سودانايل:
2025-07-29@09:09:33 GMT

تقديس الكاكي..!!

تاريخ النشر: 29th, January 2025 GMT

تأمُلات
كمال الهِدَي

. يظن بعض السذج أن (فرمالة) الجيش خط أحمر يمكن أن تمر على الكل، ويستعصي على هؤلاء فهم حقيقة أن هناك من يؤسسون مواقفهم بعد تفكير متأنٍ ومتابعة عن كثب للمعطيات التي أمامهم وبعيداً عن سياسة القطيع، حتى وإن قاد هذا القطيع بروفيسورات لامعين في مجالات تخصصهم.

. والمعطيات التي ظهرت جلية منذ عشرات السنين وليس أثناء هذه الحرب فقط، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أننا لا نملك جيشاً وطنياً، بل لدينا مليشيا حزبية يتحكم فيها الكيزان وكتائبهم المجرمة.



. وما جرى بالأمس داخل القيادة العامة من عراك لفظي بلغ حد تبادل الرصاص بين أحد قادة كتيبة البراء وضابطاً بالجيش بسبب إستفزاز الأول للثاني دليل جديد على عدم وجود الجيش الوطني الذي يستحق التقديس.

. وقد راج بعد ذلك أن البرهان أحال عدداً من ضباط الجيش للمحاسبة لأنهم تجرأوا على سادته (صعاليق) الكتائب الكيزانية البغيضة.

. وقبل أيام أيضاً تابعنا الفيديو الذي صوره قائد أول كتيبة البراء (الشافع الجهلول) من داخل مخزن للأسلحة المتطورة، وبالطبع لم يسأل أفراد القطيع أنفسهم عن الصفة التي يدخل بها مثل هذا المجرم لمخازن السلاح الخاصة بالجيش ويصور كما يحلو له بعد أن وضع كوفية الحماسيين على كتفه.

. فماذا تريد يا (ساذج) أكثر من كل هذا كدليل على أن جيشنا الحالي لا يقدسه غير المغيبين، وأن هذه الحرب القذرة لا تستهدف سوى المواطنين وثورتهم التي لفظت الكيزان، قبل أن يعيدهم للمشهد التساهل وإسناد ملف الإعلام تحديداً لرجال غير مؤهلين للحسم والتعامل بصرامة الثوار!

. فحين بدأنا ننتقد فيصل والرشيد ولقمان منذ الأسابيع الأولى لتشكيل حكومة الثورة كنا نسمع من أقرب الناس عبارات من شاكلة " تمهلوا قليلاً ولا تستعجلوا ففيصل ذكر أن القوانين تُحجم دوره في حسم هذا الملف وتطهير إعلامنا من الأدران التي لحقت به على مدى عقود طويلة.

. وكأن الرأي عندنا أن ملف الإعلام لا يحتمل التمهل لأنه إما أن يعبر بهذه الثورة لبر الأمان أو يضعفها ويعرضها للمخاطر، وأن من يؤمن بقوانين وضعتها عصابة الكيزان ما كان من المفترض أن يتولى منصباً حساساً في حكومة الثورة.

. فالبشير نفسه لم يُقتلع من منصبه بقانون، بل بإرادة الشعب وشرعية الثورة.

. وها أنتم قد رأيتم كيف أن إعلاميي الكيزان وأرزقيته الكثر تلاعبوا بثورتكم، وكيف أنهم ساهموا في زيادة النيران إشتعالاً خلال الحرب الحالية لا لشيء غير رغبتهم الجامحة في العودة لوضعهم السابق المميز وركوب طائرة الرئيس كضيوف دائمين، حتى لو أصبح الرئيس مصباح البراء، فهؤلاء لا يهمهم أي شيء سوى مصالحهم الخاصة.

. والأنكى والأمر أننا وبخلاف شلة الأرزقية القدامى والمخضرمين في سوق النخاسة قد صنعنا نجوماً آخرين أثناء الحرب وصرنا نتبادل كتاباتهم القميئة ونستشهد بكلامهم العنصري بالرغم من ترديدنا لعبارة " الثورة مستمرة".

. ويبدو أن بعضنا يفوت عليهم أن الثورة لا تبدأ بتحشيد المتظاهرين والسير في المواكب، بل تبدأ في العقول.

