ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟

قراءة في كتاب (عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام)، دار محمد علي للنشر، صفاقس، تونس/ ومؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، 2024

(3- 13)

إهداء المؤلف لكتابه:

“إلى شعوب السودان والإسلام والإنسانية جمعاء، وهي تتوق إلى التحرير والتغيير، فإني أهديكم هذا الكتاب، مستدعياً مقولة المفكر التونسي الدكتور يوسف الصديق: (محمود محمد طه هو المنقذ)”.

  المؤلف

بقلم سمية أمين صديق

أستهل المؤلف الدكتور عبد الله الفكي البشير كتابه بقائمة تتضمن أهم الوقائع والأحداث التاريخية التي تمت مناقشتها في الكتاب، وقد بلغت (135) حدثاً. قدم تعريفاً بكل حدث، وتاريخ وميدان وقوعه، إلى جانب بعض التفاصيل المتعلقة بالحدث. وجاء كل ذلك في تسلسل تاريخي، يكتب التاريخ ويبين تفاصيل الحدث. وحتى أعطي القراء صورة عن ذلك، أقدم بعض النماذج، مثلاً: 1901: تأسيس أول مؤسسة دينية رسمية في السودان. لقد أنشأ الحاكم العام البريطاني لجنة العلماء برئاسة الشيخ محمد البدوي (1841-1911)، وبعضوية عدد من العلماء، وعُرفت بمجلس العلماء، ومشيخة العلماء، وهيئة العلماء. كانت اللجنة تابعة للحاكم العام، وتعمل كمؤسسة استشارية له في الشؤون الدينية. أصبحت اللجنة، فيما بعد، ولا تزال، هيئة علماء السودان. وكان لها دوراً كبيراً في تحجيم الحوار الفكري، وتكييف المزاج الديني في وجهة التشدد والغلو، خاصة فيما يتصل بالموقف من محمود محمد طه، حيث تبنت تكفيره وتنميط صورته، وكذلك تكفير تلاميذه الإخوان الجمهوريين وتنميط صورتهم، من خلال توجيه الأئمة والوعاظ والخطباء بإعلان ذلك من على منابر المساجد، وفي حلقات الدرس، وعبر مخاطبة عامة الناس بالبيانات التكفيرية، كما سيرد التفصيل لاحقاً. كذلك 8 نوفمبر 1902: افتتاح كلية غردون التذكاريةGordon Memorial College، حالياً جامعة الخرطوم، وأيضاً 1912: قيام المعهد العلمي بأم درمان(أزهر السودان)، وعُين الشيخ أبو القاسم هاشم (1856– 1934) شيخاً له. وبذا يكون السودان قد شهد أول مؤسسة حديثة للتعليم الديني. نشأ المعهد على غرار الأزهر، وظل شيخه شيخاً لهيئة علماء السودان، حتى تحوَّل المعهدإلى جامعة.لقد أصبح في العام 1965أول جامعة إسلامية في البلاد، عرفت، ولا تزال، باسم جامعة أم درمان الإسلامية. كان المعهد، وهيئة علماء السودان، والجامعة، فيما بعد، أول وأكبر المؤسسات الدينية الرسمية انتاجاً للمعرفة الدينية، إلى جانبالقيام بدور الوصي الديني، فضلاً عن نشر ثقافة التكفير، خاصة في مواقفها من محمود محمد طه وتلاميذه الإخوان الجمهوريين، كما سيرد التفصيل لاحقاً.  وهكذا حتى آخر حدث تناوله الكتاب، وهو: 12يوليو 2020: السودان يلغي المادة (126) مادة الردة عن الإسلام: لقد أعلن نصر الدين عبدالباري، وزير العدل في السودان إلغاء المادة (126) مادة الردة عن الإسلام في القانون الجنائي لعام 1991، وأضاف الوزير بأن المادة الملغاة استُبدلت بتجريم التكفير، قائلاً: إن تكفير الآخرين بات “مهددا لأمن وسلامة المجتمع”.

محمود محمد طه

من خلال تتبع فصول الكتاب ومحاوره نقف مع المؤلف، عند المحطات المختلفة وهو ينقلنا عبر فصول الكتاب، لنتعرف على سيرة ومواقف الأستاذ محمود محمد طه، ودعوته، ونتبع المؤلف، وهو يعرفنا على نشاطات وحركة الإخوان الجمهوريين وآليات الدعوة التي أُتبعت في النشر والتعريف بالفهم الجديد للإسلام، كذلك المراحل المختلفة التي مرت بها. ثم يعرج بنا الكاتب إلى دور العلم وأروقتها، ويسلط الضوء على الاهتمام المتنامي من الأكاديميا بفكر الأستاذ محمود محمد طه وطرحه (الفهم الجديد للإسلام) هذا الاهتمام الذي له مدلوله،ووزنه. يقول عبد الله: إن اهتمامنا بالأكاديميا لا يجئ من تفضيل لها أو إغفال للعلم التجريبي الروحي، وإنما لكونها إحدى آليات العلم التجريبي المادي، الذي هو، كما يقول محمود محمد طه: “أعظم شيء في صدور الناس الآن” وهو ميدان تفوق الرسالة الثانية من الإسلام عليه، وبزها له بمعجزتها، التي هي علمية القرآن، كما يقول محمود محمد طه. وقد فصَّل عبد الله في ذلك، وعن دور الجامعات وغرضها، في الفصل التاسع من الكتاب، كما سيأتي الحديث.

