تخيُّل الأرض المقدسة: كيف تمت عبرنة الخريطة الفلسطينية؟ كتاب جديد
تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT
صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية مؤخرا كتاب تخيُّل الأرض المقدسة: كيف تمت عبرنة الخريطة الفلسطينية؟ للباحث الفلسطيني أحمد الدبش.
لم يأتِ المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين على خلفيةٍ استعماريةٍ أوروبيةٍ، ثم أمريكية، فحسب، على الرغم من أهمية هذه الخلفية، التي أخذت مع الوقت تتجسّد أكثر فأكثر في ذلك المشروع الصهيوني، بل مثّل العاملُ العقيديُ الديني عنصرًا مهمًا في دفع مجموعات من يهود أوروبا ورجال الدين فيها إلى البحث عن أرض "الآباء" و"الأجداد" و"أرض الميعاد"، استنادًا إلى رؤى وسرديات توراتية وتلمودية أسطورية تخيُّلية لم تنجح البحوث والاستكشافات الآثارية على مدى أكثر من قرن في إيجاد دلائل حسِّية دامغة على حقيقتها.
يحاول هذا الكتاب البحث في السيرورة التاريخية لتطوُّر عملية تخيُّل "الأرض المقدّسة" لدى اليهود في فلسطين والإجابة عن السؤال الرئيس في هذا السياق، وهو وكيف تدحرج "تخيُّل الأرض المقدسة"، ومتى عُقدت الصلة بين "الشعب اليهودي المُتخيَّل" وفلسطين، التي اختُرع اسم لها هو "أرض إسرائيل" لإثبات تلك الصلة "المُتخيَّلة"؟ وكيف نجح المشروع الصهيوني في استخدام هذه الصلة "المُتخيَّلة" كأداة توجيه ودفع لإفراغ فلسطين والتاريخ الفلسطيني من أي معنى حقيقي، حتى أصبح هذا التاريخ أسيرًا لروايات توراتية إلى درجة يكاد معها يتعذّر التحرّر منها؛ فخسرت فلسطين تاريخها أمام القوى الإمبريالية الأوروبية أولًا، وفي مواجهة تلفيق وتركيب تاريخ "عبري/ إسرائيلي" للماضي ثانيًا، ما لبث أن أصبح رواية قومية "إسرائيلية" بعد ذلك.
يأتي هذا الكتاب في مرحلة غدا فيها الصراع على السردية التاريخية على أشدّه، بين أصحاب الأرض الأصلانيين وأولئك الغرباء عنها، ممن لفظتهم شعوب الأرض، وهو يأتي في سياق عملية النضال في سبيل تحرير الحقائق التاريخية المتعلقة بتاريخ فلسطين القديم من الروايات التوراتية، والشروع في الخروج من بوتقة "الكتاب المقدس" بوصفه تاريخًا.
يستعرض الكتاب دور العامل العقائدي الديني في المشروع الاستيطاني الصهيوني، وكيفية استخدام السرديات التوراتية والتلمودية لإعادة تسمية وتخيل الجغرافيا الفلسطينية بما يتوافق مع الرواية الصهيونية.
يتألف الكتاب من خمسة فصول، بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة والمراجع والفهرس، ويقع في 304 صفحات.
وعبرنة الخريطة الفلسطينية هي عملية تغيير الأسماء العربية الأصلية للمدن والقرى والمعالم الجغرافية في فلسطين إلى أسماء عبرية، وهي جزء من مشروع استعماري استهدف محو الهوية الفلسطينية وإحلال هوية إسرائيلية جديدة. هذا الأمر لم يكن مجرد تغيير أسماء، بل كان إعادة تخيُّل للأرض المقدسة بما يتناسب مع الرواية الصهيونية التي سعت إلى تقديم فلسطين على أنها أرض يهودية تاريخياً، مع تجاهل الوجود الفلسطيني المتجذر فيها.
كيف تمت عبرنة الخريطة الفلسطينية؟
إنشاء لجنة الأسماء (1949): بعد النكبة، شكّلت الحكومة الإسرائيلية "لجنة الأسماء" التي كان هدفها عبرنة المعالم الجغرافية. تم تغيير أسماء القرى والمدن العربية المهجَّرة إلى أسماء عبرية مستوحاة من التوراة أو من المفردات العبرية الحديثة.
محو القرى المهجَّرة: خلال وبعد حرب 1948، دُمّرت مئات القرى الفلسطينية بالكامل، وأُنشئت مستوطنات جديدة بأسماء عبرية مكانها، مثل تغيير اسم قرية "أين غزال" إلى "عين أيالاه"، و"صفورية" إلى "تسيبوري".
