في مدح المصطفى| الإنشاد الديني في مصر.. رحلة الروح عبر أنغام المداحين.. من طوبار إلى التهامي.. أصوات مصرية تضيء السماء
تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يحمل الإنشاد الدينى فى مصر بين نغماته عبق التاريخ وأصالة الروح، فهو ليس مجرد فن، بل رحلة وجدانية تعبر الأزمنة والأجيال، فمن مجالس الذكر وحلقات الصوفية إلى ميكروفونات الإذاعة ومنصات المهرجانات، تظل أصوات المداحين تنقل محبيها إلى عوالم من السكينة والتأمل.
ورغم التقدم التكنولوجي فى العصور الحديثة، فإن أجواء الموالد التى تقام فى أنحاء مصر، سواء فى الصعيد أو فى الدلتا، تبقى مرآة لثقافة عميقة الجذور تتجسد من خلال أصوات المنشدين الذين يكرسون حياتهم فى مدح الأنبياء والصحابة وآل البيت.
فى هذا العالم الساحر، يبرز أسماء خالدة كرست حياتها لهذا الفن، من الشيخ نصر الدين طوبار وسيد النقشبندى إلى ياسين التهامى وعبد العظيم العطواني، ليظل الإنشاد الدينى صوتًا يتردد فى الأفق، يروى ظمأ القلوب ويضيء دروب العاشقين.
وُلد طوبار فى محافظة الدقهلية عام ١٩٢٠، وكان قد حفظ القرآن الكريم فى وقت مبكر من حياته، ما مهد له الطريق لاحتراف الإنشاد، وعلى الرغم من أنه رسب فى اختبارات الإذاعة فى البداية، إلا أن عزيمته لم تلن، وفى النهاية أتى نجاحه بعد المحاولة السابعة. من أشهر أعماله: "يا مالك الملك"، "مجيب السائلين"، "جل المنادي"، والتى بقيت أصداؤها ترافق أذواق محبيه حتى بعد وفاته عام ١٩٨٦.
أما محمد الكحلاوي، الذى يعد واحدًا من أشهر مداحى النبى صلى الله عليه وسلم، فقد تخصص فى الإنشاد الدينى الذى يعكس حبًا عميقًا للنبى محمد عليه الصلاة والسلام. وُلد الكحلاوى فى عام ١٩١٢ فى منيا القمح بمحافظة الشرقية، وعاش حياة مليئة بالصعوبات بعد فقدان والديه فى سن مبكرة.
بدأ الكحلاوى مع الإنشاد الشعبى فى بداياته، لكنه سرعان ما اختار مدح النبى محمد، وحقق شهرة واسعة بأناشيده الشهيرة مثل "يا قلبى صلى على النبي" و"نور النبي". كان يحب أن يُلقب بـ"مداح الرسول"، وتوفى فى عام ١٩٨٢، تاركًا وراءه إرثًا من الإنشاد الدينى الذى يلامس الأرواح ويبعث فى القلوب الإيمان.
فى صعيد مصر، يبرز الشيخ أحمد التوني، الذى حمل لقب "ساقى الأرواح"، ويمثل أحد أكبر وأشهر منشدى صعيد مصر. وُلد فى عام ١٩٣٢ فى قرية الحواتكة بأسيوط، وكرس نفسه لمدح الأنبياء والأولياء. من خلال أدائه المتميز.
استطاع التوني، أن يخرج بالإنشاد الصوفى من حدوده المحلية إلى العالمية، حيث شارك فى العديد من المهرجانات الروحية. كان الشيخ التونى من كبار المحبين للمولد البدوى بمدينة طنطا، ويعتبر أن هذا المولد هو الأهم والأشهر فى مصر.
أما الشيخ سيد النقشبندي، الذى يُعتبر أيقونة فى فن الإنشاد، فقد بدأ حياته فى قرية دميرة بمحافظة الدقهلية عام ١٩٢٠، وذاع صيته فى مجال الإنشاد بعد حفظه للقرآن الكريم وتعلمه الإنشاد الدينى فى حلقات الذكر. اشتهر بإنشاده الرائع لأعمال مثل "مولاي"، و"جل الإله"، و"أغيب"، وغيرها من التواشيح التى تبقى فى ذاكرة كل من سمعها.
