الدوافع النفسية والاجتماعية للعنصرية
تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT
بدر بن خميس الظفري
العنصرية ظاهرة مُتجذِّرة في المجتمعات البشرية، تتغلغل في النفوس من خلال ميول نفسية واجتماعية تدفع الأفراد إلى تصنيف الآخرين وفق معايير سطحية، مما يؤدي إلى تشكل أنماط من التحيز والتمييز.
يشير عالِم النفس الاجتماعي الأمريكي جوردون ألبورت، في كتابه "طبيعة التعصب"، إلى أن العنصرية تتولَّد من الحاجة النفسية إلى التصنيف؛ حيث يسعى الإنسان إلى تبسيط الواقع من خلال وضع الأفراد في قوالب محددة، ما يقود إلى أحكام مسبقة تؤثر في طريقة التعامل مع الآخرين.
ويرى ألبورت أن هذا الميل النفسي نحو التصنيف ينبع من قدرة العقل البشري على معالجة الكم الهائل من المعلومات التي يتلقاها يوميًا. فعوضًا عن تحليل كل فرد على حدة، يميل الإنسان إلى تصنيفه ضمن مجموعة، مما يساعده على التفاعل مع بيئته بسرعة، لكنه يؤدي أيضًا إلى تكوين قوالب نمطية قد تكون غير دقيقة.
ويضيف ألبورت أن التصنيف يصبح مؤثرًا عندما يرتبط بالمشاعر السلبية تجاه المجموعات الأخرى. فالصور النمطية التي تُبنى على هذا التصنيف تسهم في تشكيل السلوك والتوقعات، إذ يبدأ الفرد في التعامل مع الآخرين بناءً على التصورات الشائعة عن تلك الفئة، وليس بناءً على شخصيتهم الفعلية. وتزداد هذه الظاهرة وضوحًا عندما تعززُ هذه التصنيفات عبر التعليم والإعلام والتنشئة الاجتماعية، مما يجعلها جزءًا من الفهم الاجتماعي السائد.
على المستوى النفسي، يرتبط التعصب العنصري بمشاعر عدم الأمان والخوف من الاختلاف. يرى عالِم النفس الكندي الأمريكي بوب ألتيماير، أن الشخصيات التسلطية تميل إلى التعصب ضد المجموعات المختلفة؛ إذ يتسم أصحابها بالخضوع للسلطة، والعدوانية تجاه الغرباء، والتشبث بالمعايير التقليدية. هذه السمات تجعل الأفراد أكثر عرضة لتبني مواقف عنصرية كوسيلة للحفاظ على إحساسهم بالسيطرة.
من جانب آخر، تشرح عالِمة النفس الأمريكية سوزان فِسك، في أبحاثها أن الصور النمطية العنصرية تتشكل نتيجة للارتباطات الوهمية، إذا يعمم سلوك سلبي صادر عن فرد واحد على المجموعة بأكملها. يؤدي هذا النوع من التعميم إلى تعزيز الاعتقادات الخاطئة حول الفئات المختلفة، مما يرسخ التمييز الاجتماعي.
في نظرية السيطرة الاجتماعية التي طوَّرها الأكاديمي وعالم النفس الأمريكي جيم سيدانيوس، تفسرُ العنصرية على أنها أداة نفسية واجتماعية تهدف إلى الحفاظ على الامتيازات الطبقية وترسيخ عدم المساواة. وفقًا لسيدانيوس، فإن المجتمعات البشرية بطبيعتها تميل إلى تشكيل هياكل هرمية؛ حيث تهيمن بعض الجماعات على غيرها من خلال موارد القوة والسلطة. وهذه السيطرة تتجذر في الاعتقادات الجماعية التي تبرر هذه الفوارق وتغذيها.
وتنص النظرية على أن الأفراد الذين ينتمون إلى الجماعات المهيمنة غالبًا ما يتبنون مواقف تبرر الوضع القائم، فيما قد تظهر بعض الفئات المستضعفة استعدادًا لقبول هذه الهياكل بسبب تعرضهم المستمر لخطاب يرسخ دونيتهم. يوضح سيدانيوس أن هذه التوجهات تعكس تفاعل العوامل الاقتصادية والاجتماعية مع العوامل النفسية؛ حيث يظهر الميل الطبيعي للبشر إلى تفضيل مجموعاتهم الخاصة، إضافةً إلى التخوف من الجماعات الأخرى.
