ما هي الضفيرة العضدية.. وماذا يحدث عند إصابتها؟
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
الضفيرة العضدية مصطلح غير منتشر بشكل واسع ولا يعرفه الكثير من الناس، وهي حزمة أسلاك ناقلة للمعلومات.
لو أردت التقاط شيء عال قليلًا سترفع ذراعك وتلتقطه، ولو قربت يدك لتمسك بطبق ساخن عندما تدرك حرارته العالية فإنك ستبعد يدك ولا تمسكه، وهي من يساعد الدماغ في إدارة هذه الأفعال وتنظيمها لأنها عبارة عن حزم من الأعصاب تنشأ من جذور الأعصاب في الرقبة والجزء العلوي من الحبل الشوكي (تمتد بين الفقرة الرقبية الخامسة والصدرية الأولى) ولها تفرعات كثيرة تمتد للذراعين فينشأ شبكة من الأعصاب تتصل بالذراع وتتحكم بالحس والحركة فيها.
وعند اصابتها أو حصول أذى للضفيرة العضدية يؤدي لأعراض تختلف باختلاف الأعصاب المصابة فيها، لانها شبكة الأعصاب التي ترسل الإشارات من الحبل النخاعي إلى الكتف والذراع واليد، وتحدث إصابة الضفيرة العضدية عندما تتمدد هذه الأعصاب أو تنضغط أو تتمزق، وفي الحالات الأكثر خطورة، قد تنفصل بعيدًا عن الحبل النخاعي، وإصابات الضفيرة العضدية البسيطة، والمعروفة باللاسعات أو الحارقات، شائعة في الرياضات الالتحامية مثل كرة القدم.
ويصاب الأطفال أحيانًا بإصابات الضفيرة العضدية أثناء الولادة، وقد تؤثر الحالات الأخرى مثل الالتهاب أو الأورام على الضفيرة العضدية، وتنتج إصابات الضفيرة العضدية الأكثر شدة عادةً من حوادث السيارات أو الدراجات النارية، ويمكن أن تؤدي إصابات الضفيرة العضدية الشديدة إلى إصابة الذراع بالشلل، ولكن الجراحة قد تساعد في استعادة الذراع وظيفته.
-الأعراض:
يمكن أن تختلف مؤشرات الإصابة بالضفيرة العضدية وأعراضها اختلافًا كبيرًا، وذلك بحسب شدة الإصابة وموضعها، وعادة ما تحدث الإصابة بإحدى الذراعين فقط.
الإصابات الأقل حدة غالبًا ما يقع الضرر الطفيف أثناء ممارسة الرياضات التلاحمية، مثل كرة القدم أو المصارعة، وذلك عندما تتمدد أعصاب الضفيرة العضدية أو تنضغط، ويطلق على هذا النوع من الضرر اسم الوخز أو الحروق، ويمكن أن يسبب الأعراض التالية:
شعور يشبه الصدمة الكهربائية أو الإحساس بالحرق على امتداد الذراع.
خدر وضعف في الذراع
عادة ما تستمر هذه الأعراض بضع ثواني أو دقائق، لكنها قد تستمر لدى بعض المصابين عدة أيام أو أكثر.
الإصابات الأكثر حدة تظهر أعراض أكثر حدة ناجمة عن الإصابات التي تلحق ضررًا بالغًا بالأعصاب أو حتى تؤدي إلى تمزقها أو فتقها، وتحدث أشد إصابات الضفيرة العضدية خطورة عندما يتمزق جذر العصب منفصلاً عن الحبل النخاعي.
قد تشمل مؤشرات الإصابات الأكثر حدة وأعراضها “الوهن أو عدم القدرة على استخدام عضلات معينة في اليد أو الذراع أو الكتف، فقدان القدرة التام على الحركة والشعور في الذراع، بما في ذلك الكتف واليد، الألم الشديد”.
-متى تزور الطبيب:
قد تسبب إصابة الضفيرة العضدية ضعفًا أو إعاقة دائمة، وقد تحتاج إلى رعاية طبية حتى وإن بدت إصابتك خفيفة.
تجب زيارة الطبيب في الحالات التالية: “تكرار الإصابة باللاسعات واللاهبات، ضعف في اليد أو الذراع، ألم الرقبة”، وأعراض في الذراعين.
-الأسباب:
عادة يحدث تلف في الأعصاب العليا التي تشكل الضفيرة العضدية عند إنزال الكتف بقوة عندما تكون الرقبة ممتدة للأعلى بعيدًا عن الكتف المصابة، وتزيد احتمالية إصابة الأعصاب السفلية عندما رفع ذراعك بقوة فوق مستوى الرأس.