قدم الشيخ النقشبندى العديد من التواشيح التى تسابق كبار الملحنين والمبدعين فى مصر لتلحينها، ويُعتبر من أبرز الأعلام فى فن الإنشاد حتى وفاته عام ١٩٧٦.
وفى هذا السياق، يُعتبر الشيخ طه الفشني، الذى وُلد فى عام ١٩٠٠ فى محافظة بنى سويف، من أبرز أساتذة المقامات الصوتية. بدأ حياته فى عالم الإنشاد بعد أن حفظ القرآن الكريم، وسرعان ما أصبح واحدًا من أبطال هذا الفن.
كان الشيخ الفشنى يعلم المقامات الصوتية الدقيقة التى يستخدمها فى إنشاده، ويعد واحدًا من أعظم منشدى مصر فى القرن العشرين. ومن أبرز أعماله "ميلاد طه" و"يا أيها المختار"، وقد توفى فى عام ١٩٧١، تاركًا خلفه إرثًا غنائيًا كبيرًا فى مجال الإنشاد.
ومن بين هؤلاء الكبار فى فن الإنشاد، يبرز الشيخ عليوة، الذى نال لقب "مداح الرسول" بجدارة. وُلد فى محافظة أسيوط وبدأ حياته فى قصور الثقافة قبل أن يتجه إلى الإنشاد الديني.
اشتهر الشيخ عليوة، بأناشيده التى تعكس حبًا صوفيًا عميقًا للنبى محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أبرز أعماله "حب النبي"، و"قلبى إلى الحبيب"، و"على باب الكريم". لا تقتصر شهرة الشيخ عليوة على مصر فقط، بل امتدت إلى العديد من الدول العربية.
من أبرز الوجوه الأخرى فى هذا المجال هو الشيخ أحمد برين، الذى يعتبر من أبرز المنشدين الذين جمعوا بين الإنشاد الدينى الإسلامى والإنشاد القبطي. وُلد فى قرية السلوى بأسوان فى عام ١٩٣٩، وكان له دور كبير فى إحياء المناسبات الدينية المسيحية والإسلامية على حد سواء.
شارك برين فى العديد من الاحتفالات الدينية المسيحية مثل "مولد السيدة العذراء". أطلق عليه محبوه لقب "سيد المنشدين" نظرًا لإجادته الإنشاد الدينى بكافة أنواعه.
ولا ننسى الشيخ ياسين التهامي، الذى نشأ فى بيئة صوفية وأصبح أحد أبرز كبار المداحين فى مصر. وُلد فى ١٩٤٩ فى محافظة أسيوط، وتربى فى أجواء دينية وصوفية، مما جعله يتمتع بقدرة فائقة على أداء القصائد الصوفية. اشتهر بإنشاده لقصائد ابن الفارض، وعبد القادر الجيلاني، وغيرهم من شعراء الصوفية.
وفى إطار هذه القائمة الكبيرة من المنشدين، لا بد من ذكر الشيخ أحمد عبد الفتاح الأطروني، الذى يُعتبر موسيقارًا فى عالم الإنشاد الديني. وُلد فى عام ١٩٥٥، وكان له تأثير كبير فى مجال الإنشاد والابتهالات الدينية. اشتهر بعزف منفرد على آلة العود، وقدم العديد من الأناشيد التى تحاكى الإيمان بالله ومدح النبي.
يُمثل هؤلاء المنشدون اللامعون جزءًا من تاريخ طويل من الإنشاد الدينى فى مصر، وهم يحملون فى أصواتهم رسالة محبة وتقدير للأنبياء والأولياء. وبينما يواصل الفن تطوره فى العصر الحديث، فإن أصوات هؤلاء الكبار تبقى شاهدة على ما كان وما زال يشكّل جزءًا أساسيًا من ثقافة مصر الروحية.
