غيداء شمسان
في قلب العتمة، ينبعث النور، وفي أتون التحديات، تتولد الانتصارات. هكذا هي غزة، عصية على الانكسار، شامخة في وجه العواصف، تبعث الأمل في نفوس الأحرار.
في الساعات الأخيرة، تجلى نصرٌ جديد للمقاومة الفلسطينية، نصرٌ خطَّ بمدادٍ من العزةِ والكرامةِ، وسُطِّرَ بدمِ الشهداءِ الأبرار، ففي الوقت الذي كان فيه المهرج ترامب يُهدّد المقاومة بالجحيم، ويُمهلُها ساعاتٍ معدودةً لإطلاق سراح الأسرى، كانت حماس تُسطِّر ملحمةً من الصمودِ والثبات، وتُحقّق إنجازاتٍ تاريخية، تُعيدُ للقضية الفلسطينية بريقها، وتُعيدُ للأُمَّـة العربيةِ عزتها.
لقد انتصرت حماس سياسيًّا وأخلاقيًّا، حين استطاعت أن تُخاطب العالم بلغة الحق والعدل، وأن تُعرّي زيفَ ادِّعاءات العدوّ، وأن تكشفَ للعالمِ أجمع جرائمهُ الوحشيةِ بحقِ الشعبِ الفلسطيني، لقد انتصرت حماس حين رفضت الخضوع للتهديدات والابتزاز، وتمسكت بمبادئها وقيمها، وأكّـدت للعالم أنها لن تتخلى عن أسراها مهما كان الثمن.
وانتصرت حماس بانتزاع الأسرى الفلسطينيين من بين أنياب البطش والتنكيل الإسرائيلي، حين استطاعت أن تُحرّر المئات من الأبطال الذين قضوا سنواتٍ طويلةً في سجونِ الاحتلال، يُعانون الويلاتِ والظلم، لقد انتصرت حماس حين أعادت الأمل إلى قلوب الأُمهات الثكالى، والزوجات المترملات، والأبناء اليتامى، وأكّـدت لهم أن النصر قادم لا محالة.
وانتصرت حماس بصمود أبناء غزة وثباتهم، حين تحدوا الحصار والقصف والتدمير، ورفضوا مغادرة ديارهم، وأصروا على البقاء في أرضهم، يدافعون عنها بكل ما أوتوا من قوة، لقد انتصرت غزة حين أثبتت للعالم أنها عصية على الانكسار، وأنها قادرة على الصمود في وجه أعتى القوى.
وانتصرت حماس بهزيمة مشروع التطبيع العربي العبري الأمريكي، وسحقته مع أول طلقة في طوفان الأقصى، حين أثبتت أن القضية الفلسطينية لا تزال حية في قلوب الشعوب العربية، وأن التطبيع لن يغير من حقيقة أن العدوّ الإسرائيلي هو عدو للأُمَّـة العربية والإسلامية.
أما من يشعرون اليوم بالهزيمة، فهم أعداء حماس وأحذية العدوّ الإسرائيلي، الذين راهنوا على سقوط غزة، وعلى استسلام المقاومة، وعلى نجاح مشاريع التطبيع، هؤلاء هم المهزومون الحقيقيون، الذين انكشفت عوراتهم، وسقطت أقنعتهم، وتبين للعالم أجمع أنهم مُجَـرّد أدوات في يد العدوّ.
في غزة حماس تنتصر، والأحرار يكبرون، والعملاء يندحرون، وفي غزة يُصنع التاريخ، وتُرسم ملامح المستقبل.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: انتصرت حماس
إقرأ أيضاً:
الرسالة العُمانية للعالم
حاتم الطائي
◄ الموقف العُماني تجاه القضية الفلسطينية راسخ لا يتغير
◄ الرسالة العُمانية كانت جلية للغاية.. ونعتقد أن الرئيس الأمريكي استوعب فحواها
◄ محاولات التهدئة ستفشل ما لم ينتهِ الظلم ضد الفلسطينيين
رسالة ذات دلالات عميقة بعثت بها سلطنة عُمان خلال مشاركتها في القمة الخليجية الأمريكية التي عُقدت الأسبوع المُنصرم في العاصمة السعودية الرياض، هذه الرسالة أكدت على الثوابت العُمانية في السياسة الخارجية وأعلنت بوضوح رؤيتها الحكيمة لكافة القضايا والملفات الإقليمية والدولية، والتي ترتكز على قاعدة أصيلة ورئيسة، ألا وهي: تغليب لغة الحوار والدبلوماسية، وإرساء السلام الشامل والأمن الدائم.