يمكن أن تحدث هذه الإصابات لأسباب عديدة، منها:
الرياضات التلاحمية:
يتعرض الكثير من لاعبي كرة القدم للإصابات الحارقة أو الواخزة، والتي تحدث عند إطالة الأعصاب الموجودة في الضفيرة العضدية بعيدًا عن مداها الطبيعي خلال الاصطدام باللاعبين الآخرين.
حالات الولادة الصعبة:
يمكن أن يتعرض الأطفال حديثو الولادة للإصابة بالضفيرة العضدية وقد يرتبط ذلك بزيادة الوزن عند الولادة، أو وضعية الجنين المقعدي، أو المخاض لفترة طويلة، وإذا حشرت كتف الرضيع داخل قناة الولادة، يزداد خطر الإصابة بشلل الضفيرة العضدية.
تصاب الأعصاب العلوية في كثير من الأحيان، وهي حالة يطلق عليها شلل إيرب.
الإصابة الجسدية ويمكن أن تؤدي أنواع عديدة من الإصابات الجسدية، بما في ذلك حوادث السيارات أو حوادث الدراجات النارية أو السقوط أو الجروح بسبب طلقات الرصاص، إلى إصابات الضفيرة العضدية.
علاجات السرطان والأورام ويمكن أن يسبب العلاج الإشعاعي في الصدر أو الرقبة نمو الأورام داخل الضفيرة العضدية أو بطولها، أو الضغط عليها، أو انتشارها إلى الأعصاب ويمكن أن يؤدي العلاج الإشعاعي في الصدر إلى إلحاق ضرر بالضفيرة العضدية.
-عوامل الخطر:
تزيد المشاركة في رياضات الاحتكاك البدني وتحديدًا كرة القدم الأمريكية والمصارعة أو التعرض لحادث سير نتيجة للسرعة العالية من احتمالية الإصابة بالضفيرة العضدية.
-المضاعفات:
تلتئم الكثير من إصابات الضفيرة العضدية لدى كل من الأطفال والبالغين مع ترك أثر دائم بسيط جدًا أو من دون ترك أي أثر، عند توفر الوقت الكافي. لكن قد تسبب بعض الإصابات مشاكل مؤقتة أو دائمة مثل:
تيبس المفاصل إذا كنت تشعر بشلل في اليد أو الذراع، فقد تصاب مفاصلك بالتيبس، وقد يؤدي ذلك إلى صعوبة الحركة، حتى لو استعدت أخيرًا قدرتك على استخدام الطرف لهذا السبب، من المرجح أن يوصي الطبيب بالعلاج الطبيعي المستمر خلال فترة التعافي.
الألم وينتج ذلك من تلف العصب، وقد يصبح مزمنًا.
الخدر إذا فقدت الشعور في الذراع أو اليد، فإنك تخاطر بتعريض نفسك للحرق أو الإصابة من دون أن تشعر.
ضمور العضلات تتجدد الأعصاب ببطء، ويمكن أن تستغرق سنوات عديدة للالتئام بعد الإصابة، وخلال تلك الأثناء، قد يؤدي عدم الاستخدام إلى انهيار العضلات المصابة.
إعاقة دائمة ويعتمد مدى تعافيك من إصابة خطيرة في الضفيرة العضدية على عدد من العوامل، وتشمل عمرك ونوع إصابتك وموضعها وشدتها حتى بعد الجراحة، يشعر بعض الأشخاص بضعف أو شلل دائم في العضلات.
-الوقاية:
على الرغم من أنه لا يمكن اتقاء تلف الضفيرة العضدية في كثير من الأحيان، فبإمكانك اتخاذ خطوات للحد من خطر المضاعفات فور التعرض للإصابة:
إذا فقدت القدرة مؤقتًا على استخدام يدك أو ذراعك، فيمكنك ممارسة مجموعة من تمارين الحركة اليومية والعلاج الطبيعي التي قد تساعد في منع تيبّس المفاصل ويجب كذلك تجنب الحروق أو الجروح، لأنك قد لا تشعر بها إذا كنت تحس بالخدر.
إذا كنت رياضيًا وتعرضت لإصابات في منطقة الضفيرة العضدية، فقد يوصي الطبيب بارتداء بطانة معينة لحمايتها أثناء ممارستك للرياضة.
