لجريدة عمان:
2025-12-14@03:36:32 GMT

ذُهان الذَّاكِرة بين العَرَب وإسرائيل

تاريخ النشر: 15th, February 2025 GMT

في كتابه «تكوين الطَّبَقة العاملة الإنجليزية» الذي نُشِر1963م، استخدم المؤرخ البريطاني تومبسون (إدوارد بالمر،1993م) تعبير «الاقتصاد الأخلاقي» وذلك في معرض تحليله للاضطرابات التي تتخذ بعدًا جماعيًا مجردًا، مثل نهب المتاجر وكسر أقفال المستودعات خلال فترات ارتفاع أسعار الخبز والأزمات الاقتصادية المختلفة، ليقول بضرورة قراءة هذه الأحداث في سياق يبتعد قليلا عن القانوني ويقترب منها باعتبارها مسألة ذات بعد أخلاقي، ولذا فإنه يضفي بعض الشرعية على هذه الأعمال من خلال التأكيد على حقيقة دوافع التخريب، أي أن ثمة تبرير أخلاقي عند المحتجين دفعهم إلى اتخاذ أساليب عنيفة لكنه عنفٌ جدلي، إذ صدر نتيجة سياسات جائرةً مسَّت قُوْت الناس.

وهكذا يقاوم شعب فلسطين الاحتلال وهو واقع تحت قهر المواجهة، فالدفع باقتلاع شعب من أرضه بالقوة هو فعل مُحرضٌ بالضرورة على مواجهته بالآليات ذاتها التي مَكَّنَت وفَوَّضت للقويِّ تركيب سياساته الغَشُومَة، ذلك أن الطبيعة الاجتماعية هي سياق الفعل وردَّه، ولذا فإن الصهيوني والأمريكي أو حتى الغربي، حين يرى في دفاع أهلنا بفلسطين عن أرضهم شكلا من أشكال الهذيان الديني المُركَّب على عنف سياسي ضد كل ما هو يهودي، فإنه تفسير ضال إذا ما أُخضِع لتحليل بنيوي لفكرة العنف ذاتها، وهو نتيجة طبيعية لما يفرضه الآخر المغتصب من سياسات مؤسسة على بُنْى مُغَلَّفة بتأييد استعلائي ضد كل ما هو فلسطيني وعربي.

والحقيقة أن ليس كل الغرب يرى ما تراه الولايات المتحدة الأمريكية، فكثيرة هي الأصوات التي لا زالت تؤمن بالحق الفلسطيني في الأرض، وأهم هذه الأصوات المفكر الفرنسي ريجيه دوبريه (ولد 1940م)، والذي عرُف منذ ستينيات القرن الماضي حين بدأ اشتراكيًّا فوضويًّا وانضم إلى المناضل الأشهر تشي جيفارا في بوليفيا سنة 1967م، ثم انتهى به الأمر سجينا، وهناك في ظلمة الزنزانة يتبلور كتابه «نقد العقل السياسي» وهو ثمرة تأمل وتنظير كشف عن تحولات كبرى في وعيه، ولابد من الإشارة إلى أن دوبريه وقت كان يشغل منصب المستشار السياسي للرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران (حكم 1981-1995م) كان جوهر شغله الحد من تأثير السياسة الأمريكية على بلاده. وللرجل رأي جدير بالنقاش حول القضية الفلسطينية.. وهذه بعض الملامح.

