فلسطين.. بين ناصر ونصر الله! طه العامري قيل إن (ناصر) ولج للإسلام من بوابة العروبة وإن (نصر الله) ولج للعروبة من بوابة الإسلام في تجسيد شكله الثنائي للحقيقة الراسخة أن لا عروبة بلا إسلام ولا إسلام بلا عروبة.. وأن الثنائي يتكاملان ويكملان بعضهما في مواجهة
تاريخ النشر: 1st, March 2025 GMT
يكتبها اليوم / طه العامري
قيل إن (ناصر) ولج للإسلام من بوابة العروبة وإن (نصر الله) ولج للعروبة من بوابة الإسلام في تجسيد شكله الثنائي للحقيقة الراسخة أن لا عروبة بلا إسلام ولا إسلام بلا عروبة.. وأن الثنائي يتكاملان ويكملان بعضهما في مواجهة المشروع الصهيوني _الاستعماري، وإيمانهما بالحرية لكل المضطهدين في العالم وسعيهما للتصدي للهيمنة الاستعمارية والقيم الإمبريالية، بل وتسخير حياتهما النضالية في سبيل تحرير فلسطين وطرد المحتل الصهيوني والانتصار للحقوق العربية ومناصرة قضايا المسلمين والمستضعفين في الأرض وإشاعة قيم الحرية والكرامة والحق والعدل بين أبناء الأمتين العربية والإسلامية.
وكما اجتمع وتميز الزعيمان بمشروعهما المعادي للصهيونية والاستعمار، وتم تصنيفهما عربيا وإسلاميا ودوليا، كعدوين لدودين للعدو الصهيوني والمشاريع الأمريكية _الاستعمارية الغربية، وعدوين لقوى الرجعية والارتهان العربية، فإن ذات الأطراف التي عادت عبدالناصر وعادت مشروعه النضالي القومي والتحرري والحضاري الإنساني إقليميا ودوليا، هي ذاتها الأطراف التي عادت وتآمرت على السيد حسن نصر الله – سيد المقاومة والكرامة ..
وعادت مشروعه النضالي بكل ما يحمل من قيم وأخلاقيات عادلة، وكما وصف (ناصر) ضمن روزنامة التهم التي وجهت إليه بـ (الشيوعية)، وصف السيد (نصر الله بـ (الشيعي)، في محاولة رجعية استعمارية للانتقاص منهما ومن دورهما النضالي في سبيل الأمة وتحرير فلسطين، مع أنهما لم يكونا يعملان إلا لتحقيق حرية وكرامة وسيادة واستقلال أمة ونصرة المستضعفين وتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني وتمكين الشعب العربي الفلسطيني من انتزاع حريته وإعلان دولته المستقلة على ترابه الوطني .. وذات القوى التي ابتهجت برحيل (ناصر)، هي ذاتها التي رقصت طربا بسقوط السيد حسن شهيدا على طريق القدس، حتى يخيل لي أن (حزب الله) كان في عهد سيد المقاومة يؤدي ذات الدور الذي كانت تؤديه مصر عبدالناصر، وإن بصورة مصغرة، وان كل ما نخشاه أن يوغل المتآمرون على (الحزب) لينتهي به المطاف بعد (نصر الله) كما انتهى المطاف بمصر بعد (ناصر)..
إننا في عالم استعماري أسوأ ما فيه حالة العقل العربي المستلب استعماريا والذي أصبح يرى في كل من يعادي الصهاينة والأمريكان (إرهابياً، وطائشاً، ومغامراً) رغم أن دعاة (السلام، والعقلاء، والحكماء) المزعومين الذين تمسكوا (بخيار السلام والشرعية الدولية والقوانين الدولية) وارتهنوا لأكاذيب أمريكا وخداعها وحيل وغدر الصهاينة، لم يجنوا من وراء هذه المزاعم والأكاذيب غير الهزائم والنكسات والعار الذي يلطخ سيرتهم ومسيرتهم.
