لجريدة عمان:
2025-05-30@14:53:34 GMT

تعريب العلوم .. حلمٌ ممكن

تاريخ النشر: 27th, January 2025 GMT

أعلن المركز الإعلامي لجامعة الأزهر أن الجامعة تجري دراسة متأنية لتعريب كليات العلوم الطبية، بمعنى أن تتم دراسة العلوم الطبية باللغة العربية. هذه الخطوة -وإن كانت متأخرة- إلا أنها لا بد منها من أجل صناعة علوم عربية متحررة من الهيمنة العلمية الغربية. إن استخدام اللغة العربية في العلوم ليس جديدا، ومن غير المجدي سرد تاريخ العلوم العربية التي استفادت من الحركة العلمية والعقلية في وقت متقدم من التاريخ الإسلامي، كما استفادت من الترجمة لتغذية مصادرها، لأن هذا التاريخ يُمكن أن يُقرأ في مواضعه، إلا أن المجدي هنا القول بأن هناك دولًا عربية عرّبت العلوم وبدأت بتدريسها، وكان ذلك ناجحا على صعيد التعليم والمعرفة.

يُمكن القول إن التعريب يخدم المعرفة من جميع الجوانب، ومنها الجانب اللغوي، فمن خلال التعريب يُمكن حماية اللغة العربية ووضعها في الكراسي الأمامية بدل التهميش، إذ إن اللغات تحيا باستخدام أهلها واستثمارهم فيها، لذلك فإن تعريب العلوم يحافظ على اللغة في عقول المتحدثين بها والشارع، ومنها كذلك الجانب الثقافي، فاللغات حاملة أفكار مهما بدا ذلك غائبا عن الإطار المرئي، فالناظر إلى المتحدثين بلغات معينة يستطيع إيجاد أنهم يتخلقون بأخلاقها بما تحتمله الألفاظ فيها، لذلك تجد اختلافا في أخلاق المتحدثين باللغات بحسب ما يتضمن ذلك من معانٍ في الألفاظ، ولذلك فإن من سبل الحفاظ على الهوية العربية في عالم متصارع الحضارات -بألطف عبارات هتنجتون- تعريب العلوم والدراسة بها، مما يعمّق من الانتماء للهوية العربية. هذان جانبان، أما الجانبان الآخران هما التعليم نفسه، واستفادة المجتمع. فيما يتعلق بالتعليم، فإن دراسة العلوم باللغة الأم يساعد للوصول لأعماق الإبداع البشري فلا تكون اللغة مانعًا للإبداع، ويُمكن برهنة ذلك بطريقتين، الطريقة الأولى أن التعلم بلغة أخرى غير اللغة الأم يستدعي فهمًا لألفاظ جديدة تشير للمعاني إضافة للتراكيب، وخلال هذا الفهم يستدعي محاولة ربط الأفكار العلمية مع بعضها البعض، وهكذا حتى تفهم الفكرة مما يستغرق وقتًا كبيرا كان يُمكن اختصاره من خلال اللغة الأم التي يُمكن فهم الأفكار بها بسرعة أكبر لأن الألفاظ معلومة للشخص وغير محتاجة لإعادة تثبيتها أو معرفتها في العقل، في الحالة الأولى يحتاج الشخص لكل هذه العملية فيكون ذلك على حساب فهم الفكرة بشكل أكبر وبالتالي يُكتفى في كثير من الأحيان بأطراف الفكرة، مما لا يساعد على الإبداع وإنتاج فكرة جديدة. أما الطريقة الثانية، فإن كثيرا من الطلبة، لا سيما في مراحلهم الجامعية الأولى، يضطرون للترجمة من اللغة الثانية للغة الأم، أي على سبيل المثال من اللغة الإنجليزية للغة العربية لأجل فهم الفكرة، ومما يتضح أن عملية الترجمة هذه جاءت نتيجة وقوف اللغة الثانية عقبة لفهم الفكرة، وبالتالي فإن اللغة الأم هي ما يُمكن من خلالها الفهم بشكل أكبر، وحتى مع التقدم في المراحل العلمية فإن في كثير من الأحيان يستدعي في بعض المواضع الترجمة حيث إن ذلك يساعد على الفهم بشكل أكبر، بل إنني رأيت عددًا من الطلبة أثناء دراستي الجامعية يكتبون ملاحظاتهم على الدروس باللغة العربية لأجل أن يفهمونها، أو على سبيل المثال -وهو مشهور في العلوم الطبيعية والصحية- أن يتم ربط الكلمة الإنجليزية بأخرى عربية حتى يسهل تذكرها. يُمكن استغلال هذا الوقت الضائع في الترجمة ومحاولة استيعاب قشور الفكرة، إلى التعمق في فهمها واستخراج فكرة جديدة من خلالها، أما الجانب الاجتماعي، فإن من الفجوات الواقعة في كثير من مجتمعاتنا أن لغة العلم مختلفة عن لغة الشارع، ولذلك يواجه كثير من الدارسين مشكلة في نقل معرفتهم للشارع بسبب عائق اللغة وعدم وجود ترجمة معتمدة للمصطلحات، والأكثر أو الأصعب من ذلك، هي أن المفاهيم العلمية متركزة عندهم بلغة غير لغة الشارع، ولذلك تجد أن كثيرا من الطرَف تخرج لنقد هذا الواقع، فمثلًا تمر علينا نكتة السخرية من الممرضين الذي يقولون كلمات مثل: ملف، إبرة، مريض.. إلخ باللغة الإنجليزية. هذا التجسير بين الدارس والعامي (والعامي هنا ليس المقصود به الشخص الذي لم يحصل على شهادة، بل كل شخص غير متخصص في الحقل المقصود به، أو ربما يشمل فئات أكبر كما يذكرها الغزالي وليس هذا المناط هنا) يخلق حالة من التفاهم الاجتماعي ونقل المعارف إلى المجتمع يستطيع من