وتعدّ هذه النظرية ذات أهمية خاصة في فهم كيف تصبح العنصرية جزءًا من بنية المجتمع. فالنظام الاجتماعي القائم على السيطرة ينتج تفسيرات وأيديولوجيات تعزز التمييز، مما يجعل مقاومتها تحديًا كبيرًا أمام الأفراد الذين يتأثرون بها سلبًا.
وتُشير الدراسات إلى أن النزعات العنصرية تزداد حدتها في أوقات الأزمات الاقتصادية والسياسية، حينها يسعى الأفراد إلى الدفاع عن امتيازاتهم باستخدام وسائل متعددة، مما يؤدي إلى تصاعد التوترات العرقية والاجتماعية، ويبحث الأفراد عن كبش فداء لتحميله مسؤولية الظروف المتدهورة.
من جهة أخرى، يرى فيدريريكو ولاكس أن التحيز العنصري ينغرس في العقل الباطن نتيجة التنشئة الاجتماعية، مما يجعل الأفراد يتصرفون وفقه دون وعي واضح. أي أن العنصرية تتشكل عبر موروثات ثقافية وتعليمية تعزز الفروقات بين الجماعات.
ومن هنا يؤكد علماء الاجتماع أن المجتمعات التي تقوم على التراتبية الطبقية تميل إلى إنتاج أنظمة تفكير عنصرية تبرر عدم المساواة. عندما يتكرر خطاب التمييز في الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام، يصبح جزءًا من الإدراك الجماعي، مما يؤدي إلى ترسيخ الفوارق بين الجماعات، ويصبح أمرًا طبيعيًا مبررًا يعد من يستنكره شاذا عن المجتمع.
ويرى الباحثون أن العنصرية تتجلى في البنى الاجتماعية التي تدعم التمييز المنهجي، فعندما تستبعد فئات معينة من فرص العمل أو التعليم بسبب خلفياتهم العرقية أو الاجتماعية، يتحول التمييز إلى جزء من النظام العام، مما يعمّق الفجوة بين الفئات المختلفة.
إنَّ الدوافع النفسية والاجتماعية للعنصرية متشابكة ومتداخلة، حيث يتأثر سلوك الأفراد ومواقفهم بمزيج من العوامل الفردية والجماعية التي تحدد نظرتهم إلى الآخرين. والتفاعل بين الحاجة النفسية إلى التصنيف والظروف الاجتماعية التي تعزز هذه النزعات يجعل من العنصرية ظاهرة مستمرة تتخذ أشكالًا مختلفة عبر الزمن والمجتمعات.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مصادر مصرية: جماعات فلسطينية موالية لإسرائيل تتوسع في غزة
أفادت رويترز عن ثلاثة مصادر أمنية وعسكرية مصرية بإن الجماعات الفلسطينية المناهضة لحركة حماس، والمدعومة من إسرائيل، كثفت نشاطها في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية داخل قطاع غزة منذ بدء الهدنة الأخيرة، مشيرة إلى أن عدد مقاتلي هذه الجماعات ارتفع إلى نحو ألف عنصر، بزيادة 400 مقاتل منذ وقف إطلاق النار في أكتوبر.
وبحسب المصادر، تعمل هذه الجماعات على توسيع عملياتها في ظل غياب اتفاق شامل بشأن مستقبل القطاع، متوقعة أن يزداد نشاطها خلال الفترة المقبلة مع استمرار حالة الجمود السياسي.
وتشارك مصر، المتاخمة لغزة، بعمق في المفاوضات المتعلقة بالصراع، ويتوقع مسؤولوها أن تزيد هذه الجماعات نشاطها في ظل غياب اتفاق شامل بشأن مستقبل غزة.
ورغم أن هذه المجموعات ما تزال صغيرة ومحلية الطابع، فإن ظهورها يضيف ضغوطا جديدة على حركة حماس التي تعيد تثبيت قبضتها في المناطق التي تسيطر عليها داخل غزة، ما يخلق حالة من التعقيد أمام أي جهود تهدف إلى استقرار القطاع الذي دمرته الحرب على مدى العامين الماضيين.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أقر منتصف العام بدعم إسرائيل لهذه التحركات العشائرية المناهضة لحماس، لكنه لم يقدم تفاصيل حول طبيعة هذا الدعم أو حجمه.
وفي الأسبوع الماضي، قتل ياسر أبو شباب، الشخصية المحورية في جهود تشكيل قوات مناهضة لحماس في منطقة رفح جنوبي غزة. وقالت مجموعته، "القوات الشعبية"، إنه قتل أثناء وساطة في نزاع عائلي من دون تحديد الجهة التي قتلته. وتولى نائبه، غسان دهيني، القيادة متعهدا بمواصلة النهج ذاته.
