رصاص ودماء.. مشاهد من معركة القصر الرئاسي بالخرطوم
تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT
حتى أبريل/نيسان 2023، كان القصر الرئاسي بالخرطوم المطل على شاطئ النيل الأزرق معلما ورمزا للسيادة وقبلة للحكام وكبار الزوار، لكنه بعد هذ التاريخ تحول إلى ساحة حرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.
كان الطرفان يتقاسمان المكان، حيث الجيش في الناحية الجنوبية للقصر يسيطر على البوابة الرئيسية، بينما تتمركز قوات الدعم السريع قبالة النيل وتسيطر على البوابة الشمالية.
كان ما يجمع الطرفين أكثر مما يفرقهما، فقد كانا يحرسان أهم موقع في الدولة ورمز سيادتها يجتمع جنودهما على مائدة إفطار واحدة في رمضان، الذي مثلت إحدى لياليه نقطة اللاعودة.
في وقت وجيز اندلع القتال وتحول المكان إلى ساحة حرب ما لبثت أن توسعت، فكان جنود الدعم السريع يهاجمون بأشرس المقاتلين وأقوى العتاد مقر إقامة قائد الجيش بهدف السيطرة عليه، ودارت معارك ضارية سقط فيها عديد من عناصر الحرس الرئاسي، لكن القيادة صمدت ولم تسقط طوال سنتي الحرب.
انسحبت قوات الجيش من القصر لعدم جاهزيتها، وربما بفعل المفاجأة وعدم الاستعداد للحرب، ومنذ ذلك التاريخ بقي هذا المكان تحت سيطرة الدعم السريع طوال الـ23 شهرا الماضية، قبل أن يتمكن الجيش من استعادته فجر اليوم الجمعة بعمليات عسكرية مكثفة وتطويق وحصار دام عدة أسابيع.
الرصاص والدمبدا القصر الرئاسي -الذي كان يعد تحفة معمارية وإرثا تاريخيا- أثرا بعد عين وتحول جزء كبير منه إلي أكوام من الرماد والحجارة، وتناثر في جنباته الزجاج المحطم والأثاث المدمر بعد معارك على مدى عامين.
إعلانكانت قوات الدعم السريع تستخدم مباني القصر ارتكازات للقناصة ومنصات لإطلاق الصواريخ المتطورة القصيرة والمتوسطة المدى لتستهدف بها سلاح المهندسين غربا والقيادة العامة جنوبا.
رغم الدمار بفعل تبادل القصف والمواجهات المستمرة طوال هذه المدة، فإن قادة الجيش يشعرون بأن استعادة القصر حدث كبير يمثل تحولا كبيرا في الحرب.
عشرات الجنود من الدعم السريع قتلوا بالقصر الرئاسي كما فقد الجيش عديدا من ضباطه وجنوده في المعركة، فكان المكان عنوانا للرصاص والدم.
اتبع الجيش -حسب ضباط في صفوفه- إستراتيجية النفس الطويل لتقليم أظافر الدعم السريع في محيط القصر الرئاسي.
وكانت البداية الوصول إلى مناطق إستراتيجية بالمقرن، وهي منطقة حاكمة تقع غرب الخرطوم، لتسهيل عملية القصف المدفعي بهدف إرباك دفاعات الدعم السريع.
تزامن ذلك مع تقدم للجيش في مدينة بحري من الجهة الشمالية المقابلة للقصر، في وقت تحركت فيه قوة من سلاح المدرعات إلى محيط السوق العربي ووسط الخرطوم، وبذلك تم إغلاق كل المنافذ المؤدية للقصر، في حين انتشرت قوات من القيادة العامة في الشرق وباتت الخناق محكما.
كانت ثمة عوائق وألغام أبطأت تقدم الجيش بجانب وجود مبان شاهقة تحيط بالقصر من كل الاتجاهات، كان أبرزها العمارة الكويتية المطلة على النيل التي تتكون من عدة طوابق.
