اتفاقية سلام جوبا: التمادي في بذل العهود المستحيلة (5-7)
تاريخ النشر: 16th, March 2025 GMT
عاد اتفاق سلام جوبا إلى واجهة خطاب السياسة والحرب في يومنا هذا. وأنشر نص ورقة كنت قدمتها لمؤتمر انعقد في مركز الدوحة في العام الماضي ما وسعني لكي يدور النقاش المتجدد عن الاتفاقية فوق علم باتفاق قل من اطلع على نصوصه.
لزوم ما لا يلزم في اتفاق سلام جوبا
ومن خمج الاتفاقية وهزلها أنها لا تترفع عن تضمين معالجات لقضايا ليس مكانها اتفاقية سلام بعد عقود من الحرب.
وهذه البنود من لزوم ما لا يلزم مما ينطبق عليه قولنا “عدم الموضوع”. وما جر هـذه الوثيقة العصماء (أو هكذا من المفروض أن تكون) إلى هـذه الترهات إلا التطفل على مباحثات السلام من قبل مسارات في الوسط والشمال والشرق ممن جاءت بهم الحركات المسلحة كحلفاء لا شركاء في الحرب، أي صحبة مسلح كما مر. وستجد في الحركة الشعبية قطاع الشمال (الحلو) نسخاً أخرى من صحبة المسلح هؤلاء ينتظرون يومهم في مفاوضات مستدركة مع الدولة. وما أن أمِن صحبة المسلح إلى حصتهم في المسار من الوظيفة في ولاياتهم غير المحاربة حتى حار بهم الدليل وصاروا يلقون المطالب على عواهنها. وبعضها سخريات.
لا أطيل. وتجد أدناه عينة منها:
*تلتزم الإدارة الأهلية في الشرق على حث المواطنين وتشجيعهم على التعليم.
*وأن تهتم ولايات الشرق بالصناعات الصغيرة.
*إنشاء صندوق خاص في الوسط (مسار الوسط) لدعم السلام لتمويل المشروعات الزراعية.
*إنشاء مراكز متخصصة في الوسط لمكافحة الأوبئة والأمراض المستوطنة في المناطق الحارة، ومراكز الأمومة والطفولة.
*تقديم خدمات القضاء وتطبيق قانون الشرطة والقوانين الأخرى لضمان السلام الاجتماعي والمجتمعي في الوسط.
*تذليل كافة المعوقات التي تقف أمام استخراج الشهادات الجامعية للطلاب الذين اكملوا دراستهم بالجامعات والمعاهد عبر اتفاقية السلام السابقة في دارفور.
*النظر في قضية مشروع أبو حراز الزراعي وإقامة مثل مشروع شرق حجر العسل (بالضبط كده).
وآخر لزوم ما لا يلزم في اتفاقية جوبا مما أبدع فيه مسار الشرق:
*إزالة آفات المسكيت.
ويبدو أن الآفات التي حان قطافها كثيرة.
من هو الدارفوري؟ وحتاما؟
ستواجه تنفيذ الاتفاقية جملة تعقيدات مرتبطة بتعريف مصطلح الاتفاق أو آجاله. ونبدأ بمن هو الدافوري المقصود في مسار دارفور، ناهيك عمن هو الوسطي في مسار الوسط للتمتع بما ورد من تمييز إيجابي. فليس في تقاليدنا الإدارية أعراف لتعيين منشأ الفرد منا بعد شهادة الميلاد مما نراه في دول غيرنا مثل موقع تسجيل الواحد منا للانتخابات، أو إيصال دفع الأسرة للضرائب مثلاً. ناهيك أن التمييز الإيجابي، حيث نشأ في الولايات المتحدة، كان لون المستفيد منه يكفي تقريباً. فاتفاق دارفور حجز لطلابها ١٥٪ في الكليات العلمية والطبية والهندسية في كل جامعات السودان بعد حجز ٥٠٪ لهم في الجامعات بدارفور. فما هو تعريف الدافوري القاطع الذي يمنع التبذل ويحفظ الحق لمستحقه؟
مما نحتاج إلى التدقيق فيه أيضاً هل هذا الاتفاق مع الحكومة الانتقالية، أم أنه مع الحكومة السودانية بإطلاق. فجاء في اتفاق دارفور أن يتمتع الطالب منها بإعفاء الرسوم وغيرها لمدة ١٠ سنوات تبدأ من توقيع الاتفاق. وهذا بالطبع عهد ملزم لحكومات ما بعد الانتقالية التي في رحم الغيب. وقد يمتد الإعفاء إلى ١٤ سنة وأكثر لأن الطالب الذي دخل الجامعة في السنة العاشرة، سنة نهاية العهد، سيظل يتمتع بالإعفاء حتى تخرجه.
وتتحرج مسألة التعاقد مع الحكومة الانتقالية كثيراً في النص الذي قضى بتمثيل تفضيلي لأبناء جبال النوبة والنيل الأزرق وغرب كردفان في المركز لمدة عشر سنوات من توقيع الاتفاق. وواضح أن هذا اتفاق متعد يطال الانتقالية وحكومات سودانية لنحو سبع سنوات قادمة.
ونوهنا من قبل بالارتباك في النص الخاص باستعادة الحكم الإقليمي (بين المركز والولاية) على غرار ما كان سائداً قبل انحلاله في الولايات. فسيستعاد بالاتفاقية نظام الأقاليم في ظرف ٦٠ يوماً من توقيع الاتفاق. وسينظر في ذلك مؤتمر ما. ولن تتقيد دافور بقراره استعاد الأقاليم أم لم يستعدها. فهي ستكون إقليماً خلال ٧ شهور بغض النظر. وهكذا فرضت الجبهة الثورية دارفور إقليماً بمن حضر. ناهيك من هذه المجازفة لإعادة شك نظام إداري بحاله بتوقيت عجول كأن الدنيا طايرة.