خلالها المتعلم تكريس علمه لخدمة مجتمعه. موضوع تعريب العلوم ليس مهمة سهلة على الإطلاق، بل إنه يحتاج لعمل جاد ودؤوب، لكنه ليس مستحيلًا أيضا. من العقبات التي تواجه هذه المهمة على سبيل المثال، قلة المصادر العلمية، إذ إن كثيرًا من المصادر مكتوبة باللغة الإنجليزية وغير متوفرة أو غير مترجمة إلى اللغة العربية، وهذه تشمل أغلب الكتب الأكاديمية والبحوث العلمية، وهذا لا يعود للاستثمار البحثي في الدول الغربية فقط، لكنه أيضا يعود لكتابة الكثير من الباحثين أو العلماء -الذين ليست الإنجليزية لغتهم الأم- يكتبون بالإنجليزية، ومنهم بالطبع العرب، لذلك فإن المحتوى الإنجليزي يتزايد في كل يوم تقريبا، وحل هذه المشكلة هو أن تنشأ مراكز للترجمة ونقل المعارف، وإذا كان هارون العباسي استطاع إنشاء بيت الحكمة في 135-158هـ، فإن المهمة ليست مستحيلة اليوم على اثنتين وعشرين دولة. العقبة الثانية هي ضعف الاستثمار في الأبحاث العربية، وهذه مشكلة لا تتعلق بالتعريب فحسب، بل حتى في الإدراك بأهمية البحوث العلمية وتأثيرها، والحل في هذه المسألة أن يتم تخصيص ميزانية من قبل الدول العربية ومن قبل الشركات الخاصة -بالإمكان أن يتم ذلك من خلال أقسام المسؤولية الاجتماعية- للاستثمار وتمويل البحث العلمي، حيث إن ذلك سيزيد من رصيد المحتوى العلمي العربي. والعقبة الثالثة هي سيطرة اللغة الإنجليزية، وهذه مشكلة ممكنة الحل كذلك فإن الأمر في كثير من الأحوال هو ذهني يتعلق بتصور عدم إمكانية تحويل العلوم إلى اللغة الأم -العربية في هذه الحالة بالطبع- بسبب قصرها أو عدم مقدرتها على احتواء العلوم، وهذا غير صحيح في الحقيقة، لأن زيادة نفوذ اللغة الإنجليزية غير متعلق رأسًا بقوة اللغة أو ضعفها، بل باستثمار أهلها فيها -صحيح أن أهلها يمثلون الدول الكبرى اليوم لكن الأمر لم يبدأ في العقود الأخيرة بل منذ قرون- وعليه فإن اللغة تحيا وتزيد من استيعابها للعلوم بمقدار استعمال أهلها لها وإيمانهم بها، فالأمر غير متعلق بقوة اللغة أو أفضليتها، إنما بالاستثمار فيها، أما العقبة الرابعة، وهي واحدة من أهم العقبات وأصعبها، هي رفض العديد من الباحثين أو الأكاديميين أو الدارسين لمسألة تعريب العلوم. يأتي هذا بسبب أن كثيرا منهن يعتقد بعدم واقعية الحلول السابقة، أو الحجة الشهيرة -التافهة- أن سوق العمل مبني على اللغة الإنجليزية ولا غير ذلك، فانظر لولع المغلوب بالغالب -كما يصف ابن خلدون- لأن هذه الحجج لا معنى لها في الحقيقة، أما الحلول السابقة فيُمكن أن تجرى عليها دراسات لتبيُّن إمكانيتها وواقعيتها، وأما سوق العمل ففي الجواب قسمين، الأول أنه ليس مطلوبا من الجامعات أو البيئات الأكاديمية أن تبني موظفين، بل متخصصين ودارسين، لذلك فليست الجامعة معنية بدق أبواب الوظائف فلها شؤونها وهمومها، وأما الثاني فعلى افتراض أن الجامعات -كرما منها ومروءة- آلت على نفسها أن توظف الطلاب المتخرجين منها، فإن سوق العمل يُمكن تشكيله بما تريد الدول من خلال سياساتها العامة وتشريعاتها، ولا يأتي في قالب يجب تنفيذه كما هو دون تغيير فيه، والدليل على ذلك أن كثيرًا من الدول تدرّس العلوم بلغاتها ولم تتحجج بسوق العمل وغيره، فأصبحت ناجحة في ذلك ولم تضطر للتدريس باللغة الإنجليزية لـ«تواكب سوق العمل» الواقع في حدودها الجغرافية أساسا! في دراسته المنشورة في المجلة العربية للأبحاث للعلوم والأبحاث والموسومة بـ(التلازم بين اللغة الأم والتقدم العلمي). يذكر الدكتور عبدالخالق فضل أن التعليم باللغة الأم في الصين ساعد في تطور البحث العلمي والتكنولوجي، وليس الأمر بحاجة لدليل على التقدم الصناعي والاقتصادي الذي تعيشه الصين اليوم، هذا الإنتاج التكنولوجي المتسارع ليس متعلقا بالسياسات الاقتصادية العامة فحسب، بل يأتي قبلها التعليم والاهتمام بالبحث العلمي، لذلك فإن الصين ركزت على هذه المسألة، وساهم التعليم باللغة الأم لزيادة التقدم العلمي في الصين، وينطبق الأمر ذاته على التجربة الماليزية على سبيل المثال، وغيرها من التجارب العالمية التي تهتم باللغة الأم في التدريس والبحث العلمي.يساهم التقدم التكنولوجي في تسريع عملية التعريب، إذ إن كثيرا من التقنيات تساهم في ذلك وليس الأمر بالصعوبة المتصورة، ما يحتاج إليه هو عدة خطوات جادة منها عملية الترجمة، والتعاون بين الجامعات في العالم العربي لتسريع عملية التعريب إضافة لزيادة التمويل الحكومي والخاص لإثراء المحتوى العربي.