وحسب ضابط رفيع تحدث للجزيرة نت، كثف الجيش منذ نهار أمس الخميس هجماته على تلك العمارة بهدف تحييد القناصين المتمركزين فيها بكثافة مستخدما المدفعية والطيران المسير.
وأضاف الضابط -الذي فضل حجب اسمه- "بعد سيطرتنا على العمارة الكويتية، بات الأمر سهلا لدخول القصر، حيث تقدمت قوات ناحية الشرق بمحاذاة النيل، وتمكنت من الدخول عبر البوابتين الشرقية والشمالية الخاضعة لسيطرة الدعم السريع قبل الحرب".
إعلانوقال الضابط "بعد توغلنا داخل القصر، هربت عناصر الدعم السريع جنوبا، ولاحقناهم بالسلاح الخفيف مثل الغرنوف والكلاشنكوف، وأوقعنا فيهم خسائر كبيرة". وأوضح الضابط أن من تبقى من تلك القوات لاذ بالفرار عبر أزقة السوق العربي الكثيرة، مما حال دون القضاء الكامل عليهم.
من ناحيته، يقول العقيد ركن بالجيش عبد العال الأمين إن "الجيش أثبت تفوقه العملياتي والتكتيكي، حيث تمكن من اختراق دفاعات العدو المنهارة، واستئصال بقايا فلول آل دقلو ومرتزقتهم الذين حاولوا الاحتماء خلف جدران القصر، ظنا منهم أنه سيكون معقلا دائما لهم".
دماء على بلاط القصرمع إعلان السيطرة على القصر، اندفع الجنود وكاميرات الصحفيين للاحتفال بالحدث الذي كانت تتحدث عنه وتتوقعه وسائل الإعلام طوال الأيام الماضية. وكان في مقدمتهم الإعلام الرسمي ممثلا في التلفزيون القومي.
وبينما كان الجميع يحتفل فرحا بالنصر في باحة القصر باغتتهم مسيرة انتحارية للدعم السريع، فقتلت عددا منهم، بينهم صحفيون بتلفزيون السودان وضباط في الإعلام العسكري للجيش السوداني، قبل أن تستأنف وسائل إعلام إقليمية ودولية نقل احتفالات جنود الجيش وضباطه.
ولا تزال المنطقة حول القصر وبعض مناطق السوق العربي -حيث هربت بعض قوات الدعم السريع- غير آمنة. وهنا، يقول اللواء بالجيش محمد عبد الرحمن البيلاوي للجزيرة نت إن القوات المتبقية من الدعم السريع وسط الخرطوم محاصرة، ولا تستطيع الخروج وقد باءت كثير من محاولاتهم بالفشل ووقعوا في كمائن الجيش.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان قوات الدعم السریع من الدعم السریع القصر الرئاسی
إقرأ أيضاً:
الدعم السريع (الجنجويد)، «مليشيا إرهابية تتحرك كأعمدة موت»
من أحاجي الحرب ( ٢١٣٠٧ ):
○ كتب: د. Yousif Kamil Amin
لقد قمت بترجمة هذا الحوار إلى العربية، وهو لقاء أجرته قناة BFMTV في برنامج BFM Story مع الكاتب والفيلسوف الفرنسي برنار-هنري ليفي عقب عودته من السودان. وصف ليفي ما يجري بأنه «أشرس وأكثر الحروب نسيانًا في العالم اليوم»، مقدّمًا صورة لبلد ممزق بالانتهاكات والنزوح الجماعي، مشيرًا إلى وجود 12 مليون نازح من أصل 51 مليون نسمة، وهي أرقام قال إنها تكشف حجم المأساة التي تمر «تمامًا تحت رادار الإعلام العالمي».
???? ليفـي حسم الرواية التي يحاول البعض تبسيطها بجهل حينا وخبث أحيانا أخرى:
❌ هذه ليست حربًا بين جنرالين!
⚠️ ليست نزاعًا قبليًا أو عرقيًا كما يُروّج البعض.
✅ بل هي انقسام سياسي حقيقي بين مشروعين متناقضين لمستقبل البلاد.