العطواني.. صوت مصر الذى يصدح بـ"البردة"فى عالم الإنشاد الديني، تظل "البردة" واحدة من أبرز وأشهر القصائد التى تتردد على ألسنة المحبين والمادحين فى كل مكان. تعتبر قصيدة "البردة" للإمام البوصيرى أيقونة من أيقونات المدح النبوي، ويعجز الفن الدينى عن إغفالها أو تجاهلها فى أى مجلس روحانى أو مناسبة دينية.
يُعد الشيخ عبد العظيم العطوانى واحدًا من أشهر منشدى قصيدة "البردة"، تلك القصيدة التى تُعد واحدة من أروع قصائد المدح النبوي. اشتهر العطوانى بصوته العذب الذى يطرب لحنه القلوب، مما جعله من أبرز الأعلام فى فن الإنشاد الدينى فى العالم العربي. ورغم شهرة صوته التى وصلت إلى مسامع محبيه فى جميع أنحاء العالم، إلا أنه بقى متمسكًا بجذوره فى قريته البسيطة فى محافظة أسوان، بعيدًا عن الأضواء الإعلامية فى القاهرة.
وُلد الشيخ عبد العظيم العطوانى فى السابع من فبراير عام ١٩٤٦ فى قرية العطوانى بمركز إدفو بمحافظة أسوان. منذ صغره أبدع فى حفظ القرآن الكريم وأحكام تجويده، حيث دفعه والده لحفظ كتاب الله كاملًا، وقد نجح فى ذلك منذ سن مبكرة، مما ساهم فى تعزيز ارتباطه العميق بالدين. كما كانت بداية انطلاقه فى عالم الإنشاد الدينى مع حفظه وتجويده لقصيدة "البردة" للإمام البوصيري، تلك القصيدة التى ارتبطت به بشكل خاص.
بدأ العطواني، فى إنشاد "البردة" فى قريته، وتعلمها عن ظهر قلب منذ طفولته. كان صوته العذب يطرب للمستمعين فى المساجد والمجالس الدينية فى قريته والمناطق المجاورة. وقد ارتبطت القصيدة بصوته، فصار يُقال "البردة بصوت العطواني"، بينما ظل هو محتفظًا بتواضعه، رافضًا الانتقال إلى القاهرة للسعى وراء الشهرة الإعلامية.
بفضل تلك التسجيلات الصوتية التى انتشرت على شرائط الكاسيت، نال الشيخ العطوانى شهرة واسعة فى الأوساط الدينية، وكان من أبرز من أنشدوا خلفه كبار العلماء والمشايخ مثل الشيخ محمد متولى الشعراوى والشيخ محمد عبده يماني، وزير الإعلام السعودى الأسبق. وعلى الرغم من تلقيه دعوات للظهور الإعلامى والتوسع فى حياته المهنية، إلا أنه فضل أن يبقى مخلصًا لرسالته فى إنشاد البردة فى قريته ومجتمعه المحلي.
تميز العطوانى بأسلوبه الخاص فى تقديم "البردة"، إذ أضاف إليها ألحانًا موسيقية فريدة لم يسبق لها مثيل، ما جعله مختلفًا عن غيره من منشدى البردة فى العالم العربي. وكان يقضى سنوات طويلة مع الشيخ محمد متولى الشعراوي، الذى كان يرافقه فى حفلات خاصة، وفى أحد الأيام، سُئل الشيخ الشعراوى عن سر منسر "البردة"، فأجاب ضاحكًا: "خلق الله الأرانب لكى نأكلها بالملوخية، وكذا خلق العطوانى لينشد البردة".
ظلت حياة الشيخ عبد العظيم العطوانى مع "البردة" محورية، حيث ظل وفيًا لهذا الفن الأصيل الذى ارتبط به، ليظل صوتًا يذكره محبوه فى قلوبهم وأذهانهم، حتى بعد وفاته فى العاشر من فبراير ٢٠١٦.