في الخاتمة، يُمكن القول إن التعريب واحد من الضرورات العلمية الحالية، ويُمكن أن يؤدي لنتائج جيدة إذا ما كانت هناك عملية متكاملة تساهم في تسريع عملية التعريب، قد يُعترض على مسألة التعريب بأن الأمر لا يتعلق فقط بالتحصيل العلمي وإنما بحاجة لنهضة علمية كما يذكر ذلك سعيد الريامي في مقاله المنشور بمجلة نزوى (لتجسير الهوة المعرفية بين الترجمة العلمية وتعريب العلوم)، لكن هذه النهضة العلمية لا يُمكن أن تكون من خلال كتابة أبحاث علمية بلغة أجنبية، فمن شروطها أن يكون هناك استقلال لغوي وهوياتي أيضا، لذا فالعملية مترابطة وتساهم إحدى خطواتها في الأخرى، وقد يُعترض أن في هذه الحجة مغالطة دور منطقية، فمن أجل النهضة لا بد من التعريب، ومن أجل التعريب لا بد من نهضة، فأقول إن الأمر ليس فيه دور حيث إن المسألة مترابطة مع بعضها، فيُمكن البدء بالترجمة والعمل البحثي الجاد لتعريب العلوم من خلال ترجمة المصطلحات والكتب الأكاديمية، ثم تطبيقها وإعطاء الفرصة لها للوصول إلى حالة من الإبداع العلمي الذي يُنتجه الطلاب، للوصول إلى نهضة علمية تقوم على أسس علمية ومنطقية واضحة من خلال إعادة اللغة العربية لمكانها العلمي الذي ينبغي له أن يكون، وكما كانت قادرة على أن تنتج العلوم الطبيعية والعقلية لقرون عديدة، قادرة هي أيضًا اليوم على أن تحتوي العلوم الحالية إذا ما استُثمر في البحث العلمي بشكل صحيح.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: اللغة الإنجلیزیة على سبیل المثال اللغة العربیة تعریب العلوم باللغة الأم اللغة الأم فی کثیر من سوق العمل کثیرا من لذلک فإن ی مکن أن من خلال