. ولا أفهم إطلاقاً أن نكون ثوريين وفي ذات الوقت نتبادل رسائل عنصري بغيض مثل النكرة عمسيب الذي يدعو صراحة لتفكيك هذا السودان.

. لا أفهم أن نكون ثوريين ونحن ننشر تسجيلات الإنصرافي أو ندي القلعة حتى لو من باب السخرية وإنتقاد ما يرددونه.

. فنحن نعيش في بلد يفيض بالبسطاء والسذج، وكما تعلمون أن إنتشار الغثاء بهذه الكثافة يسبب للكثير من هؤلاء البسطاء تشويشاً كبيراً، فكلما رأوا منشورات أكثر لشخص بعينه ظنوا أن هذا هو من يجب الإصغاء له وأنه أحد أكثر السودانيين وطنية.

. كما أن الثورة حسم وصرامة وما لم نكن صارمين بالقدر الذي يمكننا من مقاطعة كل أفاك فلا يفترض أن نتوقع النجاح في ثورتنا ضد الجهل والطغيان والظلم.

. وأصلاً الكيزان سخروا منذ سنوات طويلة آلة إعلامية ضخمة دفعوا فيها أموالاً طائلة من موارد هذا الشعب المسكين، وأشتروا مئات الأقلام الرخيصة من صحفيين سياسيين ورياضيين ومحللين ومقدمي برامج ولايفاتية ومطربين وممثلين وغيرهم، فكيف رضينا لأنفسنا أن نلعب دور المغفلين النافعين بمساعدة هؤلاء على توسيع دوائر نشر سمومهم يا قوم!!

. صدقوني لو تعاملنا بالوعي والصرامة الكافية منذ أول أيام هذه الحرب لما إستمرت لكل هذه الأشهر الطويلة.

. لكن حالة الإنفصام التي نعيشها كمتعلمين ومستنيرين ، وولهنا ب (الشمار) كان سبباً دائماً في هلاكنا وخراب بلدنا.

. فأنت تكره ما يطرحه عنصري بغيض يدعو لتقسيم البلد لكنك تساعده في النشر، وهذا لا يستقيم عقلاً.

. إن كنت تفهم أن مثل ما يردده لا يستحق التأمل فقد يجذب له ذلك العشرات، بل المئات من بسيطي التفكير، فما المشكلة في أن تتجاهل مثل هذا الغثاء و(تكتله) مكانه! هل هذا صعب وشاق علي من يناصر ثورة مُهرت بدماء أنبل شباب هذا البلد!

. الكل يتكلمون عن أن الكيزان يطلقون الكذبة ويكررونها آلاف المرات حتي يصدقها الناس، لكن لا أحد منا يسأل نفسه عن دوره في هذا التكرار ومساعدته لهم بالنشر.

. دعونا نعترف بأننا كثوار نهتم بالكيزان وتفاصيلهم أكثر من إهتمامنا بثورتنا وما يجري لنا وما يتوجب علينا القيام به، ففي مثل هذا الإعتراف منجاة لنا.

. وختاماً أقول للمغيبين والمغفلين الذين يحفظون اكليشيه ( الجيش خط أحمر ومؤسسة مقدسة) أن مثل هذا الكلام ينطبق على بلدان يفي فيها العساكر بقسم المحافظة على وحدة البلد وسلامة أراضيه وحماية مواطنه، فهل قام جيش الكيزان بأي من هذه المهام منذ العام ٨٩ وحتي يومنا هذا؟!

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: مثل هذا

إقرأ أيضاً:

الإخوان والحكم قبل الثورة.. كيف فهم البنا شرعية النظام الملكي؟ (2)

في سياق مراجعة فكرية وسياسية شاملة تخوضها جماعة الإخوان المسلمين، لإعادة ضبط مفاهيمها المتعلقة بالسلطة والشرعية والعنف، تنشر "عربي21" الحلقة الثانية من هذه الدراسة التأسيسية، التي تستعرض الأسس المرجعية والعملية لرؤية الجماعة تجاه الحكم والعمل السياسي. هذه الورقة، التي تمثل جزءًا من مشروع داخلي معمّق، تتناول بتركيز وتحليل موقف الإمام المؤسس حسن البنا من "شرعية الحكم" في عصره، وهي مسألة ترتبط عضوياً بموقف الجماعة من استخدام القوة السياسية أو العنف، إذ إن الطعن في شرعية الحاكم هو الباب الأخطر الذي يُفتح نحو منازعته أو مقاومته.

