حكم التهنئة بدخول شهر رمضان .. الإفتاء توضح
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: ما حكم التهنئة بدخول شهر رمضان؟ وهل يجوز تقديم المعايدات بين الأفراد للتهنئة بقدوم شهر رمضان المبارك من خلال ألفاظٍ محددة؟
وأجابت الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال وقالت: انه يجوز شرعًا التهنئة بحلول شهر رمضان المعظم بكلِّ ما يفيد الدعاء بالخير والبركة وتعاقب الأزمنة من أيام وشهور وأعوام، وتقبل الطاعات من الألفاظ والعبارات، كما تجوز بتبادل الزيارة بين الأهل والأصدقاء والأحبة.
انه يجوز شرعا الفرح والسرور بقدوم مواسم الخير والأعياد والمناسبات، خاصة الدينية لِمَا فيها من الطاعات والبركات والتذكير بأيام الله الطيبات، وذلك كالاحتفال بالأعياد والأعوام وقدوم بعض الشهور والأيام التي لها خصوصية دينية؛ لارتباطها بشعائر وأحداث عظيمة في الإسلام.
ومن بين تلك المناسبات الدينية المهمة والمعظمة في الشريعة الإسلامية والمستوجبة لإعلان الفرحة وعموم البهجة وانشراح الصدر وسكينة النفس حلول شهر رمضان المبارك؛ لِمَا فيه من تَنَزُل الرحمات والنفحات والمغفرة للذنوب والعتق من النيران، وكلُّ هذا من رحمة الله تعالى وفضله الذي يستدعي الفرح والسرور؛ امتثالا لعموم قوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58].
وأشارت الإفتاء إلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين لأصحابه أنَّ هناك بعض الأزمنة كالأيام والليالي والشهور تتنزل فيها الخيرات، وتقبل فيها الدعوات، وترفع فيها الدرجات، ولذا ينبغي للمسلم اغتنامها بفعل الطاعات والدعاء لنفسه ولغيره بالخيرات، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ نَفْحَةٌ مِنْهَا فَلَا تَشْقَوْنَ بَعْدَهَا أَبَدًا» أي: تجلِّياتٍ مقرباتٍ يصيب بها مَن يشاء مِن عباده، والنَّفحة: الدفعة من العطية، «فتعرضوا لها» بتطهير القلب وتزكيته عن الخبث والكدورة الحاصلة من الأخلاق المذمومة. ذكره الغزالي. «لعل أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدًا»؛ فإنه تعالى كَمَلِكٍ يُدرُّ الأرزاق على عبيده شهرًا شهرًا، ثم له في خلال ذلك عطية من جوده فيفتح باب الخزائن ويعطي منها ما يعم ويستغرق جميع الأرزاق الدارَّة، فمن وافق الفتح استغنى للأبد، وتلك النفحات من باب خزائن المنن، وأَبْهَمَ وقت الفتح هنا ليتعرض في كل وقتٍ، فمن داوم الطلب يوشك أن يصادف وقت الفتح فيظفر بالغنى الأكبر ويسعد السعد الأفخر]
ولفتت إلى أن من المظاهر المتعارف عليها بين المسلمين إعلان الفرحة والسرور بقدوم شهر رمضان المبارك، وتقديم التهاني للغير والدعاء له بالخير والبركة ودوام تعاقب الأيام والأعوام عليه وعلى أهله بالسعادة التامة.
وقد تأكد أصل ذلك بالسُّنَّة العملية حيث كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يزف البشارة لأصحابه رضوان الله عليهم بقدومِ شهر رمضان المعظم؛ فعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في آخر يومٍ مِن شعبان فقال: «يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً، وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا، مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيهِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ» رواه البيهقي في "شعب الإيمان".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما حَضَر رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «قد جاءكم رمضان، شهرٌ مباركٌ، افْتَرَضَ الله عليكم صيامه، تُفْتَحُ فيه أبواب الجنة، ويُغْلَقُ فيه أبواب الجحيم، وَتُغَلُّ فيه الشياطين، فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرِمَ خيرها فقد حُرِمَ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند".
وقد قال الإمام ابن رجب الحنبلي في "لطائف المعارف" (ص: 148، ط. دار ابن حزم): [قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بشهر رمضان، كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان؟ كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران؟ كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشياطين؟ من أين يشبه هذا الزمان زمان؟] اهـ.
ونوهت ان نصوص الفقهاء قد تواردت على جواز أصل التهنئة وتقديمها بتجدد الأعوام وقدوم الأعياد وتعاقب الأيام والشهور، وذلك من خلال الدعاء.
قال الإمام ملا خسرو في "درر الحكام شرح غرر الأحكام" (1/ 142، ط. إحياء الكتب العربية): [التهنئة بـ"تقبل الله منا ومنكم" لا تُنكر؛ كما في "البحر"، وكذا المصافحة] اهـ.
وقال الإمام أبو الوليد الباجي المالكي في "المنتقى" (1/ 322، ط. السعادة): [وسئل مالك: أيكره للرجل أن يقول لأخيه إذا انصرف من العيد: تقبل الله منا ومنك، وغفر لنا ولك، ويرد عليه أخوه مثل ذلك؟ قال: لا يكره] اهـ.
