التطرف والمسارات المعقدة لمأزق الحداثة
تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT
تشغل قضية التطرف العالم أجمع، حتى كأنها صارت أكبر القضايا التي تهدد استقرار المجتمعات وأمنها ومسارها نحو المستقبل. هذا الأمر يطرح أهمية قراءة هذه القضية بشكل عميق يذهب إلى أصل نشوء التطرف وأسبابه.
لقد شهد العالم خلال القرن الماضي تداخلًا كبيرًا في الحدود بين الهويات الوطنية والثقافات التي أنتجتها العولمة ما جعل الأنظمة رهينة لتحولات اقتصادية غير مستقرة، وجد فيها التطرف مساحة مناسبة ليعيد إنتاج نفسه بوصفه نتيجة مباشرة لاختلالات أعمق في العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين الهوية والانتماء، وبين السلطة والفرد.
لكن السؤال الجوهري هنا: كيف يمكن للمجتمعات أن تتصدى لهذه الظاهرة دون أن تقع في فخ القمع أو إعادة إنتاج أسباب التطرف ذاتها؟ إن الإجابة لا تكمن في حلول جزئية، بل في تبنّي نهج فكري وسياسي يستهدف الجذور لا الفروع، وهذا يعني ضرورة بناء أنظمة تعليمية تُحرر العقول لا تقيّدها، وسياسات اقتصادية تُقلّص الفجوة بين الفئات الاجتماعية بدل أن تعمّقها، ومؤسسات ثقافية تُعيد الاعتبار للفكر النقدي كممارسة يومية لا كترفٍ نخبوي.
إن سلطنة عُمان أحد النماذج المهمة التي لا بد أن تُقرأ عالميًّا في سياق فهم آليات التعامل الناجح مع التطرف والعنف؛ فهي أحد النماذج الناجحة التي استطاعت بكثير من الكفاءة أن تخلق توازنًا بين ترسيخ الهُوية الوطنية والانفتاح على العالم، وبين صيانة الاستقرار وتعزيز الحريات، وبين الالتزام بالقيم الأصيلة والانخراط الواعي في العصر الحديث. وهذه المقاربة باتت اليوم ضرورة وجودية في هذا العالم الذي يتآكل فيه المعنى وتتصاعد فيه التوترات التي إن لم تُفهم أسبابها بعمق ستظل تنتج العنف في صور أكثر تعقيدًا وخطورة.
ولا بد من فهم أن مقاومة التطرف ليست حربًا على أشخاص أو جماعات، بل هي معركة طويلة مع المفاهيم المشوهة، ومع الهويات المضطربة، ومع بنى القهر والظلم التي تجعل العنف خيارًا ممكنًا، بل في بعض الأحيان خيارًا وحيدًا، ولأن الفكر هو السلاح الأول في هذه المواجهة، فإن أي جهد لا ينطلق من تفكيك التناقضات العميقة في هذا العالم الذي نعيشه، سيظل مجرد استجابة سطحية لمشكلة لا تزال تتجذر في صميم الحداثة ذاتها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التی ت
إقرأ أيضاً:
تجربة المجتمعات المحلية في السودان مع التطرف العرقي والصراع الاجتماعي
((وَلا تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ، لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَالْقُوَّةَ وَالْمَجْدَ إِلَى الأَبَدِ)).
إنجيل متى : 6. 13.
النظرية المتأخرة لدي النخب الإجتماعية المحلية في السودان أو الإستعصاء الإمبيريقي
نحو تقدمة
لا تتعلم المُجتمعات المحلية الوطنية في السودان بسهولة من تاريخها السياسي الإجتماعي , من إستدعاء الماضي منذ القرن التاسع عشر ، لا تستخلص أنثربولوجيتها السياسية من دروس التاريخ الإجتماعي ، بل احياناً تستخلص النتائج بطريقة خاطئة مثل عقلية الثأر التاريخي وعقلية الإستحقاق (الشعور المفرط بالإستحقاق).
إفتقارها إلى النظرية المبكرة Early theory والحل المُبكر كما في نيجيريا إثيوبيا ويوغوسلافيا الخ حتى ماليزيا (نموذج الشراكة الذكية ومسارها العُرفي غير المؤسسي) ، تمسُكها بتكرار الحلول المجربة الخاطئة (التكرار التاريخي) Train track مرده أساساً الخوف من التجريب السياسي (المجهول) والإكتفاء بتجريب (المُجرب) Repeating the Tried and Failed , إلى غياب مُجتمعات معرفية تقوم بمهمتها تجاه الفراغات المؤسسة في الفكرة والفعل الإجتماعي.
النظرية المتأخرة late theory دائماً هي تجسيد لهوية تكتيكية وقناعات غير متجذرة , بينما النظرية المبكرة هي اكثر تجسيداً للهوية التاريخية والقناعات الحاسمة.
إنتهت التقدمة.
لم تُؤدي الحُروب الأهلية (الطويلة) في الجنوب الكبير 1955-1983, في غرب السودان 1965-1992، الحرب الأهلية الباردة في الشرق (بورتسودان) 1958 الخ ، إلى بلورة وعي إجتماعي عن عُنف الدولة أو الحرب الأهلية أو الأنظمة الأمنية (النزعة الأمنية) أو التطرف العرقي موضوع بحثنا.
هناك ثلاثة عوامل تراكمية مهمة مساهمة في توليد ثقافة مضادة counter culture للتحديث السياسي ومعيقاته الوطنية في السودان الشمالي national disabilities ، بما في ذلك إستعصاء بناء الدولة ، ومقاومة التصحيح السياسي لتجربة السودانيين الشماليين بوصفهم مجموعة (فاعلة) و (مهيمنة) على مدار قرنين متصلين من التاريخ. عن الحكم والدولة والحرب الأهلية.
التلقي المُتحيز غير الموضوعي غير العقلاني عن الصراعات السياسية الإجتماعية وتفسير طبيعتها لدى جُمهور السُلطة (الجُمهُور الرسمي المُحافِظ) الذي يتغذى على الجهاز الأيدلوجي لدولة 1956 المدرسي الإذاعي الصحافي وعلى الوعي السائد (المهيمن) الذي أنتجه وينتجه بإستمرار (المركز).
الإندماج الشاذ بين المجتمعات المهيمنة (المركز) والسُلطة ، والتشابك بينهما في الصراع مع القوميات الأخرى والأطراف والطبقات الإجتماعية (المارقة) عن إرادة وإجماع الفئات المسيطرة على الحُكم. بين الكتلة البراغماتية الميكافيلية (إثنيات وسط السودان) والكتلة الأيدلوجية للمركز لتشكيل وطنية (فلاحية) peasantry nationalism عربية إسلامية رمزياً شمالونيلية جوهرياً ، عنيفة ثقافياً ضد الآخرين.
خطاب نخبة المجمع الحربي الصناعي الإحتكاري لمؤسسة الجلابة (الأنتلجنتسيا) في التبرير والتنظير المُتهافتين للهيمنة والفساد , الإضطهاد وعنف الدولة ، المُستمر في تحريفيته revisionism ، منذ لجنة العشرة (التحريفيين العشرة) الذين تصدوا لكتابة تاريخ رسمي مزيف عن (الأمة المخترعة من الخارج) اي الرواية المزدوجة وجدانياً لا (المُتخيلة).
حدث ذلك في الخمسينات إلى نهاية الستينيات حين سطا مجموعة من الطُلاب الشماليين المتخرجين حديثاً في جامعة الخرطوم وعملوا في وظيفة محرر أدبي في المجلة الإستعمارية المعروفة نهاية الستينيات على إرث ومجهودات الأنثربولوجيا الكولونيالية البريطانية الميدانية والمونوغرافية وكتابات المستشرقين الغربيين إلى مجلة رسائل ومدونات Sudan Records and notes عن مجتمعات السودان ونسبوا ماراق لهم منه إلى انفسهم (مكي شبيكة ويوسف حسن فضل وصولاً إلى عون الشريف قاسم).
الوعي الوحيد السائد عن الحرب الأهلية في السودان التركو مصري منذ القرن التاسع عشر بين مكونات (فوق الدولة) الثلاثة الجلابة أو الكمبرادور / الخلاسيين (أولاد ريف) / الملكية أو الكريول ، التي افرزت تعاون المُجتمعات غير المستقرة زراعياً في لاندسكيب وادي النيل (الجلابة) مع المجتمعات غير المستقرة زراعياً في غرب السودان أو اللاندسكيب النيلوتشادي الخ مصطلح جمال حمدان (البقارة) للقضاء على النظام السياسي للدولة الإستعمارية 1883. وإبادة الطبقة الوسطي المستوردة المُحركة لذلك النظام السياسي (الخلاسيين اولاد ريف) إبادة عرقية مكتملة الأركان.
راجع : (منشورات المهدي عن قطع آذن السودانيين البيض أو التركو مصريين : ابو سليم)
ما تحدثتُ عنه في مقالة منفصلة بعنوان (ثأر الجلابة) Jellaba's vengeance التي تشكلت منها ما يمكن وصفه بوعي الهزيمة التاريخي لدي مجتمعات الشمال النيلي أو لاندسكيب وادي النيل على يد إثنيات البقارة والبانتو السودانيين أو الجهادية السُود (1886) ودفعتهم لإستجلاب التدخل الخارجي من أجل إسترداد جغرافيتهم السياسية ، كفيتوقراطية مُزمنة ومُعادية للإصلاح السياسي والتغيير منذ العام 1899 حتى يومنا هذا jellaba vetocracy.
خطيئة الجلابة الأصلية والثانية وثأر الجلابة
خطيئة تحالف الجلابة الأصلية (خطيئة مُخلفات تشكيلة الجلابة الأولية) ، هي خطيئة سياسية ، للبروليتاريا الرعوية الساخطة على التدابير العقابية الأخيرة تدابير الأمننة لمملكة سوبا , (السُخرة) الإجبارية و(الإستيعاب القسري) في الإيمان المسيحي الأرثوذكسي من قبل الأكسوميين العنج حكام مملكة سوبا و مملكة مقريا (الأصغر).
ردة فعلهم التراكمية في تقويض وهدم الدولة التي إستمرت لأكثر من ألف عام ، في أكبر عملية فوضوية أناركية ، من خلال تخريب المدن الحواضر وتهجير سكانها الأصليين وفرض الجزية tributary system عليهم في شمال ووسط السودان (لاندسكيب وادي النيل).
الحرب (العبثية) Absurd war المستمرة بين 1505 - 1610. التي خلفت ثلاثة قُرون مُغرقة في الفوضى وإنهيار مُؤسسة الحُكم الممركزة , الذي فشلت تلك القوى الإجتماعية بتعويضه بنظام سياسي آخر متماسك.
صادفت هذه القرون الأناركية الفوضوية الثلاثة من (الشغور السياسي) تمدُد الإمبراطورية العُثمانية (التركو عثمانية) إلى شمال إفريقيا وشرقها في 1520 وصولاً إلى الجزائر (آخر محطة) في 1830.
إلى جميع الولايات البيزنطية السابقة (العالم البيزنطي القديم) ، بما فيها تلك التي سبق تحولها إلى الإسلام (العالم المحمدي) في الشرق الاوسط وشمال إفريقيا ، بإستثناء حيز الإمبراطورية الفارسية السابق (القاجارية الصفوية لاحقاً) ، بغاية ملئ الفراغ السياسي (الثقافي) البيزنطي.
كانت ممالك سوبا (علوديا) والمقرة (مقريا) اللتان تشكلان فيدرالياً ولاية (نوبيا) Nubia , تحت الإدارة الأرثوذكسية الأُكسومية الحبشية لعائلة سياسية من (تغراي) Tigray (سلالة العنج).
ولاية (نوبيا) التي بدورها هي ولاية ذات وضع إقليمي خاص مستقل ضمن الرابطة (الحضارية) و(السياسية) البيزنطية ، في وجود هيمنة مصرية أو عدمها .
تأسيساً على ما تقدم ، تأخَر وُصول الغزو التركو مصري أو العُثماني للسُودان (لاندسكيب وادي النيل) كثيراً الذي كان يفترض أن يكون في القرن السادس عشر ، ثلاثة قرون عن ميعاده الطبيعي (1520-1820).
كان يُفترض به أن يكون تالياً لسقُوط دولة سوبا 1505. بعقد ونصف العقد من الزمن.
