الأندية العمانية والاستثمار الرياضي
تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT
رامي بن سالم البوسعيدي
في ظل التحولات الاقتصادية التي تشهدها سلطنة عُمان وتوجهها نحو تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، أصبح من الضروري النظر إلى الرياضة كقطاع استثماري واعد يسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني.
والأندية الرياضية العُمانية -التي لطالما اعتمدت على الدعم الحكومي- أغلبها تواجه تحديات مالية كبيرة تعيق قدرتها على تحقيق التميز الرياضي والتنمية المستدامة، وهذا ما لمسناه في كثير من الأندية، وهو ما تسبب حتى في تقليص قدرتها على تنفيذ أنشطة ثقافية ورياضية وشبابية، لذا يعد التحول إلى نموذج استثماري يعتمد على الخصخصة وتطوير إدارة الأندية حلاً فعالًا لتجاوز هذه التحديات وفتح آفاق جديدة للنمو والنجاح.
تحويل الأندية العُمانية إلى كيانات استثمارية يُمكن أن يبدأ من خصخصتها وتحويلها إلى شركات رياضية خاضعة لقوانين التجارة والاستثمار، وهذا التحوُّل يعني فصل الإدارة الرياضية عن الحكومة ومنح القطاع الخاص فرصة المشاركة في إدارة وتطوير الأندية، ويمكن للأندية أن تطرح أسهمها للاكتتاب العام؛ مما يُتيح للمستثمرين المحليين والدوليين فرصة المشاركة في تمويلها وتحقيق أرباح من خلال العوائد الاستثمارية، هذه الخطوة لا تسهم فقط في تحسين الأداء الرياضي؛ بل تخلق بيئة اقتصادية متكاملة تشجع على الابتكار والاستثمار في مجالات أخرى مرتبطة بالرياضة.
تجربة الأندية الأوروبية تمثل نموذجًا يُحتذى به في هذا الجانب، على سبيل المثال نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي يعد مثالًا بارزًا على نجاح الخصخصة والاستثمار في الرياضة، عندما تحول النادي إلى شركة مساهمة عامة، تمكن من جذب استثمارات ضخمة ساهمت في تحسين بنيته التحتية وتطوير أدائه الرياضي، فضلًا عن تعزيز مكانته كعلامة تجارية عالمية، هذا النجاح لم يقتصر على مانشستر يونايتد فحسب، بل شمل العديد من الأندية الأوروبية التي أصبحت تعتمد على استراتيجيات تسويقية واستثمارية مبتكرة لتحقيق الاستدامة المالية، وهو ما اتجهت له بعض الأندية العربية، وقد يكون بنماذج أخرى، ولكنها بذات الأهداف.
محليًا يمكن للأندية الاستفادة من هذه التجارب العالمية وتكييفها بما يتناسب مع البيئة المحلية، وتحويل الأندية إلى شركات رياضية سيُعزِّز من قدرتها على بناء شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص وجذب الرعايات التجارية، والاستفادة من التقنيات الحديثة في تحسين الأداء الرياضي والتواصل مع الجماهير، كما أن تطوير البنية الأساسية الرياضية من خلال استثمارات خاصة سيجعل سلطنة عمان وجهة رياضية قادرة على استضافة فعاليات دولية؛ مما يُسهم في تنشيط السياحة وتعزيز الاقتصاد الوطني.
النظر إلى الرياضة كقطاع ترفيهي فقط لم يعُد مُناسبًا للمرحلة الحالية، الرياضة أصبحت صناعة متكاملة تسهم في توفير فرص عمل وجذب الاستثمارات وتحقيق عوائد اقتصادية كبيرة، وإذا تم تنفيذ خطط الخصخصة والاستثمار في الأندية العُمانية بشكل استراتيجي ومدروس، فإن ذلك سيضع الرياضة في قلب الاقتصاد الوطني ويجعلها محركًا للتنمية المستدامة، وعلى الحكومة والقطاع الخاص العمل معًا لوضع إطار قانوني وتنظيمي يدعم هذه التحولات، مع ضمان الشفافية والحوكمة الجيدة في إدارة الأندية لتحقيق التوازن بين الأهداف الرياضية والاقتصادية.
