مثلت الطاقة محورًا أساسيًا في النزاعات الدولية، لا سيما في الصراعات التي تتداخل فيها الأبعاد الاقتصادية والجيوسياسية. وفي سياق الحرب الروسية الأوكرانية، برزت مسألة استهداف البنية التحتية للطاقة كأحد الأدوات المستخدمة للضغط المتبادل بين الطرفين. ومع ذلك، شكّلت المباحثات التليفونية بين الرئيس دونالد ترامب والرئيس بوتين والتي استمرت لمدة 90 دقيقة محطة هامة في مسار التهدئة وخفض التصعيد منذ أكثر من ثلاث سنوات والتي توافقت على ضرورة إقرار السلام الدائم على أن يتم البدء بهدنة تفضي بعدم استهداف البنية التحتية الطاقية، وذلك على الرغم من تبادل الجانبين الاتهامات بانتهاكه، وعلى هذا الأساس ينظر إلى هدنة الطاقة في الحرب الروسية الأوكرانية، كونها تخضع إلى الضرورات الاستراتيجية وحسابات القوى الدولية.

 


ومع تحليل البيانات الصادرة بين البيت الأبيض والكرملين بشأن المباحثات المشار إليها عاليه، تلاحظ اختلافات كبيرة بينهما، فأبرز تلك الاختلافات، تتمثل في أن البيان الصادر من قبل الكرملين، تناول المباحثات بشيء من التفاصيل برزت من خلال سرد شروط روسيا لوقف أطلاق النار بشكل شامل ومستدام في أوكرانيا وهو ما ينفذ من خلال وقف الإدارة الأمريكية عن تسليح أوكرانيا أو تقديم الدعم العسكري لها ، أو تعبئة أوكرانيا فضلا عن ذلك وقف التعاون الاستخباراتي مع أوكرانيا خاصة في ظل حصار 10 ألف جندي أوكراني في العملية العسكرية في كورسك وفقدانها أبرز الوحدات القتالية وبالتالي فقدان عدد من الأسلحة النوعية والتكتيكية  كالقذائف المدفعية، ومدافع هاو تزر والعربات لقتالية المطورة ، كما فقدت أوكرانيا حوالي 300 عربيات برادلي لنقل الجند من طراز M1s ؛ وهو بدوره ما يعرقل العمليات الهجومية لدي أوكرانيا، ويؤكد عدم تفعيل الاتفاق سريعًا بل سيترقب ويتوقف الأمر علي ضمانات من قبل الإدارة الأمريكية بوقف أطلاق النار.


في حين تناول بيان الولايات المتحدة بعض الملفات التي لم يتم الإشارة إليها؛ إلا أن النقطة المشتركة هو وقف استهداف البنية التحتية النفطية وقذف منشأت الطاقة والتي تمثل أداة أساسية للتفاوض وهو ما يعد تقدماً.
وفي هذا الإطار سوف تركز هذه المقالة على عدة أبعاد منها موقع الطاقة في المفاوضات مع التطرق إلى عمق الدوافع البرجماتية لدي الولايات المتحدة لحل الأزمة.  


وعليه هناك عدة تساؤلات من قبيل هل تعد تلك الهدنة بمثابة هدنة تكتيكية جزئية خاصة بقطاعي الطاقة والبنية التحتية؟ هل سيدخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ؟  


باستذكار الملابسات المتعلقة بالهجمات على منشآت الطاقة كجزء من جهود كلا البلدين لإضعاف الآخر، إذ كانت الهجمات الروسية على البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا جزءاً أساسياً من جهودها لإخضاع البلاد ، قد بدأت روسيا بمهاجمة البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا في أكتوبر 2022 بعد أن اتضح ضرورة أن يصاحب خطتها الأولية حرب استنزاف لتحقيق نصر سريع على الأرض،وبالتالي أصبحت فيها البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا هدفاً رئيسياً.