تالياً لغزُو مصر (1517) ، التي لم تكُن وقتها دولة مُوحدة (مُمركزة البنى السياسية) أيضاً وعكس ماهو متخيّل ، مثلها مِثل الجزائر التي صَنع بنيتها السياسية الحديثة ووحدها الغزو التركو عثماني خلال فترة وجيزة للغاية.
يقول ب. سبينوزا إن - إعلان العصيان- أو التمرد السياسي هو فسخ لعقد إجتماعي (ما) ، وهذه المقولة تنطبق على تخريب سوبا وتمرُد قبائل الجلابة (الأناركي) الأول في سردياته (الأسطورية) أو الميتاتاريخية أو الشفاهية الخالصة ، أو المنزوعة الأسطورة في التفكيك الإستشراقي والنقد الأنثربولوجي لها (مجلة رسائل ومدونات).
راجع : حسن حنفي وجلال الدين سعيد , باروخ سبينوزا.
ذلك التمرُد الفوضوي ، هو الخطيئة الأصلية Orignal Sin لمؤسسة الجلابة الأم Mother Social order of war ، الذي فتح الطريق أمام ثلاثة قرون مؤسِسة (تأسيسية) من الفوضى , وأنتج بنية إقطاع إسلامي سائلة المفاهيمية والذهنية التاريخية باقية إلى يومنا هذا.
تحولت مُخلفات مؤسسة الجلابة الأم في القرن السادس عشر من خلال تركتها الإجتماعية المعيقة للتحول الوطني ، إلى كمبرادور للغزو والإستعمار التركو مصري لاحقاً 1820 دون غيرها من الأبنية السياسية السابقة المُنحلة (السلطنات الإقطاعية الإفريقية) لإعتبار عامل الولاء والمنافسة الإجتماعية. في التقدير الشخصي لكاتب هذه السطور ومن خلال مُقارنة النماذج التنافُسية الأُخرى عبر التاريخ.
اما الخطيئة السياسية Political Sin لتشكيلة الجلابة الإجتماعية الحديثة التي ساعد الغزو التركو مصري في إيجادها من قماشة التاريخ تاريخ القرن السادس عشر ومادته الأولية ، فهي التمرد ضد النظام السياسي التركو مصري 1883 وتحطيمه بالتحالف مع المجتمعات غير المستقرة زراعياً في لاندسكيب غرب السودان. (ثأر الجلابة الأول).
ذلك بسبب (السُخط) من تدابير التحديث الإجتماعي منذ محمد سعيد باشا والإختيار الستاليني للحاكم العام الجديد اللورد شارلس غوردون الذي إمتلك إرادة سياسية وطنية (حقيقية) للتغيير الإجتماعي بإلغاءه الرق Abolition of slavery وتفكيكه الإقتصاد السياسي لهذه الظاهرة الريعية من خلال عُنف فوقي للدولة.
إنتهت هذه التجربة قبل أن تنتهي بثأر الجلابة الأول (المهدية). بخطيئة الجلابة الثانية , الإبادة السياسية العرقية لإثنية اولاد ريف التي رفض الشماليون بعد الإستقلال الإعتراف بها في السجل المدني.
رغم أنها كانت لديها وثائق إدارة أهلية تحت اسم (الريافة) صحيح انها لا تشملهم جميعا بتصنيف أنثربولوجي لكنها تمثلهم. ادي هذا الي تذويب جزء كبير من الخلاسيين (الريافة) في القبائل الشمالية وحملهم انسابها في الرواية الرسمية من باب الضرورة.
قتل مرتزقة الجهادية والمهدويين بتحريض إجتماعي موثق من الجلابة والمهدي شخصياً ، ذبحاً في التيارة ريفي ام روابة عشرة الف تاجر من أصول تركو مصرية في أيام. تحت قيادة (إسماعيل المنا) الذي تخلصت منه المهدوية لاحقًا قتلاً.
كما قاموا بقتل وسبي 10 ألف فتاة وصبي في مدينة الأبيض ، في إبادة جماعية لأقلية كانت تشكل الطبقة الوسطي المستوردة في السودان الشمالي تشبه إبادة الأرمن في تركيا العثمانية ، ويرقي عدد ضحايها الكلي الي مائة ألف نسمة. دون مسائلة تاريخية ووطنية إنتهت بذبح غوردون نفسه.
طقس القتل السياسي في الإنتقال السياسي منذ إبادة العنج لمدة إستمرت قرن 1505 - 1610 وهم اليوم مجموعة إثنية نادرة وخائفة من الإعتراف هويتها في منطقة حلفاية الملوك.
هذه دعوة إلى كل عائلات العنج الباقية في السودان الذين لم تستقطبهم الوكالة الأمريكية للهجرة ، إلى برنامج وطني للإعتراف بهويتهم وخصوصيتها وتاريخها المجيد في الحقيقة (من إقليم تغراي) ضمن الهوية النوبية في شمال السودان.
من مقابلة أنثربولوجية قبل سنوات مع تلك الفتاة الشجاعة من العنج اجراها بتأييد مني الباحث المساعد الأخ الكبير الطيب عبدالمعطي العميري.
في الإيتمولوجيا الإسلامية تسمى الخطيئة (السُنة السيئة).
رسمت تلك الإبادة سُنة وخطيئة مُؤسسة في تاريخ السودان المعاصر ، في نقل السلطة من الطبقات الحاكمة السلالات الحاكمة ، من خلال مذابح تأسيسية شملت عبدالله التعايشي 1898 وعلى دينار 1916.
وعي الشماليين كمجتمعات بهذه الخطايا المؤسسة لتجربتهم وتجربة القرن التاسع عشر يجعلهم يرفضون فكرة التغيير ونقل السلطة كما الإنخراط في الثورات الإجتماعية من حيث المبدأ.
الأسئلة المزدوجة والإستعصاء :
إستقلال إستيطاني Settler Independence أم وطني؟ عقيدة إستحقاق مُفرطة ام عقيدة إكتشاف Discovery doctrine ؟
لا تختلف جُمهورية 1956 عن جُمهوريات عبدالناصر ودويلاته أو تشكيلاته النيوكولونيالية في لاندسكيب (مجال) الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المُوحد كجغرافية سياسية في مختبر الإستعمار والتاريخ معاً.
فهي جمهوريات نيوكولونيالية.
يُمكن الإحالة إلى التاريخ (المُقدس) holy history المسيحي والإسلامي بالترتيب ، لفهم عقيدة (الإستحقاق المفرطة) في الصراع بين المُهاجرين والأنصار , الهاشميين - الأمويين..
حول السُلطة والإستقلال وفك الإرتباط غير المُكتمل المُجهض في إنقلاب السقيفة بين يثرب (المدينة الدولة) والجماعة الإسلامية ، وأيلولة المُلك النبوي.
هُناك أمثلة أكثر توسُعاً في السياق الكتابي والنسق المسيحي الروماني حول الحكم الإلهي وسلطة الأباطرة القياصرة الخ ، من تاريخ الإمبراطورية المقدسة.
هذه الجمهوريات هي جمهوريات مستوطنين settler independence Republics ، أو جمهوريات غُزاة conquesters , جمهوريات محاربين أو مكتشفين Militant nationalism ..
مثلها مثل إسرائيل وتركيا الخ ، جلبوا إستقلالاً لكنه ليس إستقلالاً وطنياً لكل المكونات الإجتماعية الوطنية بل في خدمة الطبقات المحاربة فقط كما هو في رواية اتاتورك في حربه ضد اليونان ، بل تحولت في هذه الجمهوريات غير الوطنية , الشُعوب الأصلية إلى رعايا مضطهدين أو أقليات مُستبعدة بقرار سيادي سياسي , السريان في المشرق الامازيغ في شمال إفريقيا الأقباط في مصر المهريين في اليمن وعمان الخ.
جمهوريات لا تعترف بالقوميات الثقافية والهويات الإقليمية المتشكلة بعد الغزو الإسلامي ، من خلال مُحاربة التكوين الفدرالي والعمل على مَحو الهويات والتنوع ، من خلال إبادة سياسية ثقافية طويلة الأمد لإخضاعها.
(أ) إستقلال إستيطاني
لا اريد الإسهاب في مقاربة النظرية أو مقارنة التاريخ ، لكن هناك شاهدين على المقابل الموضوعي ل(قانون الإكتشاف) الذي تحكم به مؤسسة الجلابة.
يُبرر المُثقفين الشماليين والمؤرخين منهم جرائم الزبير باشا بأنه نشر (الإسلام) وقام بختان الرجال في مجتمعات البانتو السودانيين / الفرتيت في (راجا).
لكنهم لا يجدون تبريرات صريحة (تاريخية) و (فقهية لاهوتية) لنفس الممارسة من قبل فضل الله رابح في مجتمع امبراطورية البرنو (المسلم) في نهاية القرن التاسع عشر ، أو ممارسات الزبير باشا رحمة نفسه ضد مجتمعات إمبراطورية الفور متعددة القوميات 1876.
يطابق ذلك نص قرار المحكمة الأمريكية لنزع اراضي الهنود الحمر ونقل ملكيتها للمستعمرين / المستوطنين البيض بسبب تخلف ديانتهم وثقافاتهم وعاداتهم.
هذا النزع تقول المحكمة في نص قرارها القضائي بتبرير ثقافي عام 1823 ، انه تم تعويض (الهنود الحمر) مقابله تعويضاً جزيلاً بنقل الحضارة والهداية المسيحية اليهم.
ample compensation to the [Indians] by bestowing on them civilization and Christianity, in exchange for unlimited independence.
1823 , Supreme Court case Johnson v. McIntosh.
المسألة الثانية هي المُقارنة بين مزعمة الأقلية المبدعة والنسب العباسي (المخترع) لتبرير التفوق العرقي للجلابي.
في مقابل العبقرية الأوربية المتفوقة superior genius of Europe.
القصة الثالثة هو تبرير البشير لرئيس لجنة التحقيق في إنتهاكات دارفور رئيس القضاء السابق الدكتور دفع الله يوسف 2004 ، بأن إغتصاب الجلابي لإمراة السُكان الأصليين من قبيلة (x) هو شرف لهم. حسب شهادة الترابي عن دفع الله يوسف. وهي شهادة متواترة مع خطابات التطرف العرقي لدولة 1956.
وهي تطابق رد البشير على شكوى السكان ضد التحرش الجنسي لمدير مكتبه السابق طه الحسين بأن أفعال الأخير الجنسية هي تشريف لنسائهم.
المسألة الأخيرة ، هي ان جمهورية المستوطنين و الإستقلال الإستيطاني لا الوطني ، تقاوم الملكية العقارية للأرض أو المواطنة العقارية titular citizenship. الأصلية والمُكتسبة.
لا تعترف بملكية القبائل (الإثنيات) لأراضيها الإقليمية المحجوزة ، بما في ذلك الإثنيات غير الأصلية التي إكتسبتها بإعتراف السكان الأصليين ، بالغزو أو وثائق الشراء (إستراتيجيات التوطين الثقافي القديمة).
ما يطابق قرار المحكمة الأمريكية ضد مكانتوش بأن (السكان المتحضرون الان يمتلكون البلد).
civilized inhabitants now hold this country. They hold, and assert in themselves, the title by which it was acquired. They maintain, as all others have maintained, that discovery gave an exclusive right to extinguish the Indian title of occupancy.
يشبه ذلك قول البشير في رفضه مطالبة إثنيتي الشكرية بولاية البطانة والحَمر بولاية دار حمر (وسط كردفان) 2012 انه لن يمنح / الإعتراف بولاية لمكون إجتماعي.
إنتهى.
(ب) مأزق الجلابة
مفردة (مأزق) أشتهرت في نقاش مهاتير محمد لمشكلة إثنيته ومشكلة ماليزيا (شعب الملايو) 1967 كأغلبية لديها صراع مع أقليات وطنية من المستوطنين (الصينيين و الهنود) في سردلوجيا للتحرير الوطني وبناء الأمة بشكل توافقي.
أيضاً في نقاش السياسي المفكر الجنوبي جوزيف قرنق في نفس الفترة 1969 ، عن مأزق المثقف الجنوبي.
