فيلم سنو وايت.. البحث عن الحب في عالم لا يُشبه القصص الخيالية
تاريخ النشر: 14th, February 2025 GMT
بينما تقدم أغلب الأفلام قصص الإنسان العادي من الطبقة الوسطى، هناك أفلام أخرى تخرج عن هذا الإطار المحدود، بعضها يجنح إلى تقديم حكايات بشر خارقين، فوق الإنسانية، وأخرى تُسلط الضوء على حيوات المهمشين، هؤلاء الذين إما يتم تجاهلهم في أحسن تقدير، أو التنمر عليهم في أسوأ الظروف.
فيلم "سنو وايت" يقدم قصة مختلفة، حيث يُدخل المشاهد إلى عالم فئة المهمشين، على وجه التحديد قصار القامة، لكنه لا ينحو إلى الابتزاز العاطفي للمشاهدين، بل يقدم هؤلاء المهمشين بالعدسة التي يجب النظر إليهم من خلالها، كأشخاص عاديين، يعيشون في المجتمعات نفسها، لكنهم يعانون بشكل إضافي بسبب طبيعتهم الجسدية.
فيلم "سنو وايت" من إخراج تغريد عبد المقصود، وبطولة مريم شريف بالمشاركة مع محمد ممدوح ومحمد جمعة ونهال كمال المهدي وصفوة، بينما يظهر كريم فهمي في دور شرفي قصير. عُرض الفيلم في مهرجان البحر الأحمر السينمائي، لتفوز مريم شريف بجائزة أفضل ممثلة، ثم عُرض بشكل تجاري في مصر.
سنو وايت امرأة تتحدى جسدهايبدأ "سنو وايت" بتعريفنا على العالم الاعتيادي لبطلته إيمان (مريم شريف)، امرأة شابة تعيش حياة بسيطة مع أختها الأصغر التي ربتها بعد وفاة والديها. إيمان قصيرة القامة بشكل واضح، لكنها لا تدع ذلك يصبح أداة تعريفها في العالم، فهي تمارس حياتها كأي امرأة أخرى في عمرها. تعمل في وظيفة روتينية بمجمع التحرير، وتضطر من أجلها لركوب المواصلات، وتتدافع مع بقية الموظفين لاستخدام المصعد، وحين لا يعمل، تضطر للمعاناة على السلالم التي لا تتلاءم مع قصار القامة، وعندما يطلب منها مديرها ملفا في رف مكتبي عالٍ، تُخرج السلم الذي وضعته جانبا لهذا الغرض وحده.
إعلانتلك هي الحياة اليومية لإيمان، في حين تخصص لياليها لغرفتها الشخصية، التي تبدو مختلفة تماما عن كل تفاصيل حياتها الأخرى. غرفة مزينة بشكل رقيق، يغلفها اللون الوردي، وتمثال صغير لشخصية سنو وايت الكرتونية على طاولة جانبية. وفي هذه المساحة الآمنة، تفتح جهاز حاسوبها لتبدأ محادثاتها اليومية مع عماد (محمد ممدوح)، الشاب المصري المغترب الذي يحلم بالعودة يوما ما ليعقد قرانه على إيمان، أو الفتاة الجميلة التي يظنها إيمان، بعدما استخدمت كثيرا من المرشحات الإلكترونية لتغيير صورتها، ولم تخبره عن قصر قامتها. بينما تماطله هي، وتؤجل اللقاء بينهما قدر الإمكان، مستمتعة بهذه العلاقة الأفلاطونية التي تُشبعها عاطفيا.
ويضطرب هذا العالم البسيط لإيمان عندما يأتي خاطب لأختها الصغيرة صفية (نهال كمال المهدي)، والذي تحاول والدته إفساد الزيجة بعدما ترى إيمان، خوفا من إنجاب ابنها طفلا قصير القامة مثل خالته، وذلك على الرغم من استمتاع صفية بقامة طبيعية. ولذلك تشترط الأم (صفوة) على العروس وأختها شراء ثلاجة كبيرة غالية الثمن.
لا يصبح ثمن الثلاجة معضلة الفيلم الوحيدة، بل تظهر مشكلة أخرى تتمثل في إصرار عماد على مقابلة إيمان، ورغبته القوية في الزواج منها، الأمر الذي يضعها في مرآة أمام حقيقة هذه العلاقة: هل تؤمن بالفعل بأنها تستحق الحب على الرغم من وضعها الجسدي؟
ويصبح هذا السؤال معضلة الفيلم الحقيقية، فإيمان لا ترى نفسها سجينة جسدها، على الرغم من معاناتها لهذا السجن بالفعل. لذلك، ترفض الزواج من شاب قصير القامة آخر يتقدم لها، وتبقى مصممة على ألا تظهر معدومة الحيلة أمام والدة خالد، خطيب أختها، بينما هي لا تمتلك المال الكافي لشراء الثلاجة في الحقيقة، وترفض تقليل مديرها من شأنها عندما تطلب سلفة من حقها، وهي الموظفة التي تم تعيينها طبقا للقانون الذي يحتم توظيف 5% من ذوي الاحتياجات الخاصة.