جاء الفصل الأول بعنوان: الفصل الأول “محمود محمد طه: الميلاد والمناخ العام الفكري والسياسي”، وتناول المحاور الآتية: الميلاد و النشأة، وإلغاء الخلافة العثمانية و انتهاء لقب الخليفة أو سلطان المسلمين، وميلاد الأحزاب السودانية: تأسيس الحزب الجمهوري،لا تفاوض.. لا تعاون.. لا مهادنة مع المستعمر وإنما المواجهة و المقاومة و الصدام، وأول سجين سياسي منذ ثورة 1924، والاعتكاف و العمل من أجل غاية أشرف من المعرفة بل المعرفة و سيلة إليها، والإعلان عن الفهم الجديد للإسلام،لمحة عن أعمال محمود محمد طه، والإخوان الجمهوريون: من أين جاءت التسمية؟ ومتى بدأ اطلاقها؟، والموقف من الاستعمار و المعرفة الاستعمارية، وظهور مناهج نقد المعرفة الاستعمارية و الدعوة لتفكيك الذاكرة الاستعمارية، ونقد محمود محمد طه للمعرفة الاستعمارية.

وقف المؤلف عند ميلاد الأُستاذ محمود محمد طه بمدينة رفاعة الواقعة على الشاطئ الشرقي للنيل الأزرق بوسط السودان، في العام 1909. وأعطى صورة عن المناخ العام في السودان وفي الفضاء الإسلامي والعالمي. وقد أوضح بأن السودان كان وقتئذٍ يخضع لإدارة الحكم الثنائي الإنجليزي/ المصري بموجب اتفاقية الحكم الثنائي المبرمة في 19 يناير 1899م، بعد القضاء على الثورة المهدية في عام   1898. وكانت أفريقيا والدول العربية كلها تخضع للاستعمار الأوروبي. جاء التكالب الأوروبي على أفريقيا بعد أن شهدت أوروبا عصر النهضة متزامناً مع حركة الإصلاح الديني في القرنين الخامس والسادس عشر، ثم قيام الثورة الصناعية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وازدهار النظام الرأسمالي. عاشت أوربا تحولات وتغييرات واسعة في مختلف المجالات الاقتصادية-الاجتماعية والثقافية والفكرية، ولا تنفصل تلك التحولات والتغيرات في تقاطعاتها مع آثار الثورة الفرنسية التي اندلعت، عام 1789، ونشوب الحرب العالمية الأولى مابين (1914-1918). كان من أهم نتائج الحرب نهاية الإمبراطوريات القديمة.  فقد تمت تصفية تركة الدولة العثمانية في اتفاقية سيفر عام 1920م بتجريد تركيا من كل توابعها الإقليمية وانتهت إلى دولة صغيرة تحدها اليونان وأرمينيا. ومن نتائج الحرب العالمية الأولى كذلك قيام الثورة البلشفية في روسيا القيصرية وظهور الاتحاد السوڤيتي عام 1917.

عبد الله الفكي البشير

وأضاف المؤلف بأن آثار تلك التحولات والتغييرات والأحداث الجسام، لم تتوقف عند حدود أوروبا الجغرافية وجوارها أو الإمبراطوريات المنافسة، بل تعدت ذلك وألقت بظلالها ونتائجها على كل شعوب الأرض. لقد خضعت الشعوب المستعمرة في كل مناحي حياتها إلى سياسات الدول المستعمرة. ولم تك تلك السياسات سوي نتائج لتفاعلات الواقع الأوربي على مختلف أصعدته:الدينية والثقافية والاقتصادية مرهوناً بالصراعات والمنافسة من أجل السيطرة على الأرض والشعوب والعقول. ويواصل المؤلف بأنه (في هذا المناخ الكوكبي ولد محمود محمد طه والسودان يحبو نحو الحداثة، ويبحث عن مرتكزة الحضاري، ولا يزال. فقد ظل السودان يدور في فلك العالم العربي والإسلامي منفصلاً عن إرثه الحضاري ومغيباً عن ذاتيته الضارب جذرها في القدم، وقد تضافرت عوامل شتي لخلق الوضعية الهشة، فقد شهد العالم العربي والإسلاميانطلاق الحركات الإصلاحية داخل الإمبراطورية العثمانية وولاياتها خلال القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، وكان شعار تلك الحركات التغيير والتجديد، والإسهام  في الحضارة الحديثة، مع الحفاظ على الهوية الإسلامية. وعن تلك الحركات يقول عبد الله: و قد اتخذت هذه الحركات توجهات وتيارات مختلفة، منها ذات النزعة السلفية، ومنها العقلانية الليبرالية المتفتحة، وكانت هناك الدعوة الوهابية بقيادة محمد بن عبد الوهاب (1703-1791)، في شبه جزيرة العرب التي دعت إلى اتباع السلف في أمور العقيدة، والحركة السنوسية بقيادة محمد بن السنوسي،  ( 1787-1859) بليبيا، و التي جمعت بين النزوع الوهابي في الإصلاح الديني، و النزوع الصوفي و معاداة الاستعمار . أما الحركة المهدية في السودان بقيادة محمد أحمد بن عبد الله المهدي فقد تبنت الجهاد ضد المستعمر، ودعت إلى الرجوع إلى الدين الحق وإلغاء المذاهب الأربعة. كذلك برز عدد من المصلحين مثل جمال الدين الأفغاني (1839-1897)،الذي رفع شعار الوحدة/ الجامعة الإسلامية القائمة على قيم الإسلام الأصيلة المؤدية إلى اكتساب القوة والعقل والفضيلة، والإمام  محمد عبده (1848-1902)، الذي حاول التواصل والتجاوز في مسيرة الإصلاح، وحاول تعريف الإسلام الحقيقي وربط ذلك بمعطيات المجتمع الحديث، ليصل إلى أن الإسلام صالح لأن يكون أساساً للحياة المعاصرة. أما عبد الرحمن الكواكبي (1848-1973)، فقد انفتح على علم الاجتماع الإنساني، وسلط جام غضبه على الحكم المطلق ودعا للمطالبة بالحقوق، وشخص أمراض المسلمين. وواجه  كل من رفاعة الطهطاوي(1801-1873)، وخير الدين التونسي(1810-1890)، سؤال التوفيق بين الحضارة الغربية المتفوقة والمبهرة، وبين حضارتهم الراكدة والغافلة.وكان أيضاً، محمد رشيد رضا ( 1865-1935)، الذي أصدر مجلة المنار، وقد حلت محل مجلة العروة الوثقي، في التجديد الديني، و الدعوة إلى الجامعة الإسلامية. حاول بدوره تصحيح العقيدة والدفاع عن الإسلام، وإصلاح نظام التربية والتعليم، والانفتاح على تدريس العلوم العصرية.

