الكتاب: الوحي و النص قراءة في المشروع المحمدي
الكاتب: فراس السواح
الناشر: دار التكوين للنشر و التوزيع ـ الشارقة ـ الطبعة الأولى 2024
(397 صفحة من القطع الكبير) 

التوفيقية في المشروع المحمدي:


يقوم المشروع المحمدي على نص لغوي هو القرآن الكريم، والنص اللغوي لا ينشأ إلا في حاضنة ثقافية معينة، ويعبر عن نفسه من خلال التقاليد الثقافية لتلك الحاضنة ونظامها اللغوي.

فهو نص ثقافي بصرف النظر عن مصدره الإلهي، لأن اللغة لا تكون إلا بشرية، وإذا كان هنالك من لغة إلهية فإنَّها لغة بدون حروف وأصوات. وبالتالي فإن المشروع المحمدي لم ينشأ في فراغ، بل إن كل ما سبقه في الدائرة الثقافية التي ينتمي إليها، قد مهد له وساعد على تبلوره كدين جديد يحتوي على القديم ويتجاوزه في الآن نفسه. ولدينا في تاريخ أديان الإنسان أمثلة عديدة على ذلك.

ففي تاريخ الدين غالباً ما يكون الجديد نتاج عملية انشقاق عن القديم من داخله، على ما نجده في نشوء أكثر من دين عالمي. فالبوذية نشأت في حاضنة هندوسية، والبوذا كان ناسكاً هندوسياً جوالاً يبحث عن سبل خلاص الروح على الطريقة التقليدية، إلى أن انكشفت بصيرته على حقائق الوجود، أو بمصطلح الأديان الإبراهيمية: جاءه الوحي. وعندما عبّر عن عقيدته لغويـاً قـام بصياغتها من خلال المصطلحات الهندوسية نفسها مثل: الكارما، وهي الفعل وجزاؤه، والدهارما، وهي السنة الكونية، والسمسارا، وهي الزمن الذي يدور على نفسه كل أربع مليارات سنة فيفني العالم في كل مرة ليخلق من جديد، والموكشا، وهي خلاص الروح والانعتاق من دورة التناسخ في الأجساد. أي أنه خاطب أبناء جلدته من خلال ما يعرفونه ويألفونه، لينتقل بهم إلى ما لا يعرفونه.

وزرادشت كان كاهناً على دين إيران القديم قبل أن يتلقى الوحي من الإله الواحد أهورا مزدا، فانشق عن دين قومه وأحدث ديناً جديداً بقيت فيه آثار من الدين القديم، وتحول بعض آلهة ذلك الدين إلى كائنات ملائكية مثل الإله ميترا.

وكذلك ماني مؤسس الديانة المانوية في إيران، الذي كان على مذهب طائفة معمدانية على العقيدة الغنوصية، ثم جاءه وحي إله النور فقال له: "اعتزل هذه الملة فلست من أهلها"، ثم "أباح له المعارف السرية المحجوبة عن عصور وأجيال بني البشر". فانشق عن طائفته وأحدث ديناً عالمياً انتشر من الصين إلى أوروبا، بقيت فيه عناصر أساسية من العقيدة الغنوصية.

فإذا جئنا إلى المشروع المحمدي، وهو الإسلام القرآني قبل أن تمتد إليه يد البشر بالحذف الناسخ والمنسوخ، والإضافة (الحديث النبوي باعتباره وحياً ثانياً)، والتأويل (الآيات المحكمات والآيات المتشابهات)، وخلق المناسبات التي تجعل من المعنى العام معنى خاصاً (أسباب النزول). أقول إذا جئنا إلى المشروع المحمدي، لوجدنا اعتماداً على التنقيبات الأثرية التي تجري في المملكة السعودية منذ عدة عقود، أن الإسلام لم ينشأ عن "العصر الجاهلي" كما وصفته المصادر الإسلامية في العصر العباسي، بل عن بيئة حضارية لعرب الشمال لا تقل عن مثيلاتها في الشام والعراق. وهذه البيئة الحضارية جمعتها إلى البيئة الحضارية الشامية دائرة ثقافية واحدة شكلت الخلفية التي قام عليها المشروع المحمدي.

فإذا كانت مكة هي مسقط رأس محمد والمكان الذي أطلق فيه دعوته، إلا أن جذور مشروعه كانت مغروسة في يلاد الشام لا في بيئة مكة التقليدية المغلقة والمعادية لأي جديد يأتيها من الخارج. ويفترض المؤرخ السواح بثقة ودون دليل موضوعي، أن معرفة محمد بالشام لم تتأت من عدة رحلات تجارية قام بها، بل من إقامة طويلة في ربوعها حصل خلالها ثقافته الموسوعية.