بالنسبة إلى طفلك إذا كنت والدًا لطفل مصاب بشلل الضفيرة العضدية، فمن المهم أن تمرن مفاصل الطفل وعضلاته الوظيفية كل يوم، بدءًا من الأسابيع الأولى لعمره ومن شأن هذا المساعدة في وقاية المفاصل من التيبس الدائم، والحفاظ على قوة عضلات طفلك الوظيفية وسلامتها صحيًا.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الحبل الشوكي کرة القدم ویمکن أن إذا کنت یمکن أن
إقرأ أيضاً:
عندما يتحوّل الملعب إلى وطن (2)
د. ناهد محمد الحسن
تمهيد:
في الجزء الأول من هذه السلسلة، حاولنا قراءة المشهد الذي أحدثه المنتخب السوداني في بطولة كأس العرب، وكيف تحوّل الملعب إلى «وطن مؤقت» يجتمع فيه السودانيون في الخارج بحثاً عن لحظة أمان وهوية وانتماء، في زمن تفككت فيه الخرائط واشتد فيه تهديد الوجود الوطني. استند التحليل إلى نظريات الهوية الاجتماعية، والذاكرة الجمعية، والجماعات المتخيّلة، لنفهم كيف تصبح المباراة طقساً نفسياً يعيد للناس بعض ما سلبته الحرب منهم. يمكنكم الاطلاع على الجزء الأول من المقال هنا: https://share.google/yHMqkkXOp9p38RdSn
اليوم نواصل محاولة القراءة، ولكن من زاوية جديدة: لماذا أحدثت هذه المشاهد أيضاً لدى البعض غضباً، وسخرية، وتعليقات مريرة؟ ولماذا تحول الاحتفال إلى ساحة اتهامات، ومطالبات بالعودة للوطن، واتهام للجماهير بأنها “تستعرض” بدل أن “تناضل”؟ ولماذا خرج الناس من الملعب بمجرد استشعار الهزيمة و قبل انتهاء المباراة، بكى بعضهم و انهار البعض؟
لماذا يجرح البعضُ الفرحَ، حين يرى آخرين يحتفلون؟
وفقا لنظرية بيك المعرفية في علم النفس فإن المشاعر، الأفكار، الجسد، والسلوك بينهما علاقة وثيقة وتأثيرات متبادلة. فإذا مثلا أرسلت رسالة الى شخص ولم يرد وفكرت في أنه تجاهل رسالتك عمدا فإن هذه الطريقة في التفكير تجعلك تشعر بالضيق، الحزن وربما الغضب. وقد تدفعك هذه المشاعر والأفكار ربما لأن تتحدث عنه بسوء، تتجاهله ذا حدثك او تكون عدوانيا. لكن إذا فكرت ان هذا الشخص مشغول او ربما هو نائم او خارج المنزل او لم يجد وقتا ليرد فستتلاشى المشاعر السالبة وردود الفعل المصاحبة لها. هذا مثال شديد التبسيط فقط لنفهم أحيانا كيف نفكر ولماذا نشعر بهذه الطريقة او نتصرف بهذه الطريقة من منظور هذه النظرية التي تربط هذه التباينات في الشعور والمواقف الى حد كبير بما يعرف بالمعتقد المركزي، والذي تشكل عند الفرد منذ الطفولة وعبر تجارب تراكمية شخصية شكلت نظرته لنفسه وللآخرين وللعالم. قد يقل تقديره لذاته فترتفع حساسيته للرفض حقيقة كان او متوهما وتقل مناعته في مواجهته ان كان حقيقيا. وربما أيضا تعلمه تجاربه المتراكمة ان الآخرين لا يمكن الوثوق بهم والعالم مكانا غير آمن وغير ودي. لذلك يساعدنا التوقف دائما والتفكير قبل القيام بالفعل دائما لمراجعة الذات والمواقف على ان نتجنب الوقوع في ظلم أنفسنا وظلم الآخرين. وبالتالي تعجل الحكم على حالة الاحتفال في الملعب كأنها عدم اكتراث بمأساة الحرب في السودان، أو فهم ردود أفعال بعض الناس السالبة على انها غيرة، حسد او لها دوافع سياسية ربما يبتسر او يشوه الحقيقة. وسأحاول هنا ان أوسع دائرة الفهم والتشخيصات لنساعد أنفسنا على فهم ذواتنا وفهم الآخرين.