فما هي محددات هذه الشرعية في فكر الإمام البنا؟ وما موقفه من الحكومة والملك؟ وهل كان يعتبر النظام السياسي القائم في مصر آنذاك شرعياً؟ وما العلاقة بين هذا التصور النظري والممارسة العملية للجماعة؟ أسئلة تطرحها هذه الورقة بأدوات تحليلية تضع النقاط على الحروف، وتكشف كيف تنقّل الإمام البنا بين الولاء الخطابي والموقف الواقعي، بين النقد الدستوري والموقف الشرعي، بين تفاؤله المبكر بالملك فاروق، وتشككه اللاحق بشرعية النظام كله.

كيف نظر الإمام حسن البنا إلى شرعية الحكم في عصره؟


هناك ارتباط وثيق بين شرعية الحكم، ومسألة استخدام العنف موضوع هذه الورقة. فغياب هذه الشرعية يفتح الباب أمام استخدام العنف في مواجهة الحكام، فترى كيف نظر الإمام حسن البنا إلى شرعية الحكم في عصره؟.

 بدايةً.. كان الإمام البنا واضحا في رسائله من أن الجماعة ( لا تعترف بأي نظام حكومي لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه.. وسنعمل على إحياء نظام الحكم الإسلامي بكل مظاهره، وتكوين الحكومة الإسلامية على أساس هذا النظام). وقد صارح الإمام البنا بذلك في رسالة "إلى الشباب" في مطلع الاربعينيات، وظلت تلك الفكرة مستقرة لديه طيلة ذلك العقد حتى عبّر عنها مرة أخرى ـ قبل استشهاده بشهور قليلة ـ في مقالته الشهيرة بعنوان "معركة المصحف"، حيث أعلن (أن الإسلام شريعة ربانية جاءت بتعاليم إنسانية، وأحكام اجتماعية، وكلت حمايتها ونشرها، والاشراف على تنفيذها بين المؤمنين بها، وتبليغها للذين لم يؤمنوا بها إلى الدولة، أي إلى الحاكم الذي يرأس جماعة المسلمين ويحكم أمتهم.. وإذا قصر الحاكم في حماية هذه الأحكام لم يعد حاكما إسلاميا، وإذا أهملت شرائع الدولة هذه المهمة لم تعد دولة إسلامية.. أين نحن من هذا كله؟.. يا دولة رئيس الحكومة أنت المسئول بالأصالة.. يا معالي وزير العدل أنت المسئول بالاختصاص.. ويا أيتها الأمة أنت المسئولة عن الرضا بهذا الخروج عن حكم الله لأنك مصدر السلطات.. ففاصلي حكامك).

الموقف من الحكومة والملك


ولعل التساؤل الذي يطرح نفسه هنا: هل القدح في الشرعية ـ في هذه الحالة ـ يقتصر على الحكومة المقصرة فقط أم يمتد للنظام الحاكم بأكمله وعلى رأسه ملك البلاد؟

للإمام البنا عبارات قديمة في أن (جلالة الملك هو حاكم البلاد الشرعي، وهو والحمد لله ـ ومن جميل توفيقه يؤدي الفرائض، ويعمل على ما فيه إعزاز الإسلام والمسلمين، فموقف الإخوان من السراي موقف الولاء والحب.. ولا يمنع ذلك من توجيه النصيحة الواجبة)..

كان الإمام البنا واضحا في رسائله من أن الجماعة ( لا تعترف بأي نظام حكومي لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه.. وسنعمل على إحياء نظام الحكم الإسلامي بكل مظاهره، وتكوين الحكومة الإسلامية على أساس هذا النظام).وتتكرر الفكرة في "رسالة المؤتمر السادس": (نحن مخلصون للعرش وللجالس عليه، ونسأل الله أن يمده بعنايته وتوفيقه، وأن يصلح به البلاد والعباد، ذلك لأنه رئيس الدولة الأعلى، ومظهر النظام الحكومي).. والرسالة بعد ذلك تحمل نقدا قاسيا ليس فقط للحكومة القائمة وقتها، ولكن ( للحكومات المصرية على مختلف ألوانها)..

وعندما يتكلم البنا عن المسئولية عن تحريم المنكرات ـ في قضية تحطيم الحانات ـ فهو يذكّر الحكومة ويتحدث عن سحب الثقة منها إن قصرت في ذلك..