يرى دوبريه بأن فكرة إنشاء دولة فلسطينية لم تعد ممكنة في الوقت الراهن، والسبب يعود إلى وجود 400 ألف مستوطن في القدس الشرقية والضفة الغربية «يشير إلى مستوطنات مثل: موديعين عيليت، ومعاليه أدوميم وغيرها، والجدير بالذكر أنه قد تقدم مؤخرًا عدد من المشرعين الجمهوريين في مجلس النواب الأمريكي بمشروع قانون يحظر استخدام مصطلح - الضفة الغربية - في الوثائق الحكومية الأمريكية واستبداله بعبارة - اليهود والسامرة - فتأمل!». وبالعودة إلى دوبريه فإن محاولة إزالة هذه المستوطنات أمر لا يمكن تصوره، وإن فكرنا نحتاج إلى أحداث شديدة العنف لتحقيق ذلك؛ لأن الذي يحكم السياسة الإسرائيلية هو الهوس بالأمن ما نقل سياساتها من منطق القَضْم (اقتطاع أراضي الفلسطينيين بالتدريج) إلى الضم الخالص (الاستيطان) ويبدي صاحبنا أسفه للرفض الذي قابلت به إسرائيل الخطة التي طرحها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز (2000م) والتي تقوم على «السلام مقابل الأرض» أي أن تنشأ دولة فلسطينية على حدود 1967م تتبعها عودة لللاجئين مقابل الاعتراف والتطبيع مع إسرائيل من جانب الدول العربية، وليدلل على ثمانة هذه الفرصة يقول إن عددًا كبيرًا من المفكرين اليهود رأوا فيها مجالا ممتازًا لتسوية القضية، وأنها تحقق لإسرائيل أمنها المهدد باستمرار، وفشلها يعود إلى الصدام بين الديني والسياسي في إسرائيل. حتى باتت إسرائيل تعيش حالة تراجع مستمر من كونها دولة في المنطقة إلى ترميزها في «قلعة» معزولة، وهذا يفيد هيمنة فكرة الخطر، وجدلية البوابات المغلقة أمام منطق الدولة المرشحة للتفاعل مع بيئتها السياسية كحالة طبيعية لأي مجال سياسي.

وفيما يتعلق بالتأييد المطلق للولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل فإن تحليل دوبريه يتحرك أعمق ناحية بنية اللاوعي الديني الرابط بين الدولتين، إذ يرى أن أمريكا مرتبطة لاهوتيًّا وعاطفيًّا بالشعب العِبري، وأنها ترى نفسها مدغمة في تاريخ الشعب اليهودي باعتباره «شعبًا مختارًا» كونها قد تشكلت في سياق مقارب، وهذا ما يزيد من تعقيد فهم العلاقات الأمريكية/الإسرائيلية. وحتى المحاولات التي اتخذها البيت الأبيض في فترة حكم الرئيس جورج بوش «الأب» ووزير خارجيته جيمس بيكر لصالح تقييد الهيجان الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين والمنطقة فإنها لم تكن إلا حالة استثنائية في تاريخ هذه العلاقة، فالولايات المتحدة لن تخاطر أبدًا بالدخول في مواجهة دبلوماسية مع إسرائيل، كون الرابط الجوهري بينهما يتغذى على ما يسميه دوبريه ببنية «اللاوعي اللاهوتي» ومن مظاهر حضور هذا الهذيان اللاهوتي هو تغلغل الأحزاب الدينية الصغيرة في النظام السياسي الإسرائيلي بهدف ممارسة الابتزاز الدائم على أي حكومة منتخبة تتولى السلطة في إسرائيل، وبالطبع تتم هندسة ذلك بترتيب أمريكي/إسرائيلي غير مُعلن. وبذلك فإن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية لن تخرج عن حدود الطاعة لإسرائيل، هذا أمريكيًّا، أما أوروبا فهي عاجزة تمامًا عن مواجهة إسرائيل كون سياساتها لا زالت مشلولة بثقل ذكريات المحرقة، ومبتزةً بآثامها المفترضة بسبب السكوت عن اضطهاد اليهود.