لا يمكن فهم التعليقات الغاضبة أو الساخرة على مشاهد الجماهير السودانية دون أن نرى الجرح الداخلي الذي تحمله. فالحرب لا تقتل البيوت فقط؛ إنها تخلخل الإحساس بالعدالة. من بقي داخل الوطن يعيش خوفاً وفقداً وإرهاقاً مستمراً، ويرى وطنه ينهار أمام عينيه. هذا يجعل مشاهد الاحتفال – ولو كانت دقيقة – تُقرأ لا كفرح جماعي، بل كنوع من (عدم الاكتراث). وهذه المشاعر كثيراً ما تحجبها اللغة المباشرة، فتخرج على هيئة: “ارجعوا وساعدوا في بناء الوطن”،“تتباهون بملابسكم ونحن نحترق هنا، “أين كانت وطنيتكم حين احتاجكم البلد؟”.
علم النفس يقول إن هذه الكلمات تحمل تحتها أربعة مشاعر مركزية: (1) شعور الخذلان: الناس داخل البلد يشعرون بأنهم تُركوا وحدهم. وعندما يكون الألم شديداً، يصبح من الصعب رؤية الآخرين يعيشون لحظات استقرار حتى ولو كانت لحظات مؤقتة رمزية داخل ملعب. (2) ما يعرف بالغيرة الحزينة (Grief-based envy): ليست غيرة من النعمة، بل غيرة من النجاة. إنّها أمنية دفينة: “ليتني كنت مكانكم”. وهذه المشاعر لا يعترف بها الناس بسهولة، ولا حتى بينهم وبين أنفسهم. (3) ضيق الهوية الجمعية: حين تكون الهوية تحت الضغط، يصبح أي سلوك مختلف بمثابة تهديد. الاحتفال يبدو وكأنه خروج من الصف، وكأن الانتماء الحقيقي يتطلب المعاناة فقط. لكن الناس يختلفون في طرائق تعبيرهم عن المعاناة وعن الوسائل التي يحاولون التأقلم بها ويحققون التوازن، والا لم قال الشاعر (لا تحسبوا رقصي بينكم طربا/فالطير يرقص مذبوحا من الألم؟).. هل هنالك احتمال ان يكون الملعب، طقوسه، الطريق المفضي اليه، التجمع الكبير لأناس يتشاركون ذات الوجع مساحة آمنة لمعالجة ألم وغبن مكبوت؟ لمحاولة الشعور ولو لحظة بالوطن، الانتماء والفرح والتضامن؟ (4) آلية دفاع نفسي اسمها لإزاحة (Displacement) وهي نقل الغضب من السبب الحقيقي (الحرب – الفقد – العجز – الألم) إلى هدف أسهل وأكثر قرباً: المشجعون. لذلك لا ينبغي أن نأخذ هذه التعليقات دائماً بمعناها الحرفي، فهي غالباً صدى لألم أكبر من أن يُقال مباشرة.
لماذا يحتفل الناس أصلاً؟ هل هنالك احتمال ان الجماهير تشتاق الوطن أكثر مما تستعرض؟ الاحتفال ليس استعراضاً، بل هو – في علم النفس الاجتماعي – محاولة لإعادة إنتاج الوطن داخل القلب. والجماهير السودانية ليست “متزينة” بقدر ما هي متشبثة. فمن يعيش في الغربة يحمل شعوراً قاسياً بالذنب وبالانفصال. وعندما يظهر المنتخب، يحدث ما يلي: تتشكل “نحن” واضحة ومباشرة، فيعود الصوت الجماعي المفقود. يختبر المغترب لثوانٍ إحساس “أنا جزء من شيء أكبر”. فيستعيد الإنسان صورة وطنه كما يحبّ أن تكون، لا كما دمّرته الحرب.
هذه المشاهد ليست منافسة للداخل، بل امتداد لجرح واحد يُعبَّر عنه بطريقتين مختلفتين: من في الداخل يصرخ ألماً، ومن في الخارج يصرخ شوقاً.
هزيمة المنتخب… لماذا كانت صدمة؟ لا اعتقد أن السودانيون بكى بعضهم لمجرد ان منتخبنا الوطني خسر مباراة. لقد بَكَوا لأن الهزيمة الرياضية لامست الهزيمة النفسية التي يعيشها الوطن نفسه. هناك ثلاثة مستويات لهذا الألم:
أولاً: التماهي العالي (High Identification) في نظريات الهوية الاجتماعية، كلما كان الفريق يمثل “الأنا الجمعية” في لحظة تهديد، أصبحت الخسارة تمسّ قيمة الذات مباشرة. شعور بهزيمة ذاتية على خلفية وطن مهزوم.