بل إنه عندما يتحدث عن قيام الزعامة الشعبية ومن خلفها الأمة بسحب الثقة والعزل، نجده يحدد مبررات ذلك نصًا بأنه يتم (عند انحراف القيادة ـ الحكومة ـ عن الصراط المستقيم)..

والحقيقه أن مسؤولية الملك تمثل نقطةً قابلةً للجدل دستوريا، وقد أشار إلى ذلك الإمام البنا ذاته في رسالة "مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي"، حيث لاحظ أن (الأصل في المسؤولية في النظام النيابي، أن المسؤول هو الوزارة ولا مسؤولية على رئيس الدولة، وقد جرى على هذا الوضع الدستور الإنجليزي والدستور المصري، فصرح كل منهما بمسئولية الوزارة، وإخلاء رئيس الدولة من كل مسئولية واعتباره لا يخطئ، واعتباره ذات مصونة لا تمس)..

إلا أن الامام البنا اعتبر أن تحديد مسؤولية الملك، من النقاط الغامضة في الدستور التي تتطلب إيضاحا أكبر.

 على أننا هنا لسنا معنيين بدقائق الناحية الدستورية قدر عنايتنا بالحقائق على أرض الواقع.. وقد أكدت هذه الحقائق طيلة العقود الثلاثة للحكم الملكي منذ دستور 1923 ـ والتي عايش أغلبها الإمام البنا ـ على الوزن الكبير والدور الواسع للملك في توجيه الحياة السياسية بما يفوق بكثير وزن ودور الوزارات المتعاقبة،  فإذا كان الأمر كذلك فمثل هذه الحقائق لم تكن لتخفى على الامام البنا، ومن ثم فنحن في حاجة للتروي لدى سعينا لتفهم المنهجية التي كان يسير عليها والتي عرضنا إليها هنا.

تفاؤل بالملك الشاب

والذي يغلب على الظن أن البنا كان متفائلا في بداية عهد فاروق أنه يمكن بشئ من المساندة من بعض الشخصيات الوطنية القريبة منه أن يسلك الطريق المأمول، ثم تحولت سياسة البنا ـ مع انحدار أوضاع فاروق ـ إلى نوع من المداراة والمناورة لتحقيق قدر من الموازنات، ولتقليص حجم العداوات التي واجهتها الجماعة مع تنامي وزنها السياسي... ولعل هذا يفسر استمرار البنا على ذات المنهجية في خطابه تجاه الملك طيلة وجوده على رأس الجماعة وحتي في صياغته للشكوى التي رفعها إلى الملك من قرار النقراشي بحل الجماعة.

لقاء البنا ويوسف رشاد وتعليق الملك

ولعله من المفيد هنا أن نثبت هذه الرواية التي دارت عام 1945 عندما تم لقاء بين الإمام البنا ويوسف رشاد؛ أحد رجال الملك المقربين، عن طريق أنور السادات، وبعدها حكي رشاد للسادات أنه حاول ـ إثر هذا اللقاء - إقناع الملك بإخلاص البنا له فضحك الملك قائلا له: "لقد سخر منك البنا".. وعبر السادات عن دهشته من هذا الموقف. ويعقب اللواء صلاح شادي في مذكراته على دهشة السادات (الحقيقه التي ربما غاب عن السادات إدراكها، ولم تغب عن الملك، هي أن حسن البنا لم يحمل له ولاءً، ولا للنظم القائمة)..

وبالطبع فإنه من غير المتوقع أن نجد تأكيدا لشهادة الأستاذ صلاح شادي هذه في كلام الإمام البنا المنشور إلا أننا نجد تعزيزا لها في بعض ما قام به من أنشطة توحي بعدم قناعته بشرعية النظام القائم؛ مثل إنشاء النظام الخاص، وترتيب تكوينات تابعة للجماعة في الجيش، وأيضا تأكيده الدائم على ضرورة الاستعداد للجهاد دون الإعلان عن هدف محدد لهذا الجهاد.

ومن الواجب هنا المسارعة بالتحفظ بأن قناعة الإمام البنا بعدم شرعية النظام القائم لم تكن تعني بالضرورة إقراره لوجوب استخدام العنف تجاه الحكام، فلم ينسب إليه هذا الإقرار مباشرة أو ضمنا، ولكنها تعني أن استخدام القوة أمر وارد إن كان ذلك ضروريًا ومجديًا وفق ما سبق وأن عرض إليه في "الرسائل".

