عربي21:
2025-07-04@10:37:18 GMT

هل صار «الاستبداد الغربي» مطلبا ديمقراطيا؟!

تاريخ النشر: 23rd, March 2025 GMT

قبل عقود كتب أحد الصحافيين أن الصهيوني الإرهابي إسحاق شامير لم يصل لرئاسة الوزراء في إسرائيل إلا ليُفرح رسامي الكاريكاتور! وقد يصح مثل هذا القول اليوم على رجل البزنس المنحرف الذي سقط في فخ المافيا الروسية منذ ما قبل انهيار الاتحاد السوفييتي. ذلك أنه يبدو أن «دونْ ترامب» (حسب التسمية التي أطلقها عليه توماس فريدمان تشبيها له بدونْ كورليوني زعيم المافيا النيويوركية في فيلم «العرّاب») لم يصل إلى الرئاسة في أمريكا إلا ليكون حالة تطبيقية للنظرية القائلة بأن الديمقراطيات الليبرالية، التي سماها كارل بوبر المجتمعات المنفتحة، إنما هي كائنات طرية هشة قابلة للفناء السريع، إلا أن تتعهدها شعوبها ونُخبها بالرعاية المستمرة وتحفظها من أعداء الداخل، قبل أعداء الخارج، بعين اليقظة المدنية وعناء السهر المؤسسي.



إذ لا تنتهي الحيرة ولا ينقضي العجب من هذه الشعوب التي كانت تنعم طيلة أحقاب بالحقوق والحريات وسيادة الاختيار الديمقراطي فإذا بها تقرر بغتة أن تستخدم نعمة الديمقراطية لاختيار رجال سوء ورداءة تنذر ميولهم الاستبدادية بسحق الحرية والقضاء على الديمقراطية ذاتها. فهل صحيح، كما يروج اليوم بعض المنظّرين، أن الشعوب لا صبر لها على لا-يقين الحياة الديمقراطية وطول إجراءاتها وكثرة تعقيداتها، وأنها تواقة إلى الزعيم المستبد الذي يبسّط المشهد ويختزل الطريق ويقوم وحده بالأمر كله؟

لست أرى هذا الرأي، رغم بداية ظهور «استبداد غربي» يوازي في اعتباطيته نموذج الاستبداد الشرقي القديم. ذلك أن الثابت في التاريخ الحديث والمعاصر أن الشعوب تتوق في الحالات العادية إلى الحرية والشعور بالأمان. إذ ليس من الطبيعة البشرية أن ترضى، مختارة، بالعبودية ومعيشة الخوف والقهر.

ولهذا كان الفرح الشعبي العارم في سوريا بسقوط حكم الشر والهمجية، وكانت الانتفاضة الطلابية الواسعة في صربيا ضد تسلط الحكام وفسادهم، وكانت الهبة الشعبية القوية في جورجيا ضد تصميم الحكومة على تأبيد تبعيتها للأخ الأكبر في روسيا. وليس تاريخ الشعوب طيلة القرنين الماضيين، سواء في أوروبا أم في مستعمراتها السابقة، سوى تأكيد لحقيقة السعي الإنساني الدائب، سلما وعنفا، بالمواجهة أو بالمداورة، نحو الكرامة والحرية والأخذ بزمام المصير.

وإني لَمن الموقنين بأن الطبيعة البشرية تقتضي الكرامة والحرية اقتضاء رغم علمي أن معظم الفلاسفة المعاصرين ينفون وجود طبيعة بشرية وأن سارتر كان يظن أن خلوّ الإنسان من طبيعة سابقة عليه متأصلة فيه هو من شروط قدرته على تحقيق ماهيته ونحت كيانه، أي بلوغ أقصى حريته.

وقد بينت حنا آرندت في كتابها «شرط الإنسان المعاصر» أن الإنسان كائن مشروط بأوضاع مادية سابقة عليه أو مستقلة عنه مثلما هو مشروط بما ينتجه هو ذاته من منتجات الحضارة والمدنية. وهذه المشروطيّة هي في نظرها الصفة الغالبة على الوجود الإنساني. ولكنها تؤكد أن القول بالشرط الإنساني لا يعني القول بالطبيعة البشرية. على أنها لا تذكر سببا لنفي الطبيعة البشرية إلا صعوبة تحديدها، قبل أن تقول «وبعد، فليس ثمة ما يسوغ لنا الافتراض بأن للإنسان طبيعة أو ماهية مثلما يكون للأشياء». إلا أن قولها هذا هو أحد الأدلة على خلط الفلاسفة المعاصرين بين الطبيعة والماهية، ظنا منهم أن القول بالطبيعة البشرية هو موقف جوهراني يحكم على الإنسان بالانحباس سلفا في ماهية ثابتة متحجرة ليس له منها فكاك.