إعادة تفسير الأسماء التاريخية: في بعض الحالات، تم تحريف الأسماء العربية لتبدو عبرية، مثل تغيير "المجدل" إلى "أشكلون"، و"يبنة" إلى "يبني"، وذلك لإضفاء طابع توراتي على الجغرافيا الفلسطينية.
عبرنة اللافتات والوثائق الرسمية: في الخمسينيات والستينيات، بدأت إسرائيل بفرض الأسماء العبرية على الخرائط الرسمية، اللافتات، وحتى وثائق الهوية، مما عزّز الطمس التدريجي للأسماء العربية.
إن عبرنة الخريطة الفلسطينية ليست مجرد تغيير في الأسماء، بل هي عملية استعمارية تهدف إلى إعادة تشكيل الهوية المكانية والتاريخية لفلسطين. ومع ذلك، يبقى الوعي الفلسطيني بهذه الأسماء والتاريخ الحقيقي للأرض جزءًا لا يتجزأ من المقاومة الثقافية ضد محاولات الطمس والتهويد.فرض الأسماء العبرية على الفلسطينيين في الداخل: منذ قيام إسرائيل، حاولت فرض الأسماء العبرية حتى على الفلسطينيين الذين بقوا داخل الخط الأخضر، كجزء من سياسات الأسرلة، حيث مُنعت القرى والمدن العربية من استخدام أسمائها الأصلية في الوثائق الرسمية.
الهدف من العبرنة
إلغاء الوجود الفلسطيني: عبرنة الأسماء كانت جزءًا من استراتيجية إنكار الرواية الفلسطينية وإعادة كتابة تاريخ المكان ليبدو وكأنه يهودي الأصل.
تعزيز السيطرة الاستعمارية: تغيير الأسماء عزز الشعور بالسيادة الإسرائيلية على المكان، حيث أصبحت كل الإشارات الجغرافية تدل على الرواية الإسرائيلية بدلاً من الفلسطينية.
ربط الأرض بالنصوص الدينية اليهودية: استعادة أسماء توراتية أو اشتقاق أسماء جديدة من العبرية الحديثة كان يهدف إلى تقديم فلسطين على أنها "أرض الميعاد" الخاصة باليهود، مما يدعم السردية الصهيونية عالميًا.
النتائج والتحديات
رغم مرور أكثر من سبعين عامًا على هذه العملية، لا تزال أسماء القرى والبلدات الفلسطينية الأصلية حية في الذاكرة الجماعية الفلسطينية، حيث يواصل اللاجئون وأحفادهم استخدامها في الوثائق والتاريخ الشفوي. كما أن هناك جهوداً أكاديمية وثقافية لإعادة إحياء الأسماء الأصلية من خلال الخرائط التفاعلية والمبادرات المحلية.
وفي المحصلة فإن عبرنة الخريطة الفلسطينية ليست مجرد تغيير في الأسماء، بل هي عملية استعمارية تهدف إلى إعادة تشكيل الهوية المكانية والتاريخية لفلسطين. ومع ذلك، يبقى الوعي الفلسطيني بهذه الأسماء والتاريخ الحقيقي للأرض جزءًا لا يتجزأ من المقاومة الثقافية ضد محاولات الطمس والتهويد.
أحمد الدبش هو كاتب وباحث فلسطيني متخصص في التاريخ القديم، أثارت أبحاثه في تفكيك التاريخ التوراتي العديد من النقاشات. له عدة مؤلفات في التاريخ القديم وجغرافية الكتاب المقدس، من أبرزها: فلسطين: أربعة آلاف عام في التاريخ"، "اليمن: الحضارة والإنسان"، "فلسطين: من هنا بدأت الحضارة".
تتميز أعمال الدبش بتركيزها على نقد السرديات التوراتية المرتبطة بفلسطين، وتقديم رؤى تاريخية تستند إلى الأدلة الأثرية والمصادر التاريخية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب كتاب لبنان كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
الوثائق والمحفوظات الوطنية تصدر كتابًا حول العلاقات العُمانية الروسية في القرن التاسع عشر
"العُمانية": أصدرت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية كتابًا بعنوان "العلاقات العُمانية الروسية في القرن التاسع عشر الميلادي" ، ـ دراسة في الوثائق الروسية ـ في إطار جهودها المتواصلة لإثراء المكتبة العُمانية والعربية بالمصادر التاريخية الموثقة، وتعزيز الدراسات الأكاديمية المعنية بتاريخ العلاقات الدولية لسلطنة عُمان.