كذلك وقف المؤلف عند أحد الأحداث الكبرى في الفضاء الإسلامي، ألا وهو إلغاء الخلافة العثمانية وانتهاء لقب الخليفة أو سلطان المسلمين.  يقول المؤلف أدي قرار إلغاء نظام الخلافة العثمانية في يوم 3 مارس 1924،بقيادة مصطفى كمال أتاتورك (1881-1938)، بعد أن استمرّت لأكثر من أربعة قرون،  إلى انتهاء، ولأول مرة،  لقب الخليفة أو سلطان المسلمين في العالم الإسلامي السني. ترتب على ذلك الكثير من التبعات، كان منها تقافز الأسئلة حول علاقة الدين بالدولة، دينية أم مدنية الدولة، وبداية مرحلة النقد لبعض الثوابت الدينية.  ويحدثنا دكتور عبد الله؛ أنه في العام الذي تلي إلغاء الخلافة العثمانية وانتهاء لقب الخليفة، استهل الشيخ علي عبد الرازق (1888-1966)،هذه المرحلة بإصدار كتابه:الإسلام وأصول الحكم في الخلافة والحكومة في الإسلام، في العام 1925. ويقول المؤلف أثار هذا الكتاب معركة، كما يرى عروس الزبير (الجزائر) تعد من أشد المعارك الفكرية، وكان لها الأثر البليغ في طبيعة واتجاه الحركة التاريخية التي عرفتها وتعرفها المجتمعات العربية والإسلامية المعاصرة.  وأشار عبد الله: إلى رأي حيدر إبراهيم علي (السودان) الذي نظر إلى كتاب علي عبدالرازق باعتباره تدشين لمرحلة التناول النقدي لبعض الثوابت الدينية من داخل المؤسسة الدينية (الأزهر) نفسها، مما جعل ردود الفعل في مثل هذه الحدة. ويضيف حيدر بأن البعض اعتبر صدور الكتاب أشد وقعاً من قرار مصطفي كامل اتاتورك، إلغاء الخلافة، لأنه مجرد قرار سياسي لم يستهدف العقيدة مباشرة.  وتحدث عبدالله مورداً آراء آخرين عن كتاب الشيخ علي عبدالرازق، قائلاً: عمّد البعض، كما هي سعاد تاج السر علي (السودان) في دراستها: (دين، وليس دولة: التبرير الإسلامي لعلي عبد الرازق، العلمانية السياسية)، الشيخ علي عبد الرزاق باعتباره “الأب الروحي للعلمانية في الإسلام”. ويري كثيرون بأن أسئلة الشيخ عبد الرزاق حول علاقة الدين والدولة، دينية أم مدنية الدولة في المجتمعات العربية -الإسلامية، لاتزال ماثلة، وحية، وملحة. قدم عبدالله تفصيلاً عن كتاب علي عبدالرازق وتبعاته على مؤلفه وآثاره في الفضاء الإسلامي، وكتب عبد الله معبراً عن رأيه في كتاب الشيخ علي عبد الرزاق، قائلاً: لقد أحدث الكتاب عاصفة من السجال و العراك الفكري، استمرّت لنحو مائة عام، ولاتزال. طُبع خلالها الكتاب نحو 40 طبعة. وظهر أمام طرح الشيخ عبدالرازق موقفان: موقف المختلفين الرافضين للطرح، وكان على رأس هؤلاء، موقف هيئة كبار العلماء بالأزهر، وعلماء الدين، والسلفيين، ودعاة تطبيق الشريعة الإسلامية، و الموقف الثاني، اشتمل على المتفقين مع الطرح، والداعين لحرية الرأي، ومنهم المنادين بفصل الدين عن الدولة، والداعين للاستفادة من التجارب الإنسانية في نظم الحكم. ثم أوضح عبدالله بأن هناك موقفاً جديداً، انطلاقاً من الفهم الجديد للإسلام لصاحبه محمود محمد طه، وهو موقف يختلف عن موقف الفريقين آنفي الذكر وغيرهما، وسيأتي قريباً في كتابنا الذي يحمل عنوان: محمود محمد طه و السياسة (1-5): أطروحة علي عبد الرازق من الإسلام و أصول الحكم في ميزان الفهم الجديد للإسلام.