فيما العدو يواصل الإيغال في استفزاز دعاة “السلام والحكمة والعقل” ومن يعتمدوا خيار المفاوضات بديلا عن خيار المقاومة والذين لم يجنوا من سلامهم وتعقلهم وحكمتهم ومفاوضاتهم سوى المزيد من الإهانات من قبل الصهاينة والأمريكان والغرب ومزيد من التحقير لهم وازدراء مواقفهم بشهادة واقع الحال والسلوك الصهيوني _الأمريكي _الغربي الذي يمارس ضد محور الانبطاح والارتهان العربي..
ظواهر وسلوكيات تجعل المواطن العربي يتمسك بخيارات ومواقف ونظرية (ناصر، ونصر الله) اللذين وحدهما من ادركا حقيقة العدو وأهدافه وحقيقة وأهداف من يقف خلفه داعما ومساندا.. رحم الله ناصر ونصرالله وأسكنهما فسيح جناته.. وإنا على يقين أن مسيرتهما لن تنطفئ والشعلة التي أوقدواها في سماء وطننا العربي وفي ذاكرتنا ووجداننا لن تنطفئ وإن خفت نورها لبعض الوقت، لكنها ستظل متقدة حتى النصر والتحرير ودحر العدو وإفشال كل مخططات أمريكا وأعوانها في المنطقة والعالم.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
مآلات التوحش الصهيوني والخذلان العربي والدولي
يشن الكيان الصهيوني، منذ أكثر من عام ونصف، حرباً على قطاع غزة لا تشبه أياً من الحروب التي شهدها النظام الدولي منذ الحرب العالمية الثانية. لا لأنها تشكل انتهاكاً غير مسبوق للقوانين والأعراف الدولية فحسب، وهو ما يبدو واضحاً من إصرار الكيان على ممارسة جريمة الإبادة الجماعية لإجبار الشعب الفلسطيني على الرحيل قسراً عن وطنه، وإنما لأنها تعد حرباً على النظام الدولي نفسه، وهو ما يبدو واضحاً من إصرار هذا الكيان على شل إرادة المؤسسات الأممية التي تحاول اعتراض طريقه أو منعه من تحقيق أهدافه غير المشروعة.
بل إنه ذهب إلى حد الإصرار على تدمير بعض هذه المؤسسات، وحرص على إزاحتها كلياً من طريقه، حين اكتشف أن مجرد وجودها أو استمراها في أداء مهامها يعرقل خططه الموضوعة، أو يحول دون تمكينه من تحقيقها، وهو ما حدث بالفعل مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئيين الفلسطينين (الأونروا).
شواهد كثيرة تثبت تعمد الكيان الصهيوني انتهاك قواعد القانون الدولي في حربه المستمرة على قطاع غزة، منها:
1- إقدام محكمة العدل الدولية على إصدار أوامر تلزمه باتخاذ إجراءات احترازية محددة لوقف أعمال يُعتقد أنها تنطوي على إبادة جماعية تُرتكب ضد الشعب الفلسطيني، منها على سبيل المثال لا الحصر، أوامر تلزمه بوقف الهجوم العسكري على رفح، وأوامر أخرى تلزمه بفتح المعابر لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، لكن الكيان تجاهل كل هذه الأوامر ولم يعرها أي اهتمام.
2- إقدام المحكمة الجنائية الدولية على إصدار أوامر اعتقال في حق كل من بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، ويوآف غالانت، ووزير الدفاع السابق، حين اقتنعت بوجود أدلة تثبت تورطهما في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
أما الشواهد التي تثبت تعمد الكيان تجاهل وازدراء كل ما يصدر عن مؤسسات الأمم المتحدة، بل والعمل بكل همة لعرقلة نشاط هذه المؤسسات ومنعها من أداء مهامها، حتى ولو تطلب الأمر ارتكاب أعمال عدائية مباشرة ضدها، مثلما حدث مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئيين الفلسطينيين “الأونروا”، فهي كثيرة أيضاً ويصعب حصرها.