إقرأ أيضاً:

هدف حرب إسرائيل هو طرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من غزة

قالت وسائل إعلام إسرائيلية، إنه من الواضح أن إسرائيل ترفض وقف الحرب على غزة ، في ظل الأنباء حول اتفاق وقف إطلاق نار وتبادل أسرى جزئي، وهي تسعى إلى تصعيد كبير قادم لا محالة في الضفة الغربية على خلفية خطط إقامة 20 مستوطنة جديدة، كما تواصل إسرائيل التهديد بمهاجمة إيران حتى في حال التوصّل إلى اتفاق نووي أميركي – إيراني.

وحسب تقديرات مصادر إسرائيلية مطلعة، فإنه لا يُتوقّع أن تعارض إسرائيل اتفاق وقف إطلاق نار لمدة 60 يومًا وإفراج حماس عن أسرى إسرائيليين، بينهم 10 أحياء ونصف الأسرى الأموات، مقابل الإفراج عن عدد غير معروف حاليًا من الأسرى الفلسطينيين، بموجب مقترح المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف.

إقرأ أيضاً: تفاصيل خطة أميركية جديدة لغزة تقترح اتفاقا لوقف النار بضمانة ترمب

لكن الجيش الإسرائيلي لن ينسحب من قطاع غزة بموجب مقترح ويتكوف، وإنما سيواصل حصار القطاع ليس من خارجه فقط، وإنما من داخله أيضًا، إذ ستبقى القوات الإسرائيلية في المواقع التي تواجدت فيها قبل استئناف الحرب، في 18 آذار/مارس الماضي، وبضمنها محور صلاح الدين (فيلادلفي) الذي يسيطر على معبر رفح مع مصر. وحسب التقارير الإسرائيلية، فإنه في إطار هذا الاتفاق سيُستأنف إدخال المساعدات الإنسانية بواسطة الأمم المتحدة.

