لأقرب للطبيعه البشرية..
تاريخ النشر: 18th, March 2025 GMT
أ.د.محمد بن ناصر البيشي
ركز الكاتب الاقتصادي الأمريكي دوجلاس ماكجروجر (١٩٠٦-١٩٦٤م) على أهمية فهم العلاقة بين الدافعية وفلسفة الطبيعة البشرية، وقد بنى نظريته على أن معظم المديرين يميلون إلى وضع الافتراضات عن العاملين معهم، واختيار الأسلوب المناسب لدفعهم من خلالها، وبناءً على هذه الافتراضات فقد قسم ماكجروجر العاملين إلى مجموعتين سماهم (X و Y).
ووضع لكل منهما الملامح الرئيسية … فمثلاً فيما يخص (X) تفترض الإدارة بأن الموظفين بطبيعتهم كسالى ويتجنبون العمل؛ وعندما توضع اللوائح الإدارية توجد عقوبات للكسالى يستخدمها المشرف مع ضعيفي الإنتاجية.
وقد أثبتت التجارب العملية فشل هذه النظرية (X)؛ واستبدلت بنظرية (Y) التي تقول أن الموظفين ليسوا سلبيين بطبعهم، بل نشيطين ويجب التركيز على الحوافز الايجابية معهم.
والحظ أن القانونيين لديهم افتراضات شبيهة بنظرية (Xو Y)
وتكاد تكون هي نفس الشي.. مثلاً:
1- سياسة (X):
– الغرامة 300 ريال؛ واذا تأخر تسديدها تتضاعف وتصبح 600 (تهديد).
2- سياسة (Y):
الغرامة 600 ريال واذا سددت مبكراً تخفض إلى 500 ريال (ترغيب).
وغالباً الإنسان يستجيب أكثر للترغيب أكثر من الترهيب؛
وفي وقتنا الحاضر ومع تكاثر المحامين، انتشرت للأسف اللوائح والأنظمة التي تشيطن الإنسان المخطئ وتفرض عليه القيود، وهي ظاهرة متنامية ومضرة ومكلفة، وحل لبعض المشكلات النادرة ولكنها عقوبة للغالبية.
وبكل تأكيد.. فالتنظيمات ضرورة؛ وتحقق جودة الحياة؛ ولكن هي نتيجه يمكن تحقيقها بأساليب أكثر إيجابية ومنها:
1- تخفيض العقوبات لأن الهدف منها التنبيه، وليس الشيطنة (X)؛ واستبدال بعضها بحوافز، فمثلاً بعض إدارات المرور إذا ارتكب شخص مخالفة ومضت 6 أشهر ولم يكررها تسقط عنه.
2- التقليل من العقوبات لدفع الإنسان إلى الانطلاق والتجريب وإشباع الفضول وليس تلبية غريزة الانغلاق والانكفاء.
3- إجراء الدراسات عن تبعات العقوبات وتقصي تاثيرها وتعهدها بالتحسين والتجديد.
4- تقبل الشكاوى حولها والنظر لها من زاوية الآخر.
5- إبعاد المديرين ممن تسكنهم نظرية (X) ومن يغلب عليهم التشاؤم وفكر شيطنة الناس من فرق العمل.
6- الحد من ظاهرة المحامين القاسية قلوبهم؛ والاتعاظ من تجارب الدول التي تحولت فيها شركات المحاماة إلى شركات لجمع الأموال.
7- الاتصاف بأعظم خاصية من خصائص المجتمع المتحضر، وهي التحمل؛ والتي تعتبر مقياس للتعايش السلمي
Level of Tolerance وهي خاصية يتمتع بها المجتمع الأصيل.
8- التدرج في العقوبة وجعل سقفها الأعلى منطقياً للفقراء والمعسرين.
9- تنقيتها من التوظيف الانتقامي وجعل ذلك هو الجريمة وخصوصاً ما يتعلق بالتحرش أو لائحة الاحتشام والجرائم الإلكترونية.
10- تغليب المصلحة والأكثر نفعاً؛ وهو منهج قرآني عظيم يتلخص في 3 خطوات:
1- رصد المنافع من التشريع.
2- رصد المضار من التشريع.
3- الأخذ بالراجح.
وقد ورد هذا المنهج في سورة البقرة؛ قال تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما..)آية 219.
