لجريدة عمان:
2025-06-11@01:18:06 GMT

الصورة والعمى .. كأن شيئًا ما قد مات!

تاريخ النشر: 1st, February 2025 GMT

« أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصرُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ»

من سورة الحج، الآية 64.

تعاظم اهتمامي بموضوع الصورة خلال الحرب على غزة، فقد كانت هذه الحرب الإبادية المدمرة في جهة منها مختبرًا حقيقيًا موحشًا للصور، هذا لمن يرقب المشهد من خارجه وليس لمن هو جزء من الحدث.

الزخم الهائل للصور الوحشية وتدفقها السريع على مدار الساعة جعلني أتبيَّن حقيقةَ أننا واقعون -لا محالة- في أسر ما نراه على التلفزيونات والهواتف. ولا شك أننا، هذه المرة بالذات، بعد الحرب على غزة، ندخل في صراع حاسم مع البَصَريّ؛ فإما أن نسمح للصور التي تحتلُ المساحات العظمى من نظرنا بأن تمعن في تدجيننا أكثر مما فعلت طيلة أكثر من قرن منذ اختراع التصوير، وإما أن نجتهد قليلًا في مقاومتها عبر إمعان النظر واختراق طبقات الصورة المُجَمَّدة، كي نخضعها بوعينا إلى قراءة جديدة، غير حصرية ولا منتهية.ذلك يعني أن عصرًا جديدًا في تاريخ الصورة لا بدَّ أن يبدأ، عصرًا ننتقل فيه من مرحلة «الفُرجة» السلبية الكسولة الضجرة، حيث تعتاش الذاكرة على تلقي العيون إلى حد الإشباع، ومن دون تدخل، إلى مرحلة القراءة التي تغدو فيها الصورةُ نصًا. قراءة الصورة، مرةً ومرتين وثلاثًا، إلى أن يتمكن الرائي في اختراق تحصينات الصورة وأغشيتها السميكة، هي الحيلة. هكذا في اعتقادي بأنه يمكننا أن نقاوم العمى وهيمنة خطاب الصورة الدامغ والمضلل. من هنا يصبح بوسعنا أن نعطي الصورة أكثر مما نأخذ منها. لكن الاعتياد يبقى الخطر الأكبر الذي يشوب علاقتنا بالصورة ويعطّل حوافز التفكير فيها ويحد من قراءتها بوصفها نصًا لا ينضب. لم يكن تطبيق إنستجرام موجودًا، ولا شبكة الإنترنت التي نعرفها اليوم، حينما ألَّفت سوزان سونتاغ كتابها الشهير «حول الفوتوغراف» عام 1977، حيث كتبت عن اعتيادنا للصور إن «طبيعة المشاعر، بما فيها الغضب الأخلاقي، التي يستطيع الناس تجميعها كردِّ فعل على الصور الفوتوغرافية للمقموع، المُستَغلّ، الجائع، والمذبوح تعتمد أيضًا على درجة اعتيادهم على هذه الصور». فورًا تضرب سونتاغ مثالين من ذاكرة النصف الثاني للقرن العشرين: «صور دون ماكولين للبيافريين الهزيلين، في نيجيريا، بدايات السبعينيات، كان لها تأثير أقل في بعض الناس من صور ورنر بيشوف لضحايا المجاعة في الهند، بدايات الخمسينيات، لأن هذه الصور غدت عادية. ولا بدَّ أن صور عوائل الطوارق، المعرضين للموت جوعًا، والتي ظهرت في المجلات في كل مكان عام 1973، بدت للعديد من الناس لقطات لا تحتمل لمعرض صار مألوفًا من الوحشية». حين تتوقف سوزان سونتاغ، في سبعينيات القرن الماضي، للاستشهاد بصور تحكي هزال البيافريين في نيجيريا أو مأساة الطوارق الجوعى في الصحراء الإفريقية، فإن أمثلة سحيقة كهذه بمقايس اليوم، والتي التُقطت على الأغلب بجودة متواضعة يحدها تطور عدسات ذلك الزمان، وأغلب الظن أنها لم تكن ملونة، ستقودنا حتمًا لنتساءل عمَّا تبقى منها في ذاكرة الألم الإنساني، وعن مدى تأثيرها اليوم في الحساسية العامة بعد أن طُمِرت، خلال خمسين سنة من التصوير، تحت صور أكثر فحشًا وجرأة وفظاعة. يمكننا في البلاد العربية المعذبة أن نلتفت إلى أرشيفنا البصري المعاصر فحسب، الحافل بصنوف مختلفة من أشكال التعذيب والقتل والاغتيال والدمار والجوع والسغب والمرض والهزال وسوء التغذية، في ملايين من الصور ذات الجودة العالية ولقطات الفيديو الجريئة التي تقفز بجنون خارج أسوار اللغة ونعوتها واستعداداتها التقليدية للوصف والمجاز، فأين ستتبخر تلك الصور الوحشية من الحرب الأهلية اللبنانية، والتي حاول روبرت فيسْك كتابتها في كتابه «ويلات وطن» مستعينًا بالصور حين تُخفق اللغة؟ أين ستتخبر مشاهد سوق العرب العُمانيين جماعات إلى حُفر الذبح الكبيرة في ذلك الفِيلم المرتجل الذي سرَّبه مصور إيطالي إلى العالم عام 1964؟ وتحت أي طبقات من النسيان ستختفي الصور الفاحمة لمذبحة دير ياسين عشية النكبة؟ وفي أي درج ستخفي الولايات المتحدة تلك الصور المسربة من حفلات التعذيب في معتقل أبو غريب؟ وغيرها وغيرها من الفظاعات المصورة، هل يسعها كلما قشَّرنا بصلة الذاكرة أن تستفز غضبنا الأخلاقي اليوم أمام هول الإبادة المبثوثة بأعلى التقنيات وأفقع الألوان؟

من شريط الإبادة الطويل، على مدى عام ونصف العام، أريد فقط أن أحتفظ بالصورة الأخيرة للجسد، الطفل، العليل حتى الموت في سرير بمستشفى أبي يوسف النجار في رفح.. أريد فقط أن أحتفظ بصورة يزن الكفارنة الذي قتله الإسرائيليون عطشًا لرائحة الجلوكوز في الدم. تكفي صورة واحدة لكي أتذكر، وصور يزن كانت درسي لتجاوز النظر في الصورة إلى قراءتها نصًا أحفوريًا يتكشَّف كلما جددت النظر وأطلت التأمل.