حدثنا عبد الله عن سيرة الأستاذ محمود محمد طه وفقدانه لوالديه وهو دون الثانية عشرة من عمره. فقد تُوفيت والدته عام 1915، وهو ابن السادسة، وتُوفي والده عام 1920، فعاش حياة وصفها الأستاذ محمود محمد طه، قائلاً: “حياتي كلها يُتم”. نشأ الأستاذ محمود محمد طه، مابين مدينة رفاعة وقرية الهجيليج التي تبعد عنها نحو خمسة عشر كيلو متراً. أوضح عبدالله بأن الأستاذ محمود محمد طه بدأ بمرحلة الكُتاب، وأكمل تعليمه الأوّلي بمدينة رفاعة، و بنهاية عام 1931 أتمّ المرحلة الوسطي، فانتقل إلى الخرطوم، ليلتحق عام 1932 بكلية غردون، ليتخرج منها عام 1936 في قسم المهندسين. وفور تخرجه عمل مهندساً برئاسة مصلحة سكك حديد السودان، بمدينة عطبرة شمال السودان. ومن الوهلة الأولى تجلت ثوريته تجاه الإدارة الاستعمارية، إذ دخل في مواجهات وصدامات مستمرة مع المسؤولين البريطانيين ورؤسائه في العمل، وقاد ثورة تصحيحية في نادي السكة الحديد فانتزع حق دمقرطة إدارته باعتباره تنظيماً للعاملين، وليس مِلكاً للمؤسسة حتى يرأسه رئيسها، وانتهي حرمان العمال من دخوله، فضلاً عن إثراء الحركة الثقافية والسياسية بالمدينة. ويواصل عبد الله، مُصوراً لنا رد الفعل الذي احدثته ثورية الأستاذ محمود محمد طه فيقول :( أمام هذه الثورية ضاقت إدارة السكة الحديد ذرعاً، فعمدت على إبعاده بنقله إلى المناطق النائية، فما كان منه إلا وأن تقدم باستقالته في العام 1942، ليتحرر من الوظيفة الحكومية.) جاءت استقالة الأستاذ محمود محمد طه، من وظيفته مع نُذر الحرب العالمية الثانية 1939-1945، وكانت الحركة الوطنية السودانية، بقيادة طلائع المتعلمين خريجي مؤسسات التعليم الحديث، قد تبلورت بظهور مؤتمر الخريجين الذي تأسس في فبراير 1938، بأثر هندي واضح. ويبين عبد الله أن هذا الحراك السياسي تلخص بتكوين الأحزاب السودانية في منتصف أربعينات القرن الماضي، والحرب العالمية تضع أوزارها عام 1945. تشكلت الحركة السياسية في طرحي الوحدوية ( وحدة مع مصر) والاستقلالية ( الاستقلال في تحالف مع التاج البريطاني).

يقول عبد الله: “حضر محمود محمد طه مع بعض رفاقه في مناخ تكوين الأحزاب السودانية ليعلنوا يوم الجمعة 26 أكتوبر 1945 عن تأسيس الحزب الجمهوري، برئاسة محمود محمد طه”. يقول عبدالله تقرأ دعوة الأستاذ محمود محمد طه إلى الجمهورية والاستقلال التام على أنها دعوة لتحرير الفكر السياسي و مناخه من الثنائية التي غرسها الاستعمار، وتجلت وتعمقت مع قيام الأحزاب السودانية، حيث الأحزاب التي تنادي بالوحدة مع مصر تحت التاج المصري، و الأحزاب الاستقلالية التي كانت مُتهمة بالدعوة إلى تاج محلي بالتحالف مع بريطانيا. فكلاهما كان (ملكياً). وأورد عبدالله، قائلاً: يري محمود محمد طه، بأن توخي الحكم الجمهوري “لايجعل فضلاً لمواطن على آخر إلا بقدر صلاحيته وكفاءته للاضطلاع بالأعباء المنوطة به، ولأنه، من ناحية أخري، لايقيد الناس بضرب من ضروب الولاء والتقديس اللذين لا مصلحة للإنسانية فيهما”. يُضاف إلى ذلك، كان محمود محمد طه، يري:”أن النظام الجمهوري هو أرقى ما وصل إليه اجتهاد العقل البشري في بحثه الطويل عن الحُكم المِثالي”. ثم ذكر عبدالله بأن مواجهة الأستاذ محمود للاستعمار كانت قوية ومستمرة، ولخصها عبدالله من واقع بيانات الحزب الجمهوري ومقالات الأستاذ محمود بأنها: “لا تفاوض..لا تعاون .. لا مُهادنة مع المستعمر وإنما المواجهة والمقاومة والصدام، فكان هو أول سجين سياسي منذ ثورة1924. يقول المؤلف: سُجن محمود محمد طه لمدة (50 يوماً) وكانت خلال الفترة (الأحد 2 يونيو -الاثنين 22 يوليو 1946)، وهو ما عُرِف بالسجن الأول، في أدبيات الجمهوريين. وبينّ المؤلف بأن ما يدعو للدهشة والاستغراب، هو أن سبب هذا السجن لا تجد له أثراً في صحائف المؤرخين وفي كتابات الكثير من الكتاب، وإنما تجد حديث لا يمت للوقائع بصلة. يقول المؤلف إن سبب هذا السجن، هو موقف الاستاذ محمود محمد طه من إنشاء الإدارة الاستعمارية، للمجلس الاستشاري لشمال السودان، وهو مجلس يختص بمديريات شمال السودان دون جنوبه، فدعا الأستاذ محمود محمد طه، لمقاومته وعدم الاعتراف به، وعدم الالتزام بما يصدر عنه من تشريعات، باعتباره فصلاً مبكراً لجنوب السودان. ليكون بذلك أول سجين بل الوحيد من أجل قضية جنب السودان. وقد أطلقت صحيفة الرأي العام السودانية على رئيس الحزب الجمهوري، محمود محمد طه، صفة أول سجين سياسي في البلاد.

نلتقي في الحلقة الرابعة.

ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ «2- 13»

 

الوسومالرسالة الثانية من الإسلام السودان د. عبد الله الفكي البشير سمية أمين صديق محمود محمد طه يوسف الصديق

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: السودان د عبد الله الفكي البشير محمود محمد طه يوسف الصديق الأستاذ محمود محمد طه الأحزاب السودانیة الخلافة العثمانیة الحزب الجمهوری الحرب العالمیة محمود محمد طه الشیخ علی عبد فی السودان یقول عبد فی العام فی کتاب من أجل

إقرأ أيضاً:

هل تحوِّل شركاتُ النفط الكبرى أمريكا إلى عملاق ليثيوم؟

منذ ما يزيد قليلا على قرن، أطلق اكتشاف النفط بالقرب من مدينة إلدورادو في جنوب غرب ولاية اركنساس الأمريكية تدافعا محموما لحفر آبار النفط، ولعبَ دورا في جعل الولايات المتحدة قوة "طاقة عالمية" عظمى.

