توحيد السلاح في سوريا: رغبة السلطة وتناقضات الواقع
تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT
تتكشف معضلات الحكم الجديد في سوريا بشكل أوضح. فبينما تبدو الرغبة جلية بفرض تسليم الفصائل سلاحها، تكثر التساؤلات حول استثناءات غير مبررة. وبينما تُرفع القيادة الجديدة شعار ضبط الأمن، تبقى مناطق واسعة عرضة للانقسامات المسلحة.
منذ تسلمه السلطة في دمشق، لم يتوقف رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، عن تأكيد ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، وإخضاع كافة الفصائل المسلحة لسلطة وزارة الدفاع.
غير أن المشهد الفعلي يعكس واقعًا مغايرًا يثير تساؤلات متزايدة حول قدرة السلطة الجديدة على تنفيذ تعهداتها. فالتوترات مستمرة على أكثر من جبهة: في الشمال، حيث تستمر الخلافات مع قوات سوريا الديمقراطية، وفي الغرب حيث تخوض "هيئة تحرير الشام" معارك ضارية ضد العشائر اللبنانية، وفي الجنوب حيث تظل مسألة "اللواء الثامن" بقيادة أحمد العودة دون حل واضح. إضافة إلى ذلك، لا تزال الهجمات الإسرائيلية مستمرة، مصحوبة باحتلالها لمناطق جديدة في الجنوب السوري، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي.
إحدى أكثر المفارقات وضوحًا تتجلى في استمرار وجود "هيئة تحرير الشام"، الفصيل الذي سبق أن قاده الشرع (أبو محمد الجولاني حينها) تحت مسمى "جبهة النصرة". فعلى الرغم من إعلان تفكيك معظم الفصائل المسلحة أو ضمها إلى وزارة الدفاع، لا تزال الهيئة تحتفظ بوجود عسكري نشط، وتخوض مواجهات شرسة على الحدود مع لبنان. وتطرح هذه الاستثناءات غير المعلنة تساؤلات حول مدى التزام القيادة الانتقالية بمبدأ توحيد السلاح تحت سلطة الدولة.
في سياق موازٍ، يثير موقف الشرع من إسرائيل مزيدًا من الغموض. فبينما يؤكد رجل دمشق القوي تجنّب التصعيد في بداية حكمه، تبقى توغلات الجيش الإسرائيلي داخل سوريا والغارات الجوية المتكررة عنواناً يطرح التساؤلات حل الاستجابة المستقبلية لهذا التحدي. كما تطرح الاشتباكات مع العشائر تناقضاً جديداً مع تصريحات الشرع بعدم الرغبة بأي مواجهة مع دول الجوار، ما يثير شكوكا حول المستقبل، ويفتح الباب أمام التكهنات بشأن طبيعة استراتيجيته في المرحلة القادمة.
أما على مستوى الترتيبات العسكرية الداخلية، فالصورة لا تقل ضبابية. إذ لا يزال "اللواء الثامن" بقيادة أحمد العودة مترددًا في الانضمام إلى وزارة الدفاع، رغم إعلان الوزارة أن معظم الفصائل قد وافقت على الاندماج. في المقابل، أكد العودة أن أبناء الجنوب كانوا من أوائل الداعين إلى تأسيس وزارة دفاع وطنية، لكن بشروط تضمن تمثيلًا عادلًا لجميع المكونات، وهو ما يسلط الضوء على انعدام الثقة بين القيادات المحلية والسلطة المركزية الجديدة.
على الضفة الأخرى، لا تبدو "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) أكثر استعدادًا لتسليم سلاحها، رغم إعلان الشرع أنها وافقت على ذلك "مع بعض الاختلافات" في التفاصيل. لكن على أرض الواقع، لم يحدث أي تقدم ملموس، ما يعكس صعوبة فرض سلطة الحكومة الانتقالية على كافة الفصائل، ويفتح المجال أمام استمرار الانقسامات العسكرية.