كأن شيئًا ما قد مات.. أجل، من المؤكد أن شيئًا فطريًا في تكويننا الطينيّ الأول قد انتُهك مرارًا حتى الموت بفعل الكاميرات وإشعاع الصور المُحرق، وكأن حواسنا أصبحت على حين غفلة أقل ذكاءً مما كانت عليه بالأمس، لذا لا بدَّ أن أوصي أصدقائي المصورين بضرورة قراءة كتاب «حول الفوتوغراف» لسوزان سونتاغ، كي يدركوا على الأقل أي أسلحة فتَّاكة تلك التي يصوبونها نحونا في المحافل والأوقات السعيدة.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

العلماء يستبعدون وجود “الكوكب إكس” في 75% من مواقعه المحتملة

الولايات المتحدة – استبعد علماء الكواكب الأمريكيون وجود “الكوكب إكس”، بصفته كوكبا تاسعا افتراضيا في نظامنا الشمسي، في 75% من مناطق السماء التي كان يُعتقد أنه قد يوجد فيها.

جاء ذلك بعد دراسة شاملة لأطراف النظام الشمسي باستخدام تلسكوب PAN-STARRS1 في هاواي، ونُشرت نتائج الدراسة على موقع arXiv.org.

وأجرى فريق بقيادة ماثيو هولمان من مركز “هارفارد-سميثونيان” للفيزياء الفلكية أحد أوسع عمليات البحث عن أجسام بحجم كوكب في تلك المناطق النائية. وكشفت الدراسة عن 692 جرما سماويا صغيرا، منها 23 كوكبا قزما و109 أجرام جديدة. ورغم عدم العثور على “الكوكب إكس” أو أجسام كبيرة أخرى، إلا أن البحث ضيّقَ نطاق احتمالية وجوده إلى حد بعيد.

واستخدم العلماء تلسكوب PAN-STARRS1 المصمم أساسا لرصد الأجرام السماوية سريعة الحركة مثل الكويكبات والمذنبات للبحث عن كواكب بطيئة الحركة بفضل تطوير خوارزمية خاصة. وقامت الخوارزمية بدمج صور متعددة لمناطق السماء نفسها التُقطت أعوام 2009-2017، مستفيدة من وجود كويكبات معروفة بمساراتها الدقيقة في الصور لتحديد حركة الأجرام البعيدة بدقة.

وسمح هذا بتحليل حركة الأجرام السماوية الواقعة على بعد 80 وحدة فلكية (المسافة بين الأرض والشمس) أو أكثر. ولم تُظهر أي من الصور التي حللها الفريق أي أثر لـ”الكوكب إكس”، مما حصر احتمالية وجوده في منطقة صغيرة من السماء قرب مستوى مجرتنا درب التبانة، وهي منطقة لم يفحصها بعد التلسكوب بدقة كافية وتحتاج إلى مزيد من البحث في المستقبل.

يذكر أن عالمي الكواكب قسطنطين باتيغين ومايكل براون أعلنا عام 2016 عن اكتشافهما لأدلة على وجود “الكوكب إكس” الغامض. وأطلق هذا الاسم على الكوكب التاسع الافتراضي للنظام الشمسي، والذي يبعد عن الشمس مئة مليار كيلومتر على الأقل (حوالي 670 وحدة فلكية)، ويقترب حجمه من حجم نبتون أو أورانوس. ولم تنجح عمليات البحث عنه حتى الآن، مما يدفع العديد من الفلكيين للتشكيك في وجود “الكوكب إكس” والبحث عن بدائل تُفسر طبيعة هذا الجرم السماوي ومكان وجوده الحقيقي.

المصدر: Naukatv.ru

مقالات مشابهة

  • في رسالة غير مسبوقة بحدتها.. ضباط استخبارات إسرائيليون لنتنياهو: لن نشارك بعد اليوم في الحرب 
  • الصور الأولى من مسلسل ابن النادي لـ أحمد فهمي
  • بفستان قصير.. ناهد السباعي تتألق بإطلالة جذابة
  • بفستان قصير.. إطلاله جذابة لـ مي سليم على الشاطئ
  • نور الدين البابا: بعض الأسماء التي يسلط عليها الضوء اليوم وحولها الكثير من إشارات التعجب والاستفهام، ساعدت خلال معركة ردع العدوان على تحييد الكثير من القطع العسكرية التابعة للنظام البائد وهذا ما عجل النصر وتحرير سوريا
  • صور نادرة لجهود عمّال سعوديين على الطريق المؤدي إلى منجم مهد الذهب قبل 80 عامًا
  • العلماء يستبعدون وجود “الكوكب إكس” في 75% من مواقعه المحتملة
  • «واتساب» يتيح لأندرويد اختيار جودة تنزيل الصور والفيديوهات
  • الصور الكاملة لحفل هشام عباس على مسرح البالون
  • علماء يستبعدون وجود الكوكب إكس في مواقعه المحتملة