مأزق الجلابة Jellaba's dielmma كما ناقشه الدكتور محمد ابوالقاسم حاج حمد في سِفر طويل ، هو إستخلاص من كونهم طبقة حكم لا أمة (أولاً) ، والتخلص من كونهم طبقة حكم إلى البحث عن الجذور (التجذر) والإندماج الوطني كأقلية وطنية.
هو الخروج الآمن من الدولة إلى الأمة من خلال نظام فيدرالي كامل الفدرلة full devoultionary federalisation.
من خلال فدرلة الهامش وتمدين المركز.
(ج) فيتوقراطية سلبية
الفيتوقراطية السلبية لمؤسسة الجلابة في مقاومة وكبح جماح التغيير السياسي الإجتماعي بكل الوسائل ومن خلال منهجية شوفينية محددة ، هو نوع من المحافظية السياسية political conservtism or toryism التي افرزت أيدلوجيا محافظة للمحافظة على هوية مؤسسة الكمبرادور الشمالي (العربية الإسلامية) في رواية (الشمال نيلية) في رواية ثانية تتقاطعان وتفترقان حسب السياق السياسي.
مثل هذه الأيدلوجية المنتجة للحفاظ على طبقة الحكم ليست هوية ثقافية خالصة ، موجودة في نماذج دول أخرى مثل النيجر حين هبت إثنية الهوسا للدفاع عن نظامهم السياسي العسكري الفاسد هناك.
وهي المورد السياسي لأيدلوجية الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين والتطرف العرقي الشمالي عموماً ، النموذج المُفسر لتوبة اليساري الشمالي ورِدته الدائمة عن المعرفة والإستخلاص المعرفي في تجارب غازي سليمان المحامي واحمد سليمان المحامي الشيوعيين المنتجين للتطرُف الإسلامي.
المورد السياسي المنتج لشخصية الشمالي المتشدد ضد القوميات الأخرى (عنف ثقافي وهوية متعدية).
راجع : عبدالله علي إبراهيم ، التعريب هذيان مانوي.
القوميات (المُحاربة) أو (المهيمنة) من الهند إلى نيجيريا ، تنتج تطرفاتها وإرهابها الثقافي لخدمة هيمنتها وتغذية إستعلاءها بالاوهام المجيدة.
أطلس التطرُفات العرقية
التاريخ الطويل لجمهورية (1956) أو جمهورية الجلابة ، التي مثلت قفزة في مجتمعات بدون تاريخ سياسي منذ (1505) ، لم تكتفي بالإنضواء تحت المشروع الإستعماري لإنتاج (الإمبراطورية السُودانية (التركومصرية)) بل شاركت في تدمير مجتمعات منتظمة سياسياً , لديها نظامها السياسي الإجتماعي الخاص منذ القرن الخامس عشر حتى 1876 (سطنات غرب السودان , ممالك جنوب السودان الكبير).
راجع : محمد صبري , الامبراطورية السودانية في القرن التاسع عشر : 1948.
من خلال مُحاولتها منذ 1899 إستباق الإثنيات الأصلية (مجتمعات السكان الأصليين) الذين يملكون الأرض ((كما هو في التعريف)).
تعجُلاً لإعلان - إستقلال مستعمرين - أو المستوطنين (العرب) Settler independence في القرن السادس عشر بلاندسكيب وادي النيل الذين لا يملكون اراضي النوبيين , البجا والفونج ، شبيهاً بإستقلال البيض في أمريكا والأفريكانز في جنوب إفريقيا الخ.
إلى جانب نُسختي زنجبار , موريتانيا كجمهوريات مستوطنين (سكان غير أصليين) أساساً.
هذا هو مصدر عنف دولة 1956 وتوحشها ووعيها الإستباقي.
ذلك التاريخ الطويل من 70 عاماً ، هو في الحقيقة تاريخ من التطرفات العرقية بتعبير إريك هوبزباوم.
تاريخ من القومية الهجومية militant nationalism التي تمجد نفسها أو تبحث عن نفسها ولا تعترف بالقوميات الأخرى.
لكن التطرُف العرقي غير قاصر على القومية الشمالية ، هناك هويات مُنغلقة وهويات مُتطرفة وهُويات مُكتسِبة للتطرُف غرباً وجنوباً وشرقاً.
أسوأ تجربة من التطرُف العرقي هو مُحاولة الأقليات والقوميات الثقافية المهمشة في الريف (الهامش) ، إكتساب التطرف العرقي والوعي الفاشي بالهوية من هيمنة القومية الشمالية.
مُحاولتها تغيير المحتوى العرقي للهيمنة من خلال مشاريع مضادة للهيمنة الشمالية مشاريع مركزيات إثنية لا تستوعب الآخرين كأساس لنموذج الدولة الكوربراتية التسلُطية (نظام لتمثيل مصالح الجماعات المتنافسة على غنيمة الدولة يُضعف المجتمع المدني/المجتمعات المدنية).
لا يمكن فهم التنظيمات المتطرفة عرقياً داخل القومية الشمالية مثل الصحف العنصرية والكتاب العنصريين وفرق الموت مثل كتائب البراء بن مالك والزبير بن العوام التي أسموها درع البطانة (دراعة للأدب والطاعة : عودة الرق).
لا يمكن فهم ظاهرة اولاد الجلابة Jellaba's boys..
الخ التنظيمات النوعية الشبابية (الشبيبة) النسائية والإعلام الثقافي الخاص بهم الخ
التشكيلات المليشياوية المسلحة (فرق الموت والأمننجية من الشبيحة) ، وشبه المسلحة (الأنتلجنتسيا)..
للدفاع عن الدولة والجمهورية في مواجهة (عنف) أو (تمرد) المجتمعات الوطنية.
لا يمكن فهم ذلك بدون تحليل ثقافي يتجاوز كونها عنصرية خالصة أو عنصرية دولة state racism. كما هو الحال في الهند الهندوسية وإسرائيل وبريتوريا.
لا يمكن فهم قانون الوجوه الغريبة والرابطة النيلية ومحاولة الفصل العنصري وإعادة العمل بقانون المناطق المغلقة (الَمقفولة) 1930 الخ سياسات الحماية الاجتماعية الثقافية.
لا يمكن ذلك بدون تحليل ثقافي يستبطن السياقات الكبيرة macro context.. للصراع بين القوميات الإقليمية والثقافية المحايث أو المرافق للنزاع بين القومية الشمالية في وادي النيل والقومية الشمالية في غرب السودان. بين لاندسكيب شرق إفريقيا (الأفرو آسيوي) Afro asiatic ولاندسكيب غرب إفريقيا (النيلوتشادي) ، وتموضعات مؤسسة الجلابة وتشكيلتها الإجتماعية منه.
لو كانت هناك اية طبقة حكم (محايدة) أخرى غير مؤسسة الجلابة ، فستاخذ نفس الموقف أو تقترب منه. لعل هذا يفسر إتخاذ بعض القوميات خارج الشمال العروبي مواقف تتقاطع مع مؤسسة الجلابة أحياناً مثل النوبيين (نميري) والبجا الشمالية (محمد طاهر إيلا) وحتى الخُلاسيين أصحاب الجذور التركو مصرية الخ.
هذا يشبه دفاع العائلة الحاكمة مثلا في السعودية بإستماتة عن الهوية النجدية. رغم أنها لا تنتمي إليها (كحقيقة تاريخية) لكن بسبب الرابطة الفلاحية (الهوية الفلاحية والعقد الإجتماعي الفلاحي) بين الطرفين.
أيضاً دفاع رجب طيب أردوغان عن القومية التركية رغم انه مسلم مهاجر من جذور البحر الأسود (جورجي) ، ومُنظر القومية التركية المتطرفة (طوران) نفسه ليس تركياً اقدم على الإنتحار حين وصل لتلك المعلومة.
تقريرا لحقيقة ان الإثنيات القومية (التوسعية) في القرن العشرين لم تنتج قادتها أو ابناءها بل تبنت أبناء الآخرين وعقولهم.
لهذا ، ليس غريبا دفاع هايلي مريام منغستو عن الأمهرا والخميني عن القومية الفارسية وسيد قطب زادة عن القومية العربية في مصر بطريقته الخاصة ، واخيراً إسماعيل الولي الأزهري كما عبدالرحمن سوار الذهب والدكتور حسن الترابي والمستشار الرشيد الطاهر بكر إلى جانب محمد صالح الشنقيطي (المثقف المعتدل) والدكتور إبراهيم غندور كما الدكتور عبدالرحيم حمدي الخ عن القومية الشمالية النيلية (المُحارِبة). في محطات حياتهم وفناء أعمارهم.
حميدتي : مشروع سلبي لهزيمة الوعي بالتهميش
(1)
في الكتاب الأسود الذي نشرته حركة العدل والمساواة وبرجوازيتها الصغيرة عام 2000 حاولت تقديم خطاب توضيحي إحصائي عن (التهميش) marginalization في غرب السودان تحديداً مُقارناً بالمكونات الإجتماعية الأخرى في التنظيم السياسي الإجتماعي المُعلن منذ 1899 تحت مُسمى المديريات الستة ، إختزل فهم الصراع في التمثيل السياسي النسبي (الشكلاني) بعيداً عن دينامياته الإجتماعية الإقتصادية الثقافية.
لضُعف التخصصات الثقافية الإجتماعية والثقافة السياسية لتلك المجموعة (التي حاولت تقديم خطاب تنوير سياسي) فشلت في تقديم تحليل متعدد البعائد لهذا الصراع وقياس ردة فعل النخبة والقومية الشمالية المهيمنة العنيفة وغير المتكافئة على التحدي السياسي أو التبؤ الواجب به.
مقارنة بردة فعل نظام جعفر نميري (الإصلاحي) العنيفة ضد إنقلاب المقدم حسن حسين والكادر الطلابي السابق والناشط السياسي عباس برشم 1975 التي وصف فيها محاولة الإنقلاب (بالمحاولة العنصرية). لإجتثاث مكون (الجلابة) , الجملة المحذوفة.
تتطابق ردة الفعل المجتمعية السياسية لحكومة نظام نميري 1975 ضد ذلك الإنقلاب مع جوهر ردة فعل نظام معاوية ولد الطايع في موريتانيا (دولة فصل عنصري مماثلة البنى الإجتماعية الثقافية من تجربة الإقطاع الإسلامي) ضد إنقلاب الزنوج السنغاليين (جذور سنغالية) 1987. تم وصفه بالمستفز المهدد للتوازنات والوحدة الإجتماعية الوطنية.
جاءت ردة فعل الجيش والقوميين الشماليين أكثر عنفاً من كل تلك الحوادث ، ردا على توقيع نائب رئيس مجلس الدولة محمد حمدان دقلو لوثيقة الإتفاق الإطاري frame work agreement بالشراكة السياسية مع اليسار الشمالي ، وبدأ الجيش مسنوداً بالمتطرفين الشماليين واليمين الفاشي الإسلامي للقومية الشمالية في تنفيذ عدد من مذابح الإبادة المعلنة في معسكرات قوة الدعم السريع لإجتثاثها يوم 15 إبريل 2023. قبل أن ينتقل مستوى الحرب في الأيام الأولى لإستهداف حواضنها الإجتماعية وإثنياتها داخل الخرطوم وفي مناطق النقل العامة ونقاط التفتيش كعقاب إجتماعي دارج في جميع حروب الجيش السوداني الشمالي منذ 1955.
في تسلسل المواقف رفض القوميين الشماليين والجناح اليميني المتطرف منهم كل محاولات التهدئة وتمسكوا بتنفيذ مخططهم حتى النهاية. وبداوا في معاقبة جميع الأطراف الداعية للحوار أو الحياد الإجتماعي وإستهدافها ، كفرصة تاريخية لبلورة تصورهم النهائي المؤجل منذ الثلاثينات والخمسينات بشأن هويتهم القومية (الخالصة) التي لا يشاركهم فيها أحد. من خلال إطلاق الدعوات والتحريض على فصل إقليم دارفور الذي نبعت منه تلك المنافسة السياسية على السلطة / الدولة. وزاود البعض الآخر بالدعوة إلى فصل إقليمي شمال وجنوب كردفان أيضاً.
حتى تلك اللحظة حصلت قوة الدعم السريع على تعاطف داخلي حقيقي من أطراف لم تكن جزءاً من مشروع السُلطة الوظيفي الذي كانت جزءاً منه كحركة مكافحة تمرد أساساً لم تتعدى مهمتها الوظيفية إلى ممارسة (التمكين الإجتماعي) لمنسوبيها (منسوبي القبيلة) في مؤسسات الدولة empowerment المدنية ، كما فعلت لاحقاً حركات وثيقة إتفاق جوبا وإثنياتها السياسية 2020.