ومن النتائج المتوقَّعة لهذا التوجه نحو الخصخصة والاستثمار في الأندية العُمانية، هو تأسيس دوري محترفين قوي يتمتع ببيئة تنافسية عالية وقادرة على جذب أفضل المواهب المحلية والدولية، ووجود دوري محترفين يسهم في تحسين مستوى الأندية واللاعبين، كما يفتح المجال أمام الاستثمارات التجارية من خلال حقوق البث التلفزيوني وبيع التذاكر والرعايات التجارية، وهذا التطور يرفع من قيمة الرياضة كمنتج اقتصادي يُسهم في جذب جماهير أوسع وتعزيز مكانة سلطنة عمان على الخريطة الرياضية الإقليمية والدولية.
ويُسهم هذا التحول في بناء قاعدة رياضية متينة تدعم المنتخبات الوطنية في مختلف الفئات العمرية؛ حيث ستصبح الأندية أكثر قدرة على تطوير الأكاديميات واكتشاف المواهب ورعايتها، كما يؤدي الاستثمار في البنية الأساسية الرياضية إلى توفير منشآت متطورة تستضيف الفعاليات المحلية والدولية؛ مما يُعزِّز من السياحة الرياضية ويرفد الاقتصاد الوطني بعوائد جديدة، هذا النموذج المتكامل سيخلق منظومة رياضية مستدامة تخدم طموحات سلطنة عمان على المستويين الرياضي والاقتصادي.
ختامًا نؤكد أن التحول إلى نموذج استثماري ليس مجرد خيار، بل ضرورة تفرضها التغيرات الاقتصادية العالمية ومتطلبات التنمية في سلطنة عُمان، والرياضة ليست مجرد نشاط ترفيهي، بل أداة اقتصادية واجتماعية تعزز من مكانة الدول وتسهم في تنويع اقتصاداتها، خاصة وأن الأندية العُمانية تمتلك المقومات لتكون جزءًا من هذا التحول، إذا ما تم تبني رؤية استثمارية طموحة تُعيد تعريف دورها وتضعها على طريق النجاح والاستدامة الاقتصادية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الفن .. والشخصية العمانية
الظواهر الاجتماعية.. في عمان لم تحظَ بالدراسة والتحليل كثيرا، وهذا راجع إلى أمرين: حداثة علم الاجتماع في الحقل العلمي، فهو من العلوم الأكاديمية التي دخلت مع افتتاح جامعة السلطان قابوس عام 1986م. وعدم رصد الظواهر الاجتماعية، فإذا أردت أن تحلل ظاهرة بعمق لا تجد سجلا عن جذورها وتأثيرها الاجتماعي، وتأثرها بالظواهر الأخرى، وأصيلة هي في المجتمع أم دخيلة عليه. توجد بعض الدراسات للظواهر، لكنها من السائد الاجتماعي كالطلاق والعنف الأسري والتسرّب الطلابي، وغالبا هذه الدراسات تخضع للتقليد الأكاديمي، الذي أصبح لدى الطالب «حنكة» على اجتيازه للحصول على الشهادة الأكاديمية، دون أن يقدّم دراسة جادة للظاهرة في المجتمع.
الظاهرة الاجتماعية.. ممارسة مستمرة في المجتمع، وتحصل غالبا تلقائيا في مختلف أوجه الحياة، فظاهرة التعصب مثلا لا تقتصر على حقلَي الدين والسياسة، وإنما تظهر كذلك في السلوك والقول والملبس والمعاملة، وفي الدرس العلمي والتربوي، وفي الفن والعمل، بحيث لا تخفى ملاحظتها. وهي قابلة للقياس؛ أي أنها ليست حالات فردية قليلة الانتشار.
هناك ظواهر جيدة في الاجتماع العماني، لكنها لم تدرس علميا، ولا نعرف هل هي فعلا ظاهرة متجذرة في المجتمع، أم أنها حالات يراد لها أن تنتشر اجتماعيا حتى تتوافق مع ضميرنا الاجتماعي ورؤيتنا السياسية، وهذا ليس خطأ، وإنما التقصير في عدم دراستها. فالظواهر الاجتماعية.. يمكن أن تسود المجتمع بتأثيرات خارجية أو سياسية، وهي بالأساس تفتقد الجذر الاجتماعي الذي يمتد في أجيال عديدة من المجتمع، لأن الوافد والمصطنع يمكن أن يزول.