ثانياً: المثالية الدفاعية (Defensive Idealization) حين ينهار الواقع في الداخل، يبحث الناس عن “فوز ما” … أي فوز. وهذا يجعل سقف التوقعات غير واقعي تجاه المنتخب الذي يعاني ظروفاً مستحيلة. لا دوري مستقر، لا موارد، لا رواتب، لا بنية تدريب، ولا بلد آمن.
ثالثاً: الهزيمة كإعادة تنشيط للألم (Pain Reactivation)المباراة ليست مجرد مباراة؛ إنها آخر مساحة يأمل الناس أن يكسبوا فيها شيئاً. وحين يخسر المنتخب، ينهار هذا الملاذ الصغير. لكن من المهم أن نتذكّر: اللاعبون أنفسهم بشر، يحملون ضغط وطن كامل فوق أكتافهم. وقد يشعرون اليوم بالذنب والخجل والحزن أكثر مما نشعر نحن. من المهم تحويل الغضب إلى تضامن، لأن الدعم بعد الهزيمة قد يبني فريقاً، بينما السباب قد يساعد في هز ثقته بنفسه وهزيمته.
لماذا نغضب بسرعة هذه الأيام؟
الحرب تغيّر الجهاز العصبي للناس، الحرب تضع الجسم في حالة Hyperarousal، أي فرط استثارة عصبية. بها اليات هرمونية وعصبية يفرز فيها هرمونات كالأدرينالين الذي ينشط عند الطوارئ ليساعد الإنسان على مواجهة الخطر بالمواجهة، الهروب أو التجمد. وعلى هذه الآلية ان تتوقف مباشرة بعد انتهاء الخطر ليستعيد الجسم توازنه الطبيعي ووظائفه المعتادة. فكيف إذا كان الخطر والتهديد مستمرا بالوجود في مناطق النزاع، المعسكرات، النزوح، اللجوء، الشتات والأفق الذي يبدو مظلما. هذا يعني ان تنهك آلية الحماية في حالة الطوارئ هذه الجسد وتؤثر فيه. وهذا يؤدي إلى ما نستشعر من غضب سريع، حساسية مفرطة للنقد، رؤية التهديد في أي اختلاف، تقلّص القدرة على التعاطف، البحث عن أي “هدف قريب” لتفريغ القهر.
ولهذا يحدث: سبّ الجماهير، إهانة اللاعبين، الهجوم على أي اختلاف في الرأي، قراءة الاحتفال كخيانة، لكن هذه السلوكيات ليست طبيعة الناس… إنها نتيجة الحرب، لا نتيجة “فساد الأخلاق”.
كيف نخرج من هذه الدائرة؟
ما حدث ويحدث يجعلنا جميعا بحاجة إلى ثلاث مهارات نفسية أساسية للنجاة من آثار الحرب (1) إعادة تنظيم العاطفة (Emotion Regulation): علينا أولا التوقف قبل الهجوم، إدراك مصدر الغضب الحقيقي، تسمية المشاعر بدقة، وعدم إسقاطها على الآخرين. (2) الترفق بأنفسنا/ رحمة النفس (Self-Compassion)فما نختبره من ضغط و من تحديات يجعلنا نشكك في انفسنا و مقدراتنا. علينا ان نفهم أن ردود أفعالنا ليست بالضرورة ضعفاً، بل نتيجة ما نختبره من وجع.
الرحمة بالذات تفتح الباب للرحمة بالآخرين. (3) توسيع دائرة “نحن” أن ندرك أن الجماهير في الخارج ليست ضد الداخل، اللاعبون ليسوا أعداء الأمة، كلنا ضحايا للحرب، كلٌ بطريقته. كما ان التضامن ليس رفاهية، بل هو أداة للبقاء النفسي.
وهو الشيء الوحيد الذي يُعيد للناس إنسانيتهم حين تحاول الحرب انتزاعها.
خاتمة: ماذا يعني أن نحافظ على إنسانيتنا الآن؟
الحرب تدفع الناس إلى الحواف: حافة الغضب، وحافة اليأس، وحافة الشعور بالعجز. لكن جزءاً من النجاة هو ألا نسمح لها بأن تنتصر على الجزء الأرقّ فينا. عندما نهتف معاً وان من ملعب بعيد، نحن لا نهرب من الحقيقة، بل نحاول حماية ما تبقى منها داخل أرواحنا. الهتاف ليس استعراضاً…والاحتفال ليس خيانة…والحزن ليس ضعفاً…والغضب ليس شراً…جميعها محاولات بشرية للبقاء حين يشتدّ الخراب. نحن شعب واحد، جرح واحد، وأمل واحد… مهما فرّقتنا الجغرافيا.
الوسومد. ناهد محمد الحسن