تتويجاً لتلك المساندة الإجتماعية الحقيقية كانت حالة الحياد الإجتماعي من الحرب أكبر هدية وجهتها المجتمعات المحلية لقوة الدعم السريع لتمكينها من الصراع. هذا فضلاً عن المساندة العسكرية المباشرة وغير المباشرة من وحدة إثنيات العطاوة التي أستهدفت مباشرة في خطاب الدولة وممارستها وتحالفاتها مع الإثنيات التي تبادلها العداء والكراهية والثأر الإنتقامي.
خلال شهرين من بدأ الحرب نجح القوميين الشماليين داخل الجيش بمساعدة دولة أجنبية في تنفيذ مُحاولة لإغتيال نائب الرئيس السابق محمد حمدان دقلو أثناء تواجده في مستشفى محصن في محلية شرق النيل راح صحيتها المئات من العاملات والباعة المتواجدين ، إختفي بعدها لفترة طويلة ولم يظهر ، إلا في الشهر السادس من الحرب ظهر في كلمة مصورة دعا فيها جنوده وانصاره المسلحين لوقف الأعمال الإنتقامية والفوضوية.
في الشهر السابع من الحرب بدا المقربين من حميدتي واواصره القبلية Confidents إنتاج خطابات غير وحدوية إنقسامية غير توافقية بالتنسيق مع اليسار الشمالي حول مشروع السلطة و(الهيمنة) المتعثر , وظهر احد اهم المُشرفين على مفاوضات جدة التي بدت فيها إملاءات اليسار الشمالي (قحت) وحضورها واضحة نائب الرئيس السابق حسبو محمد عبدالرحمن في تسجيل صوتي يشرح تصوره مابعد فشل المفاوضات في جميع جولاتها وإستمرار المعارك حول الحصون العسكرية المحاصرة في الخرطوم لفترة طويلة دون جدوى من خلال إستكمال السيطرة على الولايات الإقليمية وتحديداً الهجوم على مدينة ود مدني في ديسمبر 2023 و َإبتداع ما عرف بالإدارات المدنية التي فشلت مهمتها أو كانت الظروف غير مواتية لذلك.
قبل سقوط مدينة ود مدني 19 ديسمبر 2023 إنتقل نائب قائد الدعم السريع إلى إقليم دارفور وبدأ في التواصل و الإشراف على خطوات للسيطرة الكاملة على الإقليم بدأت بالتعثُر في السيطرة على مدينة نيالا و زالنجي قبل إحكام السيطرة عليها وحصار مدينة الفاشر حتى تاريخه.
حتى هذه اللحظة تبدو حرب تحرير إقليم دارفور الموحد مفهومة في سياق القومية الإقليمية لدارفور في غرب السودان (القومية الدارفورية) darfur nationalism. وتناقضاتها الداخلية (تناقض وصراعلوجيا القوميات الثقافية في داخلها).
وتبدوا أيضاً حرباً ضرورية لها سياقاتها التاريخية ودينامياتها ووسائل فض النزاع الخاصة بها وتاريخها الخاص , بل خطوة متأخرة (إستخلاص نظري , نظرية متأخرة) late theory ، تالية لعملية إستعصاء إمبيريقي طويل منذ 2003 وخوف من التجربة (التجريب السياسي) Empiriaphobia.
هذا الإستخلاص المتأخر جداً Too late theory لضرورة تحرير إقليم دارفور كمنصة للحوار والتفاوض مع الآخرين على أرضية متكافئة وستراتيجية للخروج من الصراع غير المُتكافئ مع (المركز) والقومية الشمالية النيلية ، كضرورة ثقافية مهمة في إذكاء التفكير السياسي والخروج من مسار تكرار الأخطاء ، لكن أيضا مصحوباً ذلك ومتسقاً بإيجاد السياقات المناسبة للمساواة الإجتماعية بين مكوناته والبحث عن صيغة مُرضية للتوافقية السياسية الإجتماعية والإعتراف بالإختلاف والآخرين , لإنجاحه.
في غرب كردفان (دار المسيرية) أيضاً بدت الحرب للسيطرة عليها مفهومة أيضاً لسياقات تاريخية طويلة من النزاعات حول النفط والمراعي و التوطين مع الدولة المركزية ومع القوميات المنافسة المجاورة Interethnic Cohabitation ولم تلاقي سوي القليل من المُقاومة من بعض الفئات الإجتماعية غير المُمثلة في قوة الدعم السريع وغير المرغوب فيها ثقافياً إجتماعياً ضمن حلف (الأقليات الخلاسية) الذي تقوده عشيرة الماهرية أو الرزيقات الشمالية ، تلك الفئات التي يقودها العميد حسين درموت في بابنوسة.
(2)
عجز عن إدراك البعد الهوياتي في طبيعة الصراع
نشأت قوة الدعم السريع كقوة دفاع إجتماعية قبلية في صراع مجتمعاتها مع إثنية الزغاوة (المنافسة) أساساً (الذين انشأوا حركة تحرير دارفور أو لعبوا الدور الأساسي في إنشاءها) وتهديد امنها الإقتصادي الإجتماعي من قبل الحركات وسلسلة التشكيلات المسلحة التابعة والمُتشكلة من تلك الإثنية المحلية على حدي الحدود بين دولتين.
افادت قوة الدعم السريع في سرديتها الصغرى 2003 من ممارسات حركات الزغاوة الفور المساليت (التحالف الفلاحي الهوياتي لأبناء السلطنات الإقطاعية الثلاثي(مفز)MFZ) ضد الأقليات العربية في شمال وغرب ووسط دارفور وتحميلها لها مسؤولية التأخر السياسي أو هيمنة المركز ، وإعتبارها عقبة أمام تطورهم السياسي الأمر الذي يستوجب التخلُص منها وإستهدافها بالتهجير أو الإبادة (السردية الصغرى لحركة تحرير دارفور) لتحقيق ديمغرافيا قومية خالصة في مناطقهم ، الأمر لم يتوقف عند هذه الحدود بل إمتد لشن حركات مثل مني اركو مناوي وغيره هجمات منظمة على مناطق البقارة في جنوب دارفور منها الإعتداء على دار الهبانية وقتلها وكيل الناظر. وإعتداء حركة على كاربينو في مذبحة ضد حركة مقاتلين من إثنية الفولاني السودانيين (فلاتة تُلُس).
هذا فضلاً عن تهجيرهم الإثنيات المُحايدة من الحرب وهي أساساً الإثنيات النوبية الأربعة (التنجر / البرتي /البرقد /الميدوب) في شمال دارفور إلى جانب أقليات أخرى من شنقل طوباي وغيرها إلى شعيرية وتنفيذ مجموعة من المذابح ضد أبناء الميدوب من أجل تخفيض مكانتهم الإجتماعية وإخضاعهم لتراتبية طبقية محددة دونية وثانوية. للحد من منافستهم الإجتماعية على النظام الإجتماعي والسياسي.
لم تفيد قوة الدعم السريع من نمذجة هذه التجربة من ثنائية التمرد ومكافحة التمرد Counter insurgency ، وإستخلاص الدروس الأنثربولوجية للتغيير السياسي في بلد إفريقي متعدد الهويات معقد النموذج الثقافي معقد التركيب الكولونيالي مسكون بالظاهرة الإفريقية الريفية ، حيث يصعب الفصل أو فك الإرتباط بين النشاط السياسي المُجرد والبُعد الإجتماعي والإجتماعي المُضاد عرقياً إثنياً قبلياً في اي تغيير أو حركة سياسية.
فشلت النخبة البرجوازية والإجتماعية في غرب السودان عموماً في إستدراك رمزية الهوية وبُعدها في الصراع الطويل مع الشمال النيلي الذي ليس صراعاً مُجرداً على (مشكلة السودان) أو كيفية إدارة الدولة وبناءها من الأساس ، مُصمِمةً على تجاهل هذا البُعد وتجاوزه من خلال سلسلة من خطابات كي الوعي معكوساً (التشكيل الإجتماعي الثقافي الجديد) .. Inverted cultural hegemony بتعبير غرامشي من خلال تبني الوحدة القسرية معكوساً forced Unfication أو إعادة إنتاج الهيمنة معكوساً (كحل للصراع) وهذه هي نفسها تجربة عبدالله تورشين في خطابات النخبة الدارفورية وبراكسيس الحركات المسلحة الدارفورية بما فيها قوة الدعم السريع.
التجربة التي إفتقرت إلى نقد ذاتي صلب في جوهريته وتحليل ثقافي لفشل مسألة التحرُر الوطني نفسها منذ 1924 بسبب الفشل في تقدير أزمة ومكانة الإختلاف الثقافي العرقي.
يُمكن الإحالة هنا إلى هُشام عمر النور في قراءته لجدل التهميش والمركزة : 2008.
الحقيقة أن كثير من النُخب الإجتماعية (المهيمنة) شرقاً وغرباً لا يعترفون بعدم وجود أُسس للوحدة الوطنية وبالإختلاف العرقي إلا كظاهرة ثقافية معزولة عن الإجتماعي و َيصرون على تجاهلها ونفيها في ممارستهم. كممارسة لتكنيك (الإنكار التاريخي) بطريقة ماكرة. معبرة عن نسقٍ متجذر من التعالي فوق الحقائق pattern of transcendence.
الحقيقة الأكثر وضوحاً ، أو بتعبير مغاير هو أنه ليس لديهم رغبة في فهم التاريخ (الإجتماعي) من داخله. (التاريخ من الباطن).
شخص مثل محمد حمدان دقلو وبسبب تجربة التعايش العرقي ودرجة التداخل الإجتماعي أو ضعف المركزيات الإثنية للإثنيات المُهمشة (الأقليات) في سلطنة دارفور المنحلة السابقة التي أصبحت لاحقاً من مُجرد أقليات غير مُعترف بها إجتماعياً في نسق السلطنات الإقطاعية الإفريقية (من سلطنة الفور إنتهاءاً بسلطنة الفونج) لمدة خمسة قرون منصرمة إلى (هامش مزدوج) double periphery في الدولة الإستعمارية الحديثة المُوحدة , أو التعايُش مع تجربة الإخضاع الإجتماعي والإلحاق Subjugation الطويلة والإستيعاب القسرى فيها ضمن هوية شعب الفور Fur-ification ، لا يسعه أن يفهم طبيعة المجتمعات المُغلقة تاريخياً في وادي النيل مثلاً أو التكيُف مع حقيقية ماثلة في أن هُناك من يرفضه شخصياً وإجتماعياً و يقاومه Cultural Resistance لأسباب ثقافية وهُوياتية خالصة.
لا يسعه ولا أقرانه من القادة الإجتماعين ليس لغرب السودان وحده بل مُجتمعات الأطراف والهامش في السلوك التنظيمي الذي يُمكن رصده وتتبعه لتحديها ومنافستها مُجتمعات (المركز) إجمالاً ، ذلك لأسباب ثقافية أيضاً (1) ، (2) بسبب سلطة الأنا (الهوياتية) الثقافية أو تضخم الذات الثقافية Authority of the ego , وازيد من ذلك (أنساق الفحولة) التي تواجه بها تلك المُجتمعات إستعصاءاتها وإنتكاساتها أو خيباتها ، في سياق التحدي الإثني نفسه التي تمت ترجمتها في خطاب نقد المركز لنُخب الهامش في الستينيات على أنها ((عُقد / مُركبات نقص)) وشعوراً بالدونية في مواجهة الآخر وإزدراءه يغذي العُنف المُضاد وعُنف المُنافسة.
بدلاً عن ذلك كان يجب أن تكون هناك مدرسة نقد ذاتي (Self-criticism) مركزية في سيسيولوجيتها , متعددة المصادر في أنثربولوجيتها ، في الهامش من أجل (فهم الآخر) في المركز وتكوين التصور المناسب لمعالجة العلاقة الممكنة معه ، اسوة بمدرسة الشمالي الآخر northern otherness أو مدرسة الغيرية لجعفر محمد علي بخيت (1968) والمساهمين الآخرين فيها بمن فيهم منصور خالد.
