قائد التسامح وباني جسور التعايش
تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT
إعداد: أمير السني
آمن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، بالتسامح قيمة أساسية تُعزز التعايش والسلام في المجتمعات، وأنه مفتاح التنمية والتقدم، فعمل جاهداً على ترسيخه في نسيج الدولة، ما جعل الإمارات نموذجاً عالمياً يحتذى في التعددية والتعايش السلمي.
واليوم، تستمر القيادة الرشيدة في ترسيخ هذا الإرث، عبر سياسات ومبادرات تعزز مناخ التعايش السلمي والاحترام المتبادل، مؤكدة أن التسامح ليس مجرد رؤية محلية، بل رسالة عالمية تؤكد أن التعايش والتسامح هما الطريق الأمثل لبناء مستقبل مزدهر يعمه السلام.
رؤية
كان الشيخ زايد قائداً حكيماً يؤمن بأن قوة الدول تكمن في قدرتها على استيعاب التنوع الثقافي والعرقي والديني، وجعل التسامح أساساً لبناء الدولة، ومنذ تأسيس الإمارات عام 1971، عمل الشيخ زايد على غرس قيم الاحترام المتبادل والتعاون بين مختلف الجنسيات والديانات التي تعيش على أرض الإمارات، وهو يؤكد دائماً أن التسامح هو الركيزة التي تضمن الاستقرار والازدهار.
وأحد أبرز أقواله التي تعكس رؤيته «إن دولة الإمارات العربية المتحدة تقوم على التسامح، والتعايش، والعدالة الاجتماعية، واحترام الإنسان مهما كان دينه أو عرقه». هذه القيم لم تكن مجرد كلمات، بل سياسات واستراتيجيات حقيقية تجسدت في القوانين والممارسات الاجتماعية.
ترسيخ
عام 2016، أنشأت الإمارات وزارة للتسامح والتعايش، وهي خطوة غير مسبوقة في العالم، تعكس مدى التزام الدولة بنشر ثقافة التسامح على جميع المستويات.
وتهدف الوزارة إلى تعزيز قيم الاحترام والانفتاح، وتنفيذ مبادرات وبرامج تهدف إلى ترسيخ التسامح داخل المجتمع الإماراتي وخارجه.
ويقود الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزارة التسامح والتعايش، ومنذ توليه الوزارة، أعلن الكثير من المبادرات والبرامج الهادفة إلى نشر قيم الأخوة الإنسانية والتفاهم بين الشعوب، من بينها «المهرجان الوطني للتسامح» وهو حدث سنوي يهدف إلى نشر الوعي بأهمية التسامح والتعايش بين الثقافات المختلفة، وبرامج التفاعل بين الجاليات، وتأسيس شراكات مع المنظمات الدولية لنشر قيم التسامح عالمياً.
ودعم الشيخ نهيان بن مبارك، تطوير المناهج الدراسية التي تركز على مفاهيم التسامح واحترام الآخر، وقاد الكثير من الفعاليات التي تجمع قادة الأديان والفكر، لتعزيز الحوار والتعاون بين المجتمعات المختلفة.
تعددية
تضم الإمارات نحو 200 جنسية تعيش في انسجام وسلام، ما يجعلها واحدة من أكثر الدول تنوعاً في العالم. وفرت أماكن عبادة لجميع الأديان، مثل الكنائس والمعابد، لتؤكد احترامها لحرية المعتقدات الدينية. كما تنظّم مهرجانات ثقافية سنوية تعكس التعددية الثقافية وتعمق مفهوم الاحترام المتبادل.
ووضعت الإمارات قوانين صارمة لمكافحة التمييز والكراهية، مثل قانون مكافحة التمييز والكراهية الصادر في عام 2015، الذي يجرم كل أشكال التمييز على أساس الدين أو العرق أو اللون، ويمنع استخدام الخطاب الذي يحض على الكراهية. كما أنشأت «المعهد الدولي للتسامح» الذي يعمل على تعزيز مفاهيم التسامح محلياً وعالمياً.
وإيماناً بأن التعليم هو الأداة الأقوى لغرس قيم التسامح، حرصت الإمارات على إدراج مناهج تعليمية تركز على مفاهيم التعايش وقبول الآخر. كما أدى الإعلام دوراً كبيراً في نشر ثقافة التسامح عبر البرامج التلفزيونية، والمقالات الصحفية، والحملات الإعلامية التي تضيء على أهمية التعايش السلمي.
تعزيز العلاقات
جاءت الوثيقة لتكون خريطة طريق لتعزيز العلاقات الإنسانية ونشر قيم السلام والتعايش بين الأديان والثقافات. وحظيت باهتمام عالمي واسع، حيث تبنتها الأمم المتحدة مبادرةً لتعزيز السلام العالمي. كما اعتمد 4 فبراير من كل عام «يوماً عالمياً للأخوّة الإنسانية»، لنشر قيم التعايش والتسامح بين الشعوب.
وتهدف الوثيقة إلى تعزيز التفاهم بين الأديان، وتشجع على الحوار والتعاون بين أتباع الديانات المختلفة، وتعزيز قيم التسامح والاحترام المتبادل، وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة.
وتؤكد أهمية العدل والمساواة بين جميع البشر بغض النظر عن الدين أو العرق أو اللون، ومكافحة التطرف والعنف، وتدعو إلى رفض العنف والتطرف بكل أشكاله، وتعزيز ثقافة السلام والتعايش المشترك، وتشدد على أهمية حماية حقوق الإنسان، بما في ذلك حرية المعتقد والتعبير. وتحثّ الوثيقة الدول والمجتمعات على التعاون في سبيل تحقيق التنمية المستدامة والسلام العالمي.
عام التسامح
أطلقت القيادة الرشيدة عام 2019 «عام التسامح»، الذي شهد المبادرات العالمية والمحلية لتعزيز قيم التعايش والتآخي، من أبرزها زيارة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، إلى الإمارات، وهي أول زيارة إلى منطقة الخليج العربي، ما يعكس الانفتاح الكبير الذي تتمتع به الدولة.
وتمثل وثيقة «الأخوّة الإنسانية» حدثاً تاريخياً في مسيرة التعايش والسلام العالمي، حيث تجسد قيم التسامح والتعاون بين الأديان والشعوب المختلفة، ووقّع عليها في 4 فبراير 2019 في أبوظبي، بحضور البابا فرنسيس، والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الإمارات والتعاون بین قیم التسامح
إقرأ أيضاً:
العُمانيون أخلاق تتحدث
جابر حسين العُماني **
jaber.alomani14@gmail.com
ورد في الحديث النبوي الشريف: "لَوْ أَنَّ أَهْلَ عُمان أَتَيْتَ مَا سَبُّوكَ وَلَا ضَرَبُوكَ" وهو تصريح لأَشرف الأعراب والعجم، وطيب الأخلاق والشيم، محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، في أهل عُمان، أراد أن يقول به: إن الإنسان العُماني يتميز بأخلاقه وقيمه ومبادئه الإنسانية الراسخة، التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من هوية العُماني وسمته؛ فهي أخلاق وقيم لم تكن طارئة أو وقتية أو لحظية، بل نتاج أجيال توحدت وتماسكت وأخلصت وآمنت بمحاسن الأخلاق التي استمدها الإنسان العُماني من هدي الإسلام الحنيف ومن العادات العربية الأصيلة.
لقد اشتهر أهل عُمان بكرمهم وتسامحهم وترابطهم، وكان من كرمهم أنهم يفتحون بيوتهم للضيوف، ويستقبلونهم بالابتسامة والبشاشة والاحترام والإجلال، حتى مع من خالفهم في الدين والمذهب والمعتقد، فأصبح أهل عُمان بأخلاقهم نموذجا رائعا يحتذى به في التعايش السلمي الذي عرف به العُمانيون عبر التأريخ.
يقول الطبيب الأمريكي بول هاريسون في كتابه "رحلة طبيب في الجزيرة العربية" أثناء إقامته في سلطنة عُمان، أنها "أرض التسامح والكرم"، ويعد هذا التصريح في حد ذاته اعترافًا ضمنيًا بما يشهد به كل من أقام في سلطنة عُمان أو زارها، لا سيما الرحَّالة الأوروبيون والأمريكيون.