ولعله من المفيد أن نلاحظ هنا أن هناك إشارة قوية لقناعة البنا بعدم شرعية النظام الحاكم تتمثل في ذلك الفهم الذي أورثه لمن بعده، والذي سمح لقيادة الجماعة وعلى رأسها مرشدها المستشار الهضيبي بالمشاركة في حركة الجيش في 23 يوليو دون أي اعتبار لشرعية النظام الذي يجري إسقاطه، علما بأن مشيئة الله فقط هي التي قدرت أن تكون هذه الحركة سلمية، وكانت الاحتمالات القائمة عند اتخاذ قرار المشاركة لا تخلو من الاضطرار لاستخدام القوة بصورة أو أخرى.

نظرة حسن البنا لانحرافات أهل الحكم.. تبعية وعمالة أم استبداد وفساد؟

أهل الحكم، المقصودين هنا تلك الفئات التي تلي أمور البلاد، وليس مجرد رأس السلطة؛ ملكا كان أم رئيسا.

الملفت أن البنا مقلٌ في تطرقه ـ وهو يتحدث عن أهل الحكم في عصره ـ لضرورة مؤاخذتهم على تورطهم في الاستبداد والفساد، بينما غلب على حديثه عنهم ملاحظته لما هم عليه من تبعيةٍ للمحتل الأجنبي تصل إلى حد العمالة في بعض الأحيان، وهي نظرة قد تفسر الغموض والتعميم الوارد في عبارات البنا بشأن استخدام القوة فيما يتعلق بالجهة المستهدفة؛ فاستخدام القوة ضد المحتل الاجنبي أمر مقطوع بشرعيته، وهو ما يفتح الباب بالتبعية أمام استخدامها ضد عملاء وتابعي هذا المحتل من مدخل عمالتهم وتبعيتهم.وأهمية تحديد الموقف الشرعي من الحكام فيما يتعلق بقضية ممارسة العنف واضحة، فهم الخصم المعني بهذه الممارسة. هب أن واحدة من الحركات الإسلامية رأت أن الطرف الحقيقي الذي تواجهه هو ذلك المحتل الأجنبي، وأن الحكام من أهل البلاد ليسوا إلا أداة لا وزن لها، ومن ثم فلا شرعية حقيقية لهم، فإذا اتجهت لاستخدام العنف ضدهم فإنها لا ترى أنها خرجت على ولاة الأمور الشرعيين، وإنما نالت من مجرد عملاء تابعين للمحتل الأجنبي.

ترى كيف نظر البنا لهؤلاء الحكام في حينه؟

الملفت أن البنا مقلٌ في تطرقه ـ وهو يتحدث عن أهل الحكم في عصره ـ لضرورة مؤاخذتهم على تورطهم في الاستبداد والفساد، بينما غلب على حديثه عنهم ملاحظته لما هم عليه من تبعيةٍ للمحتل الأجنبي تصل إلى حد العمالة في بعض الأحيان، وهي نظرة قد تفسر الغموض والتعميم الوارد في عبارات البنا بشأن استخدام القوة فيما يتعلق بالجهة المستهدفة؛ فاستخدام القوة ضد المحتل الاجنبي أمر مقطوع بشرعيته، وهو ما يفتح الباب بالتبعية أمام استخدامها ضد عملاء وتابعي هذا المحتل من مدخل عمالتهم وتبعيتهم.

ولعل هذا المنطق أيضا يفسر التباين في موقف البنا من خرق القانون في موقفين مختلفين:

الأول هو مهاجمة حانات الخمور، هنا فقد تضمن تعقيب البنا عليه اعتراضه الواضح على ما حدث من خرق للقانون رغم تسليمه بنبل دوافع من فعلوا ذلك (نحن لا نوافق على تحدي القانون بهذه الصورة، وليس من منهاجنا ـ نحن الإخوان المسلمين ـ أن نسلك هذا السبيل)،  من تراث الإمام البنا ـ الكتاب الثامن ـ ص 191.. مقال تحطيم الحانات ـ النذير 17-1-1939.