المقال.. يلقي الضوء على ظاهرة الفن في عمان، ومدى تجذرها في المجتمع، وما حدود تأثيرها عليه، وهي بحد علمي لم تدرس. يقدم الكاتب محاولته بناء على تقصي للاجتماع العماني؛ قديما وحديثا، للفت الانتباه إليها، وتحتاج إلى دراسة علمية تتبعية بمناهج موضوعية متجاوزة الأدوات الأكاديمية التي تعاني من الجمود.
اختلف في تعريف الفن كسائر المصطلحات المشبّعة بمفاهيم كثيرة وحمولات تأريخية ودينية، بسبب تحركها في الواقع الاجتماعي، أو لاختلاف الزوايا التي ينظر منها، وما أرتضيه هنا من تعريف للفن هو البُعد الجمالي الذي يضفيه الإنسان على أعماله. فالراعي.. وهو يرعى غنمه يغني ليحثها على السير بعذوبة صوته، وليرفع السآمة عن نفسه. والخزّاف ليكسر رتابة المنظر في آنيته يعمد إلى نقشها أو الرسم عليها. الفن.. لا يقتصر على إضفاء المتعة النفسية الظاهرة للإنسان.. بل هو أعمق، فقد تحوّل في الأديان إلى معتقدات، وفي الأساطير إلى تعويذات، وفي السياسة إلى مؤسسات، وفي الاقتصاد إلى مشاريع.
لا يخلو مجتمع إنساني من ممارسة نوع من الفن كالغناء والموسيقى والرسم والنحت والتمثيل والتصوير، وما الشعر الذي ألهب مشاعر الشعوب إلا صنف راقٍ من الفن الجميل، نال العرب منه قصب السبق. أما بالنسبة للشخصية العمانية فقد كان احتفاؤها بالفن أقل، بخلاف العلم الذي نال العماني منه حظا وافرا؛ إلى درجة الإبداع. كما أنه أبدع في هندسة العمران؛ حيث استطاع أن يفلق الصخر ويشق الأرض للحصول على الماء بنظام الأفلاج المحكم، وبنى الحصون والقلاع والأسوار والبيوت التي حصنته من الأعداء. علينا أن نميّز بين الفن الذي نشأ في المجتمع العماني أصالة وأصبح سجية من سجايا الشخصية العمانية، وبين الفن الوافد إلى المجتمع وقد يسود فيه برهة ثم يتلاشى؛ فالنفس تتأثر جماليا إلا أن ذلك رهين بظروف معينة وفي أوقات محددة.
لنبدأ من العمق التاريخي؛ وأقدمه وأوثقه ما يتعلق بالدين، فمن خلال تتبعي الحضاري لا أجد كثيرا من اللمسات الجمالية فيما عُثر عليه من المعابد والأنصاب والرموز الدينية، ومعظمها وافد من الحضارات المجاورة. وهذا خاضع إلى الطبيعة التجريدية للمعتقدات الدينية في جزيرة العرب؛ ومنها عمان. لقد وجد بعض التماثيل التي تمتعت بلمسات رائعة، لكنها تحتاج إلى دراسة موضوعية.
إن الأساس الذي حكم الفن في عمان هو الدين، ليس الإسلام وحده، وإنما قبله بكثير، حيث سادت فيها معتقدات دينية منذ القدم؛ مكوِّنة بين الحين والآخر عناصر ثقافية شكلت «حضارة سلّوت». ففي «معبد ني صلت» بكدم الذي يعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد؛ لا نجد إلا رسمات محدودة ذات منظر جمالي، مثل: الأشخاص السبعة الذين رسموا على صخرة المعبد «حصاة ني صلت»، والثور الذي رسم ضمن «لوحة الأضاحي». وكذلك؛ النُصب الضخم الذي عثرنا عليه في وادي الهجري بنزوى مجردٌ من اللمسات الفنية، ما يؤكد ما أذهب إليه من حالة التجريد الديني في عمان، وعموم الجزيرة العربية.
ويكفي أن نذهب إلى المتاحف العمانية لنتأكد من قطعها الآثارية التي لا تحفل بالفن الجمالي؛ قدر احتفائها بحالة التجريد التي فرضها الدين والبيئة والمجتمع. توجد بعض اللقى التي لا تخلو من مسحة جمالية، لكن كثيرا منها مجتلبا إلى عمان، والمحلي منها متأثر بفن من خارجها، والأصيل منها قليل. وآية ذلك.. ما نجده في القطع الفخارية، فمنذ دخول الفخار إلى عمان حوالي الألفية السادسة قبل الميلاد؛ نجد أن الرسمات والخطوط والنقوش على قطعها لا تنم إلا عن فن بسيط، يَشفّ عن ظاهرة التجريد التي هيمنت على الحالة الدينية بعمان، والاستثناء الذي نجده في بعض القطع الآثارية قليل. إن حالة التجريد التي لزمها الدين في جزيرة العرب؛ لها بُعد فلسفي ينبغي أن يدرس تأثيره على كثير من الظواهر، وليس الفن وحده.
في العهد الإسلامي.. استمر الفقه على لزوم حالة التجريد في نظرته للفن؛ سواء أكان مرئيا أم مسموعا. لقد ظلت المساجد بعيدة عن أية إضافات فنية، وحصل استثناء لهذه القاعدة زمن النباهنة؛ حيث عُمِلت محاريب ذات رسمات نباتية وفسيفساء هندسية وكتابات قرآنية في بعض الجوامع بعمان؛ مثل: بَهلا ونزوى ونخل، والدراسات تذهب إلى أنها نتيجة تأثيرات خارجية. هذه الظاهرة لم تستمر وانتهت بمجيء الدولة اليعربية، رغم أنها دولة فخمة ذات نفوذ واسع وثراء وافر. لم يكن انحسار فن الرسم من الجوامع وحدها، وإنما عموم العمارة اليعربية لم تتمتع بمسحة جمالية، اللهم إلا حصن جبرين بولاية بَهلا؛ الذي شيده الإمام بلعرب بن سلطان اليعربي (ت:1104هـ)، فكان آية في الإبهار بنقوشه وزخارفه وكتاباته، وقبل ذلك؛ تصميمه الفني الفخم وهندسته المحكمة، بيد أنه كان من أسباب إزاحة العمانيين بنايه بلعرب عن الحكم بقيادة أخيه سيف بن سلطان «قيد الأرض» (ت:1123هـ)، يقول بشير بن عامر الفزاري (حي:1110هـ) مدافعا عن الإمام بلعرب:
زعمت أن الملك لا يزين
برجل مسكنه يبرين
وقت إن زخرف البنيان إلهاه عن ضرب وعن طعان
وكذلك الفن السماعي لم يكن له حضور واضح في المجتمع العماني، فقد لزم الفقه الإباضي النهج الأحوط تجاه الفنون الموسيقية والغنائية، ولم يحصل إلا استثناءات فرضها الواقع أو عموم الرؤية الفقهية؛ كالدف في الأعراس، والطبل في فنون الحماسة، والتهويد للطفل، والتعويب في الزراعة. وحتى ما ظهر في بعض المناطق من اهتمام بالغناء كصور وظفار، فراجع للاحتكاك بالمجتمعات الخارجية، حيث غلب الفن الإفريقي على صور، والفن الحضرمي على ظفار.
يمكننا الحديث عن نوع من فنون الحماسة في عمان؛ ممثلة في الهبوت بجنوب عمان، والرزحة والرزفة في وسطها، والرماسية والرزيف في شمالها، ولكنها فنون متعلقة بالدفع إلى ساحات الوغى، وليس إثارة الحس الجمالي، وإن حملت بُعدا من أبعاده.
ختاما.. إن العمل على بناء منظومة للفن بصَوَرِه الحديثة؛ قد يعيد تشكيل الشخصية العمانية، فالبشرية على مشارف تحوّل نوعي في بُنية الاجتماع البشري، وعلينا أن نستوعب المتطلبات الجمالية للمستقبل.