هذا إسرائيليًّا، أما عربيًّا فلدوبريه تحليل حول فشل أية محاولة لإحلال السلام في المنطقة والسبب هو «تَدييَّن» القضية، أي النظر إليها باعتبارها قضية دينية وليست مسألة جيوسياسية، ولذا فإنه يوجه نقده لحركة حماس ويبدي تعجبه من زيادة نفوذها، إذ والحال كذلك فإنه لا يمكن من وجهة نظره حل المسألة والوصول إلى تسوية كونها انتهت في الوعي الجمعي إلى حرب لا نهائية، وأن حالة الخضوع للمعنى الديني في القضية ليست مسؤولية العرب فحسب، فقد فشل الغرب في توفير الحد الأدنى من الإنصاف في هذه المنطقة، مما غذى اليأس وسمح باستقرار القضية في سياقها الديني أكثر من السياسي، وبذا فإن المسألة الفلسطينية في ظل هذا الوضع لن تراوح مكانها أبدًا، بسبب ما يسميه «ذهان الذاكرة» فهناك عَمَى سياسي من الجانب العربي نحو البنية الأم في الوعي اليهودي - «المحرقة» - كونها غير موجودة، وهذا ما يجعل فهم العرب مغلوطا للمواقف الغربية والأمريكية تجاه إسرائيل، فالذاكرة متضخمة في الطرف الإسرائيلي وتمد عنفه السياسي والمادي بأسباب الحضور، وضامرة على الجانب العربي.

إن أي محاولة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط وإيجاد نهاية عادلة للمعاناة في فلسطين ستظل مهمة شبه مستحيلة، كون الطرفان يحتكمان إلى رؤى متعارضة ومؤسسة على المخاوف المتبادلة، والحاجة ماسة إلى معالجة جذرية تمس الوعي بين الطرفين في حال استقرت رغبة صادقة لتحقيق سلام حقيقي على الأرض.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

هل تحالف الإسلام السياسي وقوى اليسار لنصرة فلسطين؟

"حين يكون الإسلاميون في المعارضة، يجب أن تكون قاعدتنا: مع الإسلاميين أحيانا، وضد الدولة دائما" من كتاب "النبي والبروليتاريا" لمؤلفه المفكر الاشتراكي البريطاني الراحل كريس هارمن، والذي قدم فيه رؤيته للثورة الإسلامية في إيران.

ثمة ما يسوِّغ تسليط الضوء على بروبوغاندا التحالف الأخضر الأحمر، كما يروج له مناصرو الصهيونية، محاولين ربط الحراك العالمي من أجل فلسطين بتحالف قائم ومنظم بين الإسلام السياسي واليسار، ساعين لإضفاء صبغة أيدولوجية راديكالية تبدو منفرة في الغرب.

وهو تعبير لا يختلف من حيث منطلقات وغايات الربط التضليلي بمساعي ربط الإسلام بالإرهاب.

فما هي حقيقة ائتلاف الأخضر مع الأحمر؟ وما هو السياق التاريخي والفكري الذي تتقارب فيه الحركات الإسلامية مع اليسارية؟ وكيف تحاول إسرائيل توظيفه؟

متظاهرون يرفعون الأعلام واللافتات خلال مسيرة تضامنية مع الفلسطينيين في سيدني بأستراليا (الفرنسية)العداء للسامية

تحاول مراكز الأبحاث والصحف العبرية اختزال الحراك العالمي من أجل فلسطين بألوان أيديولوجية تبدو راديكالية ومتنافرة في ذات الوقت، محاولة تصوير الحراك الحر من أجل فلسطين بتعدديته الواسعة، كتحالف تآمري "لقوى ظلامية" متناقضة جوهريا لكنها تجتمع على "العداء للسامية".

ويتجلى هذا الاختزال عبر مستويات مؤسسية متعددة ومتكاملة، انطلاقا من مبدأ "مكافحة نزع الشرعية" الذي أسّس له معهد ريوت الإسرائيلي في تقريره تحت عنوان "بناء جدار ناري سياسي ضد نزع الشرعية عن إسرائيل".

يصنف التقرير أي خطاب مناهض للتطرف الإسرائيلي أو يشكك في يهوديتها أو يُساوي بينها وبين نظام الفصل العنصري بوصفه تهديدا وجوديا، ويضع حركة المقاطعة والناشطين الأكاديميين ومنظمات حقوق الإنسان في خانة "شبكة نزع الشرعية" التي تستوجب الملاحقة والمواجهة.

وبموجب هذا، يتحول حتى النقد السياسي للاحتلال والمطالبة بحقوق الفلسطينيين من حيّز الخلاف المشروع وفقا لمبادئ الديمقراطية إلى فعل عدائي يتطلب المواجهة.