في ذروة ازدهارها، استضافت الدورادو أكثر من 50 شركة نفط وأصبح "سماكوفر" أكبر حقل نفط قيد التشغيل في العالم.

تراجع الإنتاج بشدة في العقود الأخيرة، وتحفر الشركات الآن في حقل سماكوفر بحثا عن شيء آخر هو الليثيوم. إنه عنصر فلزي (معدن) يشكل مكونا مفتاحيا في البطاريات القابلة للتعبئة والتي تزود بالطاقة السياراتِ الكهربائية والهواتفَ النقالة والمعداتِ الدفاعية.

تحتوي خزانات المياه الملحية الجوفية التي تمتد عبر اركنساس والولايات المجاورة لها على تركُّزات عالية من هذا المعدن الفضي. وقدرت دراسة نشرتها الإدارة الأمريكية للمسوحات الجيولوجية في أكتوبر الكمية الإجمالية لهذا المورد في جنوب غرب اركنساس وحدها بما يصل إلى 19 مليون طن. وعلى الرغم من أن كل هذه الكمية قد لا تكون قابلة للتعدين، إلا أنها يمكن أن تنتج بسهولة ما يكفي لمقابلة إجمالي الطلب الأمريكي الحالي على الليثيوم.

اكسون موبيل وأوكسيدنتال واكوينور من بين عشرات الشركات التي تسعى لحفر آبار المياه المالحة التي تحتوي على المعدن في المنطقة. وتعكف هذه الشركات على تجربة الاستخراج المباشر لليثيوم وهي تقنية جديدة يقول أنصارها أنها يمكن أن تدعم صناعة ببلايين الدولارات في الولايات المتحدة وتضعف قبضة الصين الخانقة على سلاسل توريد بطاريات ايونات الليثيوم.

صناعة ناشئة

"يمكن لتقنية الاستخراج المباشر أن تحقق لصناعة الليثيوم والاقتصاد في الولايات المتحدة ما حققه التكسير الهيدروليكي لصناعة النفط الأمريكية قبل 20 عاما تقريبا"، هذا ما يقوله أندى روبنسون الجيولوجي والمؤسس المشارك لشركة "ستاندارد ليثيوم" التي تسعى لتطوير مشروع بتكلفة 1.5 بليون دولار بالقرب من الدورادو في شراكة مع مجموعة الطاقة النرويجية "اكوينور".

يقول أنصار هذه التقنية إنها تقدم بديلا أسرع وأقل ضررا على البيئة من طرق الإنتاج الحالية. بالنسبة لشركات النفط والتي لديها مهارات واسعة في الحفر وضخ ومعالجة السوائل تمثل طريقة مفيدة لتنويع أنشطتها. يقول روبنسون :" يمكننا إقامة صناعة توجِد وظائف جيدة برواتب مجزية لعقود وفي الأثناء تأمين مد أمريكا بمعدن مفتاحي في صناعة البطاريات".

اجتذبت هذه الصناعة الوليدة داعمين أقوياء بمن فيهم الرئيس دونالد ترامب الذي أدرج في أولوياته إنتاج المعادن الحيوية في الداخل والخارج. ففي الشهر الماضي اختارت إدارته منشأة الليثيوم التجريبية لشركة ستاندارد كواحدة من 10 مشروعات معادن حيوية تستفيد من عملية جديدة لتسريع إصدار الرخص. وكان المشروع الاستثماري قد حصل سلفا على منحة بمبلغ 225 مليون من الإدارة الأمريكية السابقة.

لكن الخبراء يحذرون رواد صناعة الليثيوم الأمريكية بوجوب إثبات إمكانية نجاح التقنية الجديدة تجاريا ومنافسة تقنيات الإنتاج الحالية ومشروعات الاستخراج المباشر لليثيوم في بلدان التكلفة المنخفضة.

سوق الليثيوم مسيَّسة بقدر كبير. يقول المنتجون الأمريكيون إن الصين -وهي أكبر لاعب إلى حد كبير في معالجة الليثيوم وإنتاج البطاريات- أغرقت سوق الليثيوم عمدا وهوت بالأسعار بهدف الحيلولة دون دخول قادمين جدد لهذه الصناعة والحفاظ على هيمنتها. لقد هبطت أسعار كاربونيت الليثيوم (المادة الخام التي ينتج منها الليثيوم- المترجم) بنسبة 80% إلى حوالي 9 آلاف دولار للطن من ذروتها في نوفمبر 2022.

كما تحركت بكين أيضا لتقييد تصدير بعض التقنيات والمواد اللازمة لمعالجة الليثيوم ومواد أخرى حيوية لصناعات الدفاع والسيارات وأشباه الموصلات.

يقول ديفيد بارك الرئيس التنفيذي لشركة ستاندارد ليثيوم: "ليس صدفة أن الصين بدأت تصعيد تلاعبها بسوق الليثيوم حين كانت عدة شركات أمريكية كبيرة تستكمل دراسات الجدوى والدراسات الهندسية وتعمل على تأمين التمويل". ويقول فيديريكو جاي المحلل شركة أبحاث المعادن الحيوية: "بينشمارك مينرال انتيليجنس" يمكن لتقنية الاستخراج المباشر لليثيوم "إعادة تشكيل أسواق الليثيوم العالمية خلال العقد القادم ومساعدة الشركات العاملة في الولايات المتحدة للحصول على موطئ قدم في هذه الصناعة". لكنه يستدرك قائلا: "عليها أولا إثبات أنها يمكنها التغلب على التحديات الفنية والمالية والاستراتيجية".

