مسلسل النُّص.. حين يصبح النشال بطلا قوميا
تاريخ النشر: 16th, March 2025 GMT
تكمن خطورة الدراما في قدرتها على إضفاء البطولة على أي شخصية حتى ولو كان سارقا أو قاتلا، ولعل انقلاب الهرم في العالم وفي الغرب بصفة خاصة يعود في جزء كبير منه إلى موجة الأفلام الهوليودية التي انحازت إلى زعماء العصابات، وأشهرها "العراب" 1972 للمخرج فرانسيس فورد كوبولا، و"رفاق طيبون" 1990 لمارتن سكورسيزي.
وفي تاريخ الفن المصري تعد ملحمة "أدهم الشرقاوي الإذاعية" 1962 واحدة من أكثر حالات سوء الفهم التي سببتها الدراما حين اقتحمت عالم "أدهم الشرقاوي" الغامض وأظهرته بطلا ومناضلا وطنيا خالصا، في حين أكد عدد من معاصريه أنه لم يكن إلا شخصا منحرفا أسال الدماء في قريته وقتل الكثير من الأبرياء.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مسلسل "إخواتي".. دراما رمضانية تكسر التوقعات بين العبث والسرياليةlist 2 of 2وجبتك الأولى بعد الصيام.. ماذا تأكل لتجنب التعب؟end of listويلعب الفارق الزمني والاجتماعي بين حالتي القاتل أدهم الشرقاوي والنشال عبد العزيز النص بطل مسلسل "النُّص" لصالح الأول فنيا، لكنه يسجل حقيقة جديدة لصالح النشال التائب ولصالح الجمهور أيضا، وهي ذلك النضوج الذي تلقى جمهور المشاهدين به العمل، واعتبار أنه لم يكن إلا عملا فنيا جيدا.
نشال في سبيل الوطنيعتمد مسلسل "النُّص" -الذي يُعرض منذ بداية رمضان- على تكييف درامي لعمل صحفي/ أدبي مستوحى من "مذكرات نشال" التي كتبها الصحفي المصري أيمن عثمان، مستندا إلى نصوص تعود إلى المعلم عبد العزيز النُّص، وهو نشال سابق عاش في مصر خلال عشرينيات القرن الماضي.
إعلانونُشرت هذه المذكرات لأول مرة عام 1927 في جريدة "لسان الشعب"، وأثارت حينها جدلا واسعا نظرا لطبيعتها الفريدة، إذ تسرد تفاصيل تجارب شخصية حقيقية لنشال يصف مغامراته في عالم الجريمة بأسلوب غير مألوف.
وشارك في كتابة سيناريو المسلسل كل من عبد الرحمن جاويش وسارة هجرس ووجيه صبري، في حين قدّم أحمد أمين دور البطل عبد العزيز النُّص، ليضفي على العمل طابعا خاصا.
تميز المسلسل بأسلوبه المختلف عن المعتاد، إذ وظف أمين فكرة تقديم معلومات مكتوبة توضح المفردات الاجتماعية والتاريخية المستخدمة في حوار كل حلقة، مما جعل المشاهدة أشبه بتجربة قراءة كتاب، فيتنقل المشاهد بين متن الحكاية وهوامشها لفهم أبعادها التاريخية والاجتماعية بعمق أكبر.
ورغم أن نشال العمل الأصلي -الذي قدمه المؤلف أيمن عثمان في كتابه- لم يكن صاحب دور وطني في مقاومة الإنجليز إبان احتلالهم مصر فإن المسلسل حوّله من مجرد نشال إلى "نشال في سبيل الوطن"، وهو أمر يبدو مخيفا في ظل التداخل القيمي بين سلبية صورة "النشال" الذي هو سارق يستحق العقاب والاحتقار الاجتماعي وبين القيمة الإيجابية لمن يناضل في سبيل وطنه، وبالتالي يمكن ببساطة أن يغفر له نهبه الأبرياء والمساكين مقابل عمله من أجل الوطن.
يثبت أحمد أمين في "النُّص" مكانته بصفته مبدعا شاملا، وليس مجرد ممثل فقط، ويؤكد رغم اقتصار عمله على الدراما التلفزيونية دون السينما أنه يقف في مقدمة صناع الدراما المشرقة التي تقدم التشويق والإثارة بشكل ناضج لا مراهقة فيه، كما تقدم الترفيه والمعرفة دون مبالغة أو تعقيد.
تدور أحداث مسلسل "النُّص" في النصف الأول من القرن الـ20 حينما كان المجتمع المصري منقسما اقتصاديا بين طبقتين واضحتين: الأولى تضم الملك وحاشيته والإنجليز الذين ينعمون بالثراء والسلطة، في حين تتألف الطبقة الثانية من الأغلبية الفقيرة من الشعب المصري التي تكافح من أجل لقمة العيش.
إعلانعبد العزيز النُّص -وهو نشال تائب- يعمل "كمسري" (محصّل التذاكر) في ترام القاهرة، ويتولى رعاية شقيقه الأصغر الذي يدرس بكلية الحقوق، لكن سرعان ما تتعقد حياته عندما يُقبض على شقيقه بسبب انتمائه إلى تنظيم فدائي سري يقاوم الاحتلال البريطاني.