وهي مدرسة مهمة لا تقل شأناً بالمناسبة عن مدرسة التبعية depenendcy school التي شخّصت أزمة التخلُف العالمثالثي في أمريكا اللاتينية و(الكاريبي).
إلى جانب مدرسة ( التابع) Subaltern ومدرسة (مابعد الإستعمار) post colonialism في الهند وجنوب آسيا.
على مدار التاريخ لا يمكن لأُمة تمثيل أُمة أخرى أو إحتكار هذا التمثيل ومُصادرته إلا في حالة واحدة هي الإخضاع والإستعباد ، كواحد من قوانين التاريخ ، ببساطة لأن ذلك يُسمي (وصاية) Mandate.
لعبت مسألة الهوية دوراً مُهما في فشل التحرر الوطني في ثورة 1924 ومقاومته المضادة ، وفي فشل التلقي السياسي والإستقبال الإجتماعي أو الإستيعاب لكل الثورات السياسية اللاحقة بما فيها ثورة قرنق 1983 في ان تتحول من بُعدها الإقليمي الثقافي ومن زخمها الأولي (زخم الفكرة الأولية وبريق النموذج الأصلي) إلى بُعد عابر للقوميات وبراديغم قابل للتداول الإجتماعي الوطني قابل للتصدير السياسي ، بسبب تجاهُل البُعد الهوياتي في تقرير الخطاب وتنظيم الممارسة.
أو في جُملة أكثر دقة , بسبب مسألة الهُوية والتركيب الكونفدرالي للمجتمعات الإنقسامية الوطنية (بدون تعميم نظري).
راجع : إيفانز بريتشارد.
لهذا السبب الي يومنا هذا لا يُوجد أي إجماع محلي إجتماعي حول اي ثورة أو تمرد وطني (كفاح مسلح) منذ المهدوية 1883 وصولاً إلى قرنق 1983 الخ ، لغياب السياق الإقليمي الثقافي والإطار الإجتماعي الناظم للفعل السياسي ولحركة التحرر وأهدافها. لغياب الحدود الثقافية الإجتماعية (الإنحلال الطائفي) Cultural borders للحركة والفعل.
فمثلاً لم يُقدم التوجه الإسلامي في السودان الشمالي منذ الخمسينات ولم تفلح الحركة الإشتراكية في الجنوب الكبير أو داخل الشمال الكبير في التجذر ، بسبب فشلهم في تحديد قاعدتهم الإجتماعية (الكتلة الأيدلوجية) أو (الطائفة). وفي تحديد حدودهم الثقافية أو الحدود الثقافية الإجتماعية لنشاطهم. وخصائص ذلك التجذُر أو توطين الأيدلوجيا والفكرة.
حالة السيولة الإجتماعية هذه إرتبطت بالتركيب التركو مصري للسودان حيث تم حل جميع التنظيمات الإجتماعية السياسية (الفوقية) تقريباً من أجل إعادة بناءها وبناء المجتمع على نحو من التحديث قابل للتطور.
مُخطط بياني (1) ..
* الإنحلال القبلي (حل الروابط الإجتماعية القبائلية) من خلال تفكيك إقتصادها السياسي detribalization.
* إنحلال الروابط الإقليمية deterritorialization.
من خلال حل السلطنات والتنظيمات الإجتماعية الإقليمية التاريخية والتقليدية traditional territories قبل 1820, 1876, 1916 تحديداً في غرب السودان (الدار) وفي الجنوب الكبير (الممالك الإفريقية).
اما في أقصى شمال السودان (المكوكيات) وهي نسخة محلية مصغرة من الممالك الأصلية Native.
* إنحلال الروابط العقائدية Decommunalization.
- اضعاف الإخوانيات الصوفية (الطُرق)..
إستبدال المذهب المالكي المتجذر بالمذهب الحنفي المستورد غير المتوطن في البنية المفاهيمية والذهنية للمجتمع..
- تغييب الروابط المسيحية القديمة قبل 1820..
- تغييب الروابط الإحيائية الطوطمية (الكجور)).
* إنحلال وتفكك الروابط الألسنية linguaphones ، روابط اللغات الوطنية القديمة قبل 1820 واللهجات العربية المتنوعة في كردفانيا وجنوب دارفور مثلاً dialects. من خلال التوقف عن كتابتها وترسيمها.
بعدها قام البريطانيين منذ الثلاثينات تقريباً حتى الخمسينات (مع وجود إستثناءات في هذه الأرخنة) بإحياء الروابط العقائدية الإسلامية (الطوائف الصوفية) وتنمية إقتصادها الإجتماعي السياسي.
تنظيم المرجعيات الدينية الإجتماعية الكبيرة (الأولياء), المرجعيات القبلية (الإدارة الأهلية).
المرجعيات الثقافية القاعدية (بعثات خور طقت / وادي سيدنا / حنتوب / رمبيك) إلخ.
المرجعيات الثقافية العليا (الجامعة الوطنية جامعة الخرطوم ومعهد أم درمان العلمي الإسلامي).
بما في ذلك مرجعية القوات المسلحة الإجتماعية كمرجعية وطنية (؟).
(الان هي محل مسائلة وتفكيك).
لكن هذه التجربة الإستعمارية التي نجحت في ماليزيا ونيجيريا والصومال الخ في بناء مؤسسات إجتماعية وطنية جامعة ومُنتجة النُخب والطبقات الوسيطة ، فشلت في الإستمرارية والتوطن في السودان الأنغلو مصري بسبب تغييب الحدود الثقافية والجغرافيا الثقافية كأدوات للإندماج الإجتماعي وغياب الإطار الناظم للإختلاف والتنوع.
في نهاية الأربعينيات (حقبة الكومنتيرن) وصولاً إلى إحياء هذه الأفكار في أكتوبر 1964 حاول اليساريين الشماليين تعويض هذه المؤسسات والبنى الإجتماعية من خلال إجتراح تعديلات مؤسسية..
* جبهة قوى الريف.. نماذج جبهة إجتماعية متحدة United front.
* جبهة الهيئات.. نماذج كونفدراليات نقابية مدنية.
* إتحادات قبلية ريفية إقليمية..
1. إتحاد دار حمر.
2. إتحاد دار حامد.
3. إتحاد المسيرية.
4. إتحاد جبال النوبا.
5. إتحاد الفونج.
6. مؤتمر البجا.
7. مؤتمر الجزيرة.
8.جبهة نهضة دارفور.
9.إتحادات المزارعين.
* إتحادات فئوية..
1. إتحادات النساء.
2. إتحادات الشباب.
الخ ظاهرة الأحزاب والروابط الإقليمية التي كانت مستوحاة من هذا النموذج الجبهوي. وميزت حقبة أكتوبر 1964.
إلا أن (المثقفين) المغتربين ثقافياً والذين نشأوا نشأة منبتة إجتماعياً detribalized بإفتقارهم الرصيد الشعبي الإجتماعي والتجذُر ، كانوا يضيقون ذرعاً بهذه (النماذج) وبالتعددية الثقافية والقيادة الجماعية بما فيه ظاهرة (الأحزاب الطائفية) ويتعجلون نحرها. ((عُقدة دفتردارية)) defterdarism.
إنتهى.
مُخطط بياني (2) عن الهياكل الإقليمية الأصلية منذ القرن السادس عشر حتى التاسع عشر ..
- الساكن الأصلي native, Indigenous
- الساكن المُستعمر colonizer.
(مع ملاحظة) أن التنظيم الإداري الإقليمي التركو مصري 1820 وعلى منواله البريطاني 1899 لم يلغي التنظيمات الإجتماعية الأصلية Aboriginal people order.
لكنه لم يفرِّق تنظيمياً أو لم يقم بعملية فصل تشريعي وتاطير تُعيد التعريف بين السكان الأصليين Indigenous population ومجتمعات السكان المُستعمِرين colonizer , السكان المُستوطنين لأسباب توسعية أو إقتصادية.
بل إن النظام التركو مصري عمل على تقويض المجتمعات الأصلية وتدمير تنظيمها التقليدي من خلال سياساته الإقتصادية الإجتماعية التي تجاهلتها.
ما مهد الطريق لتذويب جغرافيتها الثقافية وحدودها الإجتماعية في كينونات أخرى بسياسات المحو والتجريف الثقافي الإجتماعي أو الإلحاق والألينة (الإستلاب). وتحويلها إلى تشكيلات إجتماعية عارية من أي إقتصاد سياسي - إجتماعي أو رأسمال ثقافي و(هُوية).
لذلك ، نحنُ أمام تنظيم إداري (مُهيمن) ، لم يتم مناقشة طبيعته ، تنظيم إداري (إستعماري) مُهمته خدمة المستوطنين والمستعمرين للأراضي المحتلة (الأقاليم) . لا تنظيم إداري (وطني) في خدمة المكونات المحلية.
تنظيم إداري لا يعترف باللغة (الرطانة واللهجة) ولا القبيلة (الإثنية) ولا الثقافة (الهوية) ولا مصالح السُكان Group interests ، لا يعترف بالمكونات والهويات إجتماعية ساعياً لشطبها من الخريطة ، من الحسبان السياسي مثله مثل أي نظام سجن مفتوح open prison مهمته ضبط السُكان (الأهالي) و(الإثنيات) بإعتبارهم تهديداً أو جغرافيات تهديد threating geographies ، وتنظيم إستغلال الأراضي المحتلة للإستعمار (الوطن لاحقاً) ، وباطنها من الثروات بدون الحاجة أو بمعزل عن السكان المحليين والهويات المحلية الذين سيُنظر إليهم لاحقاً كعبئ budren.
يمكن القول أن الحدود الإدارية الداخلية (المديريات لاحقاً الولايات 1994) التي تم رسمها أو تقريرها أو إستقراءها هي مناطق عازلة bufferzones أكثر من كونها حدود إقليمية.
بإستثناء شرق السودان الذي فرضت تقاليده الإجتماعية نظام تعددية إثنية حضري multi ethnic urbanization , فإن نظام الإستيطان الحضري في وسط السودان الذي تم تصديره للمدن الأخرى بوصفه نمطاً مهيمناً مستوحى من سياسة (بوتقة الإنصهار) يفتقر إلى الإندماج الإجتماعي المسنود ثقافياً أو بالاحري التجانُس الإجتماعي. (إندماج هش). يستند إلى أُسس إقتصادية خالصة متدرجة هرمياً (هيراركياً) أو أسس من الإستغلال الإقتصادي الخالص للموارد ((إستيطان إستعماري)).
- الدار (dar (land. أكثر الوحدات الإثنوغرافية تطوراً وشمولاً.
- المكوكية mek-doms. Micro organization.
- الممالك الأصلية (مملكة الشلو/الشلك ، الزاندي .. مثلاً). Kingdoms. Macro organization.
- السلطنات sultanate وهي إمبراطوريات محلية فيدرالية أو كونفيدرالية (متعددة القوميات أو من إثنية كُبرى). Multi ethnic, ethnic empires.
- الشرتايات (سلطنة دارفور).
- العموديات (مستوحاة من التنظيم المصري).
إنتهى.
إستناداً للمُخططات البيانية المنوغرافية أعلاه..
يُمكننا القول أن هناك بُعداً هوياتياً وإقتصاداً سياسياً political Economy وأهم من ذلك ديناميات سياسية إجتماعية دافعة للمجتمعات المحلية الوطنية السودانية المختلفة في إقتصاداتها السياسية , لتبني الأيدلوجيا وصناعة الهويات الفلاحية والثقافية المتضاربة.
فالإستبداد بكل صنوفه وألوانه الإسلامي البعثي الشيوعي الناصري الخ كأيدلوجيا سياسية والتطرُف العرقي لجمهورية 1956 والحُكم العسكري فيها او قسمات الدولة البريتوريانية preatorian state ، كملامح مميزة للسودان المفيد (الجغرافيا المفيدة في وسط السودان) طوال سبعين عاماً.
- المُطالبة بالديمقراطية الفدرالية في سياقها التاريخي النظري ، سياقها الداخلي من قبل الجنوبيين أخيراً نخب غرب السودان.
- العداء للتحول الديمقراطي الكامل (المقرطة الكاملة) في وسط وشمال السودان.
- المطالبة بالنظام الفيدرالي في الجنوب ، ومُقاومة التحول الفيدرالي في الشمال لأسباب إقتصادية بحتة.