أما الموقف الآخر فقد رواه اللواء صلاح شادي في مذكراته ( استدعاني المرشد حسن البنا، وسألني عن إمكانية إخفاء حسين توفيق لحين تدبير فراره من مصر فأجبته أن هذا ممكن، ورتبت أمر الإيواء في منزل أحد الإخوة. صلاح شادي - حصاد العمر - ص 75

وكان حسين توفيق قد قتل أمين باشا عثمان الوزير الوفدي الذي كان من أنصار الإنجليز، وكان يرى علاقة مصر وإنجلترا كزواج كاثوليكي لا ينفصم.

وبالطبع فقد كان ما قام به الإمام البنا هنا من ترتيب إيواء وتهريب القاتل يمثل خرقا للقانون كذلك، واستساغة الإمام البنا له هذه المرة إنما تأتي في إطار موقفه من العمالة للمحتل الأجنبي.

وهنا ملاحظتان جوهريتان في هذا الشأن:

ـ الملاحظة الأولى: أن مدخل إجازة استخدام القوة ضد أطراف مصرية بمسوغ تبعيتهم وعمالتهم للمحتل الأجنبي مدخل لا يفتقد للموضوعية نظريا في ظل استخدام هؤلاء بالفعل كأدوات في يد الأجنبي، ولكنه مدخل شائك للغاية، خاصة في ظل الدولة الحديثة التي تهيمن علي أوضاع المجتمعات، فإذا وجهت الحركة الإسلامية سهامها لشريحة من أهل الحكم بدعوى عمالتهم، فما الحد الفاصل بين الحكام الوارد في حقهم العمالة، وبين جهاز الدولة الذي يمارس مهامه الوظيفية الطبيعية، خاصة أن هؤلاء الحكام لايتأتى لهم الوفاء بواجبات العمالة والتبعية ـ المفترضة ـ إلا بمعاونة وحماية شرائح متتابعة من العاملين بجهاز الدولة.

وعلي أية حال فلعل التجارب تشير إلى أن استباحة استخدام العنف في مواجهة أهل الحكم بدعوى عمالتهم مثلت ثغرة نالت من الحركة الإسلامية عامة أكثر مما أفادت مشروعها.

ـ الملاحظة الثانية: أن عزوف قيادات الجماعة عن اعتماد هذا المدخل في التعامل مع الحكام منذ عودتها لنشاطها العام في السبعينات واستخدامهم – عمليا - لمدخل الاستبداد والفساد عزز إنتفاء دواعي استخدام القوة تجاه الحكام، ومعلوم أن للطرح الإسلامي موقفًا أكثر حدة من العمالة والتبعية للمعتدي الأجنبي بالقياس لموقفه من الاستبداد والفساد مع رفضه لكليهما، وعليه فإننا هنا أمام حالة تطبيقية لإعادة تقدير الواقعة وإطلاق الوصف الفقهي المناسب عليها توطئة لاختيار النص الذي يتناسب إنزاله مع هذه الواقعة.

فحكام السبعينيات وما بعدها ليسوا كحكام الأربعينيات وما حولها، فلم يعد عيب الحكام الأبرز هو التبعية والعمالة..

وكذلك الجماعة ليست هي جماعة العهد الملكي فقد زاد وعيها بخطايا استبداد الحكام بعد محنها القاسية، ولعله قد اتضح لها أن الاستبداد مدخل التبعية، وأن في علاجه علاجها كذلك.

إقرأ أيضا: الإخوان المسلمون" يفككون علاقتهم بالعنف.. ملامح السلمية في تجربة الجماعة (1)


مقالات مشابهة

  • كاريكاتير الثورة
  • صحيفة الثورة الثلاثاء 4 صفر 1447 – 29 يوليو 2025
  • ترامب يقلص المهلة التي منحها لبوتين لوقف الحرب
  • ترامب: أنقذت العالم من 6 حروب.. وسأقلل مهلة الـ 50 يوما التي منحتها لبوتين
  • الإخوان والحكم قبل الثورة.. كيف فهم البنا شرعية النظام الملكي؟ (2)
  • صحيفة الثورة الإثنين 3 صفر 1447 – الموافق 28 يوليو 2025
  • تقديس المدير
  • صحيفة الثورة الأحد 2 صفر 1447 – 27 يوليو 2025
  • اللا-معقول في السياسة السودانية
  • النرويج التي أصبحت غنية أكثر من اللازم.. حين يتحول الازدهار إلى عبء