استخدامات جديدة وتقنية جديدة

خلال معظم القرن العشرين كان إنتاج الليثيوم محدودا وعكس بذلك محدودية استخداماته. كان هذا المعدن يستخدم غالبا كمكوِّن في الشحوم والرؤوس النووية ولاحقا كدواء مهدئ للمزاج، ووجد في وقت ما في مشروب سفن آب الشهير إلى أن حظرت السلطات الأمريكية استخدام أملاح الليثيوم في المشروبات عام 1948.

لكن التسويق التجاري لبطاريات ايونات الليثيوم في أوائل التسعينيات بواسطة شركة التقنية اليابانية "سوني" واستخدامها مؤخرا في السيارات الكهربائية ومنتجات التقنية الرفيعة الأخرى أطلقا ازدهارا في الطلب أحدث بدوره تحولا في صناعته.

في الفترة بين 2020 و2024 تضاعف الطلب العالمي على الليثيوم ثلاث مرات إلى حوالي 1.2 مليون طن، وفقا لشركة أبحاث الطاقة وود ماكنزي والتي تتوقع بلوغ استهلاك الليثيوم 5.8 مليون طن بحلول عام 2050.

لمقابلة الطلب، توسع المنتجون خلال العقد الماضي في تعدين الليثيوم من الصخور الصلبة في استراليا والصين واستخراجه من المياه الملحية في أمريكا اللاتينية ومنح ذلك هذه المناطق الثلاثة السيطرة على أكثر من 80% من صناعته.

تعدين الصخور الصلبة يماثل كثيرا أية عملية أخرى لإنتاج المعادن، فالمواد الخام كالسبودومين تُستخرج من مناجم مفتوحة وتسحق ثم تعالج كيميائيا لفصل الليثيوم.

أما استخراج الليثيوم من المياه الملحية، فينطوي على ضخ المياه المالحة الغنية بالليثيوم في برك كبيرة ويكون ذلك عادة في مناطق حارة وجافة. تتبخر المياه تدريجيا مخلفة وراءها أملاح ليثيوم مركَّزة يمكن معالجتها.

حتى وقت قريب كانت شركات تعدين الليثيوم في الولايات المتحدة تعاني، فهي تواجه ارتفاع التكاليف والتشدد في إجراءات التعدين وظروف جيولوجية ومناخية أقل ملاءمة مقارنة "بمثلث الليثيوم" في شيلي والأرجنتين وبوليفيا.

تقنية الاستخراج المباشر لمعدن الليثيوم والتي تشمل في العادة استخدام مذيبات ومواد سيراميك لفصل الليثيوم من المياه المالحة غيَّرت كل ذلك. تستغرق هذه الطريقة ساعات فقط لفصل الليثيوم، فيما يمكن أن يحتاج فصله في برك التبخير إلى 18 شهرا، وتصل معدلات استخلاصه إلى حوالي 70% - 90%، حسب شركة وود ماكنزي، مقارنة بمعدل يتراوح بين 40% و60% بطريقة التبخير في البرك. كما يحتاج الاستخراج المباشر إلى مساحة وماء أقل.

وهكذا تتيح تقنية الاستخراج المباشر لليثيوم فرصة استثمارية مع اكتشاف تركُّزات عالية لليثيوم في المياه الملحية بحقول النفط داخل تشكيل "سماكوفر" والذي يمتد عبر ولايات اركنساس ولويزيانا وتكساس. كما تجعل البنية التحتية الكيمياوية الموجودة حاليا في هذا الحقل استغلال هذه الموارد أكثر سهولة مقارنة بالحقول البِكْر.

المياه الملحية التي تتدفق في خزانات جوفية على عمق كيلومترين تحت منطقة مشروع شركة ستاندارد في مقاطعة لافاييت بولاية اركنساس تحتوي على أكثر من 400 ميليجرام من الليثيوم في اللتر وهذا مستوى يلزم أن يقلل تكلفة عملية الاستخراج المباشر لليثيوم بما يكفي لجعله مربحا.

أثناء جولة في المنشأة التجريبية لشركة ستاندارد على مبعدة 90 كيلومترا من منطقة مشروعها في لافاييت يقول روبنسون: " كنا دائما نعلم أن هذا المورد يطابق المعايير العالمية في اركنساس، لكن لزمنا تدبير التقنية اللازمة لاستغلاله، لقد حققنا ذلك".

خلال السنوات الخمس الماضية عالج روبنسون وفريقه حوالي 120 مليون لتر من المياه المالحة في حقل النفط بالمنشأة التي توجد في مصنع للكيماويات يدار بواسطة شركة لانكسيس الألمانية. تضخ أنابيبٌ ضخمة المياه المالحة إلى السطح، حيث تعالجها لانكسيس لصنع البرومين وهي مادة كيميائية تستخدم في صناعات المواد الصيدلانية والوقاية من الحرائق. (إنتاج البرومين عملية منفصلة لا علاقة لها بإنتاج الليثيوم ولكنهما يتشاركان في المادة الخام وهي المياه المالحة - المترجم.) ثم ينقل جزء من هذه المياه إلى منشأة شركة ستاندارد للمعالجة والتي وظفت تقنيات التكرير الخاصة بالاستخراج المباشر لليثيوم والمرخصة بواسطة الشركة الصناعية لأمريكية العملاقة "صناعات كوك".