طوال المفاوضات بين إسرائيل وحماس، بوساطة أميركية وقطرية ومصرية، أصرّت الحركة على وقف إطلاق دائم وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة كله، ورفضت إسرائيل هذا المطلب بالمطلق. وبعد اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى السابق، في الفترة بين 19 كانون الثاني/يناير و18 آذار/مارس من العام الحالي، استأنفت إسرائيل الحرب وأعلنت أنها تسعى إلى تحقيق الأهداف نفسها التي وضعتها في بداية الحرب، قبل حوالي 20 شهرًا، وهي القضاء على حماس وإعادة الأسرى من غزة.

ولم تحقق إسرائيل في حربها أيًّا من هذين الهدفين، ولا يتوقع أحد أنها ستحقّقهما في المستقبل المنظور من دون وقف الحرب بالكامل. بل يبدو أن الحكومة والجيش الإسرائيليين استسلما لهذه الحقيقة. وفيما ترفض حكومة نتنياهو حتى الآن الحديث عمّا يسمّى "اليوم التالي" في غزة بعد الحرب، وتُعلن في الوقت نفسه أن الحرب لن تتوقف، وأنها تسعى إلى تنفيذ مخطط طرد سكان غزة إلى خارج القطاع، فإنه أصبح واضحًا أن الحرب ليست ضد حماس فقط، وإنما هي بالأساس ضد سكان غزة المدنيين، الذين يشكلون الغالبية العظمى من الشهداء والجرحى والمهجّرين الذين دُمّرت بيوتهم وحياتهم كلها.

واعترض وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، على مقترح ويتكوف، وادّعى أن "حماس تتعرض لضغط وضائقة هائلة في الأيام الأخيرة نتيجة لتغيير منظومة توزيع المساعدات وفقدان سيطرتها على السكان في القطاع، إلى جانب الضغط العسكري المتواصل. وينبغي مواصلة تشديد الحبل على عنقها وإرغامها على صفقة استسلام مطلق مع (الإفراج عن) جميع المخطوفين دفعة واحدة. وسيكون هذا غباء مهووس أن نُخفّف الضغط ونُوقّع معها على صفقة جزئية تمنحها الأكسجين وحبل نجاة وتسمح لها بالانتعاش. ولن أسمح لأمر كهذا بأن يحدث. نقطة".

الادّعاء في الإعلام وأحزاب المعارضة في إسرائيل بأن سموتريتش وإيتمار بن غفير هما الجناح الأكثر تطرّفًا في حكومة نتنياهو هو ادعاء كاذب ومضلّل. ليس لأنهما ليسا متطرّفين، وإنما لأن الحكومة كلها، وبشكل خاص حزب الليكود، على شاكلتهما وتحمل أفكارهما نفسها. وسموتريتش وبن غفير انضما إلى حكومة نتنياهو ليس من أجل تولّي مناصب وزارية فقط، وإنما، وبالأساس، من أجل دفع عقيدتهما وأجندتهما التي تتمثل بتوسيع حدود إسرائيل لتشمل فلسطين التاريخية كلها، وطرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين. ولذلك، لا ينبغي استبعاد أن الحرب على غزة بكل مأساويّتها وكارثيّتها هي مقدّمة لحرب قادمة على الضفة الغربية.

تعيين سموتريتش وزيرًا في وزارة الأمن لم يكن بهدف أن يكون مسؤولًا عن المستوطنات والمستوطنين، وإنما بهدف توسيع الاستيطان والسيطرة الإسرائيلية على الضفة، ليست كمنطقة محتلة، وإنما كمنطقة يجب ضمّ معظم مساحتها إلى إسرائيل.