ويكفي أن نشير هنا إلى أن الكيان الصهيوني لم يكتفِ بعرقلة نشاط الأونروا ومنعها من أداء مهامها، وإنما ذهب إلى حد إعلان الحرب عليها، حين أقدم على تدمير معظم المدارس والمستشفيات والمراكز الخدمية التابعة لها، وقام بقتل أكثر من 300 من كوادرها والعاملين فيها، وذلك في تحدٍ سافر وغير مسبوق لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
فإذا أضفنا إلى ما تقدم أن الكيان الصهيوني لم يكتفِ بتدمير قطاع غزة بالكامل وإحالته إلى مكان غير قابل للحياة، أو بقتل وجرح ما يزيد على مئتي ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وإنما قام كذلك بمنع دخول الغذاء والدواء منعاً باتاً لأكثر من شهرين متتاليين، وذلك لإجبار ما يقرب من مليوني ونصف مليون فلسطيني على مغادرة وطنهم إلى الأبد، ليتبين لنا بوضوح أن الجرائم التي تُرتكب في قطاع غزة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الدولية، بل وفاقت أكثر الجرائم التي ارتكبها النظام النازي وحشية، خصوصاً وأنها تجري علناً أمام سمع العالم وبصره، وتتناقلها على الهواء مباشرة وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
يدّعي الكيان الصهيوني أن الحرب التي يشنها على قطاع غزة هي ردة فعل طبيعية على الهجوم الذي قامت به حماس في 7 /10 /2023، وبالتالي فهي حرب دفاعية مشروعة، وفقاً لنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، لأنها تستهدف تقويض الطرف المعتدي وتخليص الرهائن من براثنه. غير أنه ادعاء أبعد ما يكون عن الحقيقة.
فالحكومة الإسرائيلية الحالية، الأكثر تطرفاً في تاريخ “إسرائيل”، تولت السلطة قبل عام من هجوم حماس، وشرعت في تنفيذ برنامج سياسي يقوم على: تكثيف الاستيطان، وضم أجزاء واسعة من الضفة، وتهويد المسجد الأقصى تمهيداً لهدمه وإقامة الهيكل مكانه. ولأن العناصر الأكثر يمينية وتطرفاً وعنصرية هي التي تتحكم في حكومة يقودها يميني متطرف أيضاً، فقد اتخذت من “طوفان الأقصى” ذريعة للدفع بطموحات المشروع الصهيوني إلى أقصى مداه.
لذا يمكن القول أن أهدافها الحقيقية لا تقتصر على هزيمة حماس واستعادة الأسرى، وإنما تتسع لتشمل إلى جانب ذلك: إخلاء قطاع غزة من سكانه وإعادة احتلاله واستيطانه، وضم الضفة الغربية، ونزع سلاح حزب الله في لبنان، وإسقاط النظام الإيراني بعد تدمير برنامجه النووي والصاروخي، وإبرام معاهدات “سلام” مع لبنان وسوريا والسعودية، لتكتمل بذلك إقامة “الدولة اليهودية الكبرى” في منطقة الشرق الأوسط، الحلقة النهائية في المشروع الصهيوني. وهذا هو بالضبط ما قصده نتنياهو حين كان يتحدث عن “خرائط شرق أوسطية جديدة” حمل معه صورة منها أثناء توجهه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لإلقاء خطابه هناك قبل أيام قليلة من “طوفان الأقصى”.
لم يكن بمقدور الكيان الصهيوني أن يرتكب كل ما اقترفه من جرائم بشعة في حق الإنسانية، ولا أن يطلق العنان لطموحاته الفاجرة، لولا ما قدمته له الولايات المتحدة من دعم غير مشروط، سواء عبر الإدارة السابقة بقيادة بايدن أم عبر الإدارة الحالية بقيادة ترامب.
فقد ضمن له هذا الدعم حصوله لا فقط على كل ما يحتاج من مال وسلاح لتحقيق الأهداف التي سعى إليها في مختلف المجالات وعلى كل الجبهات فحسب، وإنما تمكينه أيضاً من الإفلات من العقاب، وذلك من خلال الفيتو الأميركي المشرع دوماً في مجلس الأمن لحماية الكيان الصهيوني من العقاب، بل ومن الإدانة أيضاً، وأحيانا من مجرد توجيه اللوم أو العتاب، وهو وضع لم تحظَ به دولة أخرى منذ نشأة الأمم المتحدة. غير أن المشكلة الحقيقية التي يواجهها الشعب الفلسطيني في المرحلة الحالية لا تكمن في انحياز الولايات المتحدة غير المشروط للكيان الصهيوني، بقدر ما تكمن في تخاذل جميع الأطراف الآخرين، أي سلطة رام الله والعالم العربي والعالم الإسلامي والمجتمع الدولي.
