العودة المؤجلة.. نازحو غزة في القاهرة يترقبون إعادة الإعمار
تاريخ النشر: 15th, February 2025 GMT
أهازيج العودة التي صدحت عبر القنوات التلفزيونية، مبشرة بالنصر وممجدة للتحرير، رافقت الآلاف في طريقهم من مناطق النزوح إلى قلب غزة. ولكن وقعها كان مختلفًا على من أجبرتهم الظروف على مغادرة ديارهم إلى الغربة.
ومشاهد العودة والسير على الأقدام لم تكن تمر مرور الكرام على الغزيين في القاهرة، على عكس من بقوا في ديارهم.
سنعود يوما إلى ديارنا.. نزيل الغبار وآثار الخراب والدم
سوف نعود.. ونزرع نوافذنا ورود
ونملأ السهول اخضرار وكل الروابي والقفار
ليأتي الصبح مبتسما.. ويرسم الجوري على الخدود
"بيتنا اللي سكنت فيه سنة في منطقة تل الهوى عند دوار الدحدوح، عاد إليه أبنائي فوجدوه أثرًا بعد عين" بهذه الكلمات تروي أم غانم، الغزاوية التي جاءت إلى القاهرة قبل أسبوعين من اندلاع الحرب لحضور زفاف ابنها، لكنها لم تتمكن من العودة إلى الوطن منذ ذلك الحين.
وبصوت يختنقه الحزن والدموع، تحكي أم غانم للجزيرة نت عن لحظة عودة أبنائها من خان يونس إلى بيتهم في تل الهوى، وعن أبنائها التسعة الذين تفرقت بهم السبل بعد النزوح: أربعة استقروا في خان يونس، ومثلهم غادروا معها من غزة، بينما بقيت ابنتها الوحيدة مع أشقائها المتزوجين هناك بسبب إصابتها بشلل الأطفال. وبأسى تقول "لو كنت أعرف اللي هيحصل كنت أخذتها معي.. لكنه حكم الله ولا راد لحكمه".
إعلانوتتابع أم غانم حديثها عن منزل العائلة في تل الهوى، الذي شيدته على مساحة 400 متر، وزينته بحديقة جميلة وأثاث اختارته بعناية، بعد سنوات من الكفاح والعمل. لكن فرحتها بمنزلها لم تدم طويلًا، إذ جاءت الحرب لتدمر كل شيء. وتقول بمرارة "قضينا عاما واحدا فقط بالمنزل، ثم أتت الحرب على كل شيء، والحمد لله أن الولاد بخير وما حدا فيهم انضر".
وقد نجا من القصف والدمار منزل الزوجية القديم في حي الدرج، الذي غادرته قبل 3 أعوام، فأصبح ملاذًا لأبنائها وأسرهم، الذين سكنوا فيه مع أعمامهم وعائلاتهم بعد أن دُمرت منازلهم، بانتظار إصلاحها. وتقول "نعيش كل أسرتين في غرفة، لكن والله أفضل من الخيام. الحمد لله على رحمة ربنا".
ولا ترى أم غانم أملا في عودة قريبة لقطاع غزة، فكيف تعود مع أبنائها الأربعة وزوجها لتزيد هموم الموجودين هناك، لكن أملها الوحيد أن تخرج ابنتها المريضة من القطاع للعلاج في مصر لأن "حالتها تتدهور ولا أمل في علاجها هناك".
ورغم أن أم غانم شهدت عمليات إعادة إعمار القطاع في السابق، إلا أنها تدرك أن الأمر ليس بالسهولة أو السرعة التي قد يظنها البعض. وتوضح قائلة "الإعمار يستغرق سنوات.. فحتى بعد آخر عملية إعادة إعمار، لا تزال هناك مناطق في غزة لم تصلها يد البناء وتعاني من آثار الحرب السابقة حتى اليوم. فما بالك بهذه الحرب التي دمرت كل شيء؟".
وإلى القاهرة، رحلت أميرة مع أطفالها الثلاثة، تاركة وراءها أسرتها وأشقاءها وزوجها. وكُتب لها النجاة مع أبنائها، لكنها لم تكن نجاةً كما تصفها، بل كانت معاناة من نوع آخر: وحدة ثقيلة ومسؤولية كبيرة ألقيت على عاتقها في بلاد الغربة، ومعاناة لا تنتهي مع كل خبر تتابعه على شاشات التلفاز أو عبر الهاتف، الذي لا ينقل لها أصوات أحبّتها إلا حين تتوفر الكهرباء والشبكة وشحن الهواتف.