واستمرارًا لمسيرة "البردة"، ظهر نجل الشيخ عبد العظيم العطواني، المنشد محمد العطواني، الذى أكد أن تجربته مع القصيدة المشهورة كانت "نداء رباني" له، حيث اختارته كما يختار الولى من يزوره. ومحمد العطواني، نشأ فى بيئة دينية، وكان لوالده دور كبير فى تعلقه بالمديح النبوى والإنشاد، حيث كان يشجعه على أن يستقى من أسرار "البردة" ويجعلها مصدرًا للنور فى حياته.
منذ طفولته، أصبحت "البردة" جزءًا لا يتجزأ من وجدان محمد العطواني، وهو اليوم أحد أبرز المنشدين الذين يمدحون رسول الله صلى الله عليه وسلم. رسالتها بالنسبة له هى دعوة للشباب للتحلى بمكارم الأخلاق والتقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الإنشاد الدينى فى مصر.. تجديد وإبداعلا تزال ساحة الإنشاد الدينى فى مصر تشهد ظهور وجوه جديدة وأصوات مميزة ترفد هذا الفن العريق بالحيوية والابتكار. ورغم مرور الزمن وتغير الأذواق، يظل الإنشاد الصوفى والدينى جزءًا لا يتجزأ من ثقافة المجتمع، يحافظ على حضوره بفضل التنوع فى أساليبه وأدائه، ويستمر فى جذب الأجيال الجديدة بفضل تقديمه لرسائل روحانية عميقة.
يُعد المنشد على الهلباوى من أبرز الأسماء التى شكلت ملامح هذا الفن فى العصر الحديث. حفلاته فى أماكن مثل ساقية عبد المنعم الصاوى ودار الأوبرا المصرية، وغيرها من الأماكن الثقافية والفنية، تحقق نجاحًا كبيرًا وتستقطب جمهورًا متنوعًا يعشق الأناشيد الصوفية. يتمايل الجمهور فى خشوع على أنغام أشهر أناشيده مثل "واسع الملكوت".
ولدت هذه الموهبة من خلفية عائلية حيث كان والده، المنشد محمد الهلباوي، المعلم الأول له فى هذا الفن، مما جعله ينشد أمام الجمهور منذ أن كان فى السادسة من عمره. ورغم أنه يقدم الأغانى العاطفية التى تعجب الجيل الجديد، إلا أن هلباوى يختار كلمات وألحانًا تظل تحافظ على العفة والطهارة، مما جعله يكتسب مريدين من مختلف الأجيال.
أما المنشد الشاب نور ناجح، فقد استطاع أن يحقق نجاحًا كبيرًا من خلال فكرة مبتكرة تمثلت فى إنشاء فرقة "الحضرة" التى تعد أول فرقة مصرية للإنشاد الصوفى الجماعي. انطلقت الفكرة عبر فيسبوك لتجمع مجموعة من الشباب المحبين لهذا الفن.
وحقق هذا المشروع نجاحًا لافتًا فى وقت قياسي، حيث اجتذب شبابًا من مختلف الخلفيات الثقافية. يتكون أعضاء الفرقة من ١١ فردًا، حيث يتمتع كل منهم بخلفية صوفية مختلفة، وتقدم الفرقة عروضها فى زى رسمى يشمل الجلباب الأبيض والعمامة الخضراء.
الإنشاد الدينى ليس حكرًا على المسلمين، فإلى جانب هؤلاء المنشدين، يبرز اسم الفنان صليب فوزي، مؤسس مشروع "صليب صوفي"، الذى يمزج بين الألحان القبطية الأرثوذكسية والأغانى الصوفية، ليخلق تجربة فنية فريدة تأسر قلوب مستمعيه.