لم ينبثق المشروع المحمدي من فراغ، فهو الحلقة الأخيرة مما يدعوه المؤرخ فراس السواح بالملحمة الدينية الكبرى. وبالتالي فإن ما جاء به الرسل السابقون لم يكن إلا مقدمة له كدين جديد، ولكنه يقوم على أساس متجذر في الماضي الديني للمنطقة المشرقية.فقد كانت الشام، فيما بين أواسط الألف الأول قبل الميلاد وأواسط الألف الأول الميلادي، مسرحاً لملحمة دينية كبرى قادت إلى تشكيل أديان ندعوها اصطلاحاً بالسماوية أو الإبراهيمية، نشأت تباعاً عبر ثلاث مراحل، وقاد كل منها إلى الآخر. فقد نشأت اليهودية عن الديانة السورية الكنعانية، والمسيحية عن اليهودية، ولم يكن الإسلام إلا حركة إصلاحية داخل المسيحية. وموضوع هذه الملحمة هو الانتقال من الوثنية التعددية في العبادات السورية، إلى وحدانية العبادة في اليهودية، إلى التوحيد المشوب بالتثليث في المسيحية، إلى التوحيد الصافي في الإسلام.

وبتعبير آخر: من إيل كبير آلهة كنعان إلى يهوه إله إسرائيل، إلى الآب إله يسوع، إلى الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد إله محمد بن عبد الله. فقد كانت نبوة محمد الحلقة الأخيرة في سلسلة نبوات العهد القديم والعهد الجديد: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ النساء: 163 وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ النساء: 164. شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيه الشورى: 13.

لم ينبثق المشروع المحمدي من فراغ، فهو الحلقة الأخيرة مما يدعوه المؤرخ فراس السواح  بالملحمة الدينية الكبرى. وبالتالي فإن ما جاء به الرسل السابقون لم يكن إلا مقدمة له كدين جديد، ولكنه يقوم على أساس متجذر في الماضي الديني للمنطقة المشرقية. ذلك أن كل جديد سواء في عالم الطبيعة أم عالم الثقافة، إنما ينشأ عن قديم، ولكنه على جدته يبقى محتفظاً بالعديد من سمات أصوله، مثل الوليد الجديد الذي يحمل من صفات وخصائص والديه ولكنه يبقى، مع ذلك، كياناً مستقلاً يحتفظ بصفات وخصائص خاصة به. فالقرآن هو خاتمة الفصول في كتاب واحد. كل فصل فيه يكمل سابقه ويضيف إليه: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) النساء: 163.
(شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَضَيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى) الشورى: 13.

(وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ) البقرة: 101

(يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ءَامِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُم) النساء: 47.

ولقد اختلفت الشرائع التي جاء بها الأنبياء باختلاف الزمان والمكان، ولكن الدين واحد وهو الإسلام دين التوحيد. فالإسلام لا يبتدئ مع محمد بل هو دين كل الأنبياء قبله راجع على سبيل المثال: البقرة: 130-132، ويوسف: 101، ويونس: 84، والأنبياء 108) وقد نقل رسالة الإسلام إلى الناس عبر التاريخ أنبياء ورسل اختارهم الله لهذه الغاية. فالرسول هو من بعثه الله برسالة وشريعة جديدة مثل إبراهيم وموسى وعيسى، أما النبي فهو من نزل عليه الوحي على إحدى الرسالات السابقة، مثل إلياس وإليشع وبقية أنبياء التوراة الذين بشروا على مذهب موسى.

يقول المؤرخ فراس السواح:"إن كل هؤلاء الأنبياء المذكورين في القرآن، عدا الأنبياء الأربعة العرب هود وصالح وشعيب وذو الكفل، ينتمون إلى خط النبوة التوراتي - الإنجيلي، الذي ختمه محمد بن عبد الله، لأن عيسى بن مريم قد بشر بقدومه من بعده (سورة الصف: 61). وبه تم اختتام ملحمة التوحيد الكبرى. ولهذا فقد كان من الطبيعي أن تكون مهمة الفصل الأخير من هذه الملحمة، أي المشروع المحمدي، هي إعادة صياغة التركة الدينية للمنطقة الشرقية، والإضافة عليها بما يتناسب مع المرحلة الزمنية التي أنتجته، وذلك من منظور توفيقي يركز على ما يجمع بينها لا على ما يفرق. وعلى الرغم من أنه بتركيزه على خط النبوة التوراتي - الإنجيلي بدا وكأنه استبعد خط النبوة الإيراني الذي يشكل مركز الثقل الآخر في تلك التركة الدينية، إلا أن ذلك الخط كان بمكانة الغائب الحاضر في المشروع المحمدي لأن مؤدى الآية 164 من سورة النساء: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) يشير بقوة إلى زرادشت نبي الزرادشتية وماني نبي المانوية. وكذلك الآية 78 من سورة غافر: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ).