إعلانوكل يوم، كان ألم أميرة ذات الـ26 عامًا يزداد، مترقبّة لحظة إعلان وقف إطلاق النار، حتى جاءها الخبر أخيرًا. لكنه لم يكن فرحة خالصة، بل امتزج بالحزن، كما تقول للجزيرة نت "مشاهد العودة كانت صعبة، وكل متابعتي لها كانت بالبكاء. كنت أتمنى أن أكون مع أهلي وإخوتي وزوجي، كما مررت معهم بكل لحظات النزوح والتشريد والمعاناة في الخيام، كنت أتمنى أيضًا أن أعيش معهم فرحة العودة إلى غزة وبيوتنا".
الخطة الآن لا توجدبينما كان زوجها وعائلتها يعودون إلى غزة، كانت أميرة تواجه تحديًا آخر في القاهرة، حيث اضطرت للانتقال من شقة إلى أخرى بمفردها، متحملة مسؤولية أطفالها الثلاثة. لكنها لا تقارن وضعها بما يعيشه أهل غزة اليوم، ولا همومها بهمومهم. فبالنسبة لها، ما تعتبره معاناة هنا هو في الواقع رفاهية يتمناها كل غزّاوي، كما تقول "أتمنى أن يتمّم الله عليهم شعور الراحة والأمان وهدوء البال. بعد الحرب، أدركت أن الخوف أقسى بكثير من المرض أو الموت أو حتى الفقر والاحتياج".
العودة غير مطروحةتوضح أميرة للجزيرة نت أن عودتها وأطفالها لم تعد مرتبطة فقط بوقف إطلاق النار، فالوضع في غزة أصبح أكثر تعقيدًا وأشد صعوبة. وتقول "لا يوجد أي مقومات للحياة حاليًا فلا كهرباء ولا مياه ولا غاز ولا منازل، حتى الأرض لم تُمهَّد بعد لإعادة البناء".
وفي انتظار ما ستؤول إليه التطورات الدولية بعد التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي، تأمل أميرة أن تبدأ عملية إعادة الإعمار، وتضيف "لذلك، أنتظر العودة بعد إعادة الإعمار، إلى جانب أنه ليس مسموحًا لنا الآن بالعودة إلى القطاع بأوامر من إسرائيل".
وتتابع المواطنة بمرارة "خرجنا من غزة بإرادتنا، لكننا الآن مجبرون على البقاء بعيدًا عنها" وتشير إلى أن خروج زوجها من القطاع للالتحاق بها في القاهرة أمر شبه مستحيل حاليًا بسبب التشديد على المعابر، حيث يقتصر السفر على الأسرى والمصابين فقط.
العودة لا تعني السلامة أو النجاةعلى الجانب الآخر، كان جميل سعيد زرد (45 عامًا) -الذي أمضى في القاهرة 10 سنوات منذ مغادرته غزة عام 2015- يقضي ليلته محدقًا في شاشة الأخبار، يتابع لحظات عودة الغزيين إلى وطنهم، باحثًا بين الوجوه عن ابنه الوحيد بين 10 آخرين من إخوته، ولكن منير (23 عامًا) أصرّ على البقاء هناك. وانتقل بين غزة وخان يونس، ثم عاد إلى منزله المهدم، حيث وجد تحت أنقاضه أسرة عمه بأكملها، بعد أن قُصِف المنزل عليهم، ليستشهدوا تحت الركام، إذ لم يغادروا مع النازحين.
إعلانويقول زرد بصوت يملؤه الحزن "ابني رفض مغادرة غزة، رغم أن جميع إخوته خرجوا خلال الحرب. جاؤوا مع أزواجهم وأبنائهم، ودبرنا أمورهم هنا في القاهرة".
زرد -الذي يملك مطعمًا فلسطينيًا في القاهرة- لم يعد مطعمه مجرد مصدر رزق لعائلته، بل أصبح ملاذًا لكل غزيّ يطرق بابه طلبًا للمساعدة. ويقول "قدّمت ما استطعت هنا، لعل الله يلطف بابني الذي بقي هناك ويعيده لي سالما". ثم يستدرك وكأن الكلمات تخنقه "لكنه لن يعود سليمًا، حتى لو نجا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی القاهرة
إقرأ أيضاً:
خالد حنفي: 500 مليار دولار حجم مشروعات إعادة الإعمار التي تستهدفها مبادرة عربية - يونانية جديدة
كشف الدكتور خالد حنفي أمين عام اتحاد الغرف العربية، خلال افتتاح أعمال المنتدى الاقتصادي العربي-اليوناني الرابع عشر، الذي عقد بعنوان: "نحو تعاون أوثق – الانشاءات والطاقة"، في أثينا – اليونان، بمشاركة وفود من 17 دولة عربية تمثل رؤساء شركات ورجال اعمال ومسؤولين، بالإضافة إلى حضور 180 رجل أعمال يوناني يمثلون رؤساء شركات ومسؤولين، إلى جانب حضور عدد من السفراء العرب المعتمدين في اليونان، بالإضافة إلى رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، عن إطلاق اتحاد الغرف العربية أربعة مبادرات للتعاون بين العالم العربي واليونان "المبادرة الأولى تقوم على بناء جسور بين العالم العربي واليونان من أجل التعاون في مجال إعادة الإعمار، حيث هناك مبالغ مرصودة تقدّر بنحو 450 إلى 500 مليار دولار للدول العربية التي تحتاج إلى إعادة إعمار".