بدأ فوزى حياته الفنية كشماس فى إحدى كنائس الصعيد، ثم انتقل لتكوين فرقة فنية تعبر عن ثقافة التسامح والوحدة بين المسلمين والمسيحيين، مستهدفًا نشر رسالة السلام من خلال الموسيقى. نجاح حفلاته يتجاوز الحدود الجغرافية، حيث تتمايل رؤوس الحضور فى مصر وخارجها على أنغام "يا أعظم المرسلين" وغيرها من الأناشيد الروحية التى تمزج بين المديح الصوفى والترانيم الكنسية.
ومن خلال هذه الأسماء المبدعة وغيرهم من المواهب الشابة، يستمر فن الإنشاد الدينى فى مصر فى تأكيد حيويته ومرونته، ليظل يشكل حلقة وصل بين الأجيال المختلفة، معززًا مكانته فى قلب الثقافة المصرية الحديثة.
رحلة الإنشاد الديني.. من مصر إلى المغربفى كتابه "الإنشاد الدينى - دراسة مقارنة بين مصر والمغرب" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، يشير الباحث الدكتور أحمد سعد الدين عيطة إلى أن الإنشاد الدينى هو الأسلوب الصوتى الذى يتناول موضوعات ذات طابع روحانى وديني، مثل التسابيح والأدعية والمدائح النبوية.
يعتمد هذا الفن على قوة وجمال الصوت المنشد وقدرته على استخدام المقامات الموسيقية الشرقية المناسبة، كما يكون فيه دور محدود للآلات الموسيقية التى يمكن أن تضفى لمسة جمالية تساعد فى خلق حالة من العمق الروحى لدى المنشد والجمهور.
تعود جذور هذا الفن إلى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث بدأ على يد الصحابة والتابعين الذين أرسوا أسسه عبر قصائد مثل قصائد حسان بن ثابت، شاعر الرسول، والتى كانت محورية فى العديد من التواشيح والمدائح النبوية. من أبرز قصائده: "وأحسن منك لم ترَ قط عني/ وأجمل منك لم تلد النساءُ / خُلقت مبرأً من كل عيب / كأنك قد خلقت كما تشاءُ".
وفى القرن العشرين، شهد الإنشاد الدينى والتواشيح تطورًا كبيرًا، حيث برز كبار المنشدين مثل الشيخ طه الفشني، الشيخ النقشبندي، والشيخ على محمود فى مصر، إلى جانب الشيخ محمد بجدوب والشيخ عبد الفتاح بنيس فى المغرب. هؤلاء المنشدون كانوا يعيدون إحياء الليالى الرمضانية والمناسبات الدينية بأصواتهم الرقيقة التى تجمع حولهم آلاف العشاق لهذا الفن.
ويتابع عيطة فى دراسته، موضحًا التنوع الفنى بين المنشدين، لافتًا إلى أن العديد منهم يستخدمون مصطلحات موسيقية أكاديمية ويدركون تمامًا معانى المقامات الموسيقية المختلفة. حيث يتم توسيع استخدام المقامات بما يتجاوز المقامات التقليدية مثل "الراست" و"البياتي" و"السيكا" إلى المقامات الحديثة مثل "رمل المايا" و"استهلال" و"الحجاز الكبير". أما بعض المقامات مثل "الكورد" و"الصبا"، فهى غير موجودة فى التقليد المغربى الذى تأثر جذريًا بالموسيقى الأندلسية.
يرصد الكتاب أيضًا التباين فى أساليب الإنشاد بين الأجيال فى كل من مصر والمغرب، إذ يوجد فى مدينة فاس المغربية مدرستان؛ إحداهما تقليدية تُركز على الأداء بدون الاعتماد الكثيف على الآلات الموسيقية، وأخرى معاصرة تستخدم الآلات أكثر ولكن بمخزون شعرى أقل.
ويظهر المنشد التقليدى بمهارة فى استخدام صوته وقوة أدائه، بينما يبرز المنشد المعاصر باعتماده على الآلات الموسيقية ليحقق نوعًا من التنوع الموسيقى لكن مع تحديات فى الحفاظ على مستوى الأداء لفترات طويلة.
