عربي21:
2025-12-02@14:53:49 GMT

هل صار «الاستبداد الغربي» مطلبا ديمقراطيا؟!

تاريخ النشر: 23rd, March 2025 GMT

قبل عقود كتب أحد الصحافيين أن الصهيوني الإرهابي إسحاق شامير لم يصل لرئاسة الوزراء في إسرائيل إلا ليُفرح رسامي الكاريكاتور! وقد يصح مثل هذا القول اليوم على رجل البزنس المنحرف الذي سقط في فخ المافيا الروسية منذ ما قبل انهيار الاتحاد السوفييتي. ذلك أنه يبدو أن «دونْ ترامب» (حسب التسمية التي أطلقها عليه توماس فريدمان تشبيها له بدونْ كورليوني زعيم المافيا النيويوركية في فيلم «العرّاب») لم يصل إلى الرئاسة في أمريكا إلا ليكون حالة تطبيقية للنظرية القائلة بأن الديمقراطيات الليبرالية، التي سماها كارل بوبر المجتمعات المنفتحة، إنما هي كائنات طرية هشة قابلة للفناء السريع، إلا أن تتعهدها شعوبها ونُخبها بالرعاية المستمرة وتحفظها من أعداء الداخل، قبل أعداء الخارج، بعين اليقظة المدنية وعناء السهر المؤسسي.



إذ لا تنتهي الحيرة ولا ينقضي العجب من هذه الشعوب التي كانت تنعم طيلة أحقاب بالحقوق والحريات وسيادة الاختيار الديمقراطي فإذا بها تقرر بغتة أن تستخدم نعمة الديمقراطية لاختيار رجال سوء ورداءة تنذر ميولهم الاستبدادية بسحق الحرية والقضاء على الديمقراطية ذاتها. فهل صحيح، كما يروج اليوم بعض المنظّرين، أن الشعوب لا صبر لها على لا-يقين الحياة الديمقراطية وطول إجراءاتها وكثرة تعقيداتها، وأنها تواقة إلى الزعيم المستبد الذي يبسّط المشهد ويختزل الطريق ويقوم وحده بالأمر كله؟

لست أرى هذا الرأي، رغم بداية ظهور «استبداد غربي» يوازي في اعتباطيته نموذج الاستبداد الشرقي القديم. ذلك أن الثابت في التاريخ الحديث والمعاصر أن الشعوب تتوق في الحالات العادية إلى الحرية والشعور بالأمان. إذ ليس من الطبيعة البشرية أن ترضى، مختارة، بالعبودية ومعيشة الخوف والقهر.

ولهذا كان الفرح الشعبي العارم في سوريا بسقوط حكم الشر والهمجية، وكانت الانتفاضة الطلابية الواسعة في صربيا ضد تسلط الحكام وفسادهم، وكانت الهبة الشعبية القوية في جورجيا ضد تصميم الحكومة على تأبيد تبعيتها للأخ الأكبر في روسيا. وليس تاريخ الشعوب طيلة القرنين الماضيين، سواء في أوروبا أم في مستعمراتها السابقة، سوى تأكيد لحقيقة السعي الإنساني الدائب، سلما وعنفا، بالمواجهة أو بالمداورة، نحو الكرامة والحرية والأخذ بزمام المصير.

وإني لَمن الموقنين بأن الطبيعة البشرية تقتضي الكرامة والحرية اقتضاء رغم علمي أن معظم الفلاسفة المعاصرين ينفون وجود طبيعة بشرية وأن سارتر كان يظن أن خلوّ الإنسان من طبيعة سابقة عليه متأصلة فيه هو من شروط قدرته على تحقيق ماهيته ونحت كيانه، أي بلوغ أقصى حريته.

وقد بينت حنا آرندت في كتابها «شرط الإنسان المعاصر» أن الإنسان كائن مشروط بأوضاع مادية سابقة عليه أو مستقلة عنه مثلما هو مشروط بما ينتجه هو ذاته من منتجات الحضارة والمدنية. وهذه المشروطيّة هي في نظرها الصفة الغالبة على الوجود الإنساني. ولكنها تؤكد أن القول بالشرط الإنساني لا يعني القول بالطبيعة البشرية. على أنها لا تذكر سببا لنفي الطبيعة البشرية إلا صعوبة تحديدها، قبل أن تقول «وبعد، فليس ثمة ما يسوغ لنا الافتراض بأن للإنسان طبيعة أو ماهية مثلما يكون للأشياء». إلا أن قولها هذا هو أحد الأدلة على خلط الفلاسفة المعاصرين بين الطبيعة والماهية، ظنا منهم أن القول بالطبيعة البشرية هو موقف جوهراني يحكم على الإنسان بالانحباس سلفا في ماهية ثابتة متحجرة ليس له منها فكاك.