يحاول عبد العزيز بكل الطرق تأمين الإفراج عن أخيه، لكنه يجد أن راتبه من عمله الشريف لا يكفي لتغطية أتعاب المحامي، فيجد نفسه مضطرا للعودة إلى عالم النشل لجمع المال اللازم.
ومع عودته إلى مهنته السابقة يعيد عبد العزيز إحياء علاقاته القديمة في عالم الجريمة، لكنه يلتزم بمبدئه الأساسي: عدم سرقة الفقراء، وخلال إحدى عملياته يسرق رجلا إنجليزيا ثريا، ليجد نفسه لاحقا في مواجهة غير متوقعة، إذ يستعين به ضابط شرطة وطني في خطة تهدف إلى إحباط عمليات تهريب الآثار المصرية من قبل قوات الاحتلال.
وهكذا يتحول عبد العزيز من نشال عادي إلى نشال وطني مستخدما مهاراته لخدمة المقاومة، ويلتحق به آخرون ممن يرغبون في المشاركة في النضال بأسلوبهم الخاص.
أحمد وأسماء وحمزةشهد مسلسل "النُّص" مباراة في الأداء التمثيلي كان طرفاها أحمد أمين بطل العمل والممثل ذو الألف وجه حمزة العيلي الذي جسّد دور "درويش" صاحب الطموحات الفنية بلا قدرات، والذي يعمل على هامش الفن في مخزن ملابس أحد المسارح، لكنه يرى أن مكانه هو خشبة المسرح، في حين لا يستطيع أن يتحدث بشكل سليم.
يشكل "درويش" أو حمزة العيلي تلك المفارقة الأبدية بين الأحلام والقدرات التي تؤدي بصاحبها إلى أن يتحول إلى مسخ في أنظار الآخرين، وقد نجح حمزة دون افتعال في إتقان تقديم الشخصية في حالاتها المختلفة بشكل آسر ومفجع.
وعلى العكس، قدمت أسماء أبو اليزيد دور رسمية المحتالة الجميلة، لتبدو بين أجواء العمل كما لو كانت قادمة من المستقبل، فقد أكد إيقاع حديثها وأدائها وحركتها أنها تنتمي إلى اللحظة الحالية، ويبدو غياب دور المخرج معها واضحا.
إعلانوقدّم الممثل عبد الرحمن محمد دور "زقزوق" ابن زوجة "النص" ورفيقه في رحلة النهب والوطنية بشكل مميز، ويعد بكوميديان جيد في المستقبل.
لطالما اتبعت الدراما المصرية نهج "الموجات"، إذ يؤدي نجاح عمل معين إلى ظهور مجموعة من الأعمال المشابهة في المواسم اللاحقة، فعندما يحقق مسلسل تاريخي نجاحا تمتلئ الشاشات في رمضان التالي بعدد من المسلسلات التي تسير على النهج ذاته.
ومن أبرز هذه الظواهر "موجة دراما الطرابيش" التي اجتاحت الدراما المصرية في العقد الأول من القرن الـ20، تماما كما يحدث في السينما، إذ تتحول الاهتمامات الإنتاجية بين مواضيع مختلفة، من أفلام تجارة المخدرات إلى أفلام المغامرات بحسب النجاح الذي يحققه كل نوع.
وفي هذا السياق، جاء مسلسل "عمر أفندي" من تأليف مصطفى حمدي وبطولة أحمد حاتم ورانيا يوسف وآية سماحة ومصطفى أبو سريع، وإخراج عبد الرحمن أبو غزالة، ليعيد إحياء روح "دراما الطرابيش" لكن بأسلوب مختلف.
فبينما كانت هذه الدراما في السابق تدور حول قصور الباشوات ونواديهم الفاخرة اختار "عمر أفندي" أن ينقل الأحداث إلى عالم البسطاء، مقدما رؤية أكثر التصاقا بالحياة اليومية لعامة المصريين، وهو ما ساعده في تحقيق نجاح كبير عند عرضه في سبتمبر/أيلول الماضي.
أما مسلسل "النُّص" فقد اتخذ طريقا أكثر عمقا في تصوير المجتمع المصري، إذ لم يكتفِ بتقديم أماكن وبيوت تعكس حياة تلك الفترة، بل أعاد إحياء القاموس اللغوي للثلاثينيات، مما أضفى على العمل طابعا كوميديا خاصا، إذ بدت المصطلحات التي يستخدمها الأبطال وكأنها قطع أثرية لغوية مستخرجة من متحف التاريخ.
هذا الاهتمام بالتفاصيل جعل العمل ثريا بصريا ولغويا، وأتاح للمشاهدين فرصة الغوص في أجواء زمن ماضٍ، ربما بدافع الحنين إليه أو للهروب من قسوة الحاضر، خاصة في ظل التحولات الحادة التي شهدها المجتمع المصري منذ الثلاثينيات وحتى الآن.