كما أن هناك فروقًا إقليمية فى أساليب الإنشاد فى مصر، حيث يختلف أداء المنشدين فى الوجه القبلى (صعيد مصر) عن المنشدين فى الوجه البحري. فى صعيد مصر، يتمتع المنشد بقدرة كبيرة على التحكم فى الإيقاع وتحويله إلى حالات صوتية عالية ومنخفضة وفقًا للظروف الروحية.
بينما فى الوجه البحري، يترك المنشد نفسه ليتأثر "بالحالة العامة" التى تسود فى حلقات الذكر، مع الاعتماد على الابتهالات الصوفية التى قد تكون غير موزونة.
ومن خلال هذا التنوع، يبقى الإنشاد الدينى أحد الفنون التى تجمع بين الحرفية الصوتية والروحانية، وهو فن يعيش ويزدهر عبر الأجيال المختلفة، من مصر إلى المغرب.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الإنشاد الديني المداحين نصر الدين طوبار سيد النقشبندى طه الفشني محمد الكحلاوي الشيخ عليوة ياسين التهامي صلى الله علیه وسلم الشیخ عبد العظیم الإنشاد الدینی الشیخ محمد لهذا الفن العدید من فى محافظة واحد ا من مما جعله هذا الفن صعید مصر ا کبیر ا من أبرز فى قریة من خلال إلا أن فى هذا فى عام الذى ی ی عتبر
إقرأ أيضاً:
تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي.. الذكرى 57 لمحكمة الردة الأولى وتشكيل التحالف الديني العريض ضد الفهم الجديد للإسلام «5- 11»
تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي.. الذكرى 57 لمحكمة الردة الأولى وتشكيل التحالف الديني العريض ضد الفهم الجديد للإسلام «5- 11»
بقلم الدكتور عبد الله الفكي البشير
ختمت البروفيسور آمال قرامي تقديمها للطبعة الثانية التي ستصدر قريباً من كتاب: الذكرى الخمسون للحكم بردة محمود محمد طه: الوقائع والمؤامرات والمواقف، قائلة:
“يصدر المُؤلَف في فترة حرجة من تاريخ السودان استشرى فيها العنف وتفتت فيه النسيج الاجتماعي، وكثرت فيها الخيبات والمآسي وبرزت فيها علامات التراجع عن أهداف الثورة السودانية. فهل يكون هذا المُؤلَف ملاذ الحائرين/ات والباحثين عن فهم أسباب ما يجري؟”
البروفيسور آمال قرامي
أستاذة الفكر الإسلامي والدراسات الجندرية بالجامعة التونسية، تونس
قلنا في مستهل الحلقة الأولى من سلسلة هذه المقالات: “بتخطيط وتنسيق مسبق وبمؤامرة شارك فيها قطاع واسع ممن يسمون برجال الدين في الفضاء الإسلامي، والقضاة الشرعيين، و هيئة علماء السودان، و جماعة الإخوان المسلمين، وبعض رجال الطائفية والقادة السياسيين في السودان، ومشايخ جامعة أم درمان الإسلامية السودان)، ومشايخ الأزهر (مصر)، كان انعقاد المحكمة المهزلة، محكمة الردة في مثل هذا اليوم، 18 نوفمبر من العام 1968. مثَّل انعقاد المحكمة وصدور حكمها الباطل، بداية المواجهة بين الفهم القديم للإسلام، و الفهم الجديد للإسلام، كما طرحه المفكر محمود محمد طه. أتبع الأزهر شراكة مشايخه في مؤامرة المحكمة، بإصدار فتوى بكفر المفكر محمود محمد طه “الكفر الصراح”. كما لحق بالأزهر رابطة العالم الإسلامي حيث أفتى مجلسها التأسيسي وبالإجماع بردة محمود محمد طه عن الإسلام. يتكون المجلس التأسيسي للرابطة من ستين عضواً يمثلون مختلف دول العالم الإسلامي، وتتخذ الرابطة من المملكة العربية السعودية مقراً لها”.