التكلفة والأسعار

لكن تقنية الاستخراج المباشر لا تخلو من التحديات، فإحدى المنشآت المقتصرة على استخدام هذه التقنية والتابعة لشركة ايراميت الفرنسية للتعدين في أمريكا اللاتينية اضطرت الى تأجيل الإنتاج مرارا منذ بداية عملها في نهاية العام الماضي. يقول فيديريكو جاي: "حتى بعد سنوات من الاختبار والتجريب تواجه هذه المنشآت بعض المشاكل الآن مع دخولها مرحلة التوسع في الإنتاج، ويرجِّح هيمنة النموذج الهجين (الذي يجمع بين التبخير في البرك والاستخراج المباشر لليثيوم) إلى أن يتم تشغيل هذه التقنية الأخيرة بكامل طاقتها الإنتاجية في وقت لاحق خلال هذا العقد.

يقول جاي: تحتاج المياه المالحة في حقول النفط إلى معالجة مسبقة وواسعة النطاق لإزالة الملوثات التي تتدخل في تبلور مادة الليثيوم. ويقول أيضا: "ذلك يضيف وقتا وتكلفة، كما يعقدِّ تفاوت المياه الملحية في درجة نقائها التوسعَ في الإنتاج وتوحيدَ عملياته (نمذجتها)".

التكاليف الإجمالية لاستخراج الليثيوم مباشرة من مياه النفط الملحية ومعالجته ونقله وسداد الرسوم والحقوق (الاتاوات) المرتبطة به تبلغ حاليا حوالي 10000 دولار للطن، حسب شركة "بينشمارك". وتقدر تكلفة إنتاج شركة ستاندارد ليثيوم بحوالي 10735 دولارا للطن، وهذا مبلغ أعلى كثيرا مقارنة بالمنافسين الذين ينتجون الليثيوم من برك التبخير أو يجمعون بين التقنيتين (التبخير والاستخراج المباشر)، حيث يمكن أن تتدنى التكاليف إلى 6 آلاف دولار للطن.

الشركات من شاكلة ستاندارد لم يعد بمقدورها الاعتماد على الحوافز الضريبية التي استحدثها الرئيس السابق جو بايدن لإقامة سلاسل توريد محلية للمعادن الحيوية مع اقتراح الجمهوريين في الكونجرس وقف مثل هذا الدعم.

لكن تطوير تقنية الاستخراج المباشر لليثيوم وتركُّزاته العالية في حقل "سماكوفر" يقللان من التكلفة كما يقول المنتجون الأمريكيون. من جانبه، يقول بارك الرئيس التنفيذي لشركة ستاندارد: "ربما يلزم تأجيل تنفيذ معظم خطط الطاقة الإنتاجية الجديدة إلى أن تعود أسعار الليثيوم إلى ما بين 18000 و20000 دولار للطن. لكننا لا نخطط على أساس حدوث ذلك". ويضيف: "مشروعنا أحد مشاريع تقنية الاستخراج المباشر القليلة التي يمكنها إنتاج كاربونيت ملائم للبطاريات بتكاليف تشغيل نقدية دون 6000 دولار. كما تجذب شركتنا انتباه الشركاء والزبائن والمقرضين المناسبين". (تكاليف التشغيل النقدية مقياس مختلف عن ذلك الذي تستخدمه شركة بينشمارك. فشركة ستاندارد في تقديرها للتكلفة لا تحسب التكاليف الرأسمالية).

استثمارات حول العالم

الشركات التي تتخذ مقرها في الولايات المتحدة ليست وحدها التي تتسابق لاستخدام تقنية الاستخراج المباشر تجاريا، فهنالك على الأقل 36 مشروعا لهذه التقنية عند مراحل مختلفة من التطوير حول العالم، حسب مركز سياسات الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا.

من بين هذه المشروعات يوجد 13 مشروعا في الصين، فيما انتقل المنتجون في أمريكا اللاتينية إلى الاستخراج المباشر استجابة للمخاوف من استنزاف برك التبخير للموارد المائية. وفي يناير أعلنت شركة أرامكو السعودية أنها تدخل في استثمار مشترك مع شركة "معادن" لتطوير مشروعات استخراج مباشر لليثيوم في الشرق الأوسط على أن تبدأ الإنتاج التجاري بحلول عام 2027.

وفي عام 2023 أعلنت الحكومة في تشيلي وهي ثاني أكبر منتج لليثيوم في العالم عن تحولها إلى تقنية الاستخراج المباشر لأسباب بيئية. وفي ديسمبر ذكرت شركة ريو تينتو للتعدين أنها ستستثمر 2.5 بليون دولار لتوسعة منشأة رينكون لليثيوم التابعة لها في الأرجنتين باستخدام هذه التقنية أيضا. ودفعت 6.7 بليون دولار في العام الماضي للاستحواذ على شركة أركاديوم ليثيوم التي تستخدم الاستخراج المباشر لليثيوم في مشروع "اومبري مويرتو" التابع لها في الأرجنتين.

يقول إلياس سكافيداس المدير الإداري لقسم مواد البطاريات بشركة ريو تينتو: "برك التبخير ليست مناسبة لإنتاج الليثيوم على نطاق واسع في الأنديز، لذلك استخدام تقنية الاستخراج المباشر وإعادة حقن المياه تساعد على التقليل من الأثر البيئي لهذه الصناعة".

جهود حثيثة في أركنساس

أطلق ظهور تقنية الاستخراج المباشر لليثيوم سباقا لتأمين أفضل موارد المياه الملحية. في الشهر الماضي نازعت اوكسيدنتال بتروليوم شركة اكسون على ملكية بعض الحقوق في جنوب غرب اركنساس. وفي جلسة استماع عامة ومشهودة حكمت مفوضية النفط والغاز بالولاية لصالح شركة سولتويركس التابعة لمجموعة اكسون والتي وضعت هدفا طموحا لإنتاج ليثيوم يكفي لتغطية الاحتياجات التصنيعية لأكثر من مليون سيارة كهربائية بحلول عام 2030.