وهو دليل واضح وجلي على ما تمتلكه سلطنة عُمان وأهلها الكرام من قيم أخلاقية نبيلة وجليلة، جعلت من عُمان وأهلها محلًا للاحترام والتقدير والإجلال بين سائر الأمم.
وصرح الجنرال البريطاني فليكس تيكاري هيج، في ختام رحلته إلى الجزيرة العربية، أثناء زيارته لعُمان ولقائه بالعُمانيين، بتقرير موسع عن عُمان وأهلها الكرام ووصفهم بأنهم "شعب صادق ومُنفتح ومُهذَّب وأن سَمْت التسامح الذي يتمتعون به ليست محصورة في سكان المدن الساحلية وإنما ظاهرة عامة يمكن ملاحظتها بوضوح كذلك بين سكان المناطق الداخلية".
وهناك استطلاع أجرته المركز الوطني للإحصاء والمعلومات حول مفهوم "التسامح"، لعام 2025 وكانت النتيجة كالتالي: 90.9% من الوافدين يرون أن المجتمع العُماني يتسم بالتسامح تجاههم، مقارنة مع 90.7% في عام 2024، وأوضحت الإحصائية أن 95.6% من الوافدين لم يتعرضوا إلى أي شكل من أشكال التمييز أو الإساءة من العُمانيين مقارنة بـ93.6% في العام السابق. وعبَّر 90.4% من الوافدين عن انطباعهم بتقبل المجتمع العُماني لهم على الرغم من اختلاف ثقافاتهم المختلفة والمتنوعة.
إن تمسك أهل عُمان بالأخلاق الحميدة الفاضلة ليس من باب العادات الاجتماعية وإنما هو سلوك حضاري واجتماعي متوارث عبر الأجيال، وروح سامية التزم بها الشعب العُماني عبر التاريخ، فاستحق أن يحترم ويقدر ويميز بين سائر الشعوب، ويشار له بالبنان، لما تحلى به من تسامح وأخلاق وقيم ومبادئ فكسب بذلك ثقة ومحبة الجميع، والعُمانيون لا يتفاخرون بأخلاقهم ولكنها هي من تتحدث عنهم في مجالس الرجال والنساء والطرقات والأسواق وهذا ما يلمسه ويراه كل من يخالطهم ويجالسهم.
إنَّ المتأمل فيما تنعم به سلطنة عُمان من خيرات وبركات وأمجاد تليدة ومباركة، يجد أنَّ في ذلك أثر عظيم لدعاء النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأهل عُمان، وهو القائل: "رَحِمَ اَللَّهُ أَهْلَ اَلْغُبَيْرَاءِ"، أي: أهل عُمان " آمَنُوْا بِيْ وَلَمْ يَرَوْنيْ"، وقال لمازن بن غضوبة حين سأله المزيد من الدعاء لأهل عُمان قال: "اَللَّهُمَّ اُرْزُقْهُمْ اَلْعَفَافَ وَاَلْكَفَافَ وَاَلرِّضَا بِمَا قُدِّرَتْ لَهُمْ".
وستبقى سلطنة عُمان مفخرة بين الأمم؛ فهي ليست مجرد رقعة جغرافية وجدت على الأرض، بل هي وطن عظيم يتنفس روح الأصالة والأمجاد، وشعب لا يعرف من الحياة إلا القيم النبيلة والمبادئ السامية الأصيلة.
أخيرًا.. وكما نَصُون تراثنا من الاندثار والضياع، فإن من واجبنا صَوْن أخلاقنا الفاضلة والحفاظ عليها وتعزيز استمراريتها. ويتحقق ذلك بالتركيز على التربية الصالحة، والاهتمام بالتعليم في المدارس والجامعات والنوادي، واعتماد الخطاب المعتدل على منابر المساجد والإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، والتذكير المستمر بالماضي الزاهر الجميل، وكيف كان الآباء والأمهات يرسخون القيم والمبادئ في نفوسهم ونفوس أبنائهم بالممارسة، ويحيونها بالمواقف النبيلة.
** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
رابط مختصر