وقد تناولت حلقة (2025/3/4) من برنامج "المحطة" -الذي يبث على منصة "الجزيرة 360"- واقع العاملين في حقل الإعلام خلال تغطية الصراعات والأزمات السياسية، وتحديداً استعدادات قناة "القمة" لتغطية مؤتمر قمة عربية استثنائية في الرياض تناقش الوضع في غزة.

وأوضحت الحلقة أن فريق قناة "القمة" يواجه تحديات مهنية ونفسية متعددة في ظل تغطيتهم المستمرة للحرب.

ويؤكد المدير جابر -الذي يصفه زملاؤه بـ"المزيف"- مراراً أهمية هذه القمة معتبراً إياها "محطة مفصلية في الصراع العربي الإسرائيلي" ويضغط على الفريق للتركيز على العمل متجاهلاً معاناتهم النفسية.

وتقول المراسلة هايا "التغطية المستمرة للحرب مؤثرة سلباً على غرفة الأخبار، لأن أغلب الشباب برا مش قادرين يتعاملوا مع الموضوع وجايتهم حالة نفسية بسبب التقارير والتعب اللي قاعدين عليه طول الوقت".

ولكن جابر يرفض هذا التبرير قائلاً "الصحفي زيه زي المقاتل على الجبهة بالضبط، عمرك سمعت عن المقاتل يقول للضابط بتاعه: يا حضرة الضابط معلش مش هعرف أحارب النهارده عشان نفسيتي تعبانة؟".

وفي فقرة من الحلقة، يظهر أحد المراسلين (حسن حسونة) الذي تعرض لإصابة أدت به إلى زيارة طبيبة نفسية شخصت حالته بـ"الاحتراق الوظيفي".

إعلان

ويشرح حسن أعراض حالته "أحس بنوع من الاكتئاب، وعندي إرهاق جسدي ونفسي من الشغل، وأحس بإحباط وفراغ".

وتتعمق أزمة الاحتراق الوظيفي لدى العاملين بغرفة الأخبار، حيث تصف المراسلة "سكرتيرة التحرير بضلها نص النهار بالتواليت عم تبكي" وزميل آخر "وجهه أصفر، صاير بيشبه الفار".

وتشير أحداث الحلقة إلى أزمة أخرى حول من سيسافر لتغطية القمة في الرياض، فبعد مشادات حول توزيع التذاكر، يقرر المدير جابر أن يسافر هو وحسونة فقط "أنا سأروح أنا وحسن حسونة لوحدنا، خليكم أنتم بقى هنا كملوا خناقة مع بعض".

لكن المفاجأة تأتي عندما لا يصل حسونة وزميله جاسم إلى الطائرة، مما يضع الفريق في مأزق كبير "مفيش حد يغطي هنا ولا بعتنا حد يغطي من هناك، هنعمل إيه؟".

ومع بدء البث المباشر للقمة، يضطر جابر للجلوس أمام الكاميرا بنفسه، متظاهراً بأنه موجود في الرياض بينما هو في استوديو القناة، معتمداً على خلفية افتراضية، ويتعثر في تقديم نفسه "معكم حسن حسونة، عفواً معكم جابر.. جابر دموس من قناة القمة".

وتتطرق الحلقة إلى الجانب الإنساني للعاملين في مجال الإعلام، وخاصة أثناء تغطية الأزمات والحروب، والمعاناة النفسية والضغوط المهنية التي يتعرض لها الصحفيون والإعلاميون، وكيف تؤثر مشاهد الحرب والدمار على صحتهم النفسية.

