مونيكا ويليم تكتب: كيف تؤثر الطاقة في مسار الصراع الروسي الأوكراني؟
تاريخ النشر: 26th, March 2025 GMT
مثلت الطاقة محورًا أساسيًا في النزاعات الدولية، لا سيما في الصراعات التي تتداخل فيها الأبعاد الاقتصادية والجيوسياسية. وفي سياق الحرب الروسية الأوكرانية، برزت مسألة استهداف البنية التحتية للطاقة كأحد الأدوات المستخدمة للضغط المتبادل بين الطرفين. ومع ذلك، شكّلت المباحثات التليفونية بين الرئيس دونالد ترامب والرئيس بوتين والتي استمرت لمدة 90 دقيقة محطة هامة في مسار التهدئة وخفض التصعيد منذ أكثر من ثلاث سنوات والتي توافقت على ضرورة إقرار السلام الدائم على أن يتم البدء بهدنة تفضي بعدم استهداف البنية التحتية الطاقية، وذلك على الرغم من تبادل الجانبين الاتهامات بانتهاكه، وعلى هذا الأساس ينظر إلى هدنة الطاقة في الحرب الروسية الأوكرانية، كونها تخضع إلى الضرورات الاستراتيجية وحسابات القوى الدولية.
ومع تحليل البيانات الصادرة بين البيت الأبيض والكرملين بشأن المباحثات المشار إليها عاليه، تلاحظ اختلافات كبيرة بينهما، فأبرز تلك الاختلافات، تتمثل في أن البيان الصادر من قبل الكرملين، تناول المباحثات بشيء من التفاصيل برزت من خلال سرد شروط روسيا لوقف أطلاق النار بشكل شامل ومستدام في أوكرانيا وهو ما ينفذ من خلال وقف الإدارة الأمريكية عن تسليح أوكرانيا أو تقديم الدعم العسكري لها ، أو تعبئة أوكرانيا فضلا عن ذلك وقف التعاون الاستخباراتي مع أوكرانيا خاصة في ظل حصار 10 ألف جندي أوكراني في العملية العسكرية في كورسك وفقدانها أبرز الوحدات القتالية وبالتالي فقدان عدد من الأسلحة النوعية والتكتيكية كالقذائف المدفعية، ومدافع هاو تزر والعربات لقتالية المطورة ، كما فقدت أوكرانيا حوالي 300 عربيات برادلي لنقل الجند من طراز M1s ؛ وهو بدوره ما يعرقل العمليات الهجومية لدي أوكرانيا، ويؤكد عدم تفعيل الاتفاق سريعًا بل سيترقب ويتوقف الأمر علي ضمانات من قبل الإدارة الأمريكية بوقف أطلاق النار.
في حين تناول بيان الولايات المتحدة بعض الملفات التي لم يتم الإشارة إليها؛ إلا أن النقطة المشتركة هو وقف استهداف البنية التحتية النفطية وقذف منشأت الطاقة والتي تمثل أداة أساسية للتفاوض وهو ما يعد تقدماً.
وفي هذا الإطار سوف تركز هذه المقالة على عدة أبعاد منها موقع الطاقة في المفاوضات مع التطرق إلى عمق الدوافع البرجماتية لدي الولايات المتحدة لحل الأزمة.
وعليه هناك عدة تساؤلات من قبيل هل تعد تلك الهدنة بمثابة هدنة تكتيكية جزئية خاصة بقطاعي الطاقة والبنية التحتية؟ هل سيدخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ؟
باستذكار الملابسات المتعلقة بالهجمات على منشآت الطاقة كجزء من جهود كلا البلدين لإضعاف الآخر، إذ كانت الهجمات الروسية على البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا جزءاً أساسياً من جهودها لإخضاع البلاد ، قد بدأت روسيا بمهاجمة البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا في أكتوبر 2022 بعد أن اتضح ضرورة أن يصاحب خطتها الأولية حرب استنزاف لتحقيق نصر سريع على الأرض،وبالتالي أصبحت فيها البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا هدفاً رئيسياً.
أما بالنسبة لأوكرانيا، فتهدف الهجمات على المنشآت الروسية إلى خفض عائدات روسيا المترامية الأطراف، وعلى هذا الاساس بدأت أوكرانيا باستهداف البنية التحتية للطاقة الروسية بشكل متكرر في أوائل عام 2024، في محاولة لإلحاق الضرر بالاقتصاد الروسي خاصة قطاع النفط والغاز وذلك لتحقيق هدف مزدوج يتمثل في خفض عائدات النفط الروسية التي تُستخدم لتمويل الجيش الروسي والحد من إمدادات الوقود إلى جانب إحداث تأثير نفسي من خلال إشعال حرائق واسعة النطاق.
وعلي مدار العام الماضي، صعدت أوكرانيا هجماتها حيث تسللت طائرات أوكرانية مُسيّرة إلى عمق الأراضي الروسية، مُستهدفةً مصافي نفط ومستودعات ووحدات تخزين وأنابيب ومحطات ضخ؛ وقد أدت هذه الهجمات إلى تعطيل تدفقات النفط التي تمر عبر محطات النفط البحرية الروسية وخط أنابيب دروجبا.
وعند محاولة استقراء تأثير تلك الهجمات علي مصافي النفط علي خفض قدرة التكرير في روسيا، تبين وفقاً للعديد من التقديرات أنها بلغت نحو 10% إلا ان الشركات الروسية تمكنت من تفادي تلك التأثيرات سريعاً.
واستكمالا للتطرق في هذا البعد، وبالنظر إلى أن الصراع الروسي الأوكراني قد غير خريطة إمدادات الطاقة عالمياً، فمن المتوقع أن تُغير نهايته العديد من المعادلات بالأسواق، فوفقا لتوقعات بنك جولد مان ساكس أن تنخفض أسعار الغاز في أوروبا بنسبة تتراوح ما بين 15-50% وذلك ترجيحاً بعودة جزء من الغاز الروسي إلى أوروبا، وفي الوقت نفسه تتباين التقديرات الدولية فيما يتعلق بالتأثير على أسواق النفط، ففي حين يرجح بنك جولد مان ساكس التأثير على أسواق النفط تأثيراً محدوداً، وذلك لان النفط الروسي محكومًا بالاساس بقرارات الأوبك بلس.
في حين أن بنك أوف أمريكا (Bank of America) يرجح أن الزيادة في أمدادات النفط الروسي للأسواق العالمية، بنحو 1.2 مليون برميل يومياً بعد رفع العقوبات قد يسهم في هبوط الأسعار بنحو 5- 10 دولار للبرميل ما تسعي إليه أيضا الولايات المتحدة الأمريكية.
وتأسيسا على ذلك، وُيمكن النظر إلى كافة المحاولات بأنها مفاوضات تكتيكية لبحث آلية وقف أطلاق النار فأي مفاوضات مع الجانب الأوكراني هي مفاوضات جزئية كون روسيا لا تعترف بشرعية النظام الأوكراني علاوة على ذلك، حالة انعدام الثقة المرسخة بين الجانب الأوكراني والروسي والتي تنامت بعد توقيع اتفاقية الحبوب في تركيا عام 2022.
وهو الأمر الذي يدفعنا للبحث عن الأسباب البرجماتية الدافعة للولايات المتحدة لحل الأزمة، فهناك معضلة تبرز في رغبة روسيا في الاعتراف بانتصارها والضغط على أوكرانيا لاستسلامها، ولكن في المقابل ماذا تريد الولايات المتحدة؟
الإجابة تتلخص في عدة مشاهد متناثرة ومترابطة في آن واحد، وبالتالي هناك تفاهمات متشابكة أولاً، ثمة صفقات متعلقة بالحفاظ علي النفوذ الأمريكي داخل منطقة جنوب وشرق أسيا وأيضا الشرق الأوسط وذلك من خلال استغلال العلاقات الاستراتيجية التي تربط روسيا بالصين وأيضا بكوريا الشمالية و ايران ، وبالتالي فك الحلف العسكري الذي برز بين روسيا والصين وكوريا الشمالية وايران علي خلفية تصاعد الصراع الروسي الأوكراني.
فضلا عن عودة الشركات الأمريكية إلى القطاع الاقتصادي الروسي وذلك بعد خسارتها قرابة 300 مليار دولار وتقدر عدد الشركات 1000 شركة ، وفي الوقت نفسه تتبلور البرجماتية الأمريكية في هذا الإطار لأنه باستمرار هذه الحرب تزداد المخاوف باحتمالية نشوب حرب عالمية ثالثة.
ختاماً، يمثل الاتفاق على تحييد المنشآت النفطية من الاستهداف العسكري خطوة مهمة نحو احتواء التصعيد في الحرب الروسية الأوكرانية، كما يعكس الأهمية المتزايدة للطاقة كعامل مؤثر في مسار النزاعات الدولية. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة قد تسهم في خلق بيئة أكثر استقرارًا للمفاوضات، فإنها تظل مرهونة بالتطورات الميدانية والسياسية ومدى التزام الأطراف المعنية بها. وفي ظل التوازنات الدولية المتغيرة، يبقى السؤال الأهم: هل يكون هذا الاتفاق مقدمة لحل شامل، أم مجرد هدنة مؤقتة في صراع أعمق تحكمه اعتبارات استراتيجية معقدة؟
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الطاقة النزاعات الدولية الحرب الروسية الأوكرانية المزيد البنیة التحتیة للطاقة الولایات المتحدة فی أوکرانیا من خلال
إقرأ أيضاً:
بوتين: أوكرانيا كلها لنا وأينما وطأت أقدام جيش روسيا فهي لملك لها
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة، إن كل الأراضي الأوكرانية ملك لبلاده أن مواطني الدولتين شعب واحد.