ولكن الحق خلاف ذلك. والدليل أنه ما كان لتشومسكي أن يأتي بنظريته الثورية في اللسانيات لولا قوله بالطبيعة البشرية. أما الذي تسميه آرندت الشرط، أو الوضع، الإنساني فيُعادله، من المنظور الإسلامي، مفهوم المنزلة الإنسانية في تراوُحها بين العزم والعجز وبين تزكية النفس وتدنيسها. وليست الطبيعة البشرية إلا الفطرة التي فطر الله الناس عليها. الفطرة السليمة التي يستبين بها الإنسان الخير من الشر والعدل من الظلم والحق من الباطل.

الفطرة التي أنطقت الفاروق عندما أتاه الرجل القبطي يشكو عدوان ابن عمرو بن العاص عليه، فصاح مستنكرا: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا! فالحرية هي الوضع الطبيعي في أحوال الوجود الإنساني. الحرية هي الأصل والفطرة أيّا ما كان قول أرسطو (الذي لم يكن في تبريره للعبودية إلا ترجمانا لروح عصره).

صحيح أن لطرب بعض الشعوب الغربية حاليا لمواويل عرائس بحر الفاشية أسبابا اجتماعية واقتصادية معروفة. ولكن هذه الظاهرة لا تعدو أن تكون تنويعا جديدا، ومؤقتا، على المأساة التي كان لابوييسي قد أسماها «العبودية الطوعية».

(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الديمقراطية الاستبدادية الغربية استبداد الغرب ديمقراطية اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الطبیعة البشریة

إقرأ أيضاً:

أمين البحوث الإسلامية: الأزهر يدعو للسلام ونبذ العنف وغرس قيم التسامح بين الشعوب

ألقى أ.د. محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، كلمةً في المؤتمر العِلمي الذي نظَّمه المركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة الإسبانية (مدريد)، تحت عنوان: (دَور المؤسَّسات الدِّينيَّة في صناعة الوعي الفكري الآمن وانعكاسات ذلك على سلامة المجتمعات)، وذلك بمشاركة فضيلة أ.د. عبَّاس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ونخبة من أساتذة الجامعات الأوروبيَّة.

وخلال كلمته، أكَّد الدكتور محمد الجندي أنَّ رسالة الأزهر الشريف بقيادة فضيلة الإمام الأكبر أ.د. أحمد الطيِّب، شيخ الأزهر، تقوم على الدعوة للسلام، وترسيخ قِيَم الرحمة، ونبذ العنف والكراهية، واحترام إنسانيَّة جميع البشر، مشيرًا إلى أنَّ هذا المؤتمر يمثِّل محطَّةً مهمَّةً لتصحيح المفاهيم المغلوطة حول الإسلام، وإبراز دعوته ودعوة الشرائع السماويَّة للتعايش والسلم العالمي، ورَفْض التطرُّف وإراقة الدماء.

وأوضح الدكتور الجندي أنَّ حِفظ النفْس الإنسانيَّة قيمةٌ ثابتةٌ لا يختلف عليها عاقلان، وأنَّ احترام خصوصيَّة أصحاب الديانات، وحماية حقِّهم في ممارسة شعائرهم- أصلٌ من أصول الاستقرار الإنساني، لافتًا إلى أنَّ الإسلام جاء بمنهج ينسجم مع طبيعة الوجود، ويهذِّب السلوك البشري، ويقود المجتمع نحو الإخاء والتكامل بعيدًا عن صراعات الهيمنة ونزعات التمييز.

وتابع الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة أنَّ القرآن الكريم وضع أُطُرًا واضحةً لإدارة العَلاقات الإنسانيَّة على أساس السلام والمحبَّة، مستشهدًا بنماذج مِنَ الآيات التي تُذكِّر الإنسان بوحدة الأصل البشري، وتوجِّه المسلمين إلى البر والقسط مع مَن لا يحاربونهم في الدِّين، مؤكِّدًا أنَّ جميع الرسالات السماويَّة جاءت لتكرِّم الإنسان أيًّا كان معتقده أو لونه أو عِرقه.

