جمعني لقاءٌ بالباحث العُماني الدكتور محمد الحسيني قبل أسبوعين في ملتقى مسقط لحوار المعرفة العالمي الذي استضافته سلطنة عُمان، وتطرقنا إلى حديث عن المخدرات الرقمية ومخاطرها المجهولة، وفي هذا الشأن، نشر الحسيني مع مجموعة من الباحثين ورقة علمية نُشرت مع «IEEE» في نهاية العام المنصرم، ويمكن تلخيص الورقة كالآتي: جاء عنوان الورقة العلمية بـ«الكشف عن المخدرات الرقمية باستعمال «الذكاء الاصطناعي» التعلم العميق»، وتناقش الدراسة سبل استعمال النماذج المتقدمة للتعلم العميق التابعة للذكاء الاصطناعي للكشف عن ما يُطلق عليه بـ«المخدرات الرقمية»، وهي تأثيرات سمعية تتولد عن طريق تشغيل ترددات مختلفة قليلاً في كل أذن؛ فيؤدي إلى تغييرات في الحالة العقلية، واستعمل الباحثون نموذج «Inception MV4» لتحليل البيانات السمعية وتوصيفها.

تضمنت قاعدة البيانات 7000 ملف صوتي، منها 5000 ملف تحتوي على «مخدرات رقمية» و2000 ملف صوتي أصلي (الموسيقى، أصوات الحيوانات، وتلاوة القرآن). واعتمدت الدراسة في منهجية البحث تحويل البيانات الصوتية إلى تمثيلات بصرية (طيف الترددات) بواسطة تقنية رياضية خاصة بتحليل الإشارات الصوتية والزمنية تُعرف بمصطلحها العلمي الرياضي بـ(STFT” Short-Time Fourier Transform”)، ثم دُرّبَ النموذج «Inception MV4» على هذه الصور لتصنيفها. أظهرت النتائج دقة تصنيف عالية بلغت حوالي 99.97% باستعمال 3 معدلات تعلّم، وأظهر نموذج «Inception MV4» أداءً متميزًا مقارنة بالنموذج الآخر «ResNet-50»، حيث تفوّق في مقاييس مثل الدقة والإيجابية الحقيقية.

في ضوء قدرات الذكاء الاصطناعي على التعامل مع مثل هذه المخاطر الرقمية، أكدت الدراسة كفاءة نموذج «Inception MV4» في الكشف عن المخدرات الرقمية، مع توصيات بتوسيع قاعدة البيانات وتجربة أساليب تحسين إضافية لتحسين الأداء وزيادة التطبيق العملي في المستقبل، وأكدت الدراسة إمكانية استعمال هذا النظام في مراقبة المحتوى الصوتي وتنظيمه على الإنترنت للكشف عن التأثيرات السمعية الضارة.

