الجديد برس| بقلم- خالد عقلان|

لطالما كانت محافظة المهرة، بأصالتها وقيمها المجتمعية المتماسكة، نموذجاً فريداً للسلم الأهلي في وطن تتنازعه الحروب والصراعات.

هذه المحافظة، التي حافظت على تماسك نسيجها الاجتماعي بعيداً عن أتون الفوضى والاحتراب، تحولت خلال العقد الماضي إلى ملاذ آمن لليمنيين الفارين من جحيم الحرب وويلاتها.

فقد فتحت المهرة ذراعيها الدافئتين لاستقبال كل اليمنيين من مختلف المحافظات، مؤكدة أن روح الانتماء الوطني تتجاوز حدود الجغرافيا والانقسامات السياسية والطائفية، في وقت كانت فيه مناطق كثيرة تغرق في دوامة العنف والانقسام.

لكن اليوم، تشهد المهرة تطورات ميدانية متسارعة تُنذر بخلخلة هذا الاستقرار، مع وصول قوات درع الوطن إلى المحافظة.

هذا التطور يثير تساؤلات عميقة حول نوايا الجهات التي تقف خلف هذه التحركات العسكرية، والتي تمثل استهدافاً مباشراً للسلم الأهلي في محافظة لطالما كانت رمزاً للتعايش المجتمعي والوحدة الوطنية.

فهل الهدف هو تعزيز الأمن والاستقرار، أم دفع المهرة إلى مربع الصراعات التي مزقت أوصال محافظات أخرى؟

مصادر محلية أكدت أن هذه القوات قدمت إلى المحافظة بإشراف مباشر من القوات المشتركة، التي تسهم بشكل كبير في تمويل وتدريب هذه الوحدات العسكرية المدججة بآليات مدرعة ومعدات لوجستية متطورة.

في هذا السياق المعقد، تقف السلطة المحلية في المهرة أمام تحدٍ كبير في مواجهة هذه المخاطر التي تهدد السلم الأهلي، وسط تحذيرات من خطورة الدفع بالمحافظة إلى صراعات طائفية ومناطقية تمزق نسيجها الاجتماعي المتماسك.

فأبناء المهرة يرفضون جملةً وتفصيلاً هذه المحاولات التي تهدف لتحويل محافظتهم إلى ساحة لصراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل، مؤكدين تمسكهم بخيار السلم والحوار كسبيل وحيد لحل الخلافات.

وهنا يبرز دور لجنة الاعتصام السلمي في المهرة، والتي تصدت خلال السنوات الماضية لكل المخططات الرامية إلى زعزعة استقرار المحافظة.

فقد جنّبت عبر نضال سلمي وحراك جماهيري واسع، المهرة من الانزلاق إلى مربع العنف، وشكلت صوتاً حقيقياً للإرادة المجتمعية لكافة المهريين.

لكن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه اليوم: ما هو موقف المجلس الرئاسي من هذه التطورات؟

فالمجلس الرئاسي يتحمل مسؤولية وطنية جسيمة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ اليمن، ويواجه اختباراً حقيقياً في مدى قدرته على توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية تحت مظلة وطنية جامعة.

فهذه المهمة لم تعد خياراً ترفياً، بل ضرورة ملحة لمواجهة حالة الملشنة التي تقوض أسس الدولة وتهدد السلم الاجتماعي ليس في المهرة وحدها، بل في اليمن بأسره.

إن محاولات عسكرة المهرة ونقل الفوضى إليها، تعد بمثابة استسلام من المجلس الرئاسي للمليشيات التي يكتوي بنارها في العاصمة المؤقتة عدن.

فهل سيتمكن المجلس من التخلص من حالة الانقسام التي تعصف بقراراته، ويتجه بجدية نحو وقف حالة الملشنة التي تتمدد في الجغرافيا اليمنية يوماً بعد يوم؟ أم أنه أصبح، بشكل أو بآخر، متعهداً رسمياً لهذه المليشيات، ووكيلًا حصرياً للعابثين بأمن اليمن واستقراره من وراء الحدود؟.

إن محافظة المهرة، برصيدها التاريخي في التعايش السلمي ورفض العنف، تنتظر تحوّلاً حقيقياً في موقف المجلس الرئاسي قبل أن تتحول من واحة سلام إلى ساحة صراع جديدة.

فالحفاظ على استقرار المهرة ليس مسؤولية أبناء المحافظة وحدهم، بل هو واجب وطني يقع على عاتق الجميع، بدءاً من المجلس الرئاسي وصولاً إلى كل القوى السياسية والاجتماعية التي تدرك خطورة الانزلاق إلى مستنقع العنف والفوضى.

إن مستقبل المهرة اليوم يقف على مفترق طرق: إما أن تستمر في كونها نموذجاً يحتذى به للسلم الأهلي والتعايش، أو تسقط في فخ الصراعات التي لا تبقي ولا تذر.

وفي كلا الحالين، سيُذكر موقف المجلس الرئاسي إما كعامل استقرار أو كمتسبب في انهيار آخر قلاع السلم الأهلي في اليمن.

المصدر: الجديد برس

كلمات دلالية: المجلس الرئاسی

إقرأ أيضاً:

مصطفى بكري: قانون الإيجار المعدل «باطل» ويهدد السلم المجتمعي

حذر الكاتب الصحفي مصطفى بكري، عضو مجلس النواب، من أن التعديلات في قانون الإيجار القديم التي تضمنت زيادة المدة الانتقالية لإنهاء العلاقة بين المالك والمستأجر لـ 7 سنوات ربما تؤثر على السلم المجتمعي، فضلا عن أنها تعد التفافا على حكم المحكمة الدستورية العليا.

وقال بكري، في تغريدة على إكس: قانون الإيجار المعدل هو نسخة من القانون السابق، ولكن فقط زود مدة إنهاء العلاقة الإيجارية إلى 7 سنوات بدلا من 5 سنوات.

وأضاف بكري: هذا التفاف على حكم المحكمة الدستورية، وهو باطل قانونا، ويهدد السلم الاجتماعي، في وقت يحتاج فيه الوطن إلى الاصطفاف خلف القيادة لمواجهة التحديات الخطيرة وتداعياتها على مصر والمنطقة.

اقرأ أيضاً7سنوات فترة انتقالية و4 شرائح إيجارية.. البرلمان يواصل مناقشة قانون الإيجار القديم

لقاء مجتمعي لمناقشة تعديلات قانون الإيجار القديم في «غرفة الإسكندرية»

ملف شائك امتد لعقود.. «النواب» يقترب من حسم الخلاف حول قانون الإيجار القديم

مقالات مشابهة

  • مصطفى بكري: قانون الإيجار المعدل «باطل» ويهدد السلم المجتمعي
  • متحدث اعتصام المهرة: عدن تحوّلت إلى “غابة وحوش” وسط انفلات أمني مرعب
  • محافظ أسوان: المجلس الاقتصادي الاجتماعي يدعم الاستثمار ويوفر فرص عمل مستدامة لأبناء المحافظة
  • الحكومة الليبية ترد على الرئاسي: تجاوز دستوري وابتزاز سياسي وعرقلة لمسيرة الإعمار
  • الرئاسي: وفد من الطوارق أشاد بحكمة “المنفي” في إدارة المرحلة
  • الحكومة الليبية: الرئاسي يمارس الابتزاز السياسي والمالي ويتجاوز الصلاحيات   
  • عبدالله بن زايد ووزير خارجية الهند يبحثان التطورات في المنطقة
  • ضبط مصنع عصائر تحت بير السلم والتحفظ على 650 كرتونة من منتجاته ببني سويف
  • العليمي يؤكد التزام المجلس الرئاسي بالفصل بين السلطات وإستقلال القضاء
  • محافظ قنا يستقبل وفد المجلس الوطني للشباب ويشيد بجهودهم في التوعية المجتمعية