أما بالنسبة لأوكرانيا، فتهدف الهجمات على المنشآت الروسية إلى خفض عائدات روسيا المترامية الأطراف، وعلى هذا الاساس بدأت أوكرانيا باستهداف البنية التحتية للطاقة الروسية بشكل متكرر في أوائل عام 2024، في محاولة لإلحاق الضرر بالاقتصاد الروسي خاصة قطاع النفط والغاز وذلك لتحقيق هدف مزدوج يتمثل في خفض عائدات النفط الروسية التي تُستخدم لتمويل الجيش الروسي والحد من إمدادات الوقود إلى جانب إحداث تأثير نفسي من خلال إشعال حرائق واسعة النطاق.


وعلي مدار العام الماضي، صعدت أوكرانيا هجماتها حيث تسللت طائرات أوكرانية مُسيّرة إلى عمق الأراضي الروسية، مُستهدفةً مصافي نفط ومستودعات ووحدات تخزين وأنابيب ومحطات ضخ؛ وقد أدت هذه الهجمات إلى تعطيل تدفقات النفط التي تمر عبر محطات النفط البحرية الروسية وخط أنابيب دروجبا. 


وعند محاولة استقراء تأثير تلك الهجمات علي مصافي النفط علي خفض قدرة التكرير في روسيا، تبين وفقاً للعديد من التقديرات أنها بلغت نحو 10% إلا ان الشركات الروسية تمكنت من تفادي تلك التأثيرات سريعاً.


واستكمالا للتطرق في هذا البعد، وبالنظر إلى أن الصراع الروسي الأوكراني قد غير خريطة إمدادات الطاقة عالمياً، فمن المتوقع أن تُغير نهايته العديد من المعادلات بالأسواق، فوفقا لتوقعات بنك جولد مان ساكس أن تنخفض أسعار الغاز في أوروبا بنسبة تتراوح ما بين 15-50% وذلك ترجيحاً بعودة جزء من الغاز الروسي إلى أوروبا، وفي الوقت نفسه تتباين التقديرات الدولية فيما يتعلق بالتأثير على أسواق النفط، ففي حين يرجح بنك جولد مان ساكس التأثير على أسواق النفط تأثيراً محدوداً، وذلك لان النفط الروسي محكومًا  بالاساس بقرارات الأوبك بلس. 


في حين أن بنك أوف أمريكا (Bank of America) يرجح أن الزيادة في أمدادات النفط الروسي للأسواق العالمية، بنحو 1.2 مليون برميل يومياً بعد رفع العقوبات قد يسهم في هبوط الأسعار بنحو 5- 10 دولار للبرميل ما تسعي إليه أيضا الولايات المتحدة الأمريكية.


وتأسيسا على ذلك، وُيمكن النظر إلى كافة المحاولات بأنها مفاوضات تكتيكية لبحث آلية وقف أطلاق النار فأي مفاوضات مع الجانب الأوكراني هي مفاوضات جزئية كون روسيا لا تعترف بشرعية النظام الأوكراني علاوة على ذلك، حالة انعدام الثقة المرسخة بين الجانب الأوكراني والروسي والتي تنامت بعد توقيع اتفاقية الحبوب في تركيا عام 2022. 


وهو الأمر الذي يدفعنا للبحث عن الأسباب البرجماتية الدافعة للولايات المتحدة لحل الأزمة، فهناك معضلة تبرز في رغبة روسيا في الاعتراف بانتصارها والضغط على أوكرانيا لاستسلامها، ولكن في المقابل ماذا تريد الولايات المتحدة؟

 
الإجابة تتلخص في عدة مشاهد متناثرة ومترابطة في آن واحد، وبالتالي هناك تفاهمات متشابكة أولاً، ثمة صفقات متعلقة بالحفاظ علي النفوذ الأمريكي داخل منطقة جنوب وشرق أسيا وأيضا الشرق الأوسط وذلك من خلال استغلال العلاقات الاستراتيجية التي تربط روسيا بالصين وأيضا بكوريا الشمالية و ايران ، وبالتالي فك الحلف العسكري الذي برز بين روسيا والصين وكوريا الشمالية وايران علي خلفية تصاعد الصراع الروسي الأوكراني.