يكشف ما سقناه في السطور السابقة عن ظاهرة إدمان رقمية خطيرة تهدد السلوك العقلي والدماغي للإنسان، ويبرز -في المقابل- دور الذكاء الاصطناعي في مواجهة هذه التحديات عبر الكشف عن مثل هذه المواد الرقمية المخفيّة، وسنكتفي بما استعرضناه من تلخيص للبحث يُظهر أهمية الذكاء الاصطناعي باعتماده أداة لمواجهة هذه الظاهرة المتصاعدة، وسنركّز الحديث عن المخدرات الرقمية بأطر نفسية ومجتمعية وعلمية، ويستحضر الحديث عن هذه الظاهرة مقالا نشرته في الملحق العلمي لجريدة عُمان في عدده السابق؛ فتناولت فيه نقاشا علميا عن الترددات وتأثيراتها في تشكيل ما يُعرف بـ«الطاقة الكونية»، ولكن في غالبه بتأثير إيجابي -وهنا نحتاج إلى التمحيص بين هذه الترددات الصوتية من حيث تأثيرها الإيجابي والسلبي-؛ إذ أوضحتُ في المقال العلمي السابق تأكيدات الدراسات العلمية على التأثير بأنواعه (النفسي، الروحي «الوعي»، والجسدي) بفعل الترددات الصوتية خصوصا بترددات معيّنة مثل «432 Hz»، وهذا ما يجعلنا نؤكد في مقالنا الحالي على وجودنا في عالم الطاقة وتردداتها المتباينة في تأثيراتها، والتي يمكن تحويل مثل هذه الترددات إلى ما نطلق عليه بـ«المخدرات الرقمية» سواء بعملية تعديل الترددات المسموعة لتكون مختلفة في كل أذن أو حتى تلك الأنواع من الترددات الصوتية ذات التأثير السلبي، ولكن من الزاوية العلمية لمصطلح «المخدرات الرقمية» فإنها تُعرَف أيضا باسم «النغمات ثنائية التردد «Binaural Beats»، وظهرت بعض الادعاءات أنها قادرةٌ على تحفيز الدماغ لإحداث تأثيراتٍ تشبه ما تفعله بعض العقاقير المخدرة، ويعتمد أصحاب هذه الفرضية على أن الاستماع لترددين صوتيين مختلفين في كل أذنٍ يمكن أن يؤدي إلى حدوث «تزامنٍ موجي» «Brainwave Entrainment» في الدماغ؛ فينتج عنه شعورٌ بالاسترخاء أو النشوة أو تغيّرات في الحالة النفسيّة، ولكن ما تؤكده الدراسات أن هذا النوع من الأصوات الرقمية يقود من يستمع إليه إلى الإدمان حاله حال متعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية الكيميائية، وتمتد مخاطرها إلى الإضرار بالصحة الجسدية والنفسية عبر تشكيل سلوكيات بشرية ضارة بالفرد والمجتمع عبر زرع الإيحاءات العقلية في العقل الباطن بطريقة لا يدركها المستمع ولا يكتشفها؛ فيجد نفسه مقودا إلى سلوك مخالف لنمطه المعتاد ولأعرافه المجتمعية. لا تعتبر المخدرات الرقمية ظاهرة جديدة؛ ولكنها ظاهرة تفاعل معها الباحثون منذ عدة عقود، وامتد -مؤخرا- تمازجها الخفي إلى بعض صوتيات القرآن الكريم، وباتت ناقوس خطر في عدد من الدول التي تبذل جهودا في محاربة هذه المواد الصوتية المؤثرة التي تكلفها مبالغ طائلة لأجل محاربتها وعلاج مدمنيها.

بجانب التوعية المجتمعية بشأن تصاعد مخاطر هذه المواد الرقمية خصوصا مع وجود سماعات أذن مساعدة لتعديل مستويات الترددات في كل أذن أو حتى بوجود الترددات الصوتية السلبية التي لا تتطلب ضرورة استعمال السماعات؛ فكذلك نحن بحاجة إلى أدوات رقمية متقدمة تستطيع أن تتبع هذه المواد الرقمية واكتشافها، وعبر ما تتسابق الدراسات العلمية التي تقترح نماذج للذكاء الاصطناعي -بما فيها الدراسة التي نشرها الباحث الحسيني-؛ فالحلول في مواجهة تحديات انتشار «المخدرات الرقمية» وإضعاف انتشارها يصدق فيها القول «وداوها بالتي كانت هي الداء»، وذلك عبر أنظمة رقمية مضادة تتمثل في نماذج الذكاء الاصطناعي التي أثبتت نتائج الأبحاث المنشورة كفاءتها في كشف مثل هذه الترددات الصوتية الضارة وتصنيفها من الأصوات والترددات غير الضارة.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی هذه المواد مثل هذه

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي يحل مشكلة السمع في الضوضاء

