سودانايل:
2025-12-09@10:46:07 GMT

الريفية ، النيل الابيض والدويم شمال

تاريخ النشر: 7th, March 2025 GMT

(الريفية ، النيل الابيض والدويم شمال) هذا الثالوث شكل معملا تجريبيا عبقريا لمعهد بخت الرضا فقد تميز طلاب هذه المدارس الوسطي الثلاث بالفهم والتجربة والمعلم من المتدربين إذا كان له معهم ( حصة ) فعليه أن يراجع حساباته قبل أن يدخل الي عش الدبابير !!..

لنبدأ اليوم بشهر رمضان المبارك الذي وافقت فيه بدايته مع الشهر الميلادي ونعود بكم للعام ١٩٧٤ الميلادي الموافق للعام ١٣٩٤ الهجري حيث توافق الشهران رمضان ( الشهر التاسع العربي ) وسبتمبر ( الشهر التاسع الميلادي ) مع اختلاف في البداية والنهاية بينهما .


لنبدأ القصة من ذاك الزمان الذي مضي وقد تابطت كراسة تحضيري وكل مايلزم من وسائل الإيضاح لدرس في مادة التاريخ عن طريق السرد وليس عن طريق كتاب التلميذ والفرق أن حصة السرد وانت تدخل علي تلاميذ غاية في اللباقة والمتابعة ولايخلو البعض منهم من ( تعمد لإحراج المتدرب المسكين ) إذا منحهم الفرصة بتردده أو عدم ثقته في نفسه وقد يحدث له كل هذا اذا طارت منه معلومة أو إذا فقد الخيط وهو ماض في دروب الحكي من الرأس مباشرة خاصة وأن مجموعته من زملائه من المعلمين لايقلون عن العشرة بمجرد أن يفتتح برنامجه بالسلام وكتابة التاريخ والعنوان تبدأ أقلامهم في حركة نشطة لا تنقضي إلا بقرع جرس الختام وهنالك الأستاذ المشرف علي المسألة برمتها هو بدوره الأخطر في تدوين الملاحظات التي ستناقش في نهاية المطاف مع المتدرب ويكون النقد من جانبه إن وجدت هنات قاسيا وحتي زملائه يكيلون له كيلا ولن يجد منهم لارافة ولا شفقة والنتيجة أما امتياز أو علي الاقل أن يعود في السنة القادمة بسبب القصور في الأداء وعدم تحقيق مايرجي من معلم الوسطي الذي سيعهد إليه تدريس الصف الاول كمؤسس لهؤلاء الصغار القادمين من المرحلة الأولية وايضا ينال ثقة تدريس الصف الرابع المتطلع لجلوس امتحان الشهادة الوسطي التي ستؤهله للدخول الثانوي الذي كان عبارة عن معركة حامية الوطيس والمنافسة شرسة غاية الشراسة .
دخلت الفصل ووضعت حاجياتي علي الطاولة والقيت بالتحية علي حسب البروتوكول علي الأستاذ المشرف وعلي الزملاء ومن ثم علي الأبناء الصغار وتوجهت الي السبورة وكتبت التاريخ بالهجري وتعمدت أن لا اكتب التاريخ بالميلادي وجاء كالآتي:
١٣٩٤/٩/١٣ ... طبعا كما قلت في البداية كان هنالك تطابق في الشهر ( شهر ٩ في كلا التاريخين ) وهؤلاء الصغار الاذكياء الذين لا تضيع منهم شاردة ولا واردة وقع أحدهم في الفخ مع كامل ارتياحي لما حدث وقد نبهتكم في البداية أن حصة السرد في مادة التاريخ وأمام طلاب غاية في الحصافة ومراقبة لصيقة من زملاء مع استاذ مشرف صارم القسمات يكاد يحاصرك بعيون صقر ويكاد يحصي عليك انفاسك
وكأننا في برلمان ينظر في طرح الثقة علي حكومة أداؤها لم يكن علي حسب المطلوب !!..
وقف التلميذ الصغير وخاطبني بجرأة يحسد عليها :
( يا استاذ التاريخ دا غير صحيح الليلة ما يوم ١٣ الليلة يوم ٢١ ) !!..
قلت له بكل هدوء وقد نسيت مشكلة السرد التي كنا نطلق عليها ( الزرد) بمعني أن الجو اثناء السرد يكون خانقا فيه التوجس مخافة أن يقف حمار الشيخ في العقبة وتطير المعلومات ولا يبق إلا التلفت في بلاهة أمام كتيبة من الطلاب لايرحمون وإشراف أدق من السيف علي عنق الضحية !!..
قلت له بكل هدوء كلامك يكون صحيح لو قصدت شهر سبتمبر الذي نحن فيه الآن نعم اليوم به ٢١ ولكني اقصد شهر رمضان واليوم الذي نحن فيه كما موضح امامك هو يوم ١٣ رمضان والسنة المكتوبة امامك هي ١٣٩٤ وليست ١٩٧٤ واردفت قائلا ووجدتها فرصة للزوغان من السرد وافهمته وكنت في غاية الحماس وانا أتحدث عن اهمالنا لتراثنا العربي الإسلامي وافتنانا بكل ماهو غربي وكان الواجب علي الاقل أن نكتب التاريخ العربي اولا علي اليمين ثم نكتب مايوافقه بالتاريخ الميلادي علي الشمال وذكرت له أن البعض منا لايكاد يعرف التاريخ الهجري إلا في رمضان وحسنا فعلت المملكة العربية السعودية أن جعلت ديوان عملها يسير بالتاريخ الهجري ولكن الشركات الخاصة كانت تعمل بالتاريخ الميلادي.
وفي السعودية علي النطاق الرسمي تصرف المرتبات بالشهر العربي .
المهم أنني قلبت الحصة رأسا علي عقب وهربت من السرد ودوشته وتحدثت بحماس طاغي وصدق عن تراثنا العربي والإسلامي وضرورة الاهتمام به علي الاقل نحن في أي شهر منه أن لم يكن في رمضان المبارك.
وانتهت الحصة وجئنا للنقاش مع لجنة التحكيم المكونة من الأستاذ المشرف والزملاء ... المهم لقد رأيت الرضا باد علي وجوهم وقد استحسنوا هذه المبادرة مني لكي ارسخ للصغار مفهوم الاهتمام بالتراث والعض عليه بالنوجذ ... ويومها اخذت تقديرا جيدا وهربت بجلدي من ( الزرد ) وهذه الكماشة التي كنت ساجد نفسي بين فكيها ولافكاك !!..
التحية لبخت الرضا وقد تعلمنا منها الكثير ونتمني أن تعود مثلما كانت معهدا قدم للتعليم الكثير في تجرد ونكران ذات وخبرة لا تحدها حدود !!..

حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .

[email protected]

   

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

مخزن التاريخ.. وإنصاف المؤرخ

 

 

 

حمد الصبحي

 

لا أحد يروي تاريخ عُمان بروح العاشق كما يفعل حاكم الشارقة سُّمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي؛ فكلّما تحدّث، كانت عُمان تسكن طرف الحديث، وتتدلّى من حواف عباراته كحكاية قديمة تنتظر من يُوقظها.

لا يكاد يظهر في محفل علمي أو لقاء ثقافي أو إعلامي، إلّا وكان لعُمان نصيبٌ من كلامه؛ نصيب يشبه الاعتراف والوفاء، أو الدين الجميل الذي يسدّده بصمت نبيل، وكأنَّ بينه وبين هذه البلاد عهدًا لا يُقال لكنه حاضر في كل حرف.

في كل مرة يفتح كتابًا أو يعرض وثيقة، نشعر كأنَّ يده تتحرك على خزائن النسيان، وكأنه يعيد ترتيب الذاكرة التي بعثرها الاستعمار وخطفتها الروايات الأجنبية. وفي حضوره يعود البحر ليضيء، وتنهض الصحراء لتروي، وكأن كل ما أُغلق من زمن يُفتح من جديد بعين منصفة تعرف قيمة الحقيقة وتُدرك أثرها.

سُئل مرة سؤالًا مباشرًا: لماذا عُمان؟ لماذا كل هذا الشغف؟ لماذا السفر خلف الوثائق ومن مخازن الغبار إلى قاعات الضوء؟ وكانت إجابته، رغم بساطتها، تحمل روح رجل يعرف ما يفعل: «عُمان بلد أصيل، وبه مواقف وطنية مشرّفة في طرد المُحتل، تستحق أن يُنفض عنها الغبار وتُروى كما ينبغي». لم يكن يجيب فقط؛ بل كان يشرح بطريقة غير مباشرة الدافع الذي جعله يغوص في تاريخ هذه البلاد كما يغوص الغواص بحثًا عن لؤلؤ نادر.