جاء ذلك في رد على سؤال لمحاوره في منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، عن تقدّم الجيش الروسي باتجاه أماكن جديدة بأوكرانيا تتجاوز حدود المناطق التي تدعي روسيا أحقيتها بها.
وأضاف بوتين، " أعتقد أن الشعبين الروسي والأوكراني شعب واحد. ووفق هذا المنظور، أوكرانيا كلها لنا. أينما وطأت أقدام الجيش الروسي، فهي لنا".
وأشار إلى أن روسيا تتحرك وفق الحقائق القائمة، وبوجود أوكرانيين عددهم ليس بالقليل يسعون لضمان سيادتهم واستقلالهم، قائلا: "لا نشكك في حق الشعب الأوكراني في الاستقلال والسيادة".
وتابع، "لكن الأسس التي أصبحت عليها أوكرانيا دولة مستقلة تم ذكرها ووردت في إعلان الاستقلال عام 1991، وجاء فيه أن أوكرانيا دولة محايدة خارج التكتلات، وحبذا لو عادوا إلى هذه المبادئ التي نالت بها أوكرانيا استقلالها".
كما ذكر بوتين أن روسيا لا تسعى إلى "إخضاع" أوكرانيا، قائلا: "نطالب بقبول الحقائق على الأرض".
وفي حديثه عن تقدم الجيش الروسي في منطقة سومي الأوكرانية، قال بوتين: "علينا إنشاء منطقة أمنية على طول الحدود، لأنهم (الجنود الأوكرانيون) يشنون هجمات مستمرة من هناك بالمدفعية والطائرات المسيرة".
وفي حديثه عن احتمال استخدام أوكرانيا "قنبلة قذرة" ضد روسيا، أوضح بوتين: "ليس لدينا أي معلومات تُؤكد ذلك. ومع ذلك، سيكون استخدام أوكرانيا لقنبلة قذرة خطأ فادحا. عقيدتنا النووية تتطلب منا الرد بالمثل وفي جميع الأوقات. سيكون ردنا على ذلك قاسيا للغاية وسيكون كارثيا على النظام النازي الجديد".
وحول احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة، أجاب الرئيس الروسي: "أنا قلق بشأن هذا، والاحتمال يتزايد. خاصة عندما نأخذ في الحسبان الصراعات العسكرية في أوكرانيا، وأحداث الشرق الأوسط، والتطورات في إيران، والمخاطر الأخرى المحتملة".
اظهار ألبوم ليست
وذكر بوتين أن روسيا والصين لا تُنشئان نظاما عالميا جديدا، بل "نحن نضفي عليه طابعًا رسميًا فحسب، لأن هذا التغيير يحدث بشكل طبيعي" بحسب قوله.
وفي تعليقه على تهديد إسرائيل بقتل المرشد الإيراني علي خامنئي قال الرئيس الروسي "أتمنى لو أن هذا الكلام يبقى مجرد كلام".
وقال بوتين في تقييمه للصراع الذي بدأ بهجمات إسرائيلية عنيفة على إيران: "من جهة، تدافع إيران عن حقها في تخصيب اليورانيوم وامتلاك طاقة نووية سلمية. ومن جهة أخرى، تُصر إسرائيل على ضمان أمنها. يمكن إيجاد حلول مقبولة لكلا البلدين".
وأكد أنهم على تواصل دائم مع الجانبين الإسرائيلي والإيراني، وقال: "لدينا مقترحات لحل المسألة. لسنا بصدد القيام بدور الوسيط، بل نقدم أفكارًا فحسب. إذا كانت هذه المقترحات مناسبة للجانبين، فسنكون سعداء بذلك".
وأشار بوتين إلى أن روسيا تربطها علاقات ودية بإيران، وأنهم يدعمون نضالها من أجل مصالحها، بما في ذلك مجال الطاقة النووية السلمية.
وتابع: "بنينا محطة بوشهر للطاقة النووية في إيران. وتوصلنا إلى اتفاق لبناء محطتين نوويتين إضافيتين. ورغم الصعوبات والمخاطر المحيطة بإيران، فإننا نواصل عملنا في هذا الاتجاه. ولن نُجلي موظفينا من هناك".
ولفت بوتين إلى أنه طرح مسألة أمن الخبراء الروس في محطة الطاقة النووية بإيران خلال اتصالاته مع إسرائيل والولايات المتحدة.
وأعرب الرئيس الروسي في الوقت نفسه عن قلقه حيال الوضع المحيط بالمنشآت النووية في إيران.