طوّر فريق من جامعة واشنطن تقنية ذكاء اصطناعي جديدة تساعد الأشخاص الذين يواجهون صعوبة في السمع داخل الأماكن الصاخبة، عبر تتبّع إيقاع المحادثة وكتم الأصوات غير المتوافقة.
وجرى دمج التقنية، التي عُرضت في مؤتمر الأساليب التجريبية في معالجة اللغات الطبيعية في سوتشو بالصين، في نموذج أولي يستخدم مكوّنات جاهزة وقادر على التعرّف على المتحدثين خلال ثانيتين إلى أربع ثوانٍ فقط، وتم تشغيله داخل سماعات رأس ذكية.
ويتوقع الباحثون أن تُستخدم مستقبلاً في أجهزة السمع وسماعات الأذن والنظارات الذكية لتصفية البيئة الصوتية دون تدخل يدوي.

اقرأ أيضاً: نظارات بالذكاء الاصطناعي تمنح ضعاف السمع قدرات خارقة

السمع الاستباقي
قال شيام غولاكوتا، الباحث الرئيس، إن التقنيات الحالية تعتمد غالباً على أقطاب تُزرع في الدماغ لتحديد المتحدث الذي يركز عليه المستخدم، بينما يستند النظام الجديد إلى إيقاع تبادل الأدوار في الحديث، بحيث يتنبأ الذكاء الاصطناعي بتلك الإيقاعات اعتماداً على الصوت فقط.
ويبدأ النظام، المسمّى "مساعدو السمع الاستباقيون"، العمل عند بدء المستخدم بالكلام، إذ يحلل نموذج أول من يتحدث ومتى، ثم يرسل النتائج إلى نموذج ثانٍ يعزل أصوات المشاركين ويوفر نسخة صوتية منقّاة للمستمع.

ابتكار أداة ذكاء اصطناعي لعلاج أحد أخطر أمراض العيون

نتائج إيجابية
أفاد الفريق بأن النظام يتميز بسرعة تمنع أي تأخير ملحوظ، ويمكنه معالجة صوت المستخدم إلى جانب صوت واحد إلى أربعة مشاركين.
وخلال تجارب شملت 11 مشاركاً، حصل الصوت المفلتر على تقييم يزيد بأكثر من الضعف مقارنة بالصوت غير المفلتر. ولا تزال بعض التحديات قائمة، خصوصاً في المحادثات الديناميكية ذات التداخل العالي، أو تغير عدد المشاركين.
ويعتمد النموذج الحالي على سماعات رأس تجارية مزوّدة بميكروفونات، لكن غولاكوتا يتوقع تصغير التقنية مستقبلاً لتعمل داخل رقاقة ضمن سماعة أذن أو جهاز سمع.

أمجد الأمين (أبوظبي)

أخبار ذات صلة دبي تطلق أول خدمة تجريبية لروبوتاكسي للجمهور عبر تطبيق أوبر شركات إماراتية وعالمية تقدم حلولاً مبتكرة بالذكاء الاصطناعي

مقالات مشابهة

  • هل يهدد الذكاء الاصطناعي التعليم والجامعات ؟
  • أين تستثمر في الذكاء الاصطناعي خلال 2026؟
  • كيف تحمي نفسك من أدوات الذكاء الاصطناعي التي تجمع بياناتك الشخصية (فيديو)
  • أوبن أيه آي تطلق نموذج الذكاء الاصطناعي GPT-5.2 بعد تحسينات واسعة
  • بقيادة ترمب.. تشكيل تحالف دولي لمواجهة الهيمنة الصينية في الذكاء الاصطناعي
  • عاجل| ترامب: الضربات البرية التي تستهدف تهريب المخدرات ستبدأ قريبا
  • الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء في تحليل الصور الطبية
  • ناصر الدين: نعمل على دمج الذكاء الإصطناعي في الاستراتيجية الأوسع للصحة الرقمية
  • ناصر الدين: الذكاء الاصطناعي جزء من استراتيجيتنا الشاملة للصحة الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي يحل مشكلة السمع في الضوضاء