كان بمقدور سلطة رام الله أن تخفف كثيراً من الضغوط الهائلة على الشعب الفلسطيني لو أنها قامت باغتنام الفرصة وسعت لتذليل العقبات التي تحول دون إنهاء حالة الانقسام الفصائلي التي طالت، ولإعلان قيام حركة وطنية فلسطينية موحدة تعبر عن طموحات هذا الشعب.
وكان بمقدور العالم العربي أن يلعب دوراً أكثر إيجابية لو أن الدول العربية التي تقيم علاقات مع “إسرائيل” قد اجتمعت واتخذت قراراً جماعياً بقطع علاقاتها مع الكيان ما لم يقم الأخير بوقف الحرب فوراً وفتح المعابر لدخول المساعدات الإنسانية.
وكان بمقدور العالم الإسلامي أن يمارس تأثيراً مختلفاً على مسار الأحداث لو أن الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي كانت قد اتخذت موقفاً جماعياً جادّاً لحمل الولايات المتحدة على اتخاذ مواقف أقل انحيازاً لـ”إسرائيل”.
وكان بمقدور القوى الكبرى التي تدّعي تأييدها للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها روسيا والصين، اتخاذ قرار بمنع تصدير السلاح لدولة تشن حرب إبادة جماعية وتطهيراً عرقياً في مواجهة شعب احتلت أرضه ويتطلع لنيل استقلاله. ولأن جميع هؤلاء الأطراف تقاعسوا عن القيام بدور كان بمقدورهم القيام به من دون تكلفة باهظة، فمن الطبيعي أن يستحق الدور المتفرد والمتميز الذي تقوم به حالياً جماعة أنصار الله في اليمن تقديراً خاصاً، لأنه يعد بالفعل أقوى الأدوار الحالية الداعمة للقضية الفلسطينية وأكثرها إخلاصاً وتعبيراً عن العروبة والإسلام في آن.
لم تضع الحرب على غزة أوزارها بعد، لكن الشعب الفلسطيني ما يزال صامداً لم يستسلم ولم يرفع الراية البيضاء، رغم مرور أكثر من عام ونصف، وتلك إحدى التجليات التي ترقى إلى مستوى الإعجاز.
غير أن هذه الحرب ستنتهي حتماً يوماً ما، سواء عاجلاً أم آجلاً، ولن يكون حال العالم بعدها مثلما كان عليه قبلها. فسوف تعلو راية القضية الفلسطينية وترفرف خفاقة، ولن يكون بمقدور أحد، بعد كل ما جرى، التنكر لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أرضه، أما الكيان الصهيوني فلن يكون بمقدوره أن يلعب دور الضحية أو يدّعي بعد الآن أنه الواحة الوحيدة للديمقراطية في صحراء الاستبداد العربي، والأرجح أن تنظر إليه شعوب العالم باعتباره كياناً عنصرياً غير قابل للبقاء وآيلاً حتماً للزوال والسقوط، مثلما سقط وزال نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا.
ولن يكون بمقدور الولايات المتحدة أن تدعي بعد الآن أنها المدافع الحقيقي عن حقوق الإنسان أو عن القيم الليبرالية، أو أنها الدولة الوحيدة التي ما تزال مؤهلة لقيادة عالم سيكون بحاجة ماسة إلى “أمم متحدة” جديدة وحقيقية تعبّر عن نظام دولي متعدد القطبية.
أما العالم العربي فلن يكون بوسعه بعد الآن أن يدعي أنه ما زال يشكل نظاماً إقليمياً قادراً على التفاعل الحر مع الآخرين، والتأثير بإيجابية في من حوله، إلا إذا استطاع إصلاح نفسه من الداخل، وتمكن من إقامة أنظمة حكم تمثل شعوبها وتعبّر عن آمالها وطموحاتها الحقيقية.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة