لم يزل جامع بني أمية -المعروف بالجامع الأموي- وجهة لزائري دمشق من جميع المذاهب والطوائف، سواء كانت زياراتهم سياحية أم ترفيهية أم دينية. وبعد سقوط نظام الأسد، أصبح الجامع الأموي مهوى لأفئدة القادمين بعد طول غياب عن دمشق، وموئلا للقلوب المشتاقة، فيه يعلنون فرحهم، ومنه ينشرون صورهم.

لقد أصبح الجامع الأموي مكانا للذكرى التاريخية ومجسدا للتناقضات الأيديولوجية بين الماضي والحاضر، مما يحمل عدة دلالات، من أهمها أنه كان عنوانا بارزا على سطوة النظام وسيطرته وهيمنته، ورمزًا سلطويا وعلامة بارزة لأفعال النظام وأعوانه من "القوات الرديفة" كما يسميهم، وهي المليشيات العابرة للحدود التي كانت تمارس طقوسها في هذا الجامع الكبير، متسببة في كثر من الأحيان بتغيير الطابع الروحي لهذا الصرح الإسلامي العريق.

بين شهرين وهويتين

وبعد الإطاحة بنظام الأسد، أصبح الجامع رمزا للتحرر والإرادة الشعبية، وعنوانا لسقوط هيمنة ذلك النظام واستعادة الإرادة الحرة. تنتشر منه الصور يمينا ويسارا لتطوف البلاد وتسرّ كل مشتاق للعودة إلى دياره.

وبالعودة إلى الوراء، أي إلى ما قبل شهرين فقط أو قبلها بقليل، كان جامع بني أمية ميدانًا لهوية دينية لا تعبر عن أبناء سوريا، ومكانًا يتسم بالانقسامات الطائفية والسياسية.

إعلان

ففي السنوات العشر الأخيرة، كان يمكنك أن تلحظ تحولا كبيرا في الجامع، إذ كانت تمارَس فيه طقوس عاشوراء ومواكب اللطم الحسينية وغيرها، وهو ما كان يعكس الهيمنة السياسية الإيرانية الطاغية على مشهد الجامع.

فعلاقة إيران بجامع بني أمية وبالمدينة أضحت علاقة سيطرة، وهو مشهد كان الثائرون ينقلون صوره من وراء الحدود، ويتحدثون عن وقوعه في الأسر، وعن استخدامه بطريقة غير إنسانية وغير أخلاقية للتعبير عن الهيمنة السياسية لاتجاه ديني محدد.

مشاهد من صحن الجامع

أما بعد سقوط النظام بشهر واحد فقط، فإنك إن دخلت جامع بني أمية فستجد صحنه الذي يتسع لعشرات الآلاف يكاد يفيض بالزائرين، في رمزية عظيمة طال انتظارها للاحتشاد الشعبي بعد سنوات من القمع.

علم الثورة ترفعه فتاة صغيرة وسط ساحة الجامع وهي تلتقط صورة للتعبير عن الفرح والنصر معًا، معلنة بداية مرحلة جديدة من الأمل، ومقاتل يرتدي زيا عسكريا بلحية كثيفة يتجمع الناس حوله، يلقي موعظة في زاوية أخرى من الصحن عن مجريات المعركة و"ما تم من فتوح ربانية أجراها الله على أيدي المجاهدين".

جنود الثورة يصلون في ساحات المسجد الأموي في دمشق بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد (شترستوك)

ومجموعة مقاتلين بزي عسكري وجوههم تشير إلى أنهم من تركستان أو أوزبكستان أو غيرهما من الجمهوريات، يلعبون فيما بينهم ويضحكون فرحين، في صورة للتلاحم بين الشعوب المختلفة في سبيل هدف مشترك.

ومجموعة من العلماء القادمين من دول الخليج يتجولون في مكان آخر، في وقت يلفت فيه نظرك رجل تركي يستوقفك متحدثا بلهجة عربية مكسرة عن فرح تركيا وشعبها بالتحرير.

كل هذه الصور لم يكن لأي واحد من الثائرين أن يتخيل قبل شهر واحد فقط أنها ستكون هي الطابع الغالب على دمشق وجامعها الكبير، جامع بني أمية.

ملتقى التغيير

جامع بني أمية اليوم شاهد حي على التغيرات السياسية والاجتماعية التي مرّت بها البلاد. فهو لا يمثل مركزًا لأداء العبادات فقط، بل هو مؤشر على حجم التغيرات التي تشهدها سوريا كلها في صورتها الشعبية وهويتها المعلنة.

إعلان

كما بات الأموي مقصدا لبعض السائحين الذين حرصوا أن يعبّروا من قلبه عن مواقفهم تجاه بعض الحكومات والدول، وهو ما أثار حساسية عدد من الناشطين السوريين، فطالبوا بمنع اتخاذ ساحة جامع بني أمية منبرا للتعبير عن المواقف السياسية المناوئة للسلطات في الوطن العربي.