فضلا عن عودة الشركات الأمريكية إلى القطاع الاقتصادي الروسي وذلك بعد خسارتها قرابة 300 مليار دولار وتقدر عدد الشركات 1000 شركة ، وفي الوقت نفسه تتبلور البرجماتية الأمريكية في هذا الإطار لأنه باستمرار هذه الحرب تزداد المخاوف باحتمالية نشوب حرب عالمية ثالثة.


ختاماً، يمثل الاتفاق على تحييد المنشآت النفطية من الاستهداف العسكري خطوة مهمة نحو احتواء التصعيد في الحرب الروسية الأوكرانية، كما يعكس الأهمية المتزايدة للطاقة كعامل مؤثر في مسار النزاعات الدولية. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة قد تسهم في خلق بيئة أكثر استقرارًا للمفاوضات، فإنها تظل مرهونة بالتطورات الميدانية والسياسية ومدى التزام الأطراف المعنية بها. وفي ظل التوازنات الدولية المتغيرة، يبقى السؤال الأهم: هل يكون هذا الاتفاق مقدمة لحل شامل، أم مجرد هدنة مؤقتة في صراع أعمق تحكمه اعتبارات استراتيجية معقدة؟

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الطاقة النزاعات الدولية الحرب الروسية الأوكرانية المزيد البنیة التحتیة للطاقة الولایات المتحدة فی أوکرانیا من خلال

إقرأ أيضاً:

حزمة إجراءات عاجلة لتحديث البنية التحتية..محافظ الجيزة يبحث موقف المرافق بالمنطقة الصناعية بأبو رواش

عقد المهندس عادل النجار محافظ الجيزة لقاء موسعًا لمتابعة الموقف التنفيذي الحالي للمرافق العامة بـ المنطقة الصناعية بأبو رواش والتي تشمل شبكات وخطوط مياه الشرب والصرف الصحي والكهرباء والطرق .

نائب محافظ الجيزة يتابع تسليم مشروعات «حياة كريمة» بمركزي الصف وأطفيحمحافظ الجيزة يهنئ الرئيس السيسي بالعام الهجري الجديد

وأشار " النجار " إلى أن تطوير المنطقة الصناعية بأبو رواش يأتي في إطار خطة متكاملة تنفذها محافظة الجيزة بالتعاون مع العديد الجهات المعنية لتحديث البنية التحتية للمناطق الصناعية وتوفير بيئة استثمارية متطورة تلبّي طموحات المستثمرين وتدعم توجه الدولة نحو التنمية الصناعية الشاملة .

لافتا أنه تم الاتفاق مع وزير الموارد المائية والري على عدد من الآليات لتوفير المياه للمنطقة الصناعية بأبو رواش، وذلك في إطار حرص الدولة على دعم وتطوير المناطق الصناعية وتهيئة بيئة مناسبة لجذب الاستثمار ودفع عجلة الإنتاج.

 كلف المحافظ بسرعة إنجاز أعمال رفع الإحداثيات للموقع المقرر إنشاء مجموعة من الآبار الجوفية به بمنطقة أبو رواش لرفع الحصة المائية للمنطقة الصناعية إلى نحو 20 ألف م³/يوم، كحل عاجل لحين الانتهاء من تنفيذ محطة مياه أبو رواش، التي من المنتظر أن توفر ما بين 150 إلى 250 ألف متر مكعب يوميًا من مياه الشرب، بما يلبّي احتياجات المحافظة المتزايدة.

ووجّه المحافظ مديرية الإسكان بالتنسيق مع شركة مياه الشرب والصرف الصحي لاستلام الأعمال المنفذة في البنية التحتية لمشروعات المياه والصرف، إداريًا وفنيًا، طبقًا للمواصفات الفنية، مع التأكد من مراجعة واستكمال شبكة خطوط الانحدار وتلافي أية ملاحظات على الأعمال المنفذة.

كما شدّد المهندس عادل النجار على ضرورة تقديم رسومات تنفيذية مطابقة لما تم على أرض الواقع (AS-BUILT)، إلى جانب إجراء الاختبارات الفنية والهيدروليكية اللازمة قبل الاستلام النهائي للأعمال الخاصة بمشروعات البنية التحتية.

وشدّد المحافظ على ضرورة استيفاء كافة الاشتراطات المطلوبة من شