رضا الناس غاية لا تُدرك. هذه الحكمة تُلخص معاناة أولئك الذين يضعون رضا الآخرين فوق كل اعتبار، ظانين أن ذلك هو السبيل إلى النجاح والقبول الاجتماعي. لكن الحقيقة المؤلمة هي أن السعي المستمر لإرضاء الجميع ليس فقط مستحيلاً، بل هو طريق مؤكّد إلى الفشل والإرهاق النفسي والجسدي.
الشخص الذي يحاول أن يُرضي الجميع يصبح أسيرًا لرغبات الآخرين وتوقعاتهم، متجاهلًا احتياجاته الشخصية وأولوياته.
الرغبة في مساعدة الآخرين ليست أمرًا سلبيًا في حدّ ذاتها، فهي قيمة إنسانية نبيلة. ولكن عندما تتحول هذه الرغبة إلى التزام دائم، يصبح الشخص عُرضة للاستغلال وسوء التقدير. كثيرًا ما يكون هذا السلوك نابعًا من اعتقاد خاطئ بأن قيمته تتحدد بمدى قبوله من الآخرين، أو خوفه من الانتقاد والرفض. هذا التفكير يؤدي إلى فقدان التوازن بين العطاء والأخذ، ويجعل من المستحيل أن يشعر بالرضا عن نفسه.
العقلية التي تدفعنا لإرضاء الجميع، تنبع غالبًا من معايير غير واقعية نضعها لأنفسنا. مدير يشعر أنه يجب أن يكون دائمًا متاحًا لموظفيه، أو موظف يعتقد أن رفض أي طلب هو دليل على ضعفه أو عدم كفاءته. هذه المعايير تعرقل الإنتاجية، وتؤدي إلى الإجهاد. يجب على كل فرد أن يعيد النظر في هذه المعايير، ويضع حدودًا واضحة بين عمله ووقته الخاص. على سبيل المثال: يمكن للمدير أن يُخصص ساعات محددة للتواصل مع فريقه، ويُخصص بقية الوقت للتركيز على المهام الكبرى.
الإنسان الذي يقول “نعم” لكل شيء، سواء كان ذلك في العمل أو الحياة الشخصية، يجد نفسه غارقًا في الالتزامات. هذه السلوكيات تُعيق قدرته على التركيز على أولوياته الحقيقية، وتُضعف إنتاجيته. يمكننا أن نتعلم قول “لا” بلطف، ودون شعور بالذنب. من المهم أن ندرك أن الوقت هو المورد الأكثر قيمة لدينا، وأننا إذا استمررنا في إهداره على أمور ثانوية، فسوف نخسر فرصًا لا تُعوض في ما يهمنا حقًا.
هناك أيضًا من يعتقد أن الاعتماد على الآخرين هو ضعف، فيُفضل أن يتحمل كل الأعباء بنفسه. هذا النمط من التفكير، لا يضر فقط الفرد، بل يضر أيضًا الفريق، أو المؤسسة ككل. القدرة على التفويض، ليست علامة ضعف، بل هي مهارة قيادية تُظهر الثقة في الآخرين، وتعزِّز العمل الجماعي. الشخص الذي يُصر على فعل كل شيء بنفسه، لن يجد وقتًا للأفكار الإبداعية أو التخطيط الاستراتيجي، بل سيظل عالقًا في التفاصيل اليومية.
الحياة قصيرة جدًا لنقضيها محاولين إرضاء الجميع. هناك دائمًا من سيُنتقد، مهما حاولت أن تكون مثاليًا. لذلك، بدلاً من السعي لإرضاء الآخرين، ركِّز على أهدافك وقيمك وأولوياتك. تذكَّر أن سعادتك ونجاحك لا يجب أن يكونا رهينة بآراء الآخرين. وانا انصح هنا واقول: ضع حدودك، احترم وقتك، وكن صادقًا مع نفسك. إذا فعلت ذلك، ستجد أن رضاك عن نفسك أهم بكثير من رضا الآخرين، وستكون قادرًا على تحقيق التوازن الذي يمنحك السلام الداخلي والنجاح الحقيقي.
jebadr@
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
المستشار الألماني: خسائر المدنيين في غزة لم تعد مقبولة.. على تواصل دائم مع نتنياهو
قال المستشار الألماني فريدريش ميرتس إنه أبلغ رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الخسائر الفادحة في صفوف المدنيين بقطاع غزة "لم تعد مقبولة".
وأضاف في تصريحات أدلى بها لقناة "ARD" التلفزيونية الألمانية، الأربعاء، أنه على تواصل هاتفي شبه أسبوعي مع نتنياهو بشأن الأوضاع في غزة.
وبين أنه أبلغ نتنياهو منذ فترة طويلة في أحد اتصالاته الهاتفية بأنه إذا استمرت إسرائيل في نهجها الحالي في غزة، "فقد تخسر أقرب أصدقائها".
وأوضح، "قلت له: عليكم أن تشرحوا ما الذي يحدث هناك، وماذا تخططون للقيام به، وما الهدف من العمليات العسكرية؟".
وذكّر ميرتس بأنهم وجهوا في مجلس أوروبا دعوة واضحة وصريحة لإسرائيل من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
وأواخر أيار/ مايو الماضي، أكد المستشار الألماني فريدريش ميرتس بشدة الاثنين أنه لم يعد يفهم هدف الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، محذرا أنه لن يتمكن بعد الآن من دعم حكومة بنيامين نتانياهو.
وقال ميرتس في تصريح إذاعي "بصراحة، لم أعد أفهم ما يفعله الجيش الإسرائيلي الآن في قطاع غزة، وما الهدف منه"، منتقدا بشدة تكثيف "إسرائيل" هجومها على قطاع غزة، بحسب ما نقلت وكالة "فرانس برس".
وأضاف "الطريقة التي تضرر جراءها السكان المدنيون، كما هي الحال بشكل متزايد في الأيام الأخيرة، لم يعد من الممكن تبريرها بمحاربة إرهاب حماس".
وأوضح أن على برلين أن تكون مُتحفِّظة في تقديم النصائح العلنية لـ"إسرائيل"، وهو ما لا تفعله مع أي دولة أخرى في العالم، في إشارة إلى تاريخ ألمانيا القاتم في الحرب العالمية الثانية والمحرقة.
وقال ميرتس "السؤال هو: ما مدى وضوح انتقادنا الآن، ولأسباب تاريخية، أنا أكثر تحفظا"، مضيفا أنه "عندما يتم تجاوز الحدود، وعندما يتم انتهاك القانون الإنساني الدولي.. يجب على المستشار الألماني أن يتحدث علانية أيضا".
وندد بممارسات "إسرائيل" التي تعد برلين أحد أبرز حلفائها، إلى جانب الولايات المتحدة، مشيرا إلى أنه يريد أن تبقى ألمانيا "الشريك الأهم لإسرائيل في أوروبا".
وأكد أنه "يتعين على الحكومة الإسرائيلية عدم القيام بأي فعل لم يعد أصدقاؤها المقربون مستعدين لقبوله".
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي مطلق إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 191 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، فضلا عن مئات آلاف النازحين.