شكَّل حكم محكمة الردة الذي صدر في 18 نوفمبر 1968، سابقة خطيرة، حيث تم استدعاؤه والأخذ به مع فتوتي الأزهر و رابطة العالم الإسلامي في محاكمة يناير 1985، التي حكمت على المفكر الإنساني محمود محمد طه بالإعدام، كما سيرد التفصيل لاحقاً. نواصل الحديث عن المؤامرات المحلية، فبعد أن وقفنا عند تآمر رئيس وأعضاء مجلس السيادة السوداني، نقف اليوم عند مؤامرات القضاة. (ملاحظة: كل ما يرد في هذه السلسلة يجد سنده التوثيقي في الكتاب المشار إليه، أعلاه، وقد أخذنا فيه بمنهج توثيقي صارم).
مؤامرات القضاةكشف المدعي الأول في محكمة الردة الأمين داود في كتاباته، عن شراكة قاضي القضاة والقضاة الشرعيين في المؤامرة. فقبل أن يتم تقديم الدعوى للمحكمة، قام الأمين داود بالاتصال بقاضي القضاة وبالقاضي الذي ترأس محكمة الردة فيما بعد، وقد أوضح موقف كل منهما.
موقف قاضي القضاة، عبد الماجد أبو قصيصةحكى الأمين داود في كتابه: نقض مفتريات محمود محمد طه وبيان موقف القضاء منه، وتحت عنوان: “موقف القضاء من محمود محمد طه”، مبيناً بأنه تقدم بالدعوى بعدما رأى “استعداداً طيباً وروحاً عالياً من حضرة صاحب الفضيلة الشيخ عبد الماجد أبوقصيصة قاضي قضاة السودان لقبول دعوى الحسبة”. كما أضاف بأن قاضي القاضي قد قال له بأن الدعوى من صميم عمل المحاكم الشرعية.
قاضي محكمة الردةروى الأمين داود في كتابه آنف الذكر، بأنه قد أتصل بالقاضي توفيق أحمد صديق، وطرح عليه خطته قبل انعقاد المحكمة، بل لم يتقدم بالدعوى، كما قال، إلا بعد ما لمسه من الهمة العالية والوقوف مع الحق من الشيخ توفيق أحمد صديق عضو محكمة الاستئناف العليا الشرعية، وبعد ذلك: “تقدمنا بدعوى الحسبة”.
تبين من الاعترافات الموثقة أن قرار محكمة الردة قد تم الاتفاق عليه قبل تقديم الدعوى نفسها. فالمدعي الأول، كما أورد في كتابه، رتب الأمر مع قاضي القضاة ومع رئيس المحكمة، ووجد موافقتهم وقبولهم فماذا بقى؟ لا شيء سوى تنفيذ المؤامرة.
يتضح مما تقدم أن التحالف الذي تشكل من رجال الدين والطائفية والزعماء السياسيين والقضاة الشرعيين، قد اجتمع على التآمر على المفكر محمود محمد طه، فدبروا تلك المكيدة السياسية. ومما لا شك فيه أن معظم هؤلاء السياسيين من الطائفيين والقضاة الشرعيين والفقهاء، لهم امتداداتهم الخارجية في مصر والسعودية، كما أن كثير منهم يتحرك بتوجيهات مصر الرسمية وبتوجيهات مشايخ الأزهر وبالتنسيق بينهما. وقد فصلنا كل ذلك في كتبنا.
إكتمال حلقات التنسيق والتآمر“ولكن لا بأس، فإن من جَهِلَ العزيز لا يَعِزَّه!! ومتى عرف القضاة الشرعيون رجولة الرجال، وعزة الأحرار، وصمود أصحاب الأفكار؟”.