لقد اختلفت الشرائع التي جاء بها الأنبياء باختلاف الزمان والمكان، ولكن الدين واحد وهو الإسلام دين التوحيد. فالإسلام لا يبتدئ مع محمد بل هو دين كل الأنبياء قبلهولعلنا نجد في المانوية ما يلقي ضوءاً على التوفيقية في المشروع المحمدي. فلقد كان لماني الذي بشر برسالته في أواسط القرن الثالث الميلادي ودعا نفسه خاتم الأنبياء قبل محمد مشروع توفيقي أيضاً. فالمصادر المانوية التي بين أيدينا تروي عنه قوله: كما أن نهراً يرفد نهراً آخر لتشكيل تيار قوي دافق كذلك صبت الكتب القديمة في كتبي فصاغت حكمة لا مثيل لها في الأجيال السابقة". وقد قدم لنا المؤلفون المسلمون الذين تصدوا للكلام عن المانوية وشرح عقائدها تفصيلاً لهذه المقولة. فمما ذكره القاضي عبد الجبار عالم الكلام الاعتزالي (ت عام 415هـ) في كتابه "المغني":

وعندهم أن أول ما بعث الله بالعالم آدم، ثم شيتاً، ثم نوحاً. وبعث زرادشت إلى أرض فارس، والبدة (البوذا) إلى أرض الهند، وعيسى إلى بلاد الغرب، ثم ماني خاتم النبيين"(ص 268).

ومما ذكره الشهرستاني (ت عام 548هـ) في كتابه "الملل والنحل: إن أول من بعث الله بالحكمة والعمل آدم أبو البشر، ثم شيئاً بعده، ثم نوحاً بعده، ثم إبراهيم بعده، ثم بعث البدة إلى أرض الهند، وزرادشت إلى أرض فارس، والمسيح كلمة الله إلى أرض الروم، وبولس بعد المسيح إليهم، ثم يأتي خاتم الأنبياء.

أي إن مشروع ماني يتقاطع مع المشروع المحمدي، ولكنه يختلف عنه في اعتماده إبراهيم وحده من خط النبوة الإبراهيمي، وفي تجاهله لموسى وخط النبوة الموسوي، وإضافته لزرادشت والبوذا ولا يبدو أن إهمال ماني لمعظم التركة الدينية للعهد القديم هو نتاج جهل باليهودية، لأن الباحثين المحدثين الذين درسوا المخطوطات المانوية التي وجدت في مصر وفي آسيا الوسطى، يرون أنه اطلع على الأسفار التوراتية غير القانونية وتأثر بها لاسيما بسفري أخنوخ الأول والثاني. وهذا يعني أن اليهودية قد دخلت وإن بشكل غير مباشر في توفيقية ماني، لأن الأسفار غير القانونية قد أدت دوراً هاماً في تشكيل الفكر التلمودي بعد اختتام التوراة، على الرغم من بقائها على هامش النص القانوني.

وفي مقابل إهماله لموسى فقد شغل يسوع المسيح مكانة هامة عند ماني، وقال إن يسوع قد تنبأ وبشر بقدومه بعده. ويبدو أن ماني هنا يعطف على المقطع الغامض في إنجيل يوحنا 16: 7-10، والذي فسره المسلمون أيضاً بأنه نبوءة بقدوم محمد. وقد دعا ماني أحد مؤلفاته بالإنجيل الحي، وكان ليسوع حضور واضح في التراتيل الدينية المانوية.

وعلى صعيد آخر فإن المانوية تزودنا بفهم للعلاقة بين الوحي والنص يتطابق مع ما قدمناه حتى الآن في هذه الدراسة. فلقد نشأ ماني في أسرة تنتمي إلى طائفة معمدانية تعيش قرب مدينة بابل القديمة يدعوها المؤلفون المسلمون بالمغتسلة، تنتمي إلى يوحنا المعمدان الذي كان يعمد بالماء على ضفة نهر الأردن، وهم بلا شك الصابئة المندائيون الموجودون حتى الآن في جنوب العراق. ولما أتم ماني اثنتي عشرة سنة من العمر أتاه رسول سماوي بالوحي الأول، على ما تورده المخطوطات المانوية القبطية على لسان ماني نفسه، قال: عندما كان الملك أردشير على وشك التتويج نزل الفارقليط الحي وأباح لي معرفة السر المحجوب عن عصور وأجيال بني البشر، السر العميق والعالي، سر النور والظلام، سر الصراع والحرب، كل هذا أباحه لي، وقال لي: اعتزل هذه الملة فلست من أهلها، وعليك بالنزاهة وترك الشهوات، ولم يئن لك بعد أن تظهر لحداثة سنك». وحين بلغ ماني الرجولة وأدرك الرابعة والعشرين في نحو سنة 240م، جاءه الوحي الثاني: السلام عليك يا ماني مني ومن الرب الذي أرسلني إليك واختارك لرسالته، وقد أمرك أن تدعو وتبشر الحق من قبله وتحتمل في ذلك كل جهدك.