إعلانبهذا الشكل، نجح مسلسل "النُّص" -وهو تعبير عامي يشير إلى "النصف"- في حجز مكانه على قمة دراما رمضان، ليس فقط بسبب ارتفاع نسب مشاهدته، بل لأنه قدّم عملا يحترم عقل المشاهد ويمنحه تجربة درامية تتجاوز حدود اللحظة الآنية، في زمن بات أكثر قبحا وتعقيدا، ليصبح بمثابة نافذة على ماضٍ أكثر دفئا وأصالة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان رمضان 2025 أحمد أمین فی حین
إقرأ أيضاً:
بيتي يصبح مزارا لأهل زوجتي خلال العطلة الصيفية
أضيق ذرعا في كل مرة فما السيبل حتى لا أحيا الضغط؟
السلام عليكم ورحمة الله، سيدتي الفاضلة الكرم والجود من شيمي ولست أعاب في عشرتي، فأنا رجل يقدر الناس ويبتغي أن يحظى بمحبتهم، لكن فحوى مشكلتي التي سأطرحها عليك جعلنتي قاب قوسين أو أدنى من أن أعي ما يجب عليّ فعله. فوالله سيدتي أنا تائه مكره .
أرجوا أن يساء فهمي بأنني إنسان غير كريم، ولا أرحب بالضيف، لا على العكس، فقلبي كبير، وأحب اللمات العائلية، لكن مهما يكون فانا لي خصوصيات وأريد أن أشعر بنوع من الحرية في بيتي رفقة زوجتي وأولادي.
سيدتي، منذ حوالي ثمانية سنوات وأنا متزوج ، أعيش في ولاية ساحلية، وزوجتي من ولاية أخرى، لا يمر صيف إلا و أجد أهلها يقصدون بيتي في زيارات متكررة و المشكلة أنهم يمكثون عندي لفترة طويلة، صدقيني إن قلت لك أنا من يدعوهم فالصيف موسم البحر، وما يسعد زوجتي يسعدني أيضا، لكن المشكلة أنهم يطيلون في فترة مكوثهم لدي ما يشعرني بنوع من الحرج فأنا رجل وأحتاج لبعض الخصوصية في حياتي، و الأدهى أن كل واحد من أهلها يأتي على حِدى، فمرة والديها، ومرة أخرى إخوتها الذكور، ومرة أخرى أختها المتزوجة وأولادها، وما إن تنتهي زيارتهم تكون عطلتي السنوية قد انتهت وراحتي فُقدت، فصرت أتذمر من كثرة زيارتهم، وإلى اليوم لم أفاتح زوجتي بالموضوع، لأنني أحس أنها تخجل مني ومن تصرفات أهلها، فوق هذا فهم يكلفونني ما لا أطيق، من نفقات وحتى التنقل بهم إلى مدن مجاورة، فكيف أصارح زوجتي دون تجريح لها؟ لأنني لا أريد أن تخسر علاقتها بأهلها. أرجوك أفيديني باستشارة.
أخوكم م.أيمن من الغرب الجزائري.
الـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرد:
السلام عليكم أخي الفاضل، لقد تفهمت ما أردت قوله حقا، ولا يختلف اثنان في كرمك ورحابة صدرك، وعلى ما يبدو أن فرط كرمك هو ما ألحق بك ما أنت عليه اليوم، ثم إن أهل زوجتك لو لم يجدوا الاستقبال الحسن، والمعاملة الطيبة منك، لما تجرؤوا كل سنة على زيارتك في موسم الاصطياف.
أخي الكريم، بالرغم من أنه من حقك أن تنعم بشيء من الاستقلالية في منزلك، وخاصة في عطلتك السنوية، إلا أنني لم أعرف كيف أرد عليك، فالمسألة متعلقة بأواصر وعلاقات عائلية، وهي مسألة صلة الرحم، فكل تصرف سيكون محسوبا على حياتك مع زوجتك واستقرار أسرتك، لهذا أنا أطلب منك التريث، وأن تكون حريصا جدا في كل تصرفاتك، وفي أي كلمة تنبس بها شفتاك تجاه زوجتك، وأن تراقب ردود أفعالك أمام ضيوفك، وأرى أن حلك الوحيد هو أن تفاتح زوجتك في الموضوع، بعيدا عن العائلة وفي وقت يكون مناسب بالطبع، وأن تشرح لها موقفك من زيارتهم المطولة، والمتكررة، و من أنك لست مستاء منهم بل تريد أيضا الترويح عن نفسك، وأنك بحاجة لتغيير جو رفقتها ورفقة أولادكما، وأنا متأكدة أنك ستجدها متفهمة، وسوف تساعدك في إيجاد حل لما يؤرقك ويزعجك.
وهي بطريقتها اللبقة ستُفهم أهلها، أو تتصرف معهم، فمهما يكون هي ابنتهم وتعرف جيدا كيف تتعامل معهم. هذا ما أستطيع قوله، والله أعلم.
أتمنى لك الهناء وراحة البال، دمت في أمان الله ورعايته.