ليس القاسمي مؤرخًا أو باحثًا يتقصى الماضي. إنه رجل حمل الوثيقة كما يحمل المرء رسالة مقدسة. ذهب إلى الأرشيفات التي تهابها المؤسسات، فاوض على وثائق نادرة، أنفق من ماله ووقته ليعيد للمنطقة تاريخًا ضاع في زحمة القوى الكبرى. بعض ما يحتفظ به من وثائق عُمانية لا تملكه المؤسسات الرسمية نفسها، وهو أمر يبعث على الفخر من جهة، وعلى الألم من جهة أخرى. فكيف لرجل جاء من خارج الحدود أن يكون أحرص على ذاكرتنا منا؟

هنا يتجدد السؤال الذي يعلقه التاريخ في الهواء: ماذا قدّمنا نحن له؟ نحن أبناء هذا الإرث الذي أعاد ترتيبه، وأصحاب هذا التاريخ الذي حمله بين يديه كأمانة؟ هل شكرناه كما ينبغي؟ هل احتفينا بجهده ومعرفته وصبره؟ أم أننا اكتفينا بالمشاهدة بينما يقوم هو بما كان ينبغي أن نقوم به نحن منذ زمن طويل؟

إن ما فعله القاسمي لم يكن مجرد كتابة. لقد أعاد لتاريخ عُمان صوته ومهابته، أنصف الوقائع، وواجه الروايات الاستعمارية بجرأة الباحث وثبات العادل. كتب تاريخًا جديدًا عبر وثائق قديمة، وأعاد للعالم صورة حقيقية عن الدور العُماني في البحر والتجارة والمقاومة. لم يتعصّب، ولم يزوّر، بل جعل الحقيقة ميزانه الوحيد، ولذلك أصبح مرجعًا أول لكل باحث يريد أن يفهم تاريخ المنطقة كما هو، لا كما قيل له أن يراه.

ووسط هذا كله، يبقى الامتنان أقل ما يمكن قوله: شكرًا لهذا المؤرخ النبيل، لهذا الإنسان الذي كان وفيًّا للذاكرة أكثر من كثير من أبنائها. شكرًا لعمق معرفته ولنزاهة بحثه، ولأنه حمل اسم عُمان في كتبه كما يحمل العاشق اسم حبيبته في قلبه. لقد أعاد فتح النوافذ التي أوصدها الزمن، وأضاء الطرق التي حاولت بعض القوى طمسها، وترك لنا تاريخًا يعاد اكتشافه كل يوم.

ويبقى السؤال معلّقًا، يرافق كل خطوة نخطوها نحو المستقبل: هل سنردّ يومًا هذا الجميل؟ هل سنعيد بناء ذاكرتنا بأيدينا، ونستعيد وثائقنا كما استعادها هو؟ أم سيظل التاريخ يذكر أن رجلًا من الشارقة حمل عُمان بين دفّتي كتبه قبل أن تحملها خزائن أبنائها؟

إلى أن نمتلك الإجابة، سيظل سلطان القاسمي شاهدًا على أن بعض الأصوات- حتى لو جاءت من خارج الدار- تستطيع أن ترى جمالها أكثر من أهلها، وتعيد إحياء ذاكرةٍ لم تكن تستحق أن تُترك للنسيان.

مقالات مشابهة

  • ذكرى رحيل يحيى حقي .. أيقونة الأدب العربي التي لا تغيب
  • من العاصمة الإدارية.. «الفاو» تُطلق استراتيجيتها لتعزيز دور المجتمعات الريفية حول العالم (تفاصيل)
  • رئيس الوزراء: مصر تدعم المبادرات الدولية لتمكين المرأة الريفية والتوسع في الزراعة الذكية
  • ما الذي اشترته نتفليكس؟ 100عام من التاريخ المرئي لـوارنر براذرز
  • عُطلتان رسميَّتان بمناسبة عيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلاديَّة
  • الزراعة الذكية.. برنامج ميداني لتمكين المرأة الريفية من إدارة المزارع بالأحساء
  • رئيس الوزراء يزور معرض إربد الدائم لدعم المزارعين والمشاريع الريفية
  • ميسي يكتب التاريخ في الدوري الأميركي ويعزز تفوقه على رونالدو بـ11 لقباً
  • مخزن التاريخ.. وإنصاف المؤرخ
  • أودونغ: العاصمة الملكية السابقة التي تعكس عراقة التاريخ الكمبودي