بعد ذلك، وخلال حياته التبشيرية الطويلة كتب ماني سبعة مؤلفات واحد منها بالفارسية وستة بالآرامية السريانية التي تكلمت بها الأصقاع الشرقية من الإمبراطورية الفارسية، إضافة إلى عدد من الرسائل. وكان يفتخر بأنه ألف كتبه بنفسه على عكس من سبقه من الأنبياء الذين ألف كتبهم المقدسة تلاميذهم من بعدهم. ولذلك لم يكن الرسل الذين بعثهم ماني للتبشير وصولاً إلى الصين يقولون إذا أوردوا شيئاً من حكمة ماني قال تعالى على طريقة المسلمين، لأن ما يقرأونه في كتب ماني ليس كلام الله بل كلام عن الله يصدر عن وحي إلهي. والوحي يشبه الفكرة عندما تتشكل في الدماغ بدون كلام، ثم تأتي اللغة التي هي وعاء الفكرة لتعبر عنها بالكلام. وقبل أن يتكلم ماني كان لديه الوقت الكافي بين الوحي الأول والوحي الثاني لدراسة التركة الدينية للمنطقة لكي يشيد فوقها البناء السابق لعقيدته.

بالعودة إلى المشروع المحمدي، هناك سؤال يطرح نفسه على الدارس وهو: ما هي اللحمة التي جمعت خيوط السدى في الملحمة الكبرى لتجعل منها نسيجاً متماسكاً؟ في جوابي على هذا السؤال أقول لعلنا نجد تلك اللحمة في الاسم الأعظم للمبدأ الأول، وفي شخصية إبراهيم.

كما تم تعريب شخصية إبراهيم وجعلها الشخصية المركزية في الإسلام. فإبراهيم لم يعد الآب الأول للعبرانيين الذي تلقى وعد الرب بإعطاء نسله أرض کنعان، بل هو الأب الأول للأنبياء ولملة التوحيد: (وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَبَ العنكبوت: 28. (قُلْ إِنَّنِي هَدَيْنِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينَا قِيمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الأنعام: 161. (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينَا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ النساء: 125.

وعلى الرغم من تقاطع قصة إبراهيم القرآنية مع قصته التوراتية في العديد من المفاصل الرئيسية إلا أنهما تختلفان في مراميهما، وفي المسرح الجغرافي وفي الشخصيات أحياناً. فمرامي القصة التوراتية هي البحث عن أصول بني إسرائيل في التاريخ، ومرامي القصة القرآنية هي البحث عن أصول التوحيد. والمسرح الجغرافي للقصة التوراتية هو فلسطين، أما المسرح الجغرافي للقصة القرآنية فهو الحجاز. فهنالك شخصية أساسية في القصة التوراتية غائبة تماماً عن القصة القرآنية وهي هاجر جارية سارة التي أنجب منها إبراهيم بكره إسماعيل قبل أن تنجب له سارة إسحاق. وبغياب هاجر يغدو إسماعيل وإسحاق أخوان شقيقان من أم واحدة هي سارة. وسوف نعمد فيما يلي إلى رصد التقاطعات والاختلافات بين التوراتي والقرآني في قصة إبراهيم.

خلاصة فكرة الكتاب.. نقد السرديات النمطية عن الإسلام

إن شدة الاهتمام بفترة ظهور الإسلام لا يوازيه إلا شدة الإصرار على إخراجها من دائرة المساءلة التاريخية، باعتبارها فترة ذات رمزية دينية، لتتصور ما يكون اليوم مصير مؤرخ يطبق التقنيات التاريخية الحديثة ليكتب أطروحة بلغة من اللغات المستعملة في العالم الإسلامي موضوعها عمر بن الخطاب وعهد حكمه. هذه الفترة التاريخية بقيت خاضعة لأدب السير دون مناهج التاريخ. والمفارقة أن ما قبل الإسلام لا يعتبر جديراً بالبحث لأنه جاهلية، وعهد النبوة والخلافة الراشدة لا يخضع للمساءلة لأنه تاريخ مقدس، وما بعد ذلك يعتبر روايات قصاص لا قيمة لها أو أنها لا تمثل إلا انحرافاً عن الرسالة. فماذا يبقى حينئذ للتاريخ؟

إن هذه الفترة الممنوعة عن التاريخ تستعمل حجاباً يصد دون الاهتمام بالفترة الفاصلة بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر، فالتاريخ الإسلامي، في وعي أصحابه، يقفز فجأة من النبوة المحمدية وخلافة الراشدين إلى الاستعمار في القرن التاسع عشر، مع معرفة سطحية بالقرون الثامن إلى الثاني عشر مستمدة في الغالب من كلاسيكيات الأدب العربي( وهي نصوص لم تكتب طبعاً للتاريخ) وقراءة إسقاطية لعهد الحروب الصليبية التي ينظر إليها على أنها الصورة الأصلية للاستعمار الحالي، يبين حينئذ لماذا يكون التاريخ في الوعي السائد مسلسل حروب وعنف وأشعار هجاء ورثاء وخطابة على المنابر.