والحقيقة أنَّ قراءة موضوعية في كلمة سلطنة عُمان التي ألقاها نيابة عن جلالة السلطان، صاحب السمو السيد أسعد بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثل الخاصّ لجلالة السُّلطان، تؤكد أن الموقف العُماني لم يتغير وأن رؤية سلطنة عُمان لجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني لم تتبدل؛ سواء أكان ذلك في تصريحات رسمية على لسان كبار المسؤولين، ومن خلال بيانات وزارة الخارجية، أو في حضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه، الذي تقف بلاده خلف الاحتلال الإسرائيلي وتُقدِّم له كل سُبُل الدعم من سلاح وقنابل فتّاكة وأموال لدعم الاقتصاد الإسرائيلي المُنهار.
لم تتردد سلطنة عُمان في أن تؤكد أمام هذه القمة أنَّ الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني للأراضي الفلسطينية هو ظلم مستمر ويجب أن يتوقف، لا سيما وأنَّ حرب الإبادة على غزة حوّلت القطاع إلى مكان غير صالح للعيش، وهو ما سعت إليه إسرائيل منذ بدء العدوان، وتعمّدت قصف كل صور الحياة وتدميرها والقضاء على الإنسان الفلسطيني بالقتل والتنكيل والاعتقال تارة، وبسلاح التجويع والحرمان من أبسط مقومات الحياة تارة أخرى، فلا دواء ولا طعام ولا ماء ولا كسوة ولا أي مظهر من مظاهر الحياة يُمكن رؤيته اليوم في غزة، فقط الموت ورائحة الموت، الجثث تتناثر في كل مكان، تحت الركام وفوقه، أطفالًا ونساءً وشيوخًا وشبابًا ورجالًا، الجميع لم يسلم من جرائم الإبادة التي تُنفذها إسرائيل على مرأى ومسمع من العالم. نُتابع كل يوم كيف أنَّ هؤلاء المغلوب على أمرهم يئِنون ويصرخون من ألم الجروح ووجع فراق الأحبة، كل ذلك وأمعاؤهم خاوية، وأفواههم جافة لانعدام المياه أو أي سوائل صالحة للشرب.
الرسالة العُمانية إلى القمة الخليجية الأمريكية، كانت صادقة في كل حرف وكل كلمة وكل وصف، فقد أوضحت عُمان رؤيتها للعلاقات الخليجية الأمريكية، وهي علاقات ترتكز على أبعاد "استراتيجية طويلة الأمد" وتضع "إرساء دعائم الأمن والاستقرار والازدهار" أهدافًا وغايات لهذه العلاقات. لكن ورغم ذلك فإنَّ دول الخليج تقف أمام "لحظة تاريخية فارقة" وهو وصف بالغ الدقة يؤكد مدى وعي عُمان بالمخاطر التي تحدق بالإقليم والعالم، غير أنها في الوقت نفسه تمثل فرصة لبناء مستقبل أفضل لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها، وليس فقط دول الخليج العربي، مستقبل يقوم على العدالة والخير والنماء لجميع دوله، مُستقبل تكون فيه العدالة ركيزة أساسية ومنطلقًا لبناء إقليم خالٍ من الصراعات والحروب.