- المُطالبة ببناء جيش وطني جديد في المناطق المتاثرة بالحرب منذ ثلاثين أو أربعين عاماً ، رفض ذلك , التمسُك بجيش البازنقر وبنيته التركو مصرية من القنانة المسلحة Armed serfdom كما هو في وسط السودان وشماله.
- المُطالبة بوحدة وطنية وهوية وطنية محلية تعددية ، التمسُك بهوية القومية العربية الآحادية في الشمال. الخ.
هذه التناقُضات الحُرة لا يخلوا الهامش الريفي والهامش المزدوج نفسه منها.
فهل يمكن التخلُص منها او إزاحتها بالقُوة العارية بالعُنف وتعميم الصراع الذي يبذله محمد حمدان دقلو في كل المدن بدون إستثناء..
(بعد أن كنا قد نظرنا لنقل الصراع / الحرب للخرطوم وحدها كحاضرة للمؤسسات والشرعية السياسية والسيادة ومدينة متعددة القوميات لديها مائتي سنة تقريباً من التعايش الحضري وحيثيات أخرى تجعلها المكان الوحيد الذي تنطبق عليه مشروعية حرب المدن)..؟
.
لا بد من ميثاق سياسي مُلزم للحرب يعيد تعريفها واهدافها كما هي ، حرب مدينة من أجل نقل السلطة وحرب ريف تتحصن بالطبيعة لا القرى من أجل التحرر الوطني ..
لا بد من ميثاق أخلاقي للنزاع يحدد الحدود الثقافية والإجتماعية للنزاع ويعرف الأهداف والخُطوط الحُمر للقتال (الأعداء والأصدقاء) .
(3)
من تعميم الصراع إلى تدمير مجتمعات الجلابة
لم يفهم القوميين الدارفوريين مثلما فهم القوميين الجنوبيين طبيعة الإستراتيجية التي يتبعها المثقفين الشماليين (مؤتمر الخريجين) تجاه الريف والهامش منذ 1938 في تصفية وعي وتركة المُواطَنة المحلية sudanese citizenship التي تركها الإحتلال البريطاني أو التي نشأت تحته , تدريجيا ، الستراتيجية المستنسخة بدورها عن المصادر الألمانية للتفكير الإسرائيلي.
بدلاً عن تفكيكها قاموا وظلوا يقومون بإستلهامها بشكل معكوس كفعل مضاد أو ردة فعل معكوسة.
وقد أشرتُ في الرسالة المنشورة التي وجهتها إلى على كرتي بعنوان ((علي كرتي النموذج الدارويني ضرورة مراجعة علاقة الدولة بالقبيلة)) في فقرة بعنوان المصادر الفكرية للفاشية الشمالية منذ 1924, 1938 ، إلى إهتمام المُثقفين الشماليين منذ وقت مُبكر بدراسة جميع الأفكار والنظريات القومية الغربية ومقارنتها وإستخلاص الإختيار الفاشي منها.
لكن الحقيقة ان الإستخلاص الفكري للمثقفين الشماليين 1938 بالإحالة لمحاضر ذلك المؤتمر يتطابق ويشبه كثيراً النظرية القومية الإسرائيلية والادب القومي الإسرائيلي في إتجاهاته.
بما في ذلك نظريات جابوتنسكي Ze'ev Jabotinsky. وأهم موضوعاتها عن السور الحديدي Iron cage (الذي يمكن أن نستبدله هنا بسياسة العزل والتهميش طويلة الأمد المطبقة في الجنوب وفي غرب السودان من أجل ترويض وعي المهمشين) والهيمنة الثقافية.
راجع : عبدالله البشير (بولا).
النموذج السياسي الأساسي (المُلهم) للقومي الشمالي وبطله الأسطوري الحقيقي هو شخصيات المُغامرين القراصنة أو المُقاولين الأمنيين (الزبير باشا) و (فضل الله رابح) ، لا شخصية (محمد أحمد المهدي) التي كانت إتخاذها موضوعاً ورمزاً , تلفيقاً سياسياً من محمد سعيد القدال اليساري الشمالي و احد التحريفيين العشرة الذين ذكرت , في كتابه (الإمام المهدي) الدراسة التي هي أساساً كتاب مدرسي عادي اعده الشيوعي الشمالي (القدال) من أجل إنتاج رواية تكييفية (توافقية قسرية) Accomdation بذكاء لكي الوعي الاجتماعي الشمالي الذي يكن كراهية مطلقة لتمرد المهدوية الذي لم تؤيده اي قبيلة / إثنية شمالية عكس ما يُشاع إلا لغاية ميكافيلية أو بحثاً عن الغنيمة ، وقد أنفقت عشرة سنوات خالصة من البحث الميداني الأنثربولوجي لجمع الروايات الشفاهية والوثائق قبل دخولي الجامعة وبعده ، في تتبُع تاريخ القرن التاسع عشر بدقة وصبر ، وأستدركت بعد مقارنة كتابة التاريخ المدرسي والتوجيه الأيدلوجي للدولة عن التاريخ بين صربيا وكرواتيا والسودان زيف التاريخ الرسمي الذي انتجته النخبة في الخمسينيات والأربعينيات لأغراض سياسية كوعي مُخاتل ضامن للوحدة السياسية وتلافي تأثير كراهية سكان غرب السودان في الوجدان الإجتماعي الشمالي على الإنقسام السياسي.
لدي قناعة تحليلية (صادمة) من إستقراء طويل لهذه التفاعلات مفادها ان الوحدة بين شمال السودان (لاندسكيب وادي النيل) وغربه كان يُمكن أن تنتهي عام 1970 لا في 2023 من طرف واحد , بعد سلسلة مذابح الجزيرة أبا وأحياء أم درمان ، كان ذلك التوقيت مهيئاً للغاية.
لم يدافع الشماليون عن النظام الطائفي الذي كبُرت من داخله القومية الشمالية نفسها ، كان الطريق ممهداً للتخلُص من عائلة المهدي في مذبحة مماليك (إبادة سياسية) politicide، العائلة ووشائجها الزبونية الإجتماعية مع غرب السودان عموماً كعبئ إجتماعي في طريق تشكيل قومية وبرجوازية شمالية خالصة.
إلا أن غالب المثقفين الشماليين واليساريين منهم خاصة الذين كانوا يفضلون علاقة افضل مع الجنوبيين (للأمانة) ، إحتفظوا بهذه العلاقة غير المسنودة إجتماعياً من حواضنهم. وهناك مُعاناة حقيقية وأصيلة للمثقف الشمالي (البرجوازي الشمالي) في تبرير هذه العلاقة أمام مُجتمعه (مأزق) Dilemma.
في تلك اللحظة تم تحميل مجتمعات غرب السودان مسؤولية مساندة عائلة المهدي وتأخير التطور الإجتماعي للقومية الشمالية.
لقد إستخدم القوميين الشماليين أسطورة المهدوية كأسطورة تأسيسية مُوحدة مع سكان غرب السودان وجاذبة لهم أكثر من قناعة مجتمعاتهم بها.
بالعودة إلى النموذج الستاليني للقوميين الشماليين (الزبير باشا) كما (طائفة الزبير باشا) zubair pasha cult من الساسة والضباط الشماليين منذ عبود وصولاً إلى البرهان. وهي طائفة متطرفة عرقياً ومدمنة على صناعة الحروب.
تدمير كلاً من الزبير باشا ورابح فضل الله لمجتمعات البانتو السودانيين (الفرتيت) تماماً وإسترقاقها كجريمة تاريخية لا تقل شأناً عن إبادة الأرمن ، وتدمير الثاني لمجتمعات إمبراطورية البرنو في إقليم (كانم - برنو) التي يذكرها التشاديون بالكثير من الأسى والألم قبل تدخل الفرنسيين الذي انقذهم نهاية القرن التاسع عشر.
هاتين الشخصيتين لنموذج ستاليني شمالي متأثر بتقليد شخصية محمد بك الدفتردار ((نموذج الحرب الثقافية وعقدة الدفتردار (كراهية الأهالي) Oikophobia)).
- مقابلات أنثربولوجية مع شباب إثنية الكانمبو Canembo 2011.
رغم أن الشماليين تضرروا جداً من مسار الزبير باشا هذا ((مسار تدمير مجتمعات الآخرين)) الذي أفرز (مظلومية الجلابة) على يد ارقائهم السابقين في جيب بحر الغزال بعد عزل الاب وقتل الإبن (الخ الرواية التاريخية) ، وقاد إلى (ثأر الجلابة) الثاني لاحقاً 1899.
* ثأر مؤسسة الجلابة الأول هو المهدية 1885.
راجع مذكرات الضابط المصري حسن قنديل : ضحايا مصر في السودان. تاريخ النشر الأول 1921.
مسار تدمير مجتمعات الآخرين destruction of communities من خلال مكافحة التمرد الحل الوحيد الذي تقترحه النخبة الإرثية الشمالية للصراع وإخضاع المجتمعات ، هو النموذج الأصلي الذي تسير عليه جمهورية المستوطنين منذ 1956 حتى الآن ، الذي يحفز على إنتاج نماذج معكوسة أو مضادة ، وهو أيضاً بالمناسبة النموذج الأصلي الأعمى Mematics of Mercenary War لقوة الدعم السريع منذ إنشاءها أو إعادة إنتاجها (مؤسسة الجنجويد) كمؤسسة مُنفصلة عن مؤسسة البازنجر (الجندية أو القنانة المسلحة).
نسق حروب مُرتزقة الريف (الشفشافة) أو (النموذج الإرتري) الذي تستخدمه قوة الدعم السريع في تجريف الاعيان المأهولة بالسكان بما فيه المدن الحضرية والمستوطنات القروية ، تكتيك تهجير السكان وإفراغ المدن من أصولها المادية الرأسمالية وإفقار الطبقات الإجتماعية المُستقرة زراعياً وحتى إستبدال الديمغرافيا الفلاحية المستقرة زراعياً بعديد سكاني آخر (إحلال ديموغرافي). من خلال إطلاق يد مرتزقة الريف (الشفشافة) و تفعيل نظام الغنيمة (الفيء) الإسلامي غير المعلن invisible system of tributary والمتجذر ذهنياً في الثقافة المحمولة لمجتمعاته الريفية , بتوسل وذريعة (الضرورة) وإنعدام البدائل النظامية القتالية systemic replacement مثل قوات الصاعقة مثلاً الذي يمكن أن تحل محل (المناوشين) وسرايا الإستطلاع من مليشيات أم باقة والشفشافة وفرق الموت التي تُشكل البنية التنظيمية (المجتمعية) المُحايثة في إسنادها لقوة الدعم السريع النظامية.
سنتكتشف ان تلك الضرورة ، ليست أكثر من مَزعمة لمواجهة النقد الحداثي لسلوك (بدائي) يُمثل في حد ذاته نموذجاً ثقافياً (عنف ثقافي) من نمط الإنتاج البدوي الرعوي في مواجهة / ضد الأنماط الأخرى المستقرة زراعياً والتشكيلات المتمدنة (نمط التقري) ، بل سلوكاًَ تنظيمياً دارجاً منذ ثلاثة عقود في ممارسة حروب الدعم السريع وخلفياته السابقة.
هذا النسق من تدمير المجتمعات والطبقات الوسطى والمُدن الذي مارسه نظام الإنقاذ في 1989 بطريقة مختلفة قليلاً ومتقاربة من خلال أُطروحة أيدلوجية مُصممة ، لا يمكن وصفها بأنها تمكين إجتماعي empowerment وخطة إعادة هيكلة خالصة , من الصالح العام وحل مؤسسات الدولة وهياكلها القائمة الخ بدون إستيعاب أو إصلاح أو إعادة إنتاج كما روج لذلك السيد حسن الترابي.
بل تدمير مُمنهج للمُجتمعات ((تجريف إجتماعي وتصحر سياسي)) لا يمكن تعويضه وأكرر لا يمكن تعويضه (بيُسر). في دراستي لمجتمعات عديدة عبر العالم انتقلت بين أنظمة سياسية و باتت تتحسر على الإستعمار نفسه كتجربة جراء ذلك النهج destruction of societies and cities (urbans).
النموذج الذي لم يتعرض لمقاومة ثقافية كما كان ينبغي ، والذي أيضاً يجب إعادة تعريفه ودراسته من جديد بمناهج وادوات مُختلفة أكثر تعَمقاً وإستبصاراً بعيداً عن أي موقف ثقافي أو عاطفة إجتماعية أو تحيُزات مسبقة.