وتطرح الحلقة سؤالاً مهماً: هل يمكن للإعلامي أن يحافظ على توازنه النفسي وهو يغطي مآسي الحروب؟ وكيف يمكن للمؤسسات الإعلامية دعم العاملين فيها نفسياً وجسدياً؟

الصادق البديري4/3/2025

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان

إقرأ أيضاً:

من ذاكرة الحروب

على مدار خمسين عامًا هي عمري اليوم، لم تغب الحروب عن المشهد من حولي، وكأنها تسير إلى جانبي أو تسبقني بخطوة في كل مرحلة من مراحل الحياة. فمنذ ولادتي في سبعينيات القرن الماضي، لم تهدأ نيران الحروب بين الجيران حتى تشتعل من جديد، كأنها قدر لا مفر منه. ورغم أن الحديث عن الحروب وأسبابها يطول، إلا أنني في هذه الزاوية الصغيرة من المقال، سأقتصر على ما عايشته من صراعات ونزاعات منذ ولادتي وحتى اليوم، تلك التي اندلعت بين الدول، وخصوصًا في منطقة الشرق الأوسط، التي لا أبالغ إن قلت إنها شهدت من الحروب ما يفوق كل الحروب التي جرت في العالم اجمع.

وعيت على هذه الدنيا على وقع دوي المدافع تدك معاقل المتمردين الشيوعيين في جبال ظفار مطلع سبعينيات القرن الماضي. ورغم أن تلك الحرب لم تدم طويلًا، وانتهت بانتصار الدولة وترسيخ الأمن والاستقرار في ربوع البلاد، إلا أن طبول حرب أخرى كانت تقرع قريبًا، في اليمن السعيد، حيث كانت الحروب الأهلية المستعرة بين الإخوة الأشقاء تمضي نحو اتفاقات أنهت بعضًا من فصولها الدامية.

وكما كان لانتصارات ظفار نشوة الفرح، فإن انتصارات أخرى على الجبهة المقابلة من الوطن العربي أبهجت القلوب وألهبت المشاعر، حين سطرت القوات المصرية في أكتوبر 1973 ملحمة العبور، محققة أول انتصار عربي حقيقي على العدو الصهيوني. ذلك الانتصار لم يكن مجرد تقدم عسكري فحسب، بل كان لحظة أعادت للعرب الثقة بأن الهزيمة ليست قدرًا محتومًا، وأن الإرادة حين تتسلح بالإيمان والعزيمة، تصنع التاريخ.

في ثمانينيات القرن الماضي، ومع بدايات وعيي بمعنى الحروب في هذا العالم، كانت منطقتنا تغلي بصراعات لا تهدأ. في عام 1980، اندلعت الحرب بين العراق وإيران مع إطلاق أول رصاصة، ليتحول النزاع إلى حرب طاحنة امتدت لثماني سنوات، أنهكت البلدين واستنزفت مقدرات المنطقة. وعلى الجبهة الغربية، اجتاحت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان في عام 1982 في واحدة من أوسع عملياتها العسكرية، لتصل إلى مشارف بيروت. هكذا كان عقد الثمانينيات... عقد الدم والبارود، تتنقل فيه نيران الحروب من ساحة إلى أخرى.

كبرت قليلاً، وبدأت أفهم معنى الحرب وويلاتها، ليس كأخبار بعيدة، بل كتجربة حيّة مع غزو العراق للكويت عام 1990. كانت صدمة كبرى، إذ اندلعت بين شقيقين وجارين عربيين، وقوّضت مفاهيم الأخوة والجوار، وأحدثت شرخًا عميقًا في نسيج الوحدة العربية. ففي الوقت الذي وقفت فيه غالبية الدول ضد الغزو، كان هناك من أيّده أو برّره، لتتكشف هشاشة الشعارات التي طالما تغنّى بها العرب عن المصير المشترك. ومنذ تلك اللحظة، بدا أن فكرة الوحدة العربية لن تصمد أمام واقع الحروب والانقسامات، وأن الخلافات السياسية حين تتحول إلى صراعات مسلحة، لا تكتفي بتمزيق الحدود بل تمزق الذاكرة الجماعية والمستقبل المشترك.