إعلان أزمة المشاريع الأولى"سنو وايت" هو الفيلم الأول للمخرجة تغريد عبد المقصود، على الرغم من أن مسيرتها تمتد منذ بداية الألفية الثالثة تقريبا، حيث عملت مساعدة إخراج في أغلب الأحوال. وقد صرحت من قبل أنها كتبت سيناريو الفيلم منذ سنوات طويلة، قبل أن تبدأ العمل عليه مخرجة منذ 4 سنوات تقريبا.
ويحمل فيلم "سنو وايت" جماليات وأزمات الأفلام الأولى، ويدور حول مشروع شخصي لمخرجة حملت في قلبها قصة الفتاة قصيرة القامة، التي تعاني من تحديات جسدية وظروف مادية تعيق تحقيق أحلامها البسيطة، المتمثلة في زواج أختها من جهة، وعثورها على حبيب يرى روحها وليس جسدها الذي يحمل عيوبه الخاصة.
وفكرة فيلم "سنو وايت" طازجة وشديدة الواقعية، حتى وإن شابها بعض العيوب في عملية التنفيذ، أبرز هذه العيوب الحوار الذي يميل إلى المباشرة في كثير من الأجزاء، خصوصا تلك التي تضم إيمان وصفية. حيث بدت كلماتهما كخليط من الكليشيهات المحفوظة التي تقال في مثل هذه المواقف، وأخرى مفتعلة لا تتلاءم مع الخلفية الثقافية لهما.
كما تميز طاقم الفيلم بتنوعه بين الممثلين ذوي الخبرات المحدودة، مثل مريم شريف ونهال كمال المهدي، وبين محترفين نجح صناع الفيلم في استقطابهم، مثل محمد ممدوح ومحمد جمعة في دور خالد، خطيب صفية. لكن هذا التنوع أظهر مشاكل في الأداء لدى الممثلتين الأقل خبرة، حيث بدتا مفتعلتين في كثير من المشاهد، ولم تستطع المخرجة ضبط انفعالاتهما في مشاهد الشجارات التي جمعت بينهما أكثر من مرة، لتبدو في بعض الأحيان أقرب إلى الطابع الكارتوني بعيدا عن اللمسة الواقعية الغالبة على الفيلم.
ومع ذلك، فإن أفضل ما قدمته المخرجة تغريد عبد المقصود هو ضبط إيقاع الفيلم، وخصوصا في المشاهد الصعبة ذات الشحنات العاطفية المتدفقة، والتي أثرت على مسار الأحداث والمتفرجين على حد سواء، مثل المقابلة الأولى بين إيمان وعماد، وعودة إيمان مع الثلاجة إلى المنزل على ظهر سيارة النقل في لحظة تتويج لانتصارها على ظروفها الصعبة.
إعلانفيلم "سنو وايت" يُعد تجربة مميزة في تقديم عالم قصار القامة بشكل عادل، على الرغم من عيوب إدارة الممثلات والحوار الذي كان بحاجة إلى إعادة صياغة في بعض المواضع، فإنه يعدنا بأننا أمام مخرجة تمتلك مشروعا سينمائيا مغايرا، يحاول تجاوز المعايير المادية في النظر إلى البشر.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات سينما على الرغم من مریم شریف سنو وایت
إقرأ أيضاً:
أينشتاين يسقط في جاذبية الحب
#أينشتاين يسقط في #جاذبية_الحب
“تجربة أدبية هجينة بين القصة والخاطرة وقصيدة النثر”
بقلمي: إبراهيم أمين مؤمن
سرتُ بكِ على الدرب، ملكًا بصولجان، واثق الخطوة، تخشع لي الكائنات. توجتكِ ملكةً على عرشي، ألبستكِ الحرير والاستبرق، ومددتُ راحتي بساطًا لقدميكِ، فلا جبٌ سحيق يهوي بكِ، ولا بيداءٌ تفقدكِ بين الوحوش. كنتِ محور الكون، وكنتُ الفلك الذي يدور حولكِ، شمسًا في مدار لا يغيب، ونجمًا ثابتًا في سماء لا تعترف بالتبدّل. لم يكن لي رغبة في شمسٍ تستقل، أو كوكبٍ ينفصل عن مساره. كنتِ مركز الجاذبية، وكنتُ أسير في مداركِ، لا أشكُّ في أنني وجدتُ نقطة الاتزان الوحيدة في هذا الوجود المتشظي.