المفارقة أن ما قبل الإسلام لا يعتبر جديراً بالبحث لأنه جاهلية، وعهد النبوة والخلافة الراشدة لا يخضع للمساءلة لأنه تاريخ مقدس، وما بعد ذلك يعتبر روايات قصاص لا قيمة لها أو أنها لا تمثل إلا انحرافاً عن الرسالة. فماذا يبقى حينئذ للتاريخ؟تلتقي مختلف الخطابات الأيديولوجية العربية على أن مشكلة العرب والمسلمين الأولى هي الغرب، لكن الغرب مفهوم لا وجود له في القرن السابع، وليس أفضل من القرن السادس عشر لفهم طبيعة تكونه.

يوجد سبب هيكلي يفسر هذه الإعاقة الذهنية العميقة للتاريخية يتمثل في أن الثقافة السائدة، سواء أكانت الأحداث معروفة لديها أم مجهولة، تقرأ التاريخ بقوالب قبلية ومن منطلق نماذج جاهزة، ولا تتحدث عن التاريخ بمعنى وجود مصنفات في المكتبات الجامعية بل أقصد التاريخية بمعنى تحقق الوعي التاريخي في الثقافة السائدة. إذا طبقنا الحفريات التأويلية على مختلف الخطابات الأيديولوجية المستندة ظاهرياً إلى التاريخ، السلفية منها والعلمانية، نجد أنها تتأول الماضي ـ الحاضر من خلال نموذج ذهني ندعوه "نموذج الطوفان".

الطوفان هو أقدم أنمط الأسطورة والأنموذج (البراديغم) الأكثر عمقاً ليحتل مكان التاريخ في العقلية اللاتاريخية، من طوفان بلاد الرافدين أو طوفان نوح في الأديان التوحيدية، إلى فكرة "الصفحة البيضاء" tabula rasa والبناء الجديد للمجتمعات مع الأيديولوجيا الثورية، وأصل الإنسان الحلم الدفين بأن يصوغ العالم من جديد على مبادئ الطهارة الأولى وصورة الفردوس المفقود، وأن يعيد إلى التاريخ بكارته بعد أن لوثه الاغتصاب الإنساني للنقاء، عندما سقط حائط برلين رأى جزء من البشرية هذا الحدث رمزاً لنهاية الحروب والتخلص من رعب الأسلحة النووية، أي عودة إلى الفردوس المفقود بالتصور الليبرالي، عالم الرخاء وألأمن في أفغانستان التي ورطت الاتحاد السوفيتي في مواجهة عجلت بانهياره، ظن أن تلك المجموعات ستنحل من تلقاء نفسها وتختفي وأغفل أن الطوفان يتخذ ألواناً عدة حسب الثقافات، وأن لكل فردوسه المفقود.

هناك من أفغانستان، أعطى أنموذج الطوفان تصوراً آخر. فقد ظل أنموذجاً راسخاً في عمق عقلية الجهاد، تغذيه قرون من الذاكرة تكرر أن سقوط الإمبراطوريتين بظهور الإسلام كان طهارة العالم من الشرك. لذلك بدا سقوط حائط برلين في أعين العالم انتصاراً لليبرالية، بينما بدا في أعين الجماعات الجهادية فرصة عودة إل عهد طهارة من نوع آخر وفردوس مفقود غير الفردوس الليبرالي. بدا لتلك الجماعات أن الاتحاد السوفيتي سقط سقوط الإمبراطورية الفارسية في معركة القادسية، وبقي أن تسقط إمبراطورية الشر الثانية، الولايات المتحدة الأمريكية، تفجيرات نيويورك يوم 11 أيلول/ سبتمبر 2001 كانت استعادة لغزوة مؤته التي لم يقض فيها الإسلام على الإمبراطورية البيزنطية لكنه بدأ المحاولة، لذلك يظل الأمل قائماً عند تلك المجموعات بسقوط الإمبراطورية الثانية، ألم يفصل بين مؤتة وسقوط القسطنطينية أكثر من ثمانية قرون؟