ولكن الحق خلاف ذلك. والدليل أنه ما كان لتشومسكي أن يأتي بنظريته الثورية في اللسانيات لولا قوله بالطبيعة البشرية. أما الذي تسميه آرندت الشرط، أو الوضع، الإنساني فيُعادله، من المنظور الإسلامي، مفهوم المنزلة الإنسانية في تراوُحها بين العزم والعجز وبين تزكية النفس وتدنيسها. وليست الطبيعة البشرية إلا الفطرة التي فطر الله الناس عليها. الفطرة السليمة التي يستبين بها الإنسان الخير من الشر والعدل من الظلم والحق من الباطل.

الفطرة التي أنطقت الفاروق عندما أتاه الرجل القبطي يشكو عدوان ابن عمرو بن العاص عليه، فصاح مستنكرا: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا! فالحرية هي الوضع الطبيعي في أحوال الوجود الإنساني. الحرية هي الأصل والفطرة أيّا ما كان قول أرسطو (الذي لم يكن في تبريره للعبودية إلا ترجمانا لروح عصره).

صحيح أن لطرب بعض الشعوب الغربية حاليا لمواويل عرائس بحر الفاشية أسبابا اجتماعية واقتصادية معروفة. ولكن هذه الظاهرة لا تعدو أن تكون تنويعا جديدا، ومؤقتا، على المأساة التي كان لابوييسي قد أسماها «العبودية الطوعية».

(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الديمقراطية الاستبدادية الغربية استبداد الغرب ديمقراطية اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الطبیعة البشریة

إقرأ أيضاً:

الأرصاد: سحب رعدية متفرقة مساء الغد على بعض مناطق الشمال الغربي

أعلن المركز الوطني للأرصاد الجوية، الوضع الجوي السائد والمتوقع بداية من اليوم الخميس وخلال اليومين القادمين، مشيرا لظهور سحب رعدية متفرقة مساء يوم الغد على بعض مناطق الشمال الغربي.

وقال بيان صادر عن المركز: “أجواء صيفية معتادة حيث درجات الحرارة ضمن معدلاتها الفصلية، وتتراوح على المناطق الساحلية مابين (28–32)مْ, ومابين (33–38)مْ على الدواخل، ومابين (38–42)مْ على مناطق الجنوب، مع زيادة في عامل الرطوبة النسبية على المناطق الساحلية”.

وأضاف “من المتوقع أن تسجل درجات الحرارة ارتفاع تدريجي من منتصف الأسبوع القادم على المناطق الغربية خاصة على الدواخل”.

الوسومالأرصاد الطقس ليبيا

مقالات مشابهة

  • سوريا تطلق هوية بصرية جديدة.. الرئيس الشرع يؤكد: عهد الاستبداد انتهى
  • هدوء الطبيعة وجاذبية الريف.. المزارع تتحول إلى وجهات سياحية صيفية
  • الرئيس الشرع: الهوية تعبر عن بناء الإنسان السوري وترمم الهوية السورية التي ألفت الهجرة بحثاً عن الأمن والمستقبل الواعد، فنعيد إليها ثقتها وكرامتها وموقعها الطبيعي في الداخل والخارج
  • وزير الخارجية: توجت جهودنا برفع العقوبات ورفع علم سوريا في مقر الأمم المتحدة، سوريا التي نراها اليوم تشبه الشعب السوري، والرمزية السورية اليوم أكثر انفتاحاً ترمز إلى الإنسان السوري وثقافته وأرضه
  • قواعد الاستبداد لإخضاع العباد
  • الأرصاد: سحب رعدية متفرقة مساء الغد على بعض مناطق الشمال الغربي
  • «الوطني» و«الكنيست» يبحثان التعاون البرلماني
  • هل أصبح الخطاب الغربي مقبولًا في ظل المعايير المزدوجة؟
  • مجلس الشورى.. دبلوماسية برلمانية ترسخ مكانة قطر الدولية وتعزز التفاهم بين الشعوب
  • حاكم عجمان: العلم حجر أساس في نهضة الشعوب وتقدمها