محمود محمد طه، 19 نوفمبر 1968
بعد اكتمال حلقات التنسيق والتآمر بين القضاة الشرعيين، ورجال الدين، والقادة والسياسيين، تقدم الأمين داود، الأستاذ بجامعة أم درمان الإسلامية (مدعي أول)، وحسين محمد زكي، الأستاذ بجامعة أم درمان الإسلامية (مدعي ثاني)، بدعوى ضد محمود محمد طه، رئيس الحزب الجمهوري، بالردة عن دين الإسلام، حسبة لله تعالى. تم تقييد الدعوى لتكون القضية رقم 1035/1968 أمام محكمة الخرطوم العليا الشرعية، التي تشكلت برئاسة القاضي توفيق أحمد صديق، عضو محكمة الاستئناف العليا الشرعية المنتدب للنظر والفصل في الدعوى.
عدم اختصاص المحكمةإن المحكمة التي عُهد إليها بالنظر في القضية رقم 1035/1968، وهي محكمة الخرطوم العليا الشرعية، لم يكن من اختصاصها إصدار حكم بإعلان ردة أي إنسان من الإسلام. فالمحاكم الشرعية في السودان أنشأها الاستعمار بموجب قانون أصدره الحاكم العام، وهو قانون المحاكم الشرعية السودانية لعام 1902. ولم يتضمن هذا القانون أي نص يدل على صلاحية المحكمة الشرعية في الحكم بردة أو تكفير مسلم. فاختصاص هذه المحاكم قد حددته المادة السادسة التي تنص على أن للمحاكم الشرعية الصلاحية للفصل في:
أ. أية مسألة تتعلق بالزواج والطلاق والولاية والعلاقات العائلية بشرط أن يكون الزواج قد عقد على الشريعة الإسلامية أو أن يكون الخصوم من المسلمين.
ب. أية مسألة تتعلق بالوقف أو الهبة أو الميراث أو الوصية … إلخ.
ج. أية مسألة سوى ما ذكر في الفقرتين السابقتين على شرط أن تتقدم الأطراف المتنازعة بطلب كتابي ممهور بتوقيعاتهم يلتمسون فيه من المحكمة أن تقضي بينهم مؤكدين أنهم عازمون على الالتزام بحكم الشريعة في الأمر المتنازع عليه.
مما يدل على عدم اختصاص المحكمة التي نظرت في القضية، أن حكمها جاء غيابياً، بسبب عجزها عن احضار المتهم أمامها أو إجباره على الحضور، كما أنها لم تستطع تنفيذ الحكم الذي أصدرته، لا في ذلك الوقت، ولا في أي وقت لاحق، وهو ما لم يكن يحول دونه غياب المحكوم عليه، خاصة وأن للحكم عقوبة مقررة شرعاً هي أعلى مراتب العقوبات المدنية. وهذا ما أكدته المحكمة العليا/ الدائرة الدستورية في العام 1986 حينما قررت عدم اختصاص المحكمة الشرعية العليا، وقضت ببطلان حكمها، كما سيرد التفصيل لاحقاً.
ما يجب التأكيد عليه هو أن المحاكم الشرعية غير مختصة في إصدار حكم بإعلان ردة أو تكفير أي إنسان من الإسلام. إن تسمية هذه المحاكم محاكم شرعية فيه تضليل وإيهام للناس بأن شريعتهم قائمة. والاسم الصحيح لهذه المحاكم إنما هو “المحاكم الملية” أي أن الحكم الاستعماري كان عندما يحتل بلداً يخصص محاكم لكل ملة من أهل ذلك البلد مسلمين، نصارى، يهود، لتحكم لهم في قضايا الأحوال الشخصية حسب أديانهم، وأسوأ من ذلك فإن ما يسمى عندنا بالمحاكم الشرعية لم يكن ينفذ حكماً من أحكامها إلا بواسطة المفتش الإنجليزي لأن السلطة التنفيذية قد كانت بيده هو لا بيد (القضاة الشرعيين). نقف هنا ونلتقي في الحلقة السادسة.
[email protected]
تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي.. الذكرى 57 لمحكمة الردة الأولى وتشكيل التحالف الديني العريض ضد الفهم الجديد للإسلام (4-11)
الوسومالأمين داود الدكتور عبد الله الفكي البشير الزواج الطلاق توفيق أحمد صديق عبد الماجد أبو قصيصة محكمة الردة محمود محمد طه