ليس أنموذج الطوفان مرتبطاً بالفكر الديني وحده، لقد ترسخ هذا الأنموذج في الجينات المعرفية للإنسان منذ 4500 سنة من الآن (أقدم الألواح التي وجدت حول الطوفان تعود إلى سنة 2500 ق.م)، ومن البديهي أن أنموذجاً بهذا العمق الزمني لا يمكن أن ينمحي في مدة القرن ونصف القرن التي تفصلنا عن قيام العلوم الإنسانية الحديثة. إنما تحول من الشكل الأسطوري إلى اللغة الدينية ثم من الأديان إلى الأيديولوجيات العلمانية. الأيديولوجيات العلمانية للقرن التاسع عشر، ومنها الماركسية والقومية، كانت الاستمرار المعلمن لأسطورة الطوفان، وقد أصبح الطوفان في الميثولوجيا الحديثة يدعى الثورة، وفي هذا الشكل المعلمن للأسطورة نشأت في الفكر العربي سردية تأخذ باختصار الشكل التالي: وصل العرب والمسلمون إلى قمة الازدهار والقوة ثم تدرجوا في الانحطاط وانغلقوا على أنفسهم وقتاً طويلاً. وقد بدأت أوروبا في الأثناء تحقق نهضتها في غفلة منهم، إلى أن حلت مراكب بونبارت قبالة السواحل المصرية فأدركوا عمق الهوة وبدأوا نهضتهم للالتحاق بركب الحضارة واستعادة دور القيادة العالمية.

الثقافة صنعت الرأي العام، والحرية مكنت الرأي العام من أن يفرض نماذج جديدة في الحكم والاقتصاد والمجتمع والدين ابتدعها المثقفون ولم يستمدها السياسيون من تجارب الماضي.

سيكون من المغالاة إعادة كل عناصر القوة الأوروبية إلى الثقافة، لكنها عنصر من العناصر الرئيسة في تشكل هذه القوة، تحولت الثقافة في النهضة الأوروبية من مجال المطلق والمعيار إلى مجال الاستشراف والاستراتيجية بل تحولت الاستراتيجيا في العالم الحديث إلى ثقافة، صحيح أن الاستراتيجية معروفة منذ العصور القديمة في المجال العسكري وكان دورها أن توظف عوامل أخرى للقوة غير الرجال والعتاد لتحقيق الانتصارات العسكرية وأن لا تنظر إلى المعركة فحسب بل تخطط للحرب في كل فصولها. لكن أوروبا حولت الاستراتيجيا من المجال الحربي إلى المجال الحضاري. والسؤال لماذا حصل هذا التحول في أوروبا بالذات؟

إن وعي أوروبا بحرج موقفها هو الذي دفع مبدعيها إلى الحلول الاستراتيجية وصدهم علن الاكتفاء بالوصفات السريعة والحلول الجاهزة. أوروبا الحديثة كانت رقعاً للتحدي الإسلامي العثماني ولم تكن مؤامرة ضد الإسلام، كانت إبداعاً ولم تكن مواصلة للحملات الصليبية. كانت استراتيجياً جديدة وجهداً مجدداً أنتج مكاسب امتدت شيئاً فشيئاً لتشمل مجموع البشر. لقد شهد التاريخ البشري نقلات نوعية من هذا القبيل، مثل التحول من الرعي إلى الزراعة، أو من الأديان الطوطمية إلى الأديان التوحيدية، أو من نظام القبيلة إلى نظام الإمبراطورية. أما تفسير هذا الانتقال التاريخي النوعي بالمؤامرة فهو تهرب من تحمل المسؤولية ومن الإقرار بالتقصير ومن بذل نفس القدر من الجهد والتضحية.

كانت الآثار الأولى لاصطدام العرب بأوروبا نشأة شعور الاستسلام وانتشار نظريات نهاية الزمان، فجاءت الحركات الإصلاحية تحاول أن تعيد روح المبادرة والتحدي. لكن الملاحم الثورية المتخيلة في القرن العشرين أعادت مجدداً تغييب الفرد وراهنت على الأب البطل ليتصدى للمؤامرات المزعومة. وأعادت تغييب العوامل الداخلية للانحطاط بل تشبثت بها أحياناً باسم الخصوصية لمواجهة الغرب، أما تحميل الأتراك وحدهم مسؤولية الانحطاط فلا يعدو أن يكون وجهاً آخر من مغالطة الذات، فقد منع الثقافة السائدة من مراجعة هيكيلية لآليات تفكيرها، ومنعها من فهم الظروف الحقيقة لتشكل العالم الحديث، وأعادها إلى حضارة العهد الوسيط تطلب منها نماذج الدولة .

من بداية العصر الحديث في القرن السادس عشر إلى مطلع القرن التاسع عشر "لم يشهد العالم الإسلامي انحطاطاً بقد رما شهد توسعاً انتهى إلى الفشل عندما واجه توسعاً قائماً على التطور، لم يكن العالم الإسلامي ضحية مؤامرة بل هزم في مواجهة حضارية. واليوم، يظل الوعي الإسلامي حائراً بين أن يسترجع حيوية التوسع أو يدخل في حيوية جديدة، حيوية التطور. لكن استعادة حيوية التوسع دون توفر عوامل القوة الحديثة (الاقتصاد، العلم، التكنولوجيا، الخ) يؤدي إلى ن يقوم العنف مقام القوة وتتغلب النزوات والغرائز على استراتيجيات الإصلاح، هذه الحيرة التي يعيشها المسلم اليوم ليست جديدة وحسم هذا السؤال قد تأخر أكثر من قرنين. الصفحات القادمة لن تقدم تاريخاً خطياً لعلاقة الإسلام بالعصر الحديث منذ أن انفتح عليه في القرن التاسع عشر، لكنه ستقدم ما يشبه لوحات ممثلة لأهم محطات هذه الحيرة الحضارية.

