تهجير أبناء غزة.. دعوة أمريكية مارقة وفاشلة
تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT
في مشهد يعكس العقلية الاستعمارية القديمة بثوبها الحديث، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعوةً صادمة لتهجير أبناء غزة إلى خارج فلسطين، متجاوزًا بذلك كل المواثيق والأعراف الدولية التي تُقر بحق الشعوب في أوطانها، هذه الدعوة ليست مجرد طرح سياسي، بل هي امتداد للفكر العنصري الإلغائي الذي يهدد الإنسانية في صميم قيمها، وفي مقدمتها الحق في الأرض والانتماء.
ما طرحه ترامب ليس جديدًا، بل هو محاولة متجددة لإعادة إنتاج تجربة الاستعمار الاستيطاني الذي تأسست عليه الولايات المتحدة ذاتها، حين أباد المستعمرون السكان الأصليين وأحلّوا محلهم المستوطنين، واليوم، يُحاول تمرير النموذج نفسه في فلسطين، بإبادةٍ ناعمةٍ تهدف إلى اقتلاع شعبها من أرضه وإعادة توزيعه بما يخدم المشروع الصهيوني، غير أن فلسطين، وعلى رأسها غزة، أثبتت أنها ليست لقمة سائغة، وأن مقاومة أهلها قد تجاوزت كل التوقعات، فشلت أمامها آلة الحرب الصهيونية المدعومة أمريكيًا وغربيًا.
إنّ ما لم ينجح العدو في تحقيقه بالقوة العسكرية المباشرة، يسعى لتحقيقه بأساليب أخرى، مستغلًا الوضع الإنساني الصعب في غزة ليصور التهجير وكأنه “خيار إنساني” يوفر لأهلها حياة أفضل، لكن هذا الطرح لا ينطلي على أحد، فالشعب الفلسطيني واعٍ لطبيعة هذا المخطط، ويدرك أنه ليس سوى وسيلة لشرعنة الاحتلال والاستيلاء الكامل على الأرض.
تاريخيًا، لم يسبق أن نجح مشروع اقتلاع شعبٍ من أرضه ما دام هناك إرادةٌ تقاوم، والفلسطينيون – الذين أفشلوا مشاريع الإبادة الجماعية المتكررة – قادرون على إفشال هذا المشروع أيضًا، وما شهدته الحرب الأخيرة من صمود أسطوري في غزة، يؤكد أن محاولات التهجير لن تكون إلا حلقة جديدة من حلقات الفشل الأمريكي الصهيوني في فرض معادلات جديدة على الأرض.
إنّ هذه الدعوة لا تشكل خطرًا على فلسطين فحسب، بل هي ناقوس خطر يدق في وجه كل الدول العربية والإسلامية، فإذا نجح المخطط في غزة، فلن يكون بعيدًا اليوم الذي يُفرض فيه التهجير على أهالي الضفة الغربية، ثم عرب الداخل المحتل، وصولًا إلى حلم “إسرائيل الكبرى” الذي لطالما كان هدفًا استراتيجيًا للمشروع الصهيوني.
وعلى الدول العربية والإسلامية أن تدرك أن الأمر لا يتعلق بغزة وحدها، بل هو مقدمةٌ لإعادة رسم خارطة المنطقة برمتها وفق الأجندة الصهيو-أمريكية، والمطلوب اليوم ليس مجرد بيانات الشجب والاستنكار، بل تحرك عملي سياسي ودبلوماسي وعسكري يضع حدًا لهذه المخططات، قبل أن تجد المنطقة نفسها في مواجهة كوارث جيوسياسية لا يمكن تداركها.
ستبقى غزة لأهلها، وفلسطين لشعبها، مهما حاولت قوى الهيمنة فرض واقعٍ جديد بالقوة أو بالمؤامرات، فقد أثبت التاريخ أنّ أصحاب الأرض هم من يكتبون الفصل الأخير في المعركة، لا الغزاة والمستعمرون، وسيسقط مشروع التهجير كما سقطت مشاريع تصفية القضية الفلسطينية من قبل، وسينكسر الحلم الصهيو-أمريكي على صخرة الإرادة الفلسطينية التي لم تعرف الهزيمة يومًا.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
رأسمالية الكوارث الأمريكية من التجويع إلى التهجير فالريفيرا
تدير الولايات المتحدة الأمريكية بهدوء وعقل بارد غرفة عمليات مشتركة لتجويع الفلسطينيين وتهجيرهم خارج قطاع غزة، سواء عبر مخيمات الانتقال أو عبر معابر وأبواب خلفية غير مرئية.
غرفة عمليات مشتركة تضم الاحتلال الإسرائيلي والشركاء الأوروبيين بدأت عملها بملاحقة النشطاء ومناصري القضية الفلسطينية، وإغلاق كل المؤسسات الإغاثية وملاحقة العاملين فيها وتجريمهم، وصولا إلى التحكم المطلق بأنشطة الإغاثة عبر مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) وشركاتها الأمنية، التي مارست جرائم حرب وإبادة جماعية وتطهير عرقي ممنهج ضد الفلسطينيين دون عوائق تذكر.
حملات الترهيب التي أدارتها الولايات المتحدة من خلال غرفة العمليات المشتركة، شملت التهديد بفرض عقوبات وملاحقة قضاة محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية، وعلى رأسهم المدعي العام كريم خان، وصولا إلى المقررة الأممية الخاصة بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام1967، فرانشيسكا ألبانيزي.