وفي ظل استمرار الاشتباكات العنيفة بين "هيئة تحرير الشام" والعشائر اللبنانية منذ 6 فبراير 2025، والتي امتدت آثارها إلى الداخل اللبناني، تتجلى صورة مفارقة أخرى: فبينما يعلن الشرع عن نيته ضبط السلاح، لا تزال بعض الفصائل تحتفظ بقدراتها العسكرية وتتحرك بحرية على الأرض، دون تدخل واضح من الدولة.
صورة ضبابية حول أفق الاستقراريواجه الوضع السياسي في سوريا تحديات أخرى على المستوى الإقليمي والدولي. فالتقارب مع الدول العربية ما زال بطيئًا، ولا تزال قوى إقليمية تنظر بعين الريبة إلى مدى استقرار النظام الجديد. كما أن استمرار العمليات العسكرية والانتهاكات على الحدود يزيد من تعقيد المساعي الدبلوماسية، مما يعزز من احتمالية استمرار العزلة السياسية.
في المحصلة، تتكشف معضلات الحكم الجديد في سوريا بشكل أوضح. فبينما يُفرض على بعض الفصائل تسليم سلاحها، تحظى أخرى باستثناء غير مبرر. وبينما تُرفع شعارات ضبط الأمن، تبقى مناطق واسعة عرضة للانقسامات المسلحة. هذه التناقضات المتشابكة لا تطرح تساؤلات حول مستقبل الاستقرار في سوريا فحسب، بل تضع شرعية النظام الجديد ذاته على المحك، خصوصاً أنه تولى الرئاسة بعد تطورات عسكرية استثنائية لايزال قسمٌ من أحداثها ملتبساً، بما يشمل مواقف القوى الإقليمية والدولية الفاعلة.
وفي ظل هذه الظروف، يبقى التساؤل الأكبر قائمًا: هل يستطيع أحمد الشرع تحقيق وعوده وتثبيت سلطته في ظل هذه الانقسامات والتناقضات؟ أم أن سوريا ستظل ساحة مفتوحة لصراعات داخلية وإقليمية تضعف فرص بناء دولة مستقرة؟
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية أمريكا ولعنة سقوط الطائرات: مقتل شخص وإصابة آخرين إثر اصطدام طائرتين في مطار أريزونا قتلى وجرحى في تفجير انتحاري قرب أحد البنوك في ولاية قندوز شمال أفغانستان سوريا: تنصيب أحمد الشرع "الجولاني" رئيساً للمرحلة الانتقالية وحل الجيش وحزب البعث وإلغاء الدستور سورياأبو محمد الجولاني قسد - قوات سوريا الديمقراطيةهيئة تحرير الشامالمصدر: euronews
كلمات دلالية: دونالد ترامب ضحايا إسرائيل حركة حماس روسيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني دونالد ترامب ضحايا إسرائيل حركة حماس روسيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني سوريا أبو محمد الجولاني قسد قوات سوريا الديمقراطية هيئة تحرير الشام دونالد ترامب ضحايا إسرائيل حركة حماس روسيا أوروبا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني علم النفس قطاع غزة محادثات مفاوضات وقاية من الأمراض فلاديمير بوتين تحریر الشام یعرض الآنNext فی سوریا لا تزال
إقرأ أيضاً:
مصر تواصل دعمها الأمني للفلسطينيين: تدريب قوات السلطة لتمهيد إقامة الدولة المستقلة
شارك د. بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة يوم الإثنين في المؤتمر الدولي رفيع المستوى للتسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين المنعقد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك.
ألقى الوزير عبد العاطى كلمة مصر شدد خلالها على ضرورة خلق أُفق سياسي وتدشين مسار تفاوضى للتوصل إلى السلام العادل والشامل من خلال تنفيذ حل الدولتين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، بالإضافة إلى إلزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها في الرابع من يونيو لعام ١٩٦٧، ووقف جميع الإجراءات الأحادية وعلى رأسها الاستيطان، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، وبالأخص القرارات ٢٤٢ و٢٥٢ و٢٦٧ و٤٤٦ و٢٣٣٤.