وتابع: "أما المبادرة الثانية فتقوم على إنشاء ممر للهيدروجين الأخضر والطاقة النظيفة، من خلال التشبيك بين الشركات الموجودة في العالم العربي واليونان، وذلك عبر التنسيق والتشاور بين القطاع الخاص من كلا الجانبين ولا يسما بين اتحاد الغرف العربية والغرفة العربية اليونانية".
وتقوم المبادرة الثالثة وفق أمين عام اتحاد الغرف العربية على إنشاء مركز للذكاء الاصطناعي في الطاقة والمياه، حيث أنّ الدراسات تشير إلى أنّ الذكاء الاصطناعي يستطيع أن يساهم في خفض نسبة الانبعاثات الكربونية بنسبة 30 في المئة، وفي حال نجحنا في إدارة هذا الملف بالشكل المطلوب فإننا سنتمكّن من تحقيق النجاح المطلوب في ملف إعادة الإعمار.
أما المبادرة الرابعة والأخيرة المقترحة من جانب اتحاد الغرف العربية، بحسب الدكتور خالد حنفي، فتقوم على تحالف لوجستي وإنشاء موانئ محورية تقوم على مبدأ التعاون لا التنافس وذلك ضمن منظومة متناغمة تكون اليونان محطة محورية فيها بالشراكة مع الموانئ المحورية المتواجدة في العالم العربي، ومنها قناة السويس التي تقوم من خلال رئيس هيئة القناة الفريق أسامة ربيع بجهود جبارة وقد تجلى ذلك في الفترة الأخيرة من خلال الأزمة التي شهدها البحر الأحمر، مما ساهم في القاء ربط مصر والعالم العربي بجميع دول العالم.
وتابع: "إننا في ظل ما يواجهه العالم من تحديات اقتصادية ومناخية متزايدة، نحتاج إلى شراكة مبنية على الابتكار والمسؤولية المشتركة، تضع الإنسان والبيئة في صميم المعادلة الاقتصادية، وتُحوّل التحديات إلى فرص نمو مشتركة".
وخلال كلمة لأمين عام الاتحاد، بصفته منسّقا ومديرا لجلسة بعنوان: "الطاقة والبناء في عصر الذكاء الاصطناعي"، ضمن فعاليات المنتدى الاقتصادي العربي-اليوناني الرابع عشر"، شدد على "أننا نحن نجتمع اليوم في لحظة مفصلية، حيث تتلاقى ثلاث قوى تشكل مستقبل الاقتصاد: الطاقة والبناء والتحوّل الرقمي من خلال الذكاء الاصطناعي، ومن المتوقع أن تشهد الاستثمارات في تقنيات الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط نموًا بنسبة كبيرة، حيث تأتي المنطقة في طليعة الاستفادة من هذه التقنيات، خصوصا وأنّ التبني الاستراتيجي للذكاء الاصطناعي مع تعزيز المرونة المناخية قد يضيف ما يصل إلى232 مليار دولار إلى الناتج المحلي لمنطقة الشرق الأوسط بحلول عام 2035.
وهناك شركات كبرى في قطاع الطاقة بمنطقة الشرق الأوسط بدأت فعليًا في تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة التشغيلية، وذلك في ظل القلق المتزايد من الاستهلاك المتنامي للطاقة نتيجة للنمو السريع في مراكز البيانات، وهو ما يُلقي بظلاله على الطلب الكهربي مستقبلا".
وأضاف: "أما في قطاع البناء، فيمكن للذكاء الاصطناعي أن يعيد تشكيل تصميم المباني، التكلفة، الصيانة، وحتى استهلاك الطاقة. كما أن التحول الرقمي في البناء من خلال الذكاء الاصطناعي يفتح فرصًا للشراكة بين القطاعين العربي واليوناني، سواء في البنية التحتية أو في بناء المدن الذكية ومستدامة".
ودعا إلى أهمية الاستفادة من خبرات اليونان، وكذلك من قدرات الدول العربية، لبناء نموذج تعاون مستقبلي يُسهم في التنمية الخضراء والرقمنة.
ومن هذا المنطلق على القطاعين العام والخاص في اليونان والعالم العربي، التفكير في إطلاق مبادرات ملموسة ومشاريع تجريبية في مجالات الطاقة والبناء الذكية، بما يرفع من مستوى العلاقة القائمة بين الجانبين العربي واليوناني من إطارها التقليدي القائم على التبادل التجاري، إلى الشراكة الاستراتيجية بما يساهم في تحقيق التطلعات المشتركة.