إعلان

وقد تبنّت الحكومة الإسرائيلية هذا الإطار المفاهيمي، فأوكلت إلى وزارة الشؤون الإستراتيجية منذ عام 2015 مهمة "قيادة الحملة ضد حركة المقاطعة ومحاولات نزع الشرعية عن إسرائيل"، وصرّحت مديرتها العامة سيما فاكنين غيل، الرقيبة العسكرية السابقة، أمام الكنيست بأن "الانتصار يعني ألا تكون الرواية السائدة في العالم أن إسرائيل تساوي الفصل العنصري".

أما على الصعيد الأكاديمي البحثي، فتتضافر جهود شبكة من مراكز الفكر الإسرائيلية في تغذية المفهوم وترسيخه، وأنتج مركز القدس  للأمن والشؤون الخارجية مواد حول "التحالف الأخضر الأحمر".

كما أصدر سلسلة من الدراسات تصف الحراك الداعم لفلسطين بأنه بيئة خصبة لدعم حركة المقاومة الإسلامية حماس، بالإضافة إلى إدراج منظمات كـصوت يهودي من أجل السلام وطلاب من أجل العدالة في فلسطين ضمن هذا التحالف.

وتتولى مؤسسات مثل معهد دراسة معاداة السامية في واشنطن ترويج هذه الأطروحات في الأروقة السياسية الأميركية وتعمل بالتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية، كما تمول الوزارة مراكز بحثية مثل معهد دراسة معاداة السامية، وهو المعهد الذي وصف منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين بالتبعية لجماعة الإخوان المسلمين.

وقد أفردت وزارة شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية في تقريرها السنوي الصادر في أبريل/نيسان الماضي نقاشا تفصيليا حول "التحالف الأخضر الأحمر" ضمن توصيف التهديدات التي تواجه إسرائيل.

اختزال الحراك

يوكد حجم الاحتجاجات وتركيباتها المتنوعة ما يناقض اختزال الحراك العالمي الداعم لفلسطين بتحالف "تآمري مشبوه" بين اليسار والإسلاميين. فقد وثق اتحاد إحصاء الحشود في كلية كيندي بجامعة هارفارد على سبيل المثال ما يقارب 12400 احتجاج مؤيد للحق الفلسطيني ورافض للإبادة عبر الولايات المتحدة بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ويونيو/حزيران 2024.

ووثق المعهد ذاته 3700 يوم احتجاجي فيما يزيد عن 500 مؤسسة أكاديمية أميركية، واعتبر ذلك أطول موجة احتجاجات أثارها حدث خارجي في الولايات المتحدة منذ بدء جمع البيانات في 2017.

وشملت تركيبة الاحتجاجات منظمات من فئات مختلفة، ففي جامعة كولومبيا، ضمت الاحتجاجات أكثر من 100 مجموعة طلابية منها ما هو روابط طلابية تخصصية، وروابط ذات أصول قومية أو جغرافية، وروابط طلابية دينية كرابطة "صوت يهودي من أجل السلام"، التي تضم 32 ألف عضو فاعل. وقد جمعت مخيمات الاحتجاج في 117 جامعة طلابا من السكان الأصليين، والطلاب السود واللاتينيين.

ومما يدحض اختزال الحراك بثنائية أيديولوجية انخراط رجال دين مسيحيين، فقد وقع -على سبيل المثال- أكثر من 140 أسقفا وقياديا كنسيا من طوائف متعددة تشمل الكاثوليك واللوثريين والمينونايت والكويكرز الانجيليين على وثيقة داعية الى وقف الحرب ووقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل.

وعلى صعيد الكنائس الأميركية الأفريقية، وقّع أكثر من 1000 قسّ أسود يمثّلون مئات الآلاف من أبناء الرعايا على عريضة تطالب بوقف إطلاق النار، ونشروا إعلانا كاملا في صحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان "قادة الإيمان المسيحي السود من أجل وقف إطلاق النار".