إقرأ أيضا: الإسلام والعصر الحديث مراجعة نقدية شاملة للموروث الديني.. كتاب جديد

إقرأ أيضا: السيرة النبوية ودور الإملاءات السياسية والمذهبية.. قراءة في كتاب

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب الإمارات كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة التاسع عشر الإسلام لا فی القرن من خلال إلى أرض فی کتاب قبل أن على ما لم یکن

إقرأ أيضاً:

طاعة الله بإعمال المنظومة العقلية

عندما لا نعيد تفسير المعلومة مع المستجدات فنحن دون أن ندري نجمد منظومتنا العقلية ونعطلها كما فعل أبونا آدم عندما استخدمها كحافظة وليس كمعمل لاستنباط الأفكار والفهم وتجديد الفهم والاستيعاب، وهكذا نرى الحال الذي وصلنا إليه حينما يخرج أناس يرتدون زيا ويسمون برجال الدين، مع أن الإسلام ليس فيه رجال دين وكهنوت ولا لاهوت كما هي، والدخول في الأسماء والصفات وغيرها ليس من فكر الإسلام، وتعريف منظومة معينة للحكم ليس من الإسلام، وإنما هنالك قيم ومواصفات يحققها المسلمون لإدارة حياتهم والإعمار، أما ما يسبب الاختلاف والمناكفة فلم تأت به الرسالة المحمدية من الإسلام، بل كانت رسالتها تحقيق الأهلية للإنسان وخياراته ومنع الشطط من التمدد، وانحسار الظلم والباطل وكل ما ينتقص من الكرامة الإنسانية.

عندما نضع الإسلام في صندوق وقوالب، أو نقبل أن نضع فكرنا ومنظومتنا العقلية في صندوق وقوالب تجعل منا بلا أهلية وكأننا في الأرض لننفذ قوالب معينة، فهذا فهم خاطئ لمشيئة الله في خلقه ويسجل درجة قليلة في سلم نجاح المنظومة العقلية.

كثير من المسلمين يقلد ولا يفهم من الإسلام إلا مما سمعه من هنا وهناك أو قرأه في كتب أحد المشاهير، كذلك معظم الذين يسمون أنفسهم بالعلمانيين أو الليبراليين أو غيرهم هم أصلا لا يعرفون حقا ما يدعون إليه، لكن من الواضح أنهم أعمق جهلا بالإسلام من العمائم التي تتحدث بما ينسف الدين وفهمه، وما بين هؤلاء وهؤلاء، تحدث الفوضى ويسكن عمل إبليس ويخرج آدم وزوجه من الجنة، فلماذا نكرر إخفاق آدم عليه السلام؟

معضلة الحكم في الإسلام:

هذه المعضلة أتت من إخفاق منظومة العقل عند المسلمين وليس من الإسلام نفسه أو من سيرة الرسول، بل الفهم الخطأ الذي يفسر أفعال الصحابة وهم فاهمون للإسلام، وفهمهم واضح بما فعلوا، بل لم يفهم غيرهم بعدهم ما فهموا، ويذهب البعض شرقا والآخر غربا بينما جوهر الفهم هو في رؤية الرسالة نفسها. والنسبة للإسلام ما ليس فيه أحيانا يصبح شرعا ما يخالفه نتيجة عدم النأي بالنفس من رجال الدين، فاضحت مثلا ولاية التغلب عملا شرعيا مقلدا معتمدا، وهي ليست من الإسلام ولا تمت للإسلام بصلة، ولكن لمجرد منح الموثوقية لها من الاستسلام لواقع الحال وإضفاء الشرعية على ما لا شرعية له.

من يفهم الإسلام ورؤيته سيعلم أن أي حديث يوصي بالحكم لصحابي هو حديث موضوع، وأن أي فكرة تنتقص من كرامة الإنسان أو يسامح الحاكم بها كميزة عن غيره هو محض حديث موضوع ولا أصل له، فالحكم في الإسلام محض صيغة جماعية تنظيمية توحد الرأي، وما تتفق عليه النخبة هو ملزم كي لا تحدث الفتن، وليس بسبب السلطة أو تعظيما للحاكم أو العالم.