ويقدم الإصدار مادة علمية ثرية تستند إلى نحو 2852 وثيقة روسية متنوعة تشمل رسائل وتقارير ومذكرات وخرائط وصورًا تاريخية، مما يجعله مرجعًا موسعًا يلقي الضوء على مسار العلاقات بين سلطنة عُمان وروسيا في القرن التاسع عشر، ودور الموانئ العُمانية وموقعها الحيوي في حركة التجارة البحرية العالمية آنذاك.
ويتضمن الكتاب ثلاثة فصول رئيسة تغطي تطور العلاقات الدبلوماسية والتجارية، وتحليل الوجود الروسي في منطقة الخليج، إضافة إلى توثيق مظاهر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سلطنة عُمان خلال تلك الحقبة. كما يضم الإصدار ملاحق وثائقية وصورًا لأكثر من 50 وثيقة نادرة من الأرشيف الروسي، فضلًا عن فهارس تفصيلية تسهّل على الباحثين الوصول إلى المعلومات والموضوعات المتخصصة.
وأكد سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني، رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، أن هذا الإصدار يأتي في إطار حرص الهيئة على إبراز تاريخ عُمان الحضاري من خلال الوثائق العالمية، مشيرًا إلى أن الوثائق الروسية تكشف بوضوح عمق العلاقات العُمانية الروسية، وتبرز مكانة سلطنة عُمان السياسية والتجارية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
ويُعد هذا الكتاب خطوة رائدة نحو تأكيد أهمية المصادر الروسية في دراسة تاريخ الخليج العربي، وبداية لسلسلة من الإصدارات المتوقع أن تسهم في فتح آفاق جديدة للباحثين والمهتمين بتاريخ العلاقات العُمانية الدولية.
من جانبه، أوضح الدكتور ضرار محمد فضل المولى، مؤلف الكتاب، أن إصدار هذا العمل يمثل خطوة نوعية لإغناء المكتبة العُمانية والعربية بمصادر أصيلة تكشف جوانب جديدة من تاريخ المنطقة.
وبيّن أن الكتاب يأتي بعد عشر سنوات من الجهد في تعريب وتحقيق وثائق روسية نادرة تسهم في إبراز عمق العلاقات العُمانية الروسية ودور سلطنة عُمان الحضاري والسياسي والاقتصادي في تلك الفترة.
وأشار إلى أن الوثائق التي اعتمدت عليها الدراسة تشكل ركيزة أساسية لفهم طبيعة العلاقات الدولية لسلطنة عُمان من منظور مختلف، بعيدًا عن المصادر التقليدية التي ارتكزت غالبًا على الوثائق البريطانية والفرنسية. وأكد أن هذا العمل يمهد لسلسلة من الدراسات المستقبلية التي ستكشف مزيدًا من الوثائق الروسية المتعلقة بتاريخ سلطنة عُمان.
بدورها، أكدت الدكتورة أحلام بنت حمود الجهورية، مدير مختص للدراسات الوثائقية بالهيئة، أن هذا الإصدار يمثل إضافة نوعية في مجال الدراسات الوثائقية الخاصة بتاريخ الخليج العربي والتاريخ الأوروبي الحديث، نظرًا لاعتماده على مجموعة مهمة من الوثائق الروسية التي تُعرض لأول مرة باللغة العربية.
وأوضحت أن دراسة العلاقات العُمانية الروسية خلال الفترة الممتدة بين 1792 و1917م تكشف التطور المستمر للروابط السياسية والاقتصادية بين البلدين، وتبرز الدور العُماني المحوري في حركة الملاحة والتجارة الدولية. وأضافت أن الكتاب يستند إلى أكثر من 300 إحالة مرجعية ووثائق وصور وخرائط ومذكرات، إلى جانب ملاحق تضم أكثر من خمسين وثيقة نادرة من واحد من أضخم الأرشيفات العالمية.
وبينت الجهورية أن المادة العلمية الغنية التي يضمها الإصدار تتيح للباحثين قراءة مختلفة لتطور العلاقات الدولية في المنطقة، اعتمادًا على الوثائق الروسية بعيدًا عن الروايات التقليدية. وأكدت أن الكتاب يمثل خطوة مهمة في تعزيز جهود هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في ترجمة وإتاحة الوثائق التاريخية العالمية للباحث العربي وفق أعلى المعايير العلمية.