إعلان

كما اعتُقل 135 من أتباع كنيسة المينونايت في مبنى الكونغرس في ديسمبر/كانون الأول 2023 وهم يرتّلون التراتيل الدينية ويطالبون بوقف إطلاق النار، وقد تبع ذلك احتجاج منظم لأتباع الكنيسة في 40 منطقة في الولايات المتحدة وكندا، وقد وصفته المنظمة الإنجيلية ريد لاتر كريستيان بأكبر يوم عمل مسيحي منسّق من أجل وقف إطلاق النار منذ بدء الحرب.

ولم يقتصر التنوع على الفضاءين الديني والأكاديمي، بل امتدّ إلى عالم الأعمال. ففي يناير/كانون الثاني 2024، على سبيل المثال، طالبت شركة "بن آند جيريز" للمثلجات -وهي شركة متعددة الجنسيات- علنا بوقف فوري ودائم لإطلاق النار.

وصرّحت رئيسة مجلس إدارتها أنورادها ميتال لصحيفة فايننشال تايمز بأنه "من المذهل أن الملايين يتظاهرون حول العالم في حين أن عالم الشركات صامت". وقد رفعت الشركة دعوى قضائية ضد شركتها الأم "يونيليفر" بسبب محاولات إسكات دعمها لحقوق الفلسطينيين.

تقارب ضمن حراك سياسي أوسع ومتعدد الألوان

غير أن نفي اختزال الحراك العالمي بثنائية أيديولوجية لا يعني إنكار وجود تقارب بين اليسار والجماعات الإسلامية في سياق الحراك الداعم لفلسطين، إذ تشير الشواهد الميدانية إلى أن هذا التقارب لم ينبثق من تآمر أو تنسيق سري، بل تَشكّل كرد فعل على الأفعال الإسرائيلية المجرّمة دوليا ضمن فضاءات ديمقراطية مشتركة.

ولعل "حراك فيرغسون-غزة" في صيف 2014 تُجسّد هذه الديناميكية بوضوح حين تزامنت الاحتجاجات ضد مقتل مايكل براون على يد الشرطة الأميركية مع الحرب الإسرائيلية على غزة التي أودت حينها بحياة 2200 فلسطيني.

وقد وصف المؤرخ روبن كيلي من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس هذا التزامن بأنه "العاصفة المثالية للتعبئة"، إذ أرسل ناشطون فلسطينيون عبر تويتر نصائح للمحتجين في فيرغسون حول كيفية التعامل مع الغاز المُدمع، في حين رفع المحتجون السود الأعلام الفلسطينية في شوارع المدينة.

وقد نتج عن هذا التضامن في 2015 ذهاب وفد من الناشطين إلى فلسطين بتنظيم من مؤسسة "حراس الحلم"، وضم الوفد مؤسِّسة حركة "حياة السود مهمة" باتريس كولورز.

كيف يتآلف الإسلام واليسار؟

تتخلص منطلقات اليسار لشراكة نفعية حذرة مع الإسلاميين في مقولات كريس هارمان أحد قادة حزب العمال الاشتراكي البريطاني في كتابه الذي أطلق عليه اسم "النبي والبروليتاريا"، وقد وضح فيه منطلق الشراكة مع الإسلاميين، إذ أفاد بوضوح "الإسلاميون ليسوا حلفاءنا"، لكنه دعا اليساريين إلى عدم التعامل معهم "تلقائيا كرجعيين وفاشيين" أو "تلقائيا كتقدميين ومعادين للإمبريالية " وأن "الشعور بالثورة لدى أتباعهم يمكن توظيفه لأغراض تقدمية".

في المقابل، يستند الإسلاميون في شراكتهم مع اليسار وغيرهم من الفاعلين المخالفين للعقيدة الإسلامية إلى تأصيلات فقهية كفقه الأولويات عند محمد الوكيلي والذي يجيز تأخير الخلافات الأيدولوجية لصالح مواجهة تهديدات أكبر.

بالإضافة إلى فقه الموازنات والمصالح المرسلة الذي يبيح التعاون على أهداف مشتركة كمقاومة الظلم بما لا يستلزم التوافق العقدي الكامل.

كما يستدعى الإسلاميون مفهوم حلف الفضول الذي شارك فيه النبي صلى الله عليه وسلم نصرة للمظلومين قبل بعثته، والذي ينظر إليه كنموذج للتحالف المرحلي على أساس أخلاقي مشترك غير عقدي.