وطالب الوزير عبد العاطي بالعمل على تنفيذ عدد من الإجراءات تتمثل في إنهاء العدوان الاسرائيلى السافر على غزة، وإتمام صفقة وقف إطلاق النار، وتبادل الرهائن والأسرى، وتمكين الأمم المتحدة ووكالة "الأونروا" من الاضطلاع بدورها بغزة، وتدفق المساعدات الإنسانية دون اية عوائق، ودعم جهود السلطة الوطنية الفلسطينية وتمكينها من العودة للقطاع لضمان وحدة الأرض الفلسطينية. كما شدد على ضرورة دعم جهود تنفيذ الخطة العربية الإسلامية للتعافي المبكر وإعادة إعمار غزة، وتقديم ما يلزم من إمكانات لجعل قطاع غزة قابلاً للحياة من جديد.
وقد تناول وزير الخارجية الكارثة الإنسانية التي يشهدها قطاع غزة في ظل الجرائم التى ترتكبها اسرائيل يومياً في حق الفلسطينيين، وضرورة تنسيق المواقف الدولية للتعامل مع الكارثة الإنسانية في الأرض الفلسطينية المُحتلة، والعمل الجماعي على معالجة جذور الأزمة وجوهرها الحقيقي من خلال إحياء حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء الصراع وترسيخ الأمن الإقليمي.
فى هذا السياق، أكد على أهمية دعم قدرات السلطة الوطنية الفلسطينية لكى تتمكن من أداء دورها في قطاع غزة والضفة الغربية على حد سواء تمهيداً لإطلاق مسار المفاوضات السياسية، مشدداً على أن الاعتراف بفلسطين هو حق من حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، ويرتبط بحق تقرير المصير.
كان الوزير عبد العاطي قد رأس وفد مصر فى أولى جلسات المؤتمر بصفتها الرئيس المشارك لمجموعة العمل الخامسة المعنية بالعمل الإنساني وإعادة الإعمار في غزة بالشراكة مع المملكة المتحدة. وقد أعرب خلال الجلسة عن حرص مصر علي طرح رؤيتها فيما يتعلق بالوضع الإنساني في الأراضي المحتلة، باعتبار ذلك ركيزة أساسية لأي تحرك عملي لتوفير الظروف الضرورية لإقامة الدولة الفلسطينية، والتي ترتكز على دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه في ظل ما يكفله له القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني من حقوق في مقدمتها الحماية والتمتع بالخدمات الأساسية، وهي الحقوق التي تتعرض لانتهاكات صارخة متواصلة وممنهجة، واعتداءات في الضفة الغربية وسط تصريحات رسمية من القوة القائمة بالاحتلال تدعو لتهجير سكان غزة وفرض السيادة علي الضفة، وهو ما ترفضه مصر بشكل قاطع، باعتباره يهدد فرص إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ومن ثم تنفيذ حل الدولتين.
مصر تؤكد دعمها لفلسطين وتحذر من المساس بأمنها المائي
وأشار إلى تكثيف مصر لجهودها لوقف الحرب في غزة وانهاء الكارثة الإنسانية التي يتعرض لها المدنيون، من خلال نفاذ المساعدات الإنسانية إلى غزة التي تعد مصر في طليعة الدول المقدمة لها، موضحاً استمرار مصر في دعم عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في غزة والأراضي المحتلة وبقية مناطق العمليات التابعة لها. وأكد عزم مصر التعاون مع الشركاء الدوليين لتنظيم مؤتمر للتعافى المبكر واعادة إعمار قطاع غزة فور التوصل لوقف إطلاق النار، وذلك لوضع الخطة العربية الإسلامية للتعافي المبكر وإعادة الإعمار موضع التنفيذ، وهو ما سيُسهم في إنهاء المعاناة الإنسانية والمعيشية لسكان غزة بشكل فعال.
كما أبرز وزير الخارجية مواصلة مصر توفير برامج التدريب الأمني للقوات التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، بغرض تمكين هذه القوات من إنفاذ القانون في قطاع غزة والضفة الغربية، الأمر الذي من شأنه أن يُسهِم في تهيئة المناخ الملائم لإقامة الدولة الفلسطينية متصلة الأراضي.