مخطط ضمّ مساحات من الضفة إلى إسرائيل موجود منذ عقود. وحتى إنه موجود، على الورق، في خطط ومقترحات حل الدولتين، وهو جزء من عقيدة اليمين الإسرائيلي، في الحكومة وفي المعارضة أيضًا.

المستوطنون هم الذراع الإسرائيلية الطويلة لسرقة الأراضي في الضفة، وإقامة بؤر استيطانية عشوائية (من دون مصادقة إسرائيلية رسمية) من خلال اعتداءات متواصلة على الفلسطينيين وممتلكاتهم. وصعّدوا عمليات السرقة هذه في السنوات الماضية، بمساندة الجيش الإسرائيلي، وذلك بالتوازي مع حملة مصادقة واسعة للحكومة على مخططات استيطانية كثيرة.

في هذا السياق، أعلن الكابينيت السياسي – الأمني، أمس الخميس، أنه صادق قبل أسبوعين على إقامة 22 مستوطنة جديدة في الضفة، وبعضها في عمق الضفة، إضافة إلى إعادة بناء مستوطنة "سانور" في شمال الضفة، التي تم إخلاؤها في إطار خطة فك الارتباط عن غزة في العام 2005، وشرعنة بؤر استيطانية، بينها "حوميش" التي أُقيمت في موقع تواجدت فيه مستوطنة تحمل الاسم نفسه وأخلاها الجيش الإسرائيلي قبل سنوات.

يُشار إلى أن إقامة هذه المستوطنات سيستغرق عدة سنوات، لكن قسمًا منها يُحاصر مدنًا فلسطينية، بينها رام الله ، بعد أن استولت إسرائيل على الأراضي في هذه المناطق وصادرتها. والهدف هو تكرار النموذج الاستيطاني في أراضي الـ48، حيث صودرت الأراضي من المواطنين العرب، وحوصرت مدنهم وقراهم، ومُنع توسيعها، ببلدات يهودية صغيرة لا يُسمح للعرب بالسكن فيها.

العملية العسكرية التي شنّها الجيش الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية غداة وقف إطلاق النار في غزة، في كانون الثاني/يناير الماضي، هي الأكبر في العشرين عامًا الأخيرة، وهدم خلالها مساحات واسعة في مخيمات اللاجئين في شمال الضفة، وبشكل خاص في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، وارتقى مئات الشهداء، وهُجّر أكثر من 40 ألفًا. وأدّت هذه العملية العسكرية إلى تدمير الاقتصاد في شمال الضفة. والأوضاع الأمنية المتوترة تمتد إلى وسط وجنوب الضفة، وإلى القدس أيضا. ونسبة البطالة مرتفعة في الضفة بعد أن أوقفت إسرائيل، في بداية الحرب على غزة، دخول أكثر من 120 ألف عامل للعمل في إسرائيل.

مخطط الضمّ من شأنه أن يستدعي، ربما، انتفاضة جديدة في الضفة، رغم أن حرب الإبادة في غزة لم تؤدِّ إلى تصعيد أمني كبير فيها. لكن سواء انتفضت الضفة أم لا، تتردد تقارير إسرائيلية حول مخطط ترانسفير في الضفة، في السنوات المقبلة، سيتم تنفيذه من خلال هجوم عسكري بالضرورة، قد يصل إلى حدّ حرب إبادة أخرى، يتخللها القتل والتدمير والتجويع. فإسرائيل باتت خبيرة في الإبادة. وفي هذه الأثناء، نُفذت عمليات ترحيل لتجمعات فلسطينية بدوية عن أراضيها في الأغوار وفي جنوب جبل الخليل.