هارمان: دعا اليساريين إلى عدم التعامل مع الإسلاميين "تلقائيا كرجعيين وفاشيين" أو "تلقائيا كتقدميين ومعادين للإمبريالية " (فليكر)عودة إلى التاريخ

تعود الجذور التاريخية للتقارب بين الإسلاميين واليساريين إلى الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وقد زار المفكر الفرنسي ميشيل فوكو إيران مرتين ونشر 13 مقالة يشيد فيها بالثورة كروحانية سياسية جديدة تمثل بديلا ما عن الحداثة الغربية.

ووفرت أعمال فكرية كأعمال المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد التأسيسية الاستشراق والمسألة الفلسطينية بنية فكرية تغذي مساحة ربط مطاطية بين كلا التيارين، إذ ربط بين نقد الإمبريالية الغربية والاضطهاد الممارس ضد الفلسطينيين، والذي تضعه الحركات الإسلامية على سلم أولويات فعلها النضالي.

إعلان

ويرتكز التقارب بين الإسلاميين واليساريين على قيم مشتركة محددة مثل: مناهضة الاستعمار، والتضامن ضد الظلم وعنف الدولة غير المشروع.

وتُظهر الدراسات الأكاديمية، كدراسة كريستيان ديفيس بيلي المنشورة في مجلة "أميركان كوارترلي" عام 2015، أن الناشطين على جانبي النضال يرون روابط بين عنف الدولة والاحتلال والعرق، حيث يعاني الأميركيون السود والفلسطينيون من السيطرة العسكرية سواء من قوات الاحتلال الإسرائيلية أو من جهاز الدولة البوليسي الأميركي.

كما أن إطار "التقاطعية" الذي تبنته حركات العدالة الاجتماعية يوفر مساحة نظرية للتضامن دون الحاجة إلى تجانس أيديولوجي كامل.

وتؤكد دراسة لودفيغ سونّيمارك المنشورة عام 2025 في مجلة "علم الاجتماع النقدي" أن حركة التضامن الطلابية تُشكّل "بيئة تضامنية" تربط الطلاب النشطاء بفاعلين دوليين وبالقيادة الفلسطينية ضمن كتلة عالمية مناهضة للهيمنة، حيث تتكيف ممارسات التضامن وخطاباته باستمرار مع السياقات المحلية والوطنية والعالمية المتغيرة.

وبذلك، فإن التقاء الأخضر والأحمر في مساحات الاحتجاج لا يعكس مؤامرة مُدبّرة بقدر ما يعكس استجابة مشروطة ومحدودة لقضايا مشتركة، تتشكل عبر الفضاءات الديمقراطية من جامعات ومنصات رقمية وتجمعات احتجاجية، وتُحرّكها الأفعال الإسرائيلية أكثر مما يُحركها التنسيق المسبق.

مقالات مشابهة

  • الخارجية الأمريكية: قرار الأمم المتحدة بشأن غزة “غير جاد ومنحاز ضد إسرائيل”
  • التدريب الديني أولاً.. نيويورك تايمز: الولاء يطغى على الكفاءة في بناء الجيش السوري الجديد
  • صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل «تقترب من الحسم»
  • “ترامب يضغط على نتنياهو لأجل مصر”.. الصفقة الأكبر بين مصر وإسرائيل تقترب من لحظة الحسم
  • أونروا: غزة تواجه كارثة«غير مسبوقة»وإسرائيل تمنع دخول آلاف الشاحنات الإغاثية
  • هل تحالف الإسلام السياسي وقوى اليسار لنصرة فلسطين؟
  • تصعيد دبلوماسي بين غانا وإسرائيل وترحيل متبادل
  • القضاء الأعلى يوبخ مسؤولًا بعد كتاب عن إسقاط النظام السياسي في العراق
  • مباشر. الأمطار تغرق خيام النازحين في غزة وإسرائيل تعتقل متضامنين أجانب في الضفة الغربية
  • الجبهة تشتعل .. أين يقف التوتر بين سوريا وإسرائيل؟