مُراجعة تاريخ القرن التاسع عشر في السودان كافية لإستخلاص (النظرية) المبكرة والمتأخرة معاً من ذلك.
اما المسار الإرتري (نمذجته) الذي يشبه النموذج الجزائري بالمناسبة في الكثير من سماته العاجزة عن المحافظة على مقارنة جيدة لتركة الإستعمار ((الجزائر اليوم ومنذ بومدين في أزمة افرزت التصحر السياسي الإجتماعي وحرب التطرف في التسعينيات التي لم ينقذها منها ثأر الفرانكفونيين ومجموعة خالد نزار الذين إقتصوا لهزيمتهم في الأربعينات والخمسينات)).
راجع : مجموعة من الباحثين في مقدمتهم عبدالناصر جابي.
مثل هذا التصحُر السياسي المولّد للردة الثقافية والإجتماعية عن التحديث السياسي الإجتماعي ، هو ماحصل بالضبط لمجتمع الطبقة الوسطي الشمالية في أم درمان والمديريات الشمالية ومكاسبها الإجتماعية من السبعينيات إلى نهاية الثمانينات التي كانت تقود الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين بين العشريتين الأولى والثانية.
يمكن وصف ذلك بأنه عمليات بدونة للريف desertification و ترييف للمدينة counter urbanization.
اما النموذج الإرتري القائم على تهجير المجتمعات المعادية للنموذج السياسي فهو الأكثر تطوزاً ووعياَ بنظريته ، والأقرب لنموذج قوة الدعم السريع في حروبها الثقافية التي هي ليست حروب مكافحة تمرد مجردة بل حرب نموذج ثقافي إجتماعي يسعى وسعي فعلاً ويتدرج بطريقة جبرية خطية هندسية في الهيمنة على المجتمع لإنتاج دولة كوربراتية سلطوية خاصة به ومغايرة المحتوى الإثني ethnic composition ، لكنه (النموذج الإرتري لإسياس افورقي) اورث إريتريا عجزاً كامناً.
صحيح ان عملية تجريف المدن من قبل قوة الدعم السريع هذه ليست نتاجاً لخُطة مُنسقة وبنك أهداف مسبقة ، لكنها نتيجة مفروغ منها للإصرار والتصميم والتمسك العنيد بهذا الأسلوب والتكتيك الواحد المكرر ، لتحقيق الهيمنة على المجتمع كأداة (بدائية) لتسنُم السُلطة الإستحواذ عليها بكلفة فادحة لا الإكتفاء بتوجيه العُنف ضد دولة / جمهورية المستوطنين وإستقلال المُستعمرين Colonizers independence (1956) المُسمى بجمهورية الستينيات أو دولة 56.
الدولة المصابة أساساً بمرض التطرف العرقي والهوية القومية الهجومية Militant nationalism.
هذه ليست حرب مُدن كلاسيكية (!) ، بل حرب بروليتاريا نفطية , بروليتاريا رعوية سابقاً لا ترى للحياة المدنية والإستقرار الإجتماعي المَحرومة منه أولوية أو قيمة في تجريفها المُجتمعات والعمران الحضري - القروي .. من خلال إفشاء نَقمتها على الفوارق الهيكلية بين المجتمعات المحلية الوطنية السودانية لظروف الإستجابة للإستعمار و وسياسات العهد التالي له ، مثلها مثل حروب المرتزقة في العهد الإغريقي.
كانت مسودة مفاوضات جنيف في شهر أغسطس 2024 التي تحمل شيئاً من ملامح الدبلوماسي الجزائري المخضرم احد أعمدة الثقافة في (القبائل الجزائرية) رمضان العمامرة ، مخرجاً جيداً من حرب الخرطوم 2023.
أعترف بأننا إلى جانب آخرين أكارم سبقونا في هذه المسيرة ، نظّرنا لنقل الحرب الإقليمية من الهامش (مصطلح نقل الصراع) conflict transition إلى الخرطوم وكان الدكتور خليل ابراهيم سبّاقاً إلى ذلك. بغاية وقف الحرب أو إجبار الدولة على وقف الحرب وإدامتها في الريف.
وأن هذه الفكرة الأصيلة ، التي تعرضت لسرقة الملكية الفكرية والتوظيف الإنتهازي حيناً من مجموعة من العقول الأداتية وفي الخطابات الميكافيلية الفارغة ، أُسيئ توظيفها وإختطافها لغايات أخرى.
إنتهت حرب الخرطوم قبل شهرين تقريبا ، لكن هناك حروب أخرى بدأت في النهود والدلنج. وقد تمتد إلى حزام جنوب النيل الأزرق ، لا علاقة لها بالثورة والتغيير الهيكلي من الريف إلى المركز وإن كان الريف مسرحاً لها.
وإن كانت الحروب النضالية المبدئية بالفكرة والفعل ، قد تحولت من موضوعة التحرر الوطني لكل السودانيين والسودانيات إنطلاقاً من المكان الطبيعي للثورة في الريف ، إلى سوق سياسي political Market للنماذج يرتاده الدعم السريع أو غيره من باب إقتراض الأفكار دون تأثيل ولا تجريب أو مُقارنة للخُصوصيات المحلية المُتوافرة في بلد شاسع , ثري بالإختلاف والفوارق الثقافية والتناقُضات بطريقة ليست حادة وفيها الكثير من التسامح الإجتماعي الذي لا يُلغي تقرير الحقيقة الأولية , لكنها دالة.
صحيح أيضاً ان البروليتاريا الهامشية (الرثة) لنظام الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين سبقت البنية المليشياوية لقوة الدعم السريع وغيرها من التشكيلات الفلاحية العنيفة أو البروليتاريات الرعوية ، عام 1990 في تجريف المُجتمعات المحلية والوطنية وتقويض التركة الإستعمارية colonial legacy.
لكن ذلك ليس صراعاً مُجرداً على النماذج بل المفاهيم ، ولا على هُوية الجلاد وهوية القبيلة (الإثنية السياسية) التي تستبدل المحتوى العرقي للدولة الكوربراتية التسلطية (جمهورية 1956) ومحتوى الهيمنة على المجتمع بنظام ملكي موناركي اياً كان الفساد الذي أصابه ، كلا لا يمكن إستبدال النظام الجمهوري بعائلة سياسية بصلاحيات موناركية ، أو بنمط من عبادة شخصية القائد Cult of personality.
بل من أجل إعادة هيكلة الدولة وتفويض السلطة devoultionary federalism إلى جميع مكوناتها من غير ربط وصائي أو نموذج رعائي patron client ، أو إستعلاء سياسي أو نظام كوربراتي سلطوي مضاد.
يمكننا أن نعيد مرة ثانية ان تصنيف (الجلابة) في القرن التاسع عشر قبل المهدوية بقليل كان يشمل إثنيات الكبابيش والشكرية كطبقات وسطى.
وأن هذا التعريف الذي تقلص إلى نموذجه وهويته الأصلية لا التاريخية في تصنيف جعفر محمد علي بخيت 1968، بعيداً عن (خطيئة الأمس) يمثل الطبقة الوسطي الوحيدة والقومية المدنية الوحيدة كحقيقة إجتماعية علمية ، لا يمكن تدميره أو الإستغناء عنه في عملية بناء الدولة مستقبلاً لكن من خلال عملية إعادة إنتاج كاملة ، تماماً كما أعاد تقرير هذه الحقيقة ميليس زيناوي مع الأمهرا في التسعينيات.
(4) نمط حروب البوليتاريا النفطية المُدمّر
البوليتاريا النفطية Petro Proletariat هي التشكيلة الإجتماعية الجديدة من فئة الشباب العمرية في حزام السافانا من جنوب دارفور إلى جنوب كردفان ، بما فيه جنوب النيل الأبيض وسنار.
المصطلح من صك الكاتب حامد البشير (باحث إجتماعي منذ نهاية الثمانينات بداية التسعينات وحاكم ولاية جنوب كردفان لاحقاً).
في روايته للصراع السياسي الإجتماعي في هذه الجغرافيا منذ السبعينيات و الثمانينيات الذي انتج حقائق جديدة تبدأ من البيئة وتنتهي بالإقتصاد السياسي ، حيث أجبرت القبائل الرعوية على هجرة مراعيها ونمطها المعيشي بالتالي من أجل التنقيب عن النفط في ابيي وغرب جنوب كردفان.
كما أجبرت القبائل الرعوية لقوة الدعم السريع الحالية على مغادرة مراعيها في بادية الزغاوة و مرتفعات إثنية الفور بسبب إرتدادات الصراع الإجتماعي الإيكولوجي التالي الجفاف تدريجياً منذ نهاية الستينيات.
مما أدى لتوليد حقائق جديدة وإنقلاب في نمط إنتاجها، الأمر الذي جعلها تبيع قوة عملها كرافد للزبونية المُسلحة والمُشارَكة في كل الحُروب المتقاطعة.
إنتقلت مهنة هؤلاء الشباب تدريجياً من الرعي إلى السلب والنهب المسلح. (المورد السياسي لقوات مرتزقة الريف - الشفشافة).
هذه التشكيلات الإجتماعية ومجتمعاتها التي تمارس الإزدراء للحياة الحضرية والمتقرية وسكان المدن ، إنطلاقاً من عُنف البادية ، لا تحتاج إلى تدمير المجتمعات المحلية الوطنية السودانية الأخرى التي تتفاوت عنها إقتصادياً وإجتماعياً من أجل إيجاد نفسها ، إلى سلبها وتعفيشها و(شفشفتها) أو (تغنيمها). غض النظر واكرر غض النظر عن ((جريمة الأمس)) أو ((جريمة الإستقلال)).
لا تحتاج لإلغاء الآخرين ، بل تثبيت الحدود الثقافية للمجتمعات الوطنية والبحث عن صيغة أكثر إستقراراًَ وتوافقية من فدرلة الهامش كله غرباً وشرقاً شمالاً وجنوباً.
تحتاج إلى التنمية السياسية والإجتماعية لا إلى الهيمنة على المجتمع أو الهيمنة على الدولة.
إلى الإندماج في الطبقات الوسطي المحلية الإقليمية أو الطبقة الوسطي الوطنية في الجامعة والمدرسة وكليات الهندسة والطب والتمريض والإقتصاد والمحاماة في الطريقة الصوفية ودرس الجمعة في المجتمع المدني في السوق والتجارة وحقل العمل العمالي الخ.
مُجتمعات الزغاوة ، الماهرية ، المحاميد ، الحوازمة ، اولاد حميد الخ مُجتمعات تحتاج إلى سياقات كبيرة master context , macro patterns.
- عملية أقلمة Regionalization (توطين ثقافي).
- عملية بناء مجتمعات على أسس منها نزع العسكرة demilitarization.
- عملية نزع بداوة denomadization.
- عملية تمدين Urbanization ..
شبيهة بتلك العملية الكبيرة من قبل البريطانيين في الثلاثينيات في أعقاب إنشاء سدي جبل أولياء وسد سنار لتوطين مُجتمعات وسط السودان والبدو الرحل فيه ، مُركبة من الإقتصادات المنزلية ودمج النشاط الاقتصادي في الواقع المحلي.
تحتاج ذلك .. أكثر من حاجتها للمشاركة في الثورة والزعازع السياسية الإجتماعية والإنقلابات والإنقسامات ، ليست بحاجة للعسكرة والتجييش لأنها لن تضيف إيجابياً لذلك.
راجع :
حريق السافنا، جذور الحرب الأهلية في غرب السودان 2007, 2015.
أيضاً ..
إعادة النظر في التواريخ التابعة للنفط في إيران.
آبار مسمومة ، لعنة النفط.
The Oil Curse: How Petroleum Wealth Shapes the Development of Nations.
(5) نمط شراء النُخب السياسية وإستعداء (المُجتمعات) الأبوي
ج. شراء النُخب الإجتماعية والسياسية
من إتفاق قائد قوة الدعم السريع في 2006 مع حركة العدل والمساواة ، إلى وثيقة سلام جوبا 2020 , الإتفاق الإطاري مع اليسار الشمالي قحت 2022 , اعلان أديس ابابا مع تقدم 2024 ، اعلان تأسيس مع الحركة الشعبية 2025.