الجامع العريق أضحى بعد الإطاحة بالنظام القديم رمزا للقبول والتسامح بين مختلف الأطياف، فالجميع هنا -وإن كانوا يمارسون سياحة ثورية وإعلانًا عن النصر- يقدمون نموذجا للمواطن الذي يحرص على أن يكون المسجد للجميع: عربا وعجما، صغارا وكبارا، ومن مختلف التوجهات والتيارات، دون أن يقع في قبضة احتكار أحد.

إنه مكان يجسد المستقبل المشرق الذي ينتظر البلاد، فصحن الجامع، إذا دخلته وتجولت فيه نصف ساعة، تستطيع أن تتلمس به سوريا الجديدة التي تصوغها الأيام، وتخبئ في جعبتها الكثير لتقوله للشعب السوري.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

الجامع الأزهر يطلق الدورة الثانية لتأهيل الخريجين للعمل بالرواق

أطلق الجامع الأزهر الشريف الدورة التدريبية الثانية لتأهيل خريجي الأزهر، لرفع كفاءتهم العلمية والمهنية.

الأزهر يطلق مبادرة «عيون أطفالنا مستقبلنا» في معرض مكتبة الإسكندرية للكتابمدير فتوى الأزهر يخطب من لندن عن دور الشريعة في استقرار المجتمعات

وتُعقد الدورة بمركز إعداد وتطوير معلمي القرآن الكريم بالجامع الأزهر، بالإضافة إلى الفروع المدرجة بنموذج التقديم، وتهدف الدورة إلى تعزيز قدرات المشاركين في الحفظ والأداء، وتطوير مهاراتهم في مجالات التعليم والدعوة، مما يسهم في دعم رسالة الأزهر الشريف ونشر الفكر المستنير.

وشهد افتتاح الدورة الثانية، الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر، الذي نقل عبر برنامج تيمز للمتدربين تحيات فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر، ودعواته لهم بالتوفيق، مثمنًا جهودهم في مجال تحفيظ كتاب الله تعالى. 

كما أكد على عِظم الأمانة التي يحملونها، مشددًا على أهمية الإعداد والتأهيل في آلية التحفيظ والعمل التربوي، لضمان أن يكون المحفظ على دراية بعقول الدارسين.

وتُعد هذه الدورة خطوة مهمة نحو التوسع في أروقة القرآن الكريم التي تضم أكثر من ١٤٥٠ فرعًا على مستوى الجمهورية. كما أعرب عن شكره للمتدربين من حفظة كتاب الله الذين يعمّرون القلوب بكلام طيب، متمنيًا لهم النجاح في تحقيق أهدافهم.

من جهته، أشار الدكتور عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الأنشطة العلمية للرواق الأزهري، إلى أن خدمة كتاب الله تعالى تمثل الهدف الأسمى الذي يسعى الجميع لتحقيقه. وأكد على أهمية الإخلاص في العمل كقاعدة أساسية لكل عمل صالح، مشددًا على ضرورة أن يأخذ القائمون على تعليم وتفسير القرآن في اعتبارهم رسالة نشر القيم الإنسانية والأخلاقية التي يدعو إليها القرآن.

في هذا السياق، أضاف الدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر، أن الدورة التدريبية التي ينظمها مركز إعداد وتطوير معلمي القرآن الكريم تأتي كجزء من خطة شاملة لتأهيل كوادر متميزة قادرة على أداء رسالتها بكفاءة في مختلف مناطق الجمهورية عبر الرواق الأزهري. 

وأوضح أن الدورات تركز على ثلاثة محاور رئيسية، تشمل إتقان حفظ كتاب الله، حيث يتم مراجعة ٤ أجزاء أسبوعيًا، بالإضافة إلى مراجعة أحكام التلاوة والتجويد وحفظ متني تحفة الأطفال والجزرية.

كما تتضمن الدورة محاضرات تربوية وفكرية لضمان أن يكون المحفظ ذو عقيدة سليمة وفكر وسطي معتدل.

طباعة شارك الرواق الأزهري الجامع الأزهر الأزهر الشريف خريجي الأزهر الإمام الأكبر

مقالات مشابهة

  • الجامع الأزهر يطلق الدورة الثانية لتأهيل الخريجين للعمل بالرواق
  • المهندس سعيد المصري يكتب : هوية اقتصاد السوق الاجتماعي: ثنائية الكرامة الإنسانية والحداثة المستقبليه
  • محافظ أسوان يؤدى صلاة الجمعة بالمسجد الجامع.. ويؤكد: أولوياتى مطالب والشكاوى الجماهيرية
  • أبشر.. خطوات إصدار هوية مقيم‏ للأسرة والعمالة المنزلية
  • بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر
  • بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر الشريف
  • بعد قليل.. نقل شعائر صلاة الجمعة الجامع الأزهر
  • سيربترو 2025 يختتم فعالياته.. زيادة بنسبة 80 بالمئة بالمساحة وعدد الدول المشاركة مقارنة بالعام الماضي
  • السلاح في اليمن .. هوية قبَلية وإيمانية متجذرة في الوعي اليمني
  • النبوغ في الممارسات الاستبدادية.. تأملات في مأزق الأمة وتحولات الأنظمة