وأردف فضيلته أنَّ التاريخ الإسلامي زاخر بمواقف عمليَّة رسّخت البرَّ والقسط مع الآخر، وضمنت حماية دُور العبادة، وصون حقوق أهل الذمَّة، مشيرًا إلى نماذج من عهد الخلفاء الراشدين والمعاهدات التي حفظت للناس أرواحهم وأموالهم ومعتقداتهم.

وأشار إلى أنَّ العواصم الإسلاميَّة -عبر العصور- فتحت أبوابها أمام العلماء والمفكِّرين من مختلِف الديانات؛ ما جعل التسامح قوَّةً حضاريَّةً وليس موضع ضعف، وأنَّ مسيرة الأزهر الشريف -عبر تاريخه الطويل- قامت على ترسيخ قِيَم التسامح والتعايش، وأنه جسَّد هذه القِيَم واقعًا معاصرًا بإنشاء (بيت العائلة المصريَّة)، والدعوة إلى (حوار الشرق والغرب)، وصياغة (وثيقة الأخوَّة الإنسانيَّة)، وإطلاق مبادرة (صُنَّاع السلام).

كما أكَّد الدكتور محمد الجندي أنَّ العالَم اليوم يحتاج إلى خطاب حضاري عادل ومتوازن، يفتح أبواب الشراكة بدل الصراع، ويعيد للإنسان مكانته أمام موجات الماديَّة والأنانية، وأنَّ قضايا المجتمعات لا تُحلُّ بالعزل والإقصاء؛ بل بالحوار والاندماج، وأنَّ صون كرامة الإنسان حجر أساس لسلام الأمم.

وشدَّد الدكتور الجندي على أنَّ التطرُّف والعنصريَّة ليستا نتاجًا دِينيًّا بقدْر ما هما أمراض حضاريَّة تغذِّيها المصالح الضيِّقة حين تطغى على القِيَم والأخلاق، موضِّحًا أنَّ بناء قِيَم التسامح يقوم على تشريعات عادلة تحمي الجميع دون تمييز.

وتوقَّف الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة عند تأثير التكنولوجيا في صناعة الوعي العالمي، مؤكِّدًا أنَّ غياب القِيَم يحوِّلها إلى أداة تمزيق، بينما توظيفها عبر معايير أخلاقيَّة يجعلها قادرةً على تعزيز التفاهم والتكامل بين الشعوب.

ودعا الدكتور محمد الجندي في ختام كلمته إلى ضرورة فهم رسالة الإسلام ودعوته لاحترام الآخر، وأهميَّة إنشاء مراكز بحثيَّة عالميَّة لنشر ثقافة السلام والأخوَّة الإنسانيَّة، إضافةً إلى وَضْع منظومة دوليَّة مترابطة لتعزيز التسامح الدِّيني، وتوظيف الآليَّات الإعلاميَّة والدِّعائيَّة كافَّة لتحقيق هذا الهدف.

طباعة شارك محمد الجندي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية المركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة الإسبانية

مقالات مشابهة

  • قمة «بريدج» 2025 تجمع قادة العمل الإنساني والذكاء الاصطناعي في أبوظبي
  • أستاذ بالأزهر يوضح أعظم الأحاديث التي بينت كيف يكون الإنسان راقيا
  • من حلم الوصول إلى كابوس الفشل.. تحولات الهجرة في المنظور الغربي
  • تدشين المبنى الجديد بمستشفى بورتسودان لأمراض النساء والولادة بدعم من الحكومة الايطالية
  • شاهد.. حفل افتتاح مبهر واستثنائي لكأس العرب 2025
  • ملتقى رياض الشريعة السادس يناقش الفكر الإنساني ودور عُمان الحضاري
  • وزير الدفاع: ما حدث في غزة خارج حسابات المنطق الإنساني
  • كرة القدم أفيون الشعوب أم رياضة توحدها؟
  • أمين البحوث الإسلامية: الأزهر يدعو للسلام ونبذ العنف وغرس قيم التسامح بين الشعوب
  • أسئلة الإجازات ودروس الطبيعة