ووجدت، من الجهة الأخرى، خلطاً معيباً في اختصاصات مستويات الحكم المختلفة: الفدرالي والإقليمي والولائي. ولاحظ أن الاتفاق رسم سياسات للمستوى الإقليمي المعروض للنقاش (عدا دارفور) كما رأينا وسبق له بسلطات وهو في علم الغيب.
ونظرت في سلطات المستويات ووجدتها مرتجلة جداً فيما تعلق بمسؤولية كل منها تجاه التعداد السكاني مثلاً. ففي فقرات متفرقة من نص الوثيقة ستجد دم التعداد مفرقاً بين تلك المستويات جميعاً. ففي فقرات متفرقة منه أعطى الاتفاق حكومة الولاية والإقليم والمركز صلاحيات إجراء التعداد السكاني (٩-٢١ و١٠-١٤ و١١-٢٤). وهذا خلط لا يجوز. وكتب من قال إن هذا الخلط عائد إلى خلاف نشأ على مائدة التفاوض بين من رأوا أن يبدأ النقاش بالمسارات وبين من مالوا للبدء بالقضايا القومية. ثم استقر التفاوض على البدء بالمسارات قبل القضايا القومية. وكانت النتيجة تطابق بعض الأحكام في المقامين بصورة مربكة.
ونواصل
عبد الله علي إبراهيم
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی الوسط
إقرأ أيضاً:
مجلس القيادة يؤكد التزامه الكامل بمبدأ الشراكة في ضوء مرجعيات المرحلة الانتقالية
انضم إلى قناتنا على واتساب
شمسان بوست / الرياض :
عقد مجلس القيادة الرئاسي، اليوم الجمعة، اجتماعا استثنائيا برئاسة فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس المجلس، وبحضور أعضائه عيدروس الزبيدي، سلطان العرادة، طارق صالح، عبدالرحمن المحرمي، و الدكتور عبدالله العليمي، وعبر الاتصال المرئي عضوا المجلس عثمان مجلي، وفرج البحسني.
وفي مستهل الاجتماع، تقدم مجلس القيادة الرئاسي بأصدق التهاني والتبريكات إلى جماهير الشعب اليمني في الداخل والخارج بمناسبة الذكرى الثانية والستين لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، مؤكدا عهد الوفاء لقيم وابطال اكتوبر، وتضحياتهم في سبيل الحرية، والعدالة والكرامة الانسانية، والعمل الوثيق مع مختلف القوى الوطنية من اجل استعادة مؤسسات الدولة، وترسيخ مبادئ النظام الجمهوري، والمواطنة المتساوية.
وناقش المجلس مستجدات الأوضاع المحلية على مختلف الاصعدة، وفي مقدمتها التطورات الاقتصادية، والامنية ومسار الاصلاحات الشاملة، مشيدا في هذا السياق بإجراءات الحكومة، والبنك المركزي لتحقيق الاستقرار النقدي والمالي، والجهود المبذولة من اجل انتظام دفع رواتب موظفي الجهاز الإداري للدولة، وتحسين مستوى الخدمات العامة، ضمن خطة التعافي الوطنية، التي قادت الى تعزيز ثقة مجتمع المانحين بالحكومة ومؤسساتها، بما في ذلك اعلان صندوق النقد الدولي استئناف انشطته في اليمن بعد ١١ عاما من التوقف.
واكد المجلس دعم جهود الحكومة لمواصلة برنامج الاصلاحات، وتمكينها من كامل صلاحياتها الدستورية، والقانونية وبما يعزز قدراتها على الوصول الى كافة الموارد، وتحسين الاوضاع المعيشية للمواطنين.
كما أكد مجلس القيادة الرئاسي التزامه بمبدأ الشراكة، والتوافق الوطني، في ضوء مرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة، والقواعد المنظمة لعمل المجلس، بما يضمن وحدة الصف، وتعزيز المركز القانوني للدولة، وحشد كافة الجهود لإسقاط انقلاب المليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني.
وجدد مجلس القيادة الرئاسي عظيم الشكر والتقدير للأشقاء في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة على مواقفهم الأخوية الصادقة، ودعمهم المتواصل لمسار الإصلاحات الاقتصادية والمالية، وتنفيذ برامج التعافي، والتنمية، منوها على وجه الخصوص بالدعم السعودي الأخير للموازنة العامة، الذي يعكس حرص قيادة المملكة على تعزيز الاستقرار الاقتصادي، والتخفيف من معاناة الشعب اليمني.
وعلى الصعيد الإقليمي، رحب مجلس القيادة الرئاسي باتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي رعاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مشيدا بجهود المملكة العربية السعودية، ومصر وقطر، وسائر الدول الشقيقة والصديقة في الوصول الى هذا الاتفاق التاريخي، معربا عن تطلعه الى ان يمثل هذا الانجاز خطوة مهمة نحو إنهاء المعاناة الإنسانية للشعب الفلسطيني، وإطلاق مسار سلام عادل ودائم، يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة.
ووقف المجلس أمام هذه التطورات، وانعكاساتها المحتملة على الأوضاع المحلية، واتخذ حيالها عددا من التدابير والإجراءات اللازمة، بما في ذلك التنسيق الوثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين من اجل تعزيز فرص السلام والاستقرار في اليمن والمنطقة، ومواجهة التحديات، والتهديدات المشتركة على كافة المستويات.