مقالات ذات صلة وسفينة نوح لم تغرق 2025/05/24أضيء لكِ دربك بمشكاةٍ تُشعُّ بنورٍ لا يخفت، نورٍ يرقص على خيوط الفجر، فيتألق بين لهيب عينيكِ النجمية واختيال خطواتكِ الطاووسية. كان دربًا حيًا، تنبت فيه الأزاهير، وتصدح فيه البلابل على خرير ماء السلسبيل، تتردد كتراتيل داوود بين جدران القصر الذي شيّدته لكِ بدموعي وأمنياتي. أسكنتكِ قصري، حيث تدور الكواكب في فلكه، بعدما أعلنت شمسه يوم استقلالها، فلم يعد لها سيدٌ غيركِ. كانت العوالم كلها تنحني لكِ، وكان القلب قارةً لا تستقبل سوى هطولكِ.
لكن، غيمة خفيفة بدأت تتسلل، لم أدركها في البداية…
كانت ليلة صافية، غير مثقلة بالغموض، لكن وقع خطواتكِ بدأ يختل. لم يعد له ذات الرنين، ذات الثبات، ذات الإيقاع الذي حفظته روحي. أصبحتِ تسيرين برتابةٍ خافتة، كأنما تتحاشين أن يلحظكِ الكون وأنتِ تخططين للرحيل.
بدأتُ أستشعر الفراغ يتسلل بيننا، كهواءٍ بارد لا يُرى لكنه يوجع الجسد ويقشعر القلب. كنتِ هناك، لكنكِ لم تعودي كما كنتِ. لم يعد النبض واحدًا، ولا المدار ثابتًا. ثم جاءت الصوتيات الجديدة – الطبول، المزامير، نوتات الرحيل التي كنتُ أجهل لحنها. كانت الأرض تتهيأ لرحيلي عن عالمكِ، وأنا لا أملك إلا أن أقف هناك، أستمع لكلمات لم تكن لي، وأراقبكِ وأنتِ تفتحين كتاب الرحيل، وتمزجين لي طلاسم الفراق، تدونينها كأنما هو قانون لم يعد يقبل المناقشة.
كنتُ أقف على عتبة النهاية، أنتظر امتداد يديكِ التي لطالما كانت ملاذي، لكنهما لم تمتدّا.
كان زفيركِ يحرقني، وسيفُكِ يُشَعشعني، فكيف أردُّ سطوعه قبل أن يخترقني؟
قلتُ لكِ، وقلبي يذوي: “لمَ تختمين أكتافنا بوشم اليباب؟ ألم يؤنسكِ حبي؟ لمَ الرحيل؟ أتريدين أن ننظر معًا في وجه الفناء؟ أن نتلمس طريقًا أعمى إلى جحيمٍ لا نجاة منه؟”
لكن القصر بدأ يتفكك من حولي، لبنةً تلو أخرى.
سقطتُ على الأرض، وصرختُ بصوتي المحترق: “انزعي عن جسدكِ ثوب خطتكِ العمياء، لا ترحلي، سأحترق، سأتمزق، سأنهدم.” ونكستُ رأسي تحت قدميكِ، سفحتُ دموعي على موطئكِ، قلتُ برجاء “سوف تهجر الملائكة مطايا حمام قصركِ، ستترك الطيور أوكارها، وتجف الأنهار، ويهوى القصر فوق كل الأبرياء. ألا ترين كيف يتحطم كل شيء؟”
لكن ردّكِ لم يكن صوتًا، كانت نظرة جامدة كالصخر، ثم ابتسامةً خافتة فيها مرارة لا أقوى على فهمها، كأنما كنتُ أطلب المستحيل. ووطئتِ رأسي حتى عبرتِ باب الرحيل.
انتظرتُ، قلتُ قد ترجع. لكن الزمن بدأ يجرني على نسيجٍ من جمر، يجلدني صراط الانتظار، كل ثانية تمر تسرق عامًا من عمري، كل لحظة تُحرّق جزءًا مني، حتى تحولتُ إلى رمادٍ متناثر فوق البلاط الذي كنتِ تمشين عليه. لم يعد هناك صولجان، لم يعد هناك عرش، لم يعد هناك قلبٌ يتنفس سوى على الهامش.
فجأة، طُرحتُ في ثقبٍ أسود، كسمِّ الخياط، التهم كل شيء، ولم تسمع أذني سوى لُهَب نيران تأكل نفسها.
لقد تحول القصر إلى أطلالٍ خاوية، ولم تعد هناك شمسٌ تدور حولي، ولا كواكب تعلن الولاء. لم أجد سوى مركبة الأحزان، أقلتني نحو أفقٍ مشوه، ووقعتُ تحت جاذبية الثقب. تباطأ الزمن، فهرمتُ قبل أن ألقي حتفي فيه. ثوانٍ مرت، لكنها انتزعت من عمري سنين، شابت فيها عواطفي، وانحنى ظهري، وتدلى جفني، وضعفت عظامي أمام ثقبٍ تكون من نيران الرحيل.
ذهب العمر هباءً، وما كان وعدُكِ إلا شبحًا، ولم أدرك نفسي إلا عندما أخبرني العدم: “هنا، حيث لا نهاية للجاذبية، ولا مفر من السقوط الأبدي.”