يقول دان هولتون نائب الرئيس الأول لحلول خفض انبعاثات الكربون بشركة اكسون: "عندما ننظر إلى ما تحاول الولايات المتحدة أن تفعله بصدد إنشاء سلسلة توريد محلية للمعادن الحيوية كالليثيوم والى وضعنا في حقل سماكوفر سنجد أن ذلك يناسبنا حقا".

جزء من الحسابات الاقتصادية حول الاستخراج المباشر لمعدن الليثيوم يتعلق بالرسوم والحقوق (الاتاوات). في أركنساس تقترح شركة ستاندرد ليثيوم دفع أتاوة بنسبة 2.5% لملاك الأراضي وذلك بناء على كمية كاربونيت الليثيوم الموجودة في المياه المالحة وأسعار السوق والحصة النسبية للفرد في المشروع. لكن بحسب سكان محليين، يسعى بعض ملاك الأراضي إلى الحصول على نسب تصل إلى 12.5% من الشركات أو دفعها إلى شراء أراضيهم.

لكن منتجي الليثيوم يقولون من الضروري تحديد نِسَب الأتاوة عند مستويات تمكِّن الإنتاج الأمريكي من المنافسة مع البلدان الأخرى وخصوصا الصين. لقد ابتدرت بكين خلال 10 سنوات جهودا لتعدين وتكرير وتنقية ومعالجة الليثيوم جعلت الصين تتصدر السيارات الكهربائية وأثارت قلق الحكومات الغربية.

يقول هولتون: السوق اليوم تهيمن عليها الصين وستشكل منافستها تحديا كبيرا للصناعة الأمريكية التي عليها أيضا أن تتكامل رأسيا. يشرح ذلك بقوله: "لا يكفي أن تنتج المعادن الحيوية هنا في الولايات المتحدة. يجب أن تكون لديك سلسلة توريد تمتد من استخراج ومعالجة الليثيوم وإنتاج المادة النشطة في القطب الموجب لبطارية ايونات الليثيوم إلى مصانع إنتاج البطاريات. كل هذه المراحل يجب تنفيذها في الولايات المتحدة".

يخطط مسئولو ستاندارد واكوينور لاتخاذ قرار الاستثمار النهائي حول مشروع لافاييت في الخريف القادم. تقول أليسون كينيدي ثورموند نائبة رئيس اكوينور لقسم الليثيوم في أمريكا الشمالية: "نحن نتخلص من المخاطر في السوق بقدر ما نستطيع من خلال عقود "مبيعات" لإرضاء المقرضين". وتقول عن شركة اكوينور النرويجية، التي اقترح لها زوجها فكرة الدخول في صناعة الليثيوم عندما كان يعمل بها في عام 2017، أنها تتمتع بالإمكانات التي تجعلها تلعب دورا قياديا في الانتقال إلى الطاقة المتجددة. وتضيف قائلة:"نحن لسنا بحاجة إلى البحث عن آلاف الناس الذين لديهم مهارات جديدة لتوظيفهم، يمكننا استخدام الكفاءات الموجودة لدينا سلفا".

يبذل الساسة والمسؤولون المحليون في ولاية أركنساس كل ما في وسعهم لدعم المستثمرين من أجل الفوز بالسباق وإيجاد وظائف في الولاية التي بها أدنى دخول عائلية وسطية في الولايات المتحدة عند حوالي 58 ألف دولار. كما تراجع الجامعات والكليات المحلية مناهجها الدراسية لمعالجة فجوات المهارات. تقول جينفر شرودر المديرة التنفيذية لتسريع تطوير المسار المهني بكلية ساوث اركنساس: "تحتاج صناعة الكيماويات إلى مشغلين يعرفون قراءة مخطط الأنابيب والأجهزة. إنها تحتاج إلى أشخاص يعلمون كيف تعمل الصمامات".

إلى ذلك، في الشهر الماضي أجازت الهيئة التشريعية لولاية أركنساس قانونا يقدم إعفاءات ضريبية لمنتجي الليثيوم والبطاريات وذلك كحافز للتشجيع على الاستثمار.

تقول سارا هاكابي ساندرز حاكمة ولاية أركنساس والسكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض في إدارة ترامب خلال فترته الرئاسية الأولى: "سيكون ذلك دافعا قويا لجعل الشركات تواصل استثماراتها. يعتقد الخبراء أن أركنساس يمكنها المساهمة بما يصل إلى 15% من إنتاج العالم من الليثيوم وهذا يجعلنا أقدر على المنافسة ويقدم بديلا للصين، ذلك فوز عظيم، ليس لولايتنا ولكن لأمريكا كلها".

مقالات مشابهة

  • الدويش ينتقد ازدواجية المعايير تجاه النصر
  • الأمير عبدالعزيز بن سعود يتفقد عددًا من المشروعات التطويرية في المشاعر المقدسة
  • صدارة خماسية لبطولة دبي المفتوحة للشطرنج
  • بعبقرية “العراب” سالم الهندي.. مدلي الرويشد يجمع القلوب قبل الأصوات
  • ملف المخدرات في السودان يُعد من أخطر الملفات التي واجهت البلاد
  • هل تحوِّل شركاتُ النفط الكبرى أمريكا إلى عملاق ليثيوم؟
  • جنوب السودان تحيي اليوم الدولي لحفظة السلام وسط استمرار التوترات ونداءات ملحة لإنهاء النزاع
  • إنهم الآن يذوقون من الكأس ذاتها التي أرادوا أن يذيقوها للسودان
  • جنازة عسكرية مهيبة لشهيد الواجب مدير الإدارة العامة للمرور بمسقط رأسه في المنوفية
  • محمد أمين راضي ضيف عباس أبو الحسن.. الجمعة