حماس، التي تسيطر على غزة منذ 2007 وترفض حتى الآن نزع سلاحها بموجب خطة وقف إطلاق النار، وصفت هذه الجماعات بأنها "عملاء"، وهو توصيف يقول محللون فلسطينيون إنه يحظى بقبول واسع بين الجمهور. وقد تحركت سريعا ضد فلسطينيين تحدوا سيطرتها بعد بدء الهدنة المدعومة أميركيا، وقتلت العشرات، بينهم من اتهمتهم بالعمل مع إسرائيل.
يعيش نحو مليوني فلسطيني في مناطق تسيطر عليها حماس، حيث تعمل الحركة على إعادة تثبيت قبضتها، ويقول أربعة مصادر من حماس إنها ما زالت تقود آلاف المقاتلين رغم الخسائر الكبيرة أثناء الحرب.
لكن إسرائيل ما زالت تسيطر على أكثر من نصف غزة ، وهي مناطق ينشط فيها خصوم حماس بعيدا عن متناولها. ومع بطء تقدم خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخاصة بغزة، لا تلوح في الأفق أي انسحابات إسرائيلية إضافية قريبا.
ونقلت رويترز عن دبلوماسي قوله إن الجماعات المناهضة لحماس لا تحظى بأي قاعدة شعبية، لكنه أضاف أن ظهورها يثير مخاوف بشأن استقرار القطاع، ويزيد مخاطر نشوب صراع داخلي بين الفلسطينيين.
ومنذ مقتل أبو شباب، نشرت مجموعته ومجموعتان أخريان تسجيلات تظهر عشرات المقاتلين مجتمعين، بينما يسمع قادة وهم يصفونه بالشهيد ويتعهدون بالاستمرار.
ويظهر مقطع مصوّر نشر في 5 ديسمبر، دهيني وهو يخبر المقاتلين بأن مقتل أبو شباب "خسارة فادحة"، ويضيف أنهم "سيواصلون هذا الطريق بقوة، وبقوة أكبر".
وتحققت رويترز من موقع التصوير في محافظة رفح، وهي منطقة ما تزال القوات الإسرائيلية منتشرة فيها عبر مطابقة المباني والجدران والأشجار مع أرشيف الصور وصور الأقمار الصناعية.
وفي 7 ديسمبر، أعلن دهيني إعدام رجلين قال إنهما من مقاتلي حماس، اتهمهما بقتل أحد أفراد مجموعته. وقال مسؤول أمني في تحالف الفصائل المسلحة بقيادة حماس إن مثل هذه الأعمال لا "تغير الحقائق على الأرض".
وقال حسام الأسطل، قائد فصيل آخر مناهض لحماس في منطقة خان يونس، إنه اتفق مع دهيني على أن "الحرب على الإرهاب ستستمر" خلال زيارة لقبر أبو شباب في رفح. وأضاف: "مشروعنا، غزة الجديدة (...) سيمضي قدما".
وقال الأسطل، في اتصال مع رويترز أواخر نوفمبر، إن مجموعته تتلقى أسلحة وأموالا ودعما آخر من "أصدقاء" دوليين امتنع عن تسميتهم. ونفى تلقي دعم عسكري من إسرائيل، لكنه أقر بوجود تواصل معها بشأن "تنسيق دخول الغذاء وكل الموارد اللازمة للبقاء".
وأشار إلى أنه يتحدث من داخل غزة، في منطقة خاضعة للسيطرة الإسرائيلية قرب "الخط الأصفر" الذي انسحبت خلفه القوات الإسرائيلية. وقال إن مجموعته استقطبت مجندين جدد بعد الهدنة، وصارت تضم عدة مئات من الأعضاء، من مقاتلين ومدنيين. وأكد مصدر قريب من "القوات الشعبية" أنها توسعت كذلك، دون تقديم عدد محدد.
وقال المتحدث باسم حماس حازم قاسم إن الأجهزة الأمنية ستلاحق المتعاونين "حتى القضاء على هذه الظاهرة". لكنه أوضح أنهم "محميون من جيش الاحتلال في المناطق التي تتواجد فيها هذه القوات، ما يصعّب عمل الأجهزة الأمنية"، وذلك في تصريحات لرويترز قبل مقتل أبو شباب.