كل ما ذُكر أعلاه يعني أن دولة فلسطينية بالنسبة لإسرائيل هو أمر مرفوض. وهذا واضح. لكنه يعني أن الصراع سيستمر إلى أجل غير مسمّى، وهذه مصلحة إسرائيلية. ومن أجل تحقيقها، يتعيّن على إسرائيل أن تحافظ على توتر دائم ليس مع الفلسطينيين فقط، وإنما توسيعه، كي تُنفّذ مخططاتها في غزة والضفة، وفي مقدمتها الترانسفير.

توسيع الصراع الذي يتحدث عنه نتنياهو يتّجه إلى إيران. وفيما تتحدث إدارة بايدن عن أن اتفاقًا نوويًّا جديدًا مع إيران قد يكون وشيكًا، فإن نتنياهو أرسل هذا الأسبوع وفدًا إلى واشنطن – ضمّ رئيس الموساد، دافيد برنياع، ووزير الشؤون الإستراتيجية، رون ديرمر، ورئيس مجلس الأمن القومي، تساحي هنغبي – في محاولة لإقناع إدارة بايدن بعدم التوقيع على اتفاق نووي مرحلي مع إيران، ومن أجل القول إن اتفاقًا مرحليًّا كهذا ليس مقبولًا على إسرائيل ولا يُلزمها، أي لا يمنع إسرائيل من مهاجمة إيران.

ويصرّح نتنياهو أنه سيوافق على اتفاق نووي مع إيران فقط إذا شمل تفكيك البرنامج النووي الإيراني بكامله، وهو شرط يبدو أن إيران يستحيل أن توافق عليه. وتُظهر أقوال نتنياهو أنه قد يُوعز بمهاجمة إيران حتى من دون دعم أميركي، رغم أن إسرائيل ستكون بحاجة لدعم كهذا من أجل اعتراض ردٍّ إيراني. رغم ذلك، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن تخلي الولايات المتحدة عن إسرائيل في حال الرد الإيراني هو أمر مستبعد.

ورغم ذلك، ربما يُطلق نتنياهو تهديداته ضد إيران لمجرد التهديد، لأن تنفيذها له عواقب على مستوى العالم، مثل ارتفاع أسعار النفط، وربما تؤثر على استقرار دول الخليج، حليفة الولايات المتحدة. لكن استمرار التهديدات الإسرائيلية ضد إيران، حتى من دون تنفيذها، سيؤدي إلى استمرار التوتر في المنطقة، وهذا بحدّ ذاته هدف ومصلحة إسرائيلية.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية إسرائيل: ارتفاع أسعار الوقود في حزيران نتنياهو يخضع لـ"إجراء طبي" بالمستشفى إصابة 3 جنود إسرائيليين في معارك جنوب غزة الأكثر قراءة محدث: مجزرة يرتكبها الاحتلال بحق عائلة في عبسان الجديدة شرق خان يونس رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يستدعي رئيس الشاباك المُعيّن الخارجية: جرائم المستوطنين في بروقين وغيرها مُخطط لها لتهجير شعبنا باراك: لا نصر في غزة.. وسنعود لنقطة الصفر بعد وقف العمليات عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • امتحانات الشهادة الإعدادية.. نماذج بوكليت المراجعة النهائية في اللغة العربية
  • هدف حرب إسرائيل هو طرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من غزة
  • جامعة الملك عبدالعزيز تختتم برنامج تأهيل خبراء العربية في العالم
  • مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يختتم برنامج “تأهيل خبراء العربية في العالم” في جدة
  • الأحد المقبل.. الأكاديمية العربية في الإسكندرية تطلق منصة "المرأة العربية في العلوم" بالشراكة مع اليونسكو
  • مفرد قطيع .. أسئلة حيرت الطلاب في امتحان اللغة العربية للدبلومات الفنية
  • دعوة الأم تُمزق حُجب السماء
  • جامعة قطر تحتفي بتخريج دفعة جديدة من طلبة مركز اللغة العربية للناطقين بغيرها
  • جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة تعلن أسماء الفائزين بها في دورتها 11
  • اللغة والسيادة.. العربية مفتاح النهضة وصوت الهوية