وكل أمر هو شورى في حياة المسلمين لمن يفهم الصواب، فالقرار في الأسرة شورى وفي العائلة شورى وفي القبيلة شورى وفي المدينة شورى وفي الدولة شورى. والشورى ليست رأي الأكثرية فقط، وإنما من السيرة تعلمنا أنها رأي أصحاب الأمر بما يتعلق بهم، كما في بدر والرسول يطلب المشورة ويريد الأنصار، وكما في موضع القتال حيث ألغي رأي الرسول نفسه كحاكم وقائد أمام الخبرة، عندما اتبع رأي الحباب بن المنذر، وإنها رأي الأكثرية، عندما أراد الصحابة الخروج إلى أحد فاتبع الرسول رأيهم، لكنه اتخذ الرأي غير المنظور للجميع عندما أقر صلح الحديبية، لأن غايته استجلاب السلام وتجنب الحروب، فالمشركون هم أعداء إن حاربوا وهم مشاريع دعوة في السلم فحوّلهم إلى مشروع دعوة.

أساس الرؤية:

1- أن الآدمي هو بشر له منظومة عقلية ذات كفاءة عالية وفاعلية مباشرة.

2- هذا الآدمي مكرم وتكريمه من الله مثبت بأمر السجود له.

3- أن له كامل الأهلية والتفكير رغم أن الله قال له: لا تقرب الشجرة، لكن عندما اقترب منها اعتبرها زلة لأنه أول قرار يتخذه، وعندما فكر ندم وهذه أولى بوادر حركة المنظومة العقلية.

4- القرآن عندما يقول "إن الله يأمر.." يتبعها بـــ"يعظكم.."، فالأمر هنا توجيه سلوكي وليس فرضا على المنظومة العقلية، وإنما دعوة للتفكير والاستنباط بما هو في صالح الأمم ووضعها لقوانين تدير البشرية.

5- أن الله عادل ولا ينقص عدله بتقييد من هو بامتحان، فالإنسان كامل الأهلية.

6- لم يوص الرسول لأبي بكر أو عليّ رضي الله عنهما لأنه إلغاء للأهلية، فلا يصح مع العدل أن يحكم رأي الأمة بنسق لا خيار لها فيه؛ والأهلية هي أساس العدل في محاسبة الإنسان على قراراته لاختياره، ونلاحظ مدى تمزق الأمة في الاختلاف على أمر لم يك مشكلة متعلقة بالدين أبدا، بل لم يشكل أي مشكلة والمنقول هو تبرير لما هو شائع.

7- من المحسوس أن العلمانيين والإسلاميين والليبراليين واللادينيين، بل أتباع المذاهب وهم قد ورثوها وتكونت أفكارهم بانطباعات خارج منظومة العقل والرؤية، يتهمون بعضهم البعض بالتعصب والطائفية، وتنتشر بينهم الكراهية لتعطيل المنظومة العقلية وتحكيم العواطف مع الجهل حتى بما ينسبون إليه أنفسهم أو ما يزعمون. وهذا ديدن كل رافض للآخر، فالكيان الصهيوني لا يرى ما يقتل ويدمر ولا يعتبره جريمة، بينما يعتبر أتفه الأمور ضده جريمة ضد الإنسانية، والأمر واضح قد ينسب للصلافة لكنه لا يشعر (ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون).

المشكلة الأساسية هي الفهم، والفهم لا يأتي بأن تترك منظومتك العقلية مستعمرة من الأنا الإبليسية أو أهوائك أو غرائزك كالتملك والسيادة وعواطفك.

حتى الكفر لم يفهموا معناه، فأصبح الكل يمتلك الحقيقة والكل يظن أنه مؤمن ومخالفه كافر. هؤلاء الناس نسوا أنفسهم لنسيانهم الله وغوصهم في التفاهة "وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ" (الحشر: 19).

إن طاعة الله بأن تحترم الرؤية لما خلق، والآدمية تعني المنظومة العقلية، فإعمال التفكير هو عبادة وتطبيق للغاية من الخلق، أما التقليد والتدين الغريزي وإيقاف المنظومة العقلية فهي مسألة أظنها تحتاج إلى تفعيل المنظومة وهي عند الجميع، هذا لا شك فيه!

مقالات مشابهة

  • أحمد المحمدي يهاجم أسامة نبيه بعد خروج منتخب الشباب من كأس العالم
  • كتاب الحياة يُخالف الجغرافيا والتاريخ!
  • كيف حرم الإسلام الربا؟
  • سعر الريال العُماني مقابل الجنيه المصري والعملات العربية اليوم السبت
  • الجامع الأزهر يعقد المجلس الحديثي اليوم ويتناول قراءة كتاب عمدة الأحكام
  • صالون نفرتيتي يحتفي بالحرب والسلام وأمجاد مصر التي خلدها التاريخ بمركز إبداع.. غدا
  • طاعة الله بإعمال المنظومة العقلية
  • الإذاعي محمود عمر هاشم ينشر كتابًا عن عمه الإمام الراحل أحمد عمر هاشم
  • صالون نفرتيتي يحتفي بالحرب والسلام وأمجاد مصر التي خلدها التاريخ
  • القوات الجوية وسلاح الجو السلطاني العُماني يختتمان تمرين «سيوف السماء 2025»