???? وأوضح أن أحد هذين المشروعين يقوده حميدتي عبر مليشيا الدعم السريع (الجنجويد)، التي وصفها بأنها «مليشيا إرهابية تتحرك كأعمدة موت» لا تعرف سوى الحرق ، النهب ، القتل ، الاغتصاب
???? وأضاف: «جمعت شهادات نساء تطاردك ليلًا ونهارًا»،
????مشددًا على أن هذه الأفعال تمثل إرهابًا بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، على طريقة داعش والقاعدة.
???????? كما ربط ليفي بشكل مباشر بين هذه الجرائم والدعم الخارجي، مؤكدًا أن الإمارات هي الداعم الرئيسي لهذه المليشيا، واصفًا وقوفها إلى جانبها بـ «❌ الخطأ السياسي والأخلاقي الفادح».
وفي هذا السياق، نقل ليفي رسالة واضحة من الفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان إلى أبوظبي، حيث اعتبر أن الإماراتيين الذين وقفوا في محطات كثيرة في الجانب الصحيح من التاريخ، يرتكبون اليوم خطأً كبيرًا بدعمهم لهذه المليشيا، لكنه خطأ قابل للإصلاح إذا اختاروا التراجع عنه ووقف هذا المسار الذي يهدد السودان كله.
???? وأوضح ليفي أن البرهان يطالب بإنهاء ما وصفه بـ « حالة الخلط التي تساوي بين الجلاد والضحية في الخطاب الدولي»،
مشددًا على أنه لا يجوز خلق أي معادلة زائفة بين الطرفين. ✅ ليفـي أيّد هذا الموقف بشكل كامل وشرح أن الواقع واضح مهما كانت الظروف:
✔️ لدينا من جهة حكومة سودانية شرعية يقودها مجلس سيادة ورئيس وزراء مدني، مهما كانت لها من عيوب،
❌ وفي الجهة الأخرى مليشيا إرهابية ترتكب جرائم ضد المدنيين وضد الإنسانية.
وأكد أن الاستمرار في مساواة الطرفين هو خيانة للواقع ويمنح المليشيا غطاءً للاستمرار في جرائمها.
????️ ليفي وصف ما يجري بأنه ليس مجرد كارثة إنسانية، بل مشروع سياسي لتدمير السودان وتحويله إلى «دولة تهريب» تبيع نفسها لأعلى المزايدين على حساب حضارة السودان العريقة التي تضاهي حضارة الفراعنة.
وأوضح أن البرهان، الذي كان أحد الموقّعين على اتفاقات أبراهام، «يقدم الكثير» للمجتمع الدولي، معتبرًا أن وقف الدعم الخارجي، خصوصًا من الإمارات، يمكن أن يغيّر مسار الحرب ويمنح السودان فرصة للنجاة.
واختتم ليفي حديثه بينما تُعرض صور الخرطوم وطريق الأبيض والفاشر، قائلاً: «لا أحد يعرف، لا أحد يهتم. وهذه، بالنسبة لي، أكبر مظلمة في العالم».
————————-
برنار-هنري ليفي فيلسوف وكاتب وصانع أفلام فرنسي، وُلد في 5 نوفمبر 1948 في مدينة بني صاف بالجزائر، ويُعد من أبرز الوجوه الفكرية والسياسية في فرنسا منذ السبعينيات. برز كأحد أعضاء مجموعة “الفلاسفة الجدد” التي انتقدت الماركسية والأيديولوجيات الشمولية. عُرف بمشاركته في قضايا حقوق الإنسان ونشاطه في مناطق النزاعات مثل البوسنة وليبيا والسودان. يُعتبر ليفي من المؤيدين البارزين للكيان الصهيوني، حيث يرى في دعمها دفاعًا عن الديمقراطية ورفضًا لمعاداة السامية، لكنه في الوقت نفسه لا يتردد في انتقاد بعض سياساتها، خاصة ما يتعلق بالاحتلال ومعاملة الفلسطينيين، مؤكدًا أن بقاء الكيان يعتمد على التمسك بالقيم الأخلاقية والديمقراطية..
#من_أحاجي_الحرب