ولدي والحمد لله أقرباء وأصدقاء محامين رائعين وحديثي فقط على من تسكنه نظرية (X) وغير المحامين يوجد فئة من التجار تتلبسهم نظرية (X)؛ وعلى سبيل المثال أيضاً؛ هناك بعض المطاعم يطبقون نظرية (X) حتى مطاعم الفول ومن خلال الدلالات اللفظية مثل “فيه ناس يهربون ولا يحاسبون ” تكتشف أعراض نظرية (X)؛ ولتعزيز القناعة بتطبيقات نظرية (Y) والتي طبقتها المملكة العربية السعودية مع مخالفات السير سوف أوجز ذلك فيما يلي:
أولًا: البعد العلمي والإداري:
فقد أثبتت التجارب الإدارية أن النظرة السلبية إلى الإنسان – كما تفترضها نظرية X – تؤدي إلى بيئة عمل قائمة على التهديد والعقوبات، مما ينعكس سلبًا على الإنتاجية والالتزام؛ وفي المقابل، تعتمد نظرية Y على التحفيز الإيجابي، مما يخلق بيئة أكثر انفتاحًا وإنتاجية؛ ومن هنا ينبغي أن تصحح النظرة التشاؤمية إلى الإنسان، بل يجب أن تكون وسيلة إصلاحية تهدف إلى تصحيح السلوك، وليس إلى “شيطنة” المخطئ.
ثانيًا: البعد الديني:
من المنظور الشرعي، نجد أن العقوبات في الإسلام قائمة على مقاصد الشريعة التي تسعى إلى تحقيق العدل والرحمة معًا. فمثلاً، نجد أن القرآن الكريم اعتمد على الموازنة بين المصالح والمفاسد،”.
ثالثًا: البعد التربوي والاجتماعي:
أحد أهم الوسائل التربوية في بناء الشخصية المبدعه هو تقليل القيود التي قد تعيق روح الابتكار؛ وتؤدي إلى بيئة مشحونة بالخوف؛ وهذا ينسجم مع المنهج التربوي النبوي؛ حيث كان النبي ﷺ يُعلي من قيمة التوجي…
المصدر: صحيفة المناطق السعودية
إقرأ أيضاً:
د. هويدا مصطفى: العالم العربي "مستهلك" وليس "صانعاً" للأدوات الرقمية
حذرت الدكتورة هويدا مصطفى، عميدة كلية الإعلام السابق، من أن أعظم خطر على الهوية العربية في العصر الرقمي يتمثل في كون العالم العربي "مستهلكاً" وليس "صانعاً" للأدوات والمنصات الرقمية، مما يجعله عرضةً سلبيةً لكل ما يتم تداوله.
وشددت مصطفى خلال مشاركتها في جلسة نقاشية بمنتدى الحوار الإعلامي العربي الدولي في طرابلس، على أن هذه الحالة تضع الجمهور العربي، وخاصة فئة الشباب التي تستهلك المحتوى الرقمي بشكل كبير، في موقف خطر، حيث يصبح عرضة لمحتويات قد لا تتطابق مع قيمه وتقاليده، مما يشكل تهديداً لثوابت الهوية العربية، سواء في اللغة أو القيم أو التقاليد.
ورأت عميدة كلية إعلا أن جوهر التحديات التي يواجهها الإعلام العربي في ظل الانتشار السريع للتكنولوجيا يتمثل في إشكالية تأثير هذه المنظومة على الهوية العربية، مؤكدة أن القضية قديمة وتتجدد مع كل موجة تحول رقمي.
لكنها في المقابل لم تغفل عن رصد الفرصة الكامنة في هذه الأزمة، قائلة: "سرعـة انتشار وسائل الاتصال الرقمي تمثل فرصة يجب استغلالها، حيث يمكنها تقريب المسافات ونشر الأفكار وخلق علاقات تفاعلية". ودعت إلى ضرورة مراجعة كيفية تقديم ذاتنا للآخرين، والتأكيد على قوتنا بما يتوافق مع تقنيات العصر.
واستشهدت بتجربتها الشخصية في زيارة ليبيا، حيث تغيرت تصوراتها المسبقة عن البلد عند الزيارة من مشاعر قلق وصورة قاتمة إلى صورة ايجابية ، مؤكدة على أهمية تقديم صورة حقيقية للذات العربية للعالم. واختتمت بالقول: "نحن في حاجة ملحة حالياً أكثر من أي وقت مضى إلى أن نؤكد وجودنا العربي ونتمسك به".
ناقش المنتدى محاور الهوية العربية وصناعة المحتوى الإعلامي والتدريب المهني وتطوير المحتوى الرقمي وتوظيف الذكاء الاصطناعي في الإعلام، وجمع عددا كبيرا من الشخصيات البارزة من بينهم السفير أحمد رشيد خطابي أمين عام مساعد جامعة الدول العربية لقطاع الاتصال والإعلام، والوزراء زهير بو عمامة من الجزائر، وحمزة المصطفى من سوريا، وأسامة هيكل وزير الإعلام المصري الأسبق، وزياد مكاري وزير الإعلام اللبناني الأسبق، بالإضافة إلى سفراء ومستشارين وإعلاميين وفنانين مصريين بارزين مثل منى الشاذلي وباسم يوسف وأحمد فايق.