن رفعت شعارات ضده. وهنا، كما يؤكّد الحال راهناً، فإن التضامن مع القضية الفلسطينية لا يزال يواجه مقاومة ضارية من أنظمة ترى في بقاء الاحتلال حماية لاستقرارها أو امتداداً لاستعمارها، أكثر مما ترى فيه جريمة تستحق المواجهة.

وفي ليبيا، حيث تسيطر قوات حفتر، كانت العراقيل بذريعة البيروقراطية والتعنّت الأمني في أقصى درجاتها، إذ منعت قوافل التضامن من المرور، وواجه ناشطون تحقيقات مطولة وإجراءات تعسفية، مما يعكس تنسيقاً أمنياً واضحاً وفاضحاً مع الاحتلال.

هذه التجارب المشتركة، من الاعتقال في سجون الاحتلال إلى التضييق في الحدود ومطارات الدول العربية والحدود البرية، تؤكّد حجم العقبات التي تواجه أي محاولة حقيقية لكسر الحصار وإيصال الدعم لغزّة، كما تؤكّد أن التضامن مع القضية الفلسطينية لا يزال يلقى مقاومة شديدة من أنظمة تحابي الاحتلال أكثر مما تُساند شعوبها في قضاياه المصيرية.

الرسائل التي كتبها الجلادون بتواطئهم

الرسالة التي كتبها الجلادون كانت واضحة، وإن اختلفت أيادي التوقيع عليها: حفتر قطع الطريق في الصحراء، والسيسي أطلق شرطته على المتضامنين مع غزّة في شوارع مصر ومطاراتها، يضربون، يرحّلون، ويقمعون كل من حاول أن يمرّ من بواباتهم بجوازه وكرامته.

أما إسرائيل، فكانت تشاهد من بعيد، مُطمئنة إلى أن الطرق إلى غزّة ما زالت مغلقة.

قافلة الصمود رغم عودتها اليوم لم تُكسر، عادت إلى تونس بجراحها وتحمل شيئاً أعظم من العبور: يقظة الضمير. لم تصل الشاحنات، لكن وُلدت إرادة جديدة، وكُسر الصمت، وإن لم تنجح سفينة ماديلين والصمود، فسيأتي بعدهما قوافل أخرى، بالآلاف، فإرادة الشعوب لا تنضب، وغزّة لا يمكن أن تُحاصر إلى الأبد.

إذا مُنعوا اليوم من العبور، فستُحوّل الأرض كلها إلى معبر؛ القوافل والسفن لم تمت، بل صارت فكرة لا تموت.

مقالات مشابهة

  • عراقجي يؤكد وقف إطلاق النار: شكراً لقواتنا التي استمرت بمعاقبة إسرائيل
  • تارا عماد تدخل عالم الغموض في "ما تراه ليس كما يبدو".. وتستعد للتصوير خلال أيام
  • دعاء أوصى به الرسول.. أهم الأدعية التي كان يرددها النبي
  • وزير الدفاع الباكستاني يؤكد أن العدوان الأمريكي على إيران يكشف الكثير عن الوجود الصهيوني في المنطقة
  • شيخ الأزهر لـ أنجلينا أيخهورست: ما سرُّ القوة الشيطانية التي تُجهض أي قوى أخرى؟
  • إيران تمد لسانها لأمريكا: لدينا الكثير واللعبة لم تنته بعد
  • ما هي القاذفات الشبحية «بي-2» التي استخدمتها أمريكا في قصف إيران؟
  • ضربة إسرائيل القوية التي وحّدت إيران
  • الهيئة العامة للمنافسة تشارك في اجتماعات لجنة المنافسة بمنظمة (oecd) في باريس
  • قوافل الغضب التي هزّت عروش الصمت