نستخلص نتيجة واحدة بما فيه تحالف قوة الدعم السريع مع الحركة الإسلامية 1992 وصولاً إلى التوافق مع البشير 2013 في لحظة عاصفة لتثبيت حكمه.
هو عجز قائد قوة الدعم السريع عن الإحتفاظ بتحالفاته لأي مدة زمنية طويلة ، لسبب بسيط ليس من بينه عدم وجود مشروع سياسي لقوة الدعم السريع. أو التكافؤ في مقدرات القيادة.
إنما بسبب عقلية (سوق الأعمال السياسي) لدى حميدتي ، فهو لم ينقض تلك الإتفاقيات لكنه يتخذ منها مجرد وسائل لبلوغ غاياته لذلك يتنقل من تناقضات سياسية لأخرى.
لا يؤمن حميدتي منذ 2006 فيما يبدو بالعمل الجذري والتحول الثوري الكامل والمؤسسي الكامل ، لهذا يُفضل عقد صفقات سياسية رابحة مقابل مكاسب مادية لا إتفاقيات سياسية برامجية طويلة الأمد.
من خلال هذا التراكُم يُمكننا القول أن حميدتي أنشأ نموذجاً (فاسداً) هو في الحقيقة نموذج بطريركي ابوي يشبه ثقافته الأصلية في دارفور ، من شراء النُخب وإستعداء المُجتمعات أو القواعد الإجتماعية الواسعة لتلك النُخب.
رحلة إستئجار النُخب من (قحت) إلى (تأسيس) طويلة للغاية .. لكنها لا ترقي إلى شراكات كاملة ودائمة. دون أن يُدمج هويته التنظيمية الأصلية. أو يُحدِث تحولات حقيقية على نموذجه الأصلي.
د. قراءة في نموذج ومشروع حميدتي
هذه فُرصة أخرى لفهم تجربة حميدتي (من التأسيس للحرب) ومضارعتها بمختلف الأدوات غير العادية ، يسعني القول بعد تحليل طويل ان نموذجه السياسي دخيل على الحركة السياسية في الهامش (بدون مجاملة بدون تحيز).
يشبه نموذج محمد حمدان دقلو السياسي كثيراً في ملامحه الأولية مشروع السيد حسن الترابي 1970 - 1990وطريقة التفكير التكتيكية غير المستدامة لخليفته على عثمان طه.اكثر من أي شي آخر لكن في سمات وظروف ثقافية إجتماعية مختلفة هي البداوة.
يبدو لي أيضاً ان السيد عبدالله مسار ، الأب الروحي الأول لحميدتي كان مُعجباً مُستلهماً لهذا النموذج من بين مجمُوعة نماذج كانت متاحة في مصادرها الفكرية لديه ، النموذج الليبي , النموذج التشادي والنموذج الإرتري بحكم المنفى في أسمرا منذ بداية التسعينات.
هذا النموذج المُدمر الذي يؤدي إلى تصحُر المجتمعات السياسية وإضعاف المجتمعات المدنية والطبقات الوسيطة والنُخب وإلى حرب الجميع ضد الجميع.
يحتاج إلى تعديل سياسي ثاني وثالث لا يمكن أن تأتي إلا من خلال صعود قيادة جديدة لقوة الدعم السريع بدلاً عن حميدتي الذي يجب أن يستريح وان يواجه أسئلة العدالة التي تواجه حرب 15 إبريل كلها.
أمام المحكمة الدولية في إستبصار لنموذج عبدالله أوجلان ولوران غبابغو وريلا اودينغا الذين سلموا أنفسهم لسجن سياسي طويل في ظروف مُختلفة من إختطاف أوجلان إلى إميرلي ومحاكمة غبابغو أمام الجنائية الدولية لتبرئة ساحتهما ، وأستغرقوا في مراجعة فكرية للنموذج من داخل السجن.
تحول أوجلان وصلاح الدين دميرداش إلى ضامنين للسلام من داخل السجن (الطويل) ، بينما افسحت فرصة المحكمة للوران غبابغو تأهيل نفسه وتبرئة ساحته تمهيداً لعودة مثقلة بالعِبر مثل عودة الجنرال الإنقلابي الذي عزلته نيجيريا محمد بخاري عبر إنتخابات وعودة ميشيل عون بعد منفي طويل.
يمكنني أن اضيف هنا انه بعد فترة وجيزة من العام 1991 دخل القائد ميليس زيناوي بعد السيطرة على أديس ابابا وإعترافه لاحقاً بإستقلال إريتريا في إحتفال مُشترك ، دخل في عزلة لمدة عامين تقريباً أكمل فيها إنقطاعه عن دراسة الطب في جامعة أديس ابابا سبعينيات القرن العشرين ، منكباً على دراسة بكالوريوس العلوم السياسية الإجتماعية من جامعة لندن بالمراسلة ومساعدة مراجعين مساعدين له ، حين سلم رئاسة الوزراء في هذه الفترة لرئيس وزراء إنتقالي مسلم من الأورومو تحت توجيهه ، وعكف على مراجعة نمرذجه السياسي وأفكاره جيداً قبل التورط في التجريب السياسي. مع مراقبة الواقع. وسمحت هذه العُزلة بإخفاء دوافعه الفيدرالية عن قومية الامهرا المهيمنة.
يؤسفني القول بالكثير من الأسى ان محمد حمدان دقلو (46) عاماً شخص طامح لا يهدأ ابداً ، على الرغم من محبة إثنيته وجمهوره المُصغر له حد إنتاج نموذج محلي من عبادة الشخصية cult of personality ، وتأثيره العميق في مجتمعه ، إلا أنه شخص مُدمن على الحرب ووجوده في هذا العُمر كقائد تقليدي بسيط يملك كاريزما القيادة بالفطرة ، في ضآلة من التأهيل الفكري والمدرسي للقيادة يجعله هدفاً للمثقفين الإنتهازيين والمثقفين المخصيين الذين يجدون في شخصيته المتعالقة نفسياً وأسطورياً منذ طفولته حين هيئته القبيلة لهذه المهمة بنبوءة إجتماعية Psychological mythic interrelation ، ملاذاً لتنفيذ برامجهم , اوهامهم وصراعاتهم. وهذا سر تنافُس النُخب المدنية والعسكرية و َتدافعها على كسب قُوته البشرية ورأسماله الإجتماعي وطموحه المتقد للحكم.
لإتخاذه بشير آخر (عُمر البشير) أو مُشرَّف جديد (برويز مُشرف). أو بلغة الكتاب (سامري) جديد.
لقد راجعتُ جيداً تجربة حرب 15 إبريل 2023 ووصلت لمجموعة من النتائج التي اعكف على اعادة كتابتها بشكل مستقل ، وتوقفت عن نشر كتابي الأول بعد الحرب في شهرها الأول من 700 صفحة ((محمد حمدان دقلو وما يمثله)) لإنشغالنا بإنقاذ الموقف ، لكنني أدركت ان المشروع السياسي ((الشخصي)) للرجل يسير بسرعة أكبر من دهس القطار ، على نار هادئة من الصراعات وهو مشروع يتجاوز حرب 15 إبريل ويحتاج إلى مراجعة جدية.
في الفترة البسيطة 2008-2013 صنع الرجل اسطورته السياسية العسكرية المؤجلة منذ 1992 حين ذكر كاتب بيان قريش 1 إسمه بالتنصيص ، كبطل (نموذج البطل الأسطوري) لمجتمعه المصغر ، لكن بشكل أساسي لمجتمعات الجلابة في الخرطوم.
في الفترة 2019-2023 دخل في شراكة مع القادة العسكريين للجيش السوداني الشمالي كنخبة ومؤسسة بعد أن كانت علاقته شخصية مع البشير.
في هذه الفترة تمكن من شراء النُخبة العسكرية الدنيا والوسيطة (المهنية) تماماً ، لكنه خسر قاعدته الإجتماعية العليا والواسعة التي سمحت بترقية تلك الشراكة من الضُباط الإسلاميين الذين كانوا الحلفاء الأوائل لعبدالله مسار وبالتالي لمرحلة تأسيس قوة الدعم السريع.
تدريجياً فقد علاقته بالقيادة العليا للجيش بسبب تشككهم أو تشكك المتطرفين الشماليين داخل التنظيم الإسلامي والجيش الذين لاحظوا تحركاته ونمطه قيادته وضغطوا على كبار الضباط للتخلص بسرعة من هذه الشراكة. بعدها بدا العد التنازلي لهذه الشراكة وصولاً لمحطة الحرب.
كانت شراكة حميدتي مع ضباط الحركة الإسلامية وقيادتهم الخفية للجيش ، والنُخبة العليا في الجيش لاحقاً أكبر مكسب توسعي لمجتمعات قوة الدعم السريع في تاريخها الإجتماعي.
ومن خلال تحليل وإستقراء طويل لتاريخ الشراكات السياسية المُجهضة من قبل القومية الشمالية المهيمنة (كتاب عهود كثيرة نقضت : ابيل الير) منذ 1947-2005 , وجدتُ ان القوميين الشماليين لوعي فائق بالصراع لا يُحبون الشراكة السياسية مع مثقفين وبرجوازيين من الهامش مثل وليام دينق , جوزيف لاقو , جون قرنق , خليل ابراهيم الخ. لأنهم لا يُفضلون ان تكبُر مشاريع سياسية معادية لهم بحسبهم في (حِجرهم).
تفضيل تصعيد شخصية محدودة التأهيل المدرسي ليس لديه مشروع سياسي إنما طموح غير مؤدلج كان مبعث راحة للنخب الأمنية الشمالية. وهو النموذج الجيد بحسبهم وقتها.
هذه الشراكة كانت شراكة بدون مخاوف مسبقة ، لهذا كان يمكن أن يُكتب لها النجاح أطول من ذلك.
لكن حميدتي لم يتحل بالكثير من الصبر وتعجل كثيرا في محاولة إبراز شخصيته غير المستقرة والمتقلبة مزاجياً وشخصياً في خاصة تقديري بعد تمحيص وتدبُر تأملات طويلة للغاية. قبل أن يقوم بالكثير من الخطوات لتأكيد وبسط نفوذه في الدولة مثلما قام الداعية والمفكر التركي ( فتح الله غولن) بعمل دولة موازية تماماً.
من ذلك لدي نبؤة ثالثة إنطلاقاً من ملاحظة تأسيسية مفاده أن كل تحالفات محمد حمدان دقلو التكتيكية تنتهي بحرب/حروب ثقافية ، اخشى فيها ان ينتهي تحالفه مع نخبة تأسيس بحرب اخرى كما انتهى تحالفه مع نخبة إتفاق جوبا بحرب ومع نخبة الحركة الإسلامية للقوميين الشماليين ومع حليفه السابق البشير نفسه ، لعلة بنيوية وذهنية في (البراديغم) أو النموذج. تحتاج تعديل النموذج السياسي نفسه لقوة الدعم السريع. وهذا ما يمكننا بسطه في جهد تالي ان شاء الله.
إحالات :
* نمُوذج البداوة النفطية Petro nomadism
لعنا في مداخلة أخرى بحول الله نطرق محاولة إستنساخ النموذج السياسي الخليجي. في بلد جمهوري ليبرالي عرف تحولات إشتراكية إجتماعية وتجارب ثورية من قبل.كردة سياسية أساساً. محاولة بعض المثقفين الذين فشلت مشاريعهم في تسويق هذا التصحُر السياسي الإجتماعي. بمزعمة قبول الأنظمة الملكية للفدراليات.
*النموذج الخليجي (تحالفات مصالح وروابط منفعية).
نسخة خاصة من الدولة الكوربراتية التسلطية التي تجرّف المجتمعات المدنية وتقوم بمحو الأنتلجنتسيا والنخب من الوجود في سبيل موناركية مطلقة.
* كُتبت هذه المقالة إلى جانب مقالتين أخريتين قبل هجوم قوات الدعم السريع على مدينة النهود 2 مايو 2025.
الهجوم الذي سبقنا في التحذير من وقوعه وتكرار خطيئة مشروع الجزيرة ومدينة ود مدني ديسمبر 2023 في أماكن أخرى.
ذلك قبل أن يتلوه هجومه المُشترك مع الحركة الشعبية على مدينة (الدلنج) في حركة توسعية (مضادة) جديدة.
northernwindpasserby94@gmail.com