ومع تأكيد سلطنة عُمان على أهمية الشراكة بين دول الخليج والولايات المُتحدة في العديد من المجالات، فإنَّ هذه الشراكة تفرض على واشنطن ضرورة التدخل لإنهاء الوضع المأساوي في قطاع غزة، في ترسيخ لمواقف عُمان المُشرِّفة تجاه القضية الفلسطينية. ولذلك عندما استمع الجميع لكلمة صاحب السمو السيد أسعد بن طارق آل سعيد، خلال القمة، انتابتهم مشاعر الفخر بموقف بلادهم المُؤيد للحق الفلسطيني والرافض رفضًا قاطعًا لكل الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها إسرائيل في ظل "عجز المجتمع الدولي عن تحقيق سلام عادل"، لتُؤكد السلطنة في هذا السياق أن "الظلم المستمر" الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني يمثل "جوهر العديد من التحديات الإقليمية"، ما يعني أن أية محاولات لتهدئة الأوضاع في الشرق ستفشل ما لم ينتهِ ذلك الظلم وأن تتوقف تلك الجرائم البشعة التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين منذ عقود طويلة.
لقد عكست كلمة سلطنة عُمان، مدى الحنكة السياسية التي تمارسها دبلوماسيتنا العريقة، فبينما تشدد في كلمتها على مواقفها ورفضها التام لكافة أشكال الظلم وانعدام العدالة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، إلّا أنها تؤكد أن "هناك بصيص من الأمل". وهذا البصيص- باعتقادنا- يعتمد في المقام الأول على مدى جدية الرئيس الأمريكي في إنهاء الصراع في الشرق الأوسط، خاصةً وأنه كثيرًا ما يُعبِّر عن رغبته في إنهاء كل الصراعات في العالم، فماذا عن القضية الفلسطينية؟ وماذا عن موقفه من الحليف الإسرائيلي الذي يتلقى الأموال والسلاح ليواصل جرائمه في غزة؟
لا نستطيع أن نُخفي مدى تأييدنا لدور وطننا الحبيب، عُمان، في إقناع الطرفين اليمني والأمريكي بوقف إطلاق النار، وإبرام اتفاق يُنهي أي عدوان أمريكي على الجار اليمني، بعد فترة طويلة من القصف الغاشم راح ضحيته الكثير من المدنيين. هذا التطور الكبير وصفه صاحب السُّمو السيد أسعد بن طارق في كلمة سلطنة عُمان بأنَّه "خطوات تاريخيّة نحو السّلام والاستقرار"، ساهمت في "إنهاء الصراع مع اليمن وعودة انسياب الملاحة الآمنة في البحر الأحمر"، وهو ما يدفعنا لأن نطلق أشرعة التفاؤل بأن يكون هذا الاتفاق تمهيدًا لسلام دائم وازدهار في جارنا الذي وصفته الكلمة العُمانية بأنه "البلد العربي العريق"، في تأكيد واضح على مكانة اليمن في السياسة الخارجية لعُمان؛ باعتباره الجار الجُنب الذي يجب دعمه لكي ينعم بالسلام والاستقرار.
الرسالة العُمانية إلى القمة الخليجية الأمريكية، تناولت مجمل الأوضاع الإقليمية، ومن بينها الملف النووي الإيراني، والذي تتوسط فيه كذلك بلادنا الحبيبة، عُمان، ما يبعث على التفاؤل بأن يتم التوصل لاتفاق يصرف شبح الحرب الإقليمية الشاملة في منطقتنا.
وقد وصلت هذه الرسالة في فحواها إلى ذروتها، عندما أكد سمو السيد أسعد بن طارق، على "استحالة تحقيق السلام الشامل، والأمن الدائم، والازدهار المنشود للجميع، إلّا من خلال قيام الدولة الفلسطينية المستقلة"، وهنا جوهر هذه الكلمة ورسالتها الأساسية؛ إذ لا سلام بدون فلسطين، ولا سلام في المنطقة وشعب فلسطين يُنكَّل به ويتعرض لأقصى الضغوط، ولا سلام وغزة تُباد وتُمحى من على وجه الأرض، ولا سلام وإسرائيل تمارس أبشع جرائم الحرب والإبادة بكل وقاحة.
ويبقى القول.. إنَّ الدبلوماسية العُمانية وإذ تضع دائمًا الخطوط العريضة لسياساتها الرصينة، فإنها تستند على قيم العدالة والحق والسلام، وترفض كل أشكال الظلم والعدوان، وتتطلع إلى الإسهام في بناء سلام شامل وعادل، يجني الجميع ثماره اليانعة، ويُنهي عقودًا من الحروب وسفك الدماء.. فهل وصلت الرسالة؟!
رابط مختصر