كان العقد الرابع من عمري بمثابة منعطف دراماتيكي في علاقتي مع الحروب؛ لم أعد مجرد متابع من بعيد، بل أصبحت أنقل الأخبار وأكتبها وأعيش تفاصيلها لحظة بلحظة. ولن أنسى أبدًا أول تجربة حقيقية لي مع تغطية الحروب في 11 سبتمبر2001، حين هزّت الهجمات قلب الولايات المتحدة، لتشعل سلسلة من الأحداث التي غيّرت وجه الشرق الأوسط .

لم تمضِ سوى أسابيع حتى بدأ الغزو الأمريكي لأفغانستان، وسقط نظام طالبان،. ثم جاءت حرب العراق عام 2003، حين اجتاحت القوات الأمريكية بغداد، وسقط نظام صدام حسين، لتفتح المنطقة على فصول جديدة من الفوضى والاقتتال، وما رافق ذلك من صعود حركات متطرفة وتفكك أنظمة وتحولات سياسية واجتماعية لا تزال أصداؤها تتردد حتى يومنا هذا.

ربما كانت الحروب السابقة مجرد إرهاصات لما كان يُحضَّر للمنطقة من تغييرات كبرى، إذ جاء ما عُرف لاحقًا بـ -الربيع العربي- في أواخر عام 2010 كشرارة أشعلت سلسلة من التحولات العميقة. بدأت الأحداث في تونس، حيث فرّ الرئيس زين العابدين بن علي، ثم امتدت إلى مصر، ليسقط نظام الرئيس مبارك، قبل أن تتوسع إلى اليمن، وليبيا، وسوريا، حيث تحوّلت الثورات إلى صراعات دامية ما تزال تداعياتها حاضرة حتى اليوم. لقد أفرز هذا الربيع واقعًا سياسيًا جديدًا، أعاد رسم موازين القوى في المنطقة، وأدى إلى إضعاف حركات المقاومة مثل حماس، وتراجع أدوار قوى إقليمية كحزب الله في لبنان، في مشهد بدا وكأنه يمهّد لمواجهات أكبر في صراع النفوذ، خاصة مع -الأخ الأكبر- إيران الذي يتعرض حاليا لمؤامرة من إسرائيل وبعض حلفائها في الولايات المتحدة وأوروبا.

هذه الحروب كلها، وإن حاولت إحصاءها، فقد توازي عمري الحالي. رجل خمسيني عاش الحروب منذ طفولته، في سنوات متصلة من الصراعات. وكلما نظرت إلى خارطة الحروب التي عصفت بالمنطقة العربية القريبة مني، أدرك أن المحرّك الأكبر وراء هذه النيران هو إسرائيل، التي لا تجد أمانًا مع جيرانها، فتُبقي المنطقة في دوامة من المواجهات المستمرة. ولا أدري، مع كل هذا التاريخ من الحروب في ذاكرتي، ما هي الحروب القادمة التي قد أشهدها في بقية سنوات عمري فالمشهد لا يزال مفتوحًا، والنار لم تنطفئ بعد.

مقالات مشابهة

  • حرب.. وحُب!
  • وزير العمل رعى إطلاق المعرض الوظيفي الأول لجامعة المعارف
  • ماذا يخبئ الوجه الخفي للطيران الاقتصادي في 2025؟
  • من ذاكرة الحروب
  • جابر للموفد الفرنسي: مستمرون بالإصلاح رغم التحديات
  • جابر البلوشي: نتائجنا في المونديال فاقت التوقعات
  • بعد أول خرق لقرار وقف إطلاق النار.. مكتب "نتنياهو": إيران ستدفع الثمن
  • القناة 12 الإسرائيلية: إيران انتهكت وقف إطلاق النار وستدفع الثمن - عاجل
  • بعيو ومرده يبحثان ترتيبات التوعية الإعلامية استعدادًا لانطلاق المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية
  • إبراهيم جابر يؤكد اهتمام الدولة بمعاشيي القوات المسلحة