وجاء في "الفواكه الدواني" للإمام النفراوي المالكي (1/ 275، ط. دار الفكر) أن الإمام مالكًا رضي الله تعالى عنه سُئل عن: [قول الرجل لأخيه يوم العيد: تقبل الله منا ومنك -يريد الصوم وفعل الخير الصادر في رمضان- غفر الله لنا ولك. فقال: ما أعرفه ولا أنكره. قال ابن حبيب: معناه لا يُعَرِّفه سُنَةً، ولا ينكره على مِن يقوله؛ لأنه قول حسن؛ لأنه دعاء، حتى قال الشيخ الشَّبِيبِيُّ: يجب الإتيان به لما يترتب على تركه من الفتن والمقاطعة، ويدل لذلك ما قالوه في القيام لمن يقدم عليه، ومثله قول الناس لبعضهم في اليوم المذكور: عيد مبارك، وأحياكم الله لأمثاله، ولا شك في جواز كل ذلك، بل ولو قيل بوجوبه لما بعد؛ لأن الناس مأمورون بإظهار المودة والمحبة لبعضهم] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (2/ 295-296، ط. مكتبة القاهرة): [قال أحمد رحمه الله: ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد: تقبل الله منا ومنك. وقال حرب: سئل أحمد عن قول الناس في العيدين: تقبل الله ومنكم. قال: لا بأس به، يرويه أهل الشام عن أبي أمامة] اهـ.
قياس التهنئة بدخول شهر رمضان على جواز التهنئة بالأعيادواستطردت قائله ان إجازة التهنئة بالعيد يُحْمَلُ عليها الحكم بجواز التهنئة في غير الأعياد من المناسبات الدينية المختلفة؛ كدخول شهر رمضان وغيره من المناسبات ومواسم الطاعات.
كيفية التهنئة بدخول شهر رمضان
وكشفت عن أن التهنئة بحلول شهر رمضان تجوز بوجوه كثيرة ومتنوعة، منها ما هو لفظيٌّ يفيد معنى حلول البركة، وما يكون بلفظ الدعاء بتقبل الطاعات، ومنها ما يكون عن طريق المصافحة، ومنها ما يكون من خلال الزيارة والانتقال لأجل تقديم التهنئة، ومنها ما يكون بإرسال برقيات التهنئة عبر الرسائل الإلكترونية كالرسائل المكتوبة ومقاطع الفيديو ونحوها، أو تقديم ذلك عبر الاتصال الهاتفي وغيرها من الوسائل الحديثة، والشأن في ذلك أنه من الوسائل والأسباب التي تؤدي إلى تقوية الروابط الاجتماعية والدينية والعلاقات الإنسانية.
وذكرت ان التهنئة يتحقق بها إدخال السرور على قلب الإنسان والدعاء له، وهذه مقاصد مشروعة، فمتى كان الفعل وسيلة لأمر مشروع أخذ حكم المشروعية، وهذا هو المقصد هنا، فيكون الفعل مشروعًا أيضًا.
وأشارت إلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استخدم تلك الألفاظ والمعاني في وصف شهر رمضان، وبيان فضله، وأنه مباركٌ.
وبناء على ذلك: فإنه يجوز شرعًا التهنئة بحلول شهر رمضان المعظم بكلِّ ما يفيد الدعاء بالخير والبركة وتعاقب الأزمنة من أيام وشهور وأعوام، وتقبل الطاعات من الألفاظ والعبارات، كما تجوز بتبادل الزيارة بين الأهل والأصدقاء والأحبة، وذلك كما سبق بيانه.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: رمضان العيد شهر رمضان الافتاء التهنئة بقدوم شهر رمضان المزيد صلى الله علیه وآله وسلم تقبل الله منا قال الإمام ر رمضان ما یکون
إقرأ أيضاً:
أعمال العشر من ذي الحجة.. ماذا تفعل في هذه الأيام؟
ورد عن العشر من ذي الحجة، قول النبي الكريم (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد).
وعن أعمال العشر من ذي الحجة، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر والخميس، و صيام يوم عرفة: وقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: «صيام يوم عرفة أحتسب على اللّه أن يكفّر السّنة الّتي قبله والسّنة الّتي بعده» رواه مسلم.
كما يندرج في أعمال العشر من ذي الحجة، كثرة الذكر والدعاء، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له» (موطأ مالك).
وتشمل أعمال العشر من ذي الحجة، أمهات العبادات في الإسلام، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا تأتي هذه العبادات في غيرها من أيام العام.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَىٰ اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: «وَلا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» أخرجه الترمذي وأيامه هي الأيام المعلومات المقصودة في الآية الكريمة: {لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ...} [الحج: 28]؛ فهي أيام شهر ذي الحجة.
فضل العشر الأوائل من ذي الحجةقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ -أي عشر ذي الحجة-، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ «قول: لا إله إلا الله» وَالتَّكْبِيرِ «قول: الله أكبر» وَالتَّحْمِيدِ «قول: الحمد لله». [أخرجه أحمد في مُسنده].
بينت العديد من الأحاديث النبوية فضل العمل الصالح في العشر الأوائل من ذي الحجة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، ومنها: قَوْله: «ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذِه؟ قالوا: ولَا الجِهَادُ؟ قَالَ: ولَا الجِهَادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بشيءٍ»؛ إذ دل الحديث على أن العَشر من ذي الحِجة أفضل أيام السنة، وأجمع الكثير من المفسرين على أن الليالي العشر التي ذكرت في قوله تعالى «وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ»، هي العشر من ذى الحجة.
ومن فضل العشر من ذي الحجة أن العمل الصالح في الأيام العشر من ذي الحجة أحب إلى الله من العمل في غيرها من أيّام السنة، وقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديثٍ آخر: «ما من عملٍ أزكى عند اللهِ ولا أعظمَ أجرًا من خيرٍ يعملُه في عَشرِ الأَضحى»،وقوله أيضًا: «ما مِن أيَّامٍ أعظَمُ عِندَ اللهِ ولا أحَبُّ إليه مِن العَمَلِ فيهنَّ مِن هذه الأيَّامِ العَشرِ، فأكثِروا فيهنَّ مِن التَّهليلِ والتَّكبيرِ والتَّحميدِ».