حريق يلتهم سوقا شمال المغرب ويخلّف دمارا واسعا.. عربي21 ترصد الأوضاع والخسائر (شاهد)
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
"ذهبت المحلاّت التي أمتلك، احترقت هنا أكثر من 500 مليون سنتيم من السّلع، كل شيء احترق، وسيّارات الإطفاء تأخّرت في القدوم؛ ما العمل الآن؟" بكثير من الحرقة والغضب، روى صاحب محلّات بلال شوب، بقلب سوق القرب بني مكادة، بمدينة طنجة في المغرب، الأحداث التي جرت.
من أمام محلّاتهم التي التهمتها النيران، صباح السّبت، لا يزال الحزن والذّهول يُسيطر على المشهد، حيث يقف التجار وهم في حالة انهيار نفسي جرّاء ما حدث، يحاولون السيطرة على الوضع بإحصاء خسائرهم، على الأقل.
وبحسب مصادر لـ"عربي21" فإنّ أكثر من 300 تاجر، قضت النيران على محلاّتهم، التي تقدّر السلع بداخل كل واحد فيها بالملايين؛ بالإضافة إلى ما يفوق 50 طاولة مخصّصة لعرض السلع. جلّهم لهم التزامات مالية، إذ يحصلون على عدد من السّلع بـ"الدّين/ الاقتراض"؛ وذلك في خضمّ ما كانوا يستعدّون له من توفير كامل للسّلع قبل أيام من شهر رمضان.
كذلك، خلال عملية إخماد النيران، أصيب عنصران من الوقاية المدنية وعنصر من القوات المساعدة، بجروح.
ورغم انتهاء رجال الإطفاء من مهاهم في إخماد النيران ومحاولات التبريد، للتأكد من عدم وجود بؤر مشتعلة قد تعيد اشتعال الحرائق، إلآ أن المكان لا يزال يتوفّر على شاحنة صهريجية، بغية تأمين الموقع تحسبّا لأي طارئ. كما يحيط رجال الأمن بعين المكان، وتواصل السلطات وخبراء التّحقيق، تمشيط الموقع بحثا عن أسباب النيران.
اندلع حريق هائل في سوق بني مكادة بمدينة طنجة، حيث التهمت النيران أجزاء واسعة من المحالّ التجارية، فيما تم فتح تحقيق لمعرفة أسبابه.#المغرب pic.twitter.com/e7vGrHaUou — عربي21 (@Arabi21News) February 22, 2025
مرور 24 ساعة على الحريق
لا يزال التجار يعيشون على وقع الصدمة، في واحدة ممّا يصفونها بـ"أقسى الكوارث التي شهدها القطاع التجاري في طنجة"، عقب مرور 24 ساعة على الحريق المأساوي الذي أتى على سوق القرب، المعروف أيضا باسم: "أرض الدولة".
قال بلال، وهو واحد من التجّار الذي احترق محلّه إثر الحريق: "باتت السّلع التي كنت فرحا بتنسيقها حديثا في المحلّ، أكوام من الركام. لم أصدّق بعد ما الذي حصل، فجأة خسرت كل شيء".
وتابع في حديثه لـ"عربي21": "والله لدي أمل ضئيل في الإسراع في إعادة الإعمار، لكن نتمنّى من الله خيرا، وأن يسرع المسؤولين في تفقّد أحوالنا، والنظر في التعويض، لإعادة الانتعاشة الاقتصادية، وعدم تركنا للمجهول".
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة "انستغرام" رصدت "عربي21" خلال الساعات القليلة الماضية، نشر التجّار على حساباتهم المهنية صورا ومقاطع فيديو توثّق لما كانت عليه محلّاتهم وكيف أصبحت بعد أن احترقت.
وفي عدد من التعليقات، رجّح عدد من المتفاعلين مع الحرائق، أن: "السّبب قد يكون تماس كهربائي"؛ فيما استفسر آخرين عن مدى توفّر معايير السلامة داخل السوق النّموذجي خاصّة فيما يتعلّق بأنظمة الوقاية والسلامة.
حريق في سوق بني مكادة في طنجة . الله يكون معاهم ويعوضهم خير pic.twitter.com/XKSsAO6pbf — جيهان (@Jihanjazwli) February 22, 2025 المحالات تجارية لي في سوق بني مكادة فيهم شباب يالله بادين في الحياة مساكن ضاعو في رزقهم وهذا الحاجة صعيبة بزاف والله ومكاين لا تأمين لا والو خاصهم شي حل ضروري وزيد الكريديات ديال السلعة عليهم ياربي تعوضهم وتصبرهم على هذا المصاب pic.twitter.com/kKq2GCisR2 — جيهان (@Jihanjazwli) February 22, 2025
وكشف آخرين في تعليقاتهم، أن حريق سوق بني مكادة، قد أتى عقب أيام قليلة من الحريق الذي شبّ بمصنع للأحذية البلاستيكية، بالمنطقة الصناعية بحي العوامة، وهو مكان غير بعيد عن السوق المحترق؛ ما يُفاقم الوضع الاجتماعي لجُل التجار في المدينة، قبل أيام من شهر رمضان.
وفي سياق متصل، أوقفت مصالح الأمن الوطني بمدينة طنجة، السبت، أكثر من خمسة اشخاص، وذلك للاشتباه في تورطهم في سرقة عدد من التجار، من ضحايا حريق "سوق القرب"؛ حيث استغلوا أجواء الحريق، وعمدوا على سرقة بعض السلع الصّامدة.
أي تعويض؟
طالب عدد متسارع من التّجار، ممّن فُجعوا بخسارات مالية تُقدّر بالملايين، من السلطات المحلية، بـ:تقديم الدعم المادي والمعنوي، خاصة وأن العديد منهم، قد اشتروا البضاعة والسلع عن طريق القُروض، وبضمان "شيكات"؛ ما يجعلهم مهددين بالسجن في حالة عدم أداء ما عليهم من مبالغ مالية مهمّة.
وكشف رئيس رابطة التجار في السوق، أنّ: "النيران قد التهمت نسبة كبير من المساحة الإجمالية. تقدر بنحو 90 في المئة من السوق"، فيما قدّر الخسائر المالية التي خلّفها الحريق بما يعادل 4 ملايير سنتيم، محدّدا خسارة كل محل من المحلات المتضررة في قيمة 10 ملايين سنتيم كأقل تقدير.
وأوضح: "هناك محلات تجارية صرح أصحابها بأن قيمة البضاعة تتراوح فيها بين 65 و 70 مليون سنتيم، وهو ما يعني أن حجم الخسائر قد يكون مضاعفا".
تجار متضررون يروون تفاصيل حريق سوق بني مكادة بطنجة
خلف الحريق المهول خسائر مادية كبيرة طالت العشرات من المحلات التجارية داخل السوق pic.twitter.com/IWxoVukX1G — Le360 العربية (@Le360ar) February 22, 2025
تجدر الإشارة إلى أن سوق القرب "بني مكادة"، كان قد افتتحه الملك المغربي محمد السادس، خلال عام 2015، وذلك على مساحة قدرها 6772 مترا مربعا، إذ يضم الشطر الأول منه فقط، حوالي 275 محلا تجاريا مخصّصا لبيع المواد الغذائية، وأخرى مُتعلقة بالفواكه والخضروات، وكذا اللحوم، بالإضافة إلى السمك.
أيضا، يضم السوق التي أتت عليه النيران، محلاّت لمنتوجات النسيج، ومقصفا وفضاءات للعمال والمياومين، ومرآبين وساحة عمومية. وكان على مدى سنوات يُساهم في تحسين ظروف اشتغال التجار، وضمان استقرار الباعة الجائلين، واجتثاث البنيات العشوائية، وتحرير الملك العمومي.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سوق القرب بني مكادة طنجة المغرب المغرب طنجة بني مكادة ارض الدولة سوق القرب المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة pic twitter com عدد من من الس
إقرأ أيضاً:
هل يصبح زيت الزيتون سلعة نادرة على مائدة المغاربة؟
مراكش– في فناء منزله بحي شعبي بمدينة مراكش، جلس عبد السلام يتأمل مائدة إفطاره بحسرة واضحة، وزجاجة زيت الزيتون الوحيدة في البيت توشك على النفاد.
عبد السلام، موظف مغربي خمسيني يعول أسرة من 5 أفراد، استحضر بحنين أيامًا كان فيها اقتناء زيت الزيتون -الغني بالعناصر الغذائية- أمرًا يسيرًا، حين كان يخزن كميات تكفيه لأشهر دون عناء.
يتذكر كيف كانت رائحة الزيت الأصيل تفوح في البيت، وكان جزءًا لا يتجزأ من وجباته اليومية، عندما كان سعر اللتر لا يتجاوز 25 درهمًا (نحو 2.7 دولار)، ثم ارتفع إلى 40 درهما، وها هو الآن يتجاوز 100 درهم للتر الواحد (الدولار يعادل 9.3 دراهم).
وقال عبد السلام للجزيرة نت، بصوت خافت: "كنا نغمس الخبز في زيت العود (زيت الزيتون) بسخاء، ونضيفه للأطباق التقليدية دون تردد، أما اليوم، فنستهلكه بحذر، وقد تمر أيام لا نجد قطرة واحدة منه في البيت".
بيئة مثالية وجودة معترف بها دوليًاويتمتع المغرب بمناخ البحر الأبيض المتوسط، الذي يُعد مثاليًا لزراعة الزيتون، إذ يمتاز بشتاء معتدل وصيف دافئ وجاف. وتتنوع مناطقه الزراعية بين السهول الساحلية وجبال الأطلس، مما يؤثر على نكهة زيت الزيتون المغربي ويمنحه خصائص فريدة.
وتُوجَّه 90% من محاصيل الزيتون إلى إنتاج الزيت، الذي يحظى باعتراف دولي واسع. إذ تُقدّر دول مثل الولايات المتحدة وكندا ودول الاتحاد الأوروبي الجودة والنكهة المميزة لهذا المنتج المغربي.
إعلانوأوضح الخبير الاقتصادي سعيد أوهادي للجزيرة نت أن المفارقة تكمُن في أن المغرب يصدّر زيت الزيتون إلى إسبانيا، رغم كون الأخيرة المنتج الأول عالميًا بنسبة تفوق 27% من الإنتاج العالمي، مقابل 0.9% فقط للمغرب، وفق بيانات المجلس الدولي للزيتون.
ويرى أوهادي أن هذا يعود إلى جودة الزيت المغربي وسعره التنافسي، مما يدفع الإسبان إلى مزجه بزيوتهم المحلية لتحسين الجودة وتخفيض التكلفة. بالمقابل، يتحمل المواطن المغربي وطأة هذا التصدير في شكل أسعار مرتفعة داخل السوق المحلي.
نمو في المساحات وتراجع في الإنتاجوتبلغ المساحة المزروعة بالزيتون في المغرب حاليًا 1.24 مليون هكتار، مما يمثل زيادة بنسبة 60% مقارنة بموسم 2009-2010. وتلبي هذه المساحة نحو ربع احتياجات البلاد من الزيوت الغذائية، كما توفر صادرات سنوية تصل إلى 1.84 مليار درهم (ما يعادل 184 مليون دولار).
ورغم هذا التوسع، كشف أوهادي أن الإنتاج عرف تراجعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة. وتشير معطيات رسمية إلى أن إنتاج موسم 2024-2025 لن يتجاوز 945 ألف طن، أي بانخفاض قدره 13% عن الموسم السابق (1.07 مليون طن)، و52% عن موسم 2021-2022.
وأرجع الخبير الفلاحي رياض وحتيتا هذا التراجع إلى عوامل مناخية، أبرزها انخفاض معدلات التساقطات المطرية، وارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق خلال فترة الإزهار.
وأضاف أن توجه بعض المزارعين نحو زراعة أصناف أجنبية ذات إنتاجية مرتفعة وسرعة في الجني (سنتان بدلا من 4 للأصناف المحلية) يُهدد جودة الزيت المغربي، التي لطالما شكلت ركيزة سمعته داخليًا وخارجيًا.
وشدد وحتيتا على أهمية تعزيز البحث العلمي لإنتاج أصناف محلية بمعدلات إنتاجية أعلى، مع الحفاظ على الجودة الأصلية، إلى جانب الاستثمار في الفلاحة الذكية التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة وتُحسن استخدام المياه وتقلل من أثر التغيرات المناخية.
إعلانوفي خطوة لافتة، وقّع المغرب في أبريل/نيسان 2025 اتفاقية ثلاثية مع المجلس الدولي للزيتون ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، لتعزيز الحفاظ على الموارد الوراثية لأشجار الزيتون واستدامة استخدامها.
تصدير رغم الأزمة الداخليةومع استمرار موجات الجفاف وارتفاع الطلب العالمي على زيت الزيتون، واجه المواطن المغربي ضغوطًا إضافية. فقد وجد عبد السلام، مثل كثير من المغاربة، نفسه غير قادر على الحفاظ على استهلاك هذه المادة الأساسية ضمن عاداته الغذائية اليومية.
وصرّح الخبير الاقتصادي علي الغنبوري للجزيرة نت أن المغرب، رغم تراجع إنتاجه، واصل تصدير كميات كبيرة إلى السوق الأوروبية التي تعاني بدورها من أزمات إنتاج مماثلة، مما أدى إلى زيادة الطلب على الزيت المغربي.
وأوضح الغنبوري أن المغرب صدّر في شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2024 نحو 841 طنًا من زيت الزيتون إلى الاتحاد الأوروبي، مستفيدًا من الأسعار العالمية المرتفعة، بهدف تحقيق عائدات من العملة الصعبة.
لكنه أشار إلى أن هذا التوجه التجاري أسهم في تأزيم وضع السوق المحلية، حيث قفز سعر اللتر إلى أكثر من 110 دراهم، محوّلا الزيت إلى منتج شبه فاخر.
ولفت الغنبوري إلى أن قرار المغرب بفرض حظر مؤقت على تصدير زيت الزيتون في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ثم رفعه لاحقًا، يكشف عن هشاشة السياسات الداخلية في التوفيق بين تلبية السوق المحلية ومتطلبات السوق العالمية.
تدخل حكومي محدودوردًا على هذه التطورات، اتخذت الحكومة المغربية مجموعة من الإجراءات، في محاولة لكبح الارتفاع المتواصل في الأسعار وتخفيف العبء عن المواطن.
وفي هذا الصدد، أعلن الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع، خلال جلسة لمجلس النواب، أن الحكومة قررت إخضاع تصدير الزيتون الطازج والمعالج وزيت الزيتون للترخيص إلى غاية 31 ديسمبر/كانون الأول 2024. كما تم تعليق الرسوم الجمركية على استيراد زيت الزيتون البكر والممتاز في حدود 10 آلاف طن حتى نهاية العام.
إعلانوبموجب قانون المالية لسنة 2025، تم إعفاء واردات زيت الزيتون البكر والممتاز من الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة في حدود 20 ألف طن خلال الفترة الممتدة من 1 يناير/كانون الثاني إلى 31 ديسمبر/كانون الأول 2025.
ورأى سعيد أوهادي أن هذه الإجراءات تهدف إلى إعادة التوازن بين العرض والطلب في السوق المحلية، لكنها لا تزال غير كافية لإعادة الأسعار إلى مستويات مقبولة. وأكد أن اعتماد المغرب على الاستيراد في ظل تاريخه الطويل كمُنتج لزيت الزيتون يتناقض مع أهداف المخطط الأخضر الرامي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في المنتجات الأساسية.
من جانبه، شدد رياض وحتيتا على أن المواطن المغربي ما يزال يُفضّل الزيت البلدي (المحلي)، لما يتمتع به من جودة عالية وطعم أصيل، مما يضع مزيدًا من الضغط على الطلب الداخلي ويزيد من تعقيد المعادلة.
زيت الزيتون.. من رمز شعبي إلى سلعة نخبويةويرى الخبير علي الغنبوري أن كافة المؤشرات الحالية تشير إلى أن زيت الزيتون في طريقه لأن يتحول إلى سلعة رفاهية غير متاحة لجميع المغاربة، بعدما خرج من متناول عبد السلام وغيره من المواطنين من ذوي الدخل المتوسط أو المحدود.
ويؤكد الغنبوري أن هذا الوضع يتطلب مراجعة شاملة للسياسات المعتمدة، بما في ذلك فرض نسبة إلزامية من الإنتاج لتغطية حاجيات السوق المحلية، أو حتى تخصيص دعم مباشر للأسر المتضررة، منعًا لتحميل المواطن كلفة الخيارات الاقتصادية الموجهة نحو الخارج.
أما رياض وحتيتا، فينظر إلى الموسم المقبل بأمل حذر، موضحًا أن أشجار الزيتون تمر بفترة سبات طبيعية قد تُسهم في انتعاشها مع تحسن الظروف المناخية. وأشار إلى أن التساقطات المطرية الأخيرة عززت الإزهار وعقد الثمار، مما يُبشر بموسم زراعي أكثر وفرة وجودة.
وفي ختام المشهد، لا يخفي عبد السلام أمله في أن يعود زيت الزيتون إلى مائدته اليومية، ليس فقط كمنتج غذائي، بل كجزء أصيل من ثقافته الغذائية، وتفصيل صغير في حياته اليومية التي يشتهي استعادتها كما كانت.
إعلان