شبكة متكاملة تعمل من خلال غرفة عمليات مشتركة لتهجير الفلسطينيين، يمتد نشاطها إلى الضفة الغربية، فالتجويع والتهجير ثنائية عملت متضافرة؛ تارة تحت مسمى معسكرات الانتقال، وتارة تحت مسمى الإغاثة والعلاج
الحملات تجاوزت حدودها بتهديد النشطاء بالتصفية الجسدية، والسحل في شوارع العواصم الأوروبية، والسجن والاعتقال في أرجاء عدة من العالم والإقليم، وهي حملات لم تترك زاوية من العالم دون أن تستهدفها وتضيّق على العاملين فيها؛ من عمال إغاثة إلى مدافعين عن حقوق الإنسان.
في المقابل، تجد مؤسسة غزة الأمريكية من مقرها في ولاية ديلاوير الأمريكية؛ الرعاية والاهتمام والتمويل رغم جرائمها الموثقة في قطاع غزة، إذ يديرها ضباط استخبارات أمريكيون ومرتزقة من مختلف أنحاء العالم، يمنحون الفلسطينيين المجوعين 11 دقيقة لجمع المساعدات ثم يبدأون بعمليات قتل جماعي لمن يتأخر عن المهلة المحددة، في ما يشبه التسلية والمتعة، وهو ما كشفته صحيفة الغارديان البريطانية في تقريرها الأربعاء.
لن يفجع العالم مستقبلا إن اتضح أن المرتزقة الأمريكان يستعينون بالشبكة العنكبوتية المظلمة (dark web) لتسويق مقاطع قتل الفلسطينيين أملا بتحقيق مزيد من الأرباح من المرضى الساديين زبائن الشبكة المظلمة، لن يذهل العالم بعد ذلك أن اكتشف تورط كبار موظفي الإدارة الأمريكية ومن ضمنهم وزير الخزانة الأمريكية سكوت بيسنت ومدير الموساد الإسرائيلي ديفيد برنياع؛ لتهجير الفلسطينيين ونزعهم من أرضهم في قطاع غزة، فالعقوبات والتضييق المالي تحوّل إلى سلاح فتاك وفعال امتد ليشمل سلطة التنسيق الأمني في رام الله ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية في كافة أرجاء العالم.
مؤسسة غزة الأمريكية لا تهدف فقط لرفع كفاءة سلاح التجويع، بل وتفعيل جهود اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم ونقلهم عبر معسكرات وممرات خلفية من القطاع نحو أوروبا وكندا وأستراليا ونيوزلندا، فهي شبكة متكاملة تعمل من خلال غرفة عمليات مشتركة لتهجير الفلسطينيين، يمتد نشاطها إلى الضفة الغربية، فالتجويع والتهجير ثنائية عملت متضافرة؛ تارة تحت مسمى معسكرات الانتقال، وتارة تحت مسمى الإغاثة والعلاج، على نحو سمح بتهجير ما يقارب 20 ألف فلسطيني خلال الأشهر القليلة الماضية بحسب بعض التقديرات.
الخطى الإسرائيلية تتسارع وتعتمد بشكل أساسي على سلاح التجويع الذي يعول عليه نتنياهو للحفاظ على فاعليته بُعيد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار لتعطيل جهود رفع الحصار وإعادة الإعمار في قطاع غزة، ودعم ذلك بقنوات وممرات سرية لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية
استراتيجية التجويع التهجير تعمل اليوم بفاعلية كونها ثمرة تجارب وخبرات أمريكية متراكمة أشار إليها الكاتب والباحث الأسترالي أنتوني لوينشتاين في كتابة "رأسمالية الكوارث"، عبر شبكة متكاملة تدار مركزيا من قبل الولايات المتحدة وتمول بسخاء منقطع النظير، تتجاوز أهدافها حدود التوصل إلى اتفاق في قطاع غزة نحو مشروع متكامل لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، وهو ما عكسه وزير المالية سموتريتش وبن غفير الثلاثاء الفائت بعقد جلسة هي الأولى من نوعها داخل الكنيست لمناقشة بناء مجمع غوش قطيف شمال القطاع وتفعيل مشروع الريفيرا والتهجير الأمريكي.
الضفة الغربية ليست بمعزل عن هذه المخططات، إذ اقر الكنيست الإسرائيلي في اليوم التالي لمناقشة إعادة الاستيطان إلى قطاع غزة؛ ضم الضفة الغربية للكيان المحتل واعتماد مسمى يهودا والسامرة بديلا عن مسمى الضفة الغربية.
ختاما.. الخطى الإسرائيلية تتسارع وتعتمد بشكل أساسي على سلاح التجويع الذي يعول عليه نتنياهو للحفاظ على فاعليته بُعيد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار لتعطيل جهود رفع الحصار وإعادة الإعمار في قطاع غزة، ودعم ذلك بقنوات وممرات سرية لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية إلى كندا وأستراليا ونيوزلندا وأوروبا ودول أخرى يطمح مدير الموساد برنياع بانضمامها للمشروع مستقبلا، مشاريع تديرها غرف عمليات نشطة ولن يوقفها سوى صمود المقاومة وحراك دولي وإقليمي شعبي قبل أن يكون رسميا، فالمخطط أبعد ما يكون عن الإنسانية وأقرب ما يكون إلى نشاط مافيات الاتجار بالبشر والمنظمات الإجرامية التي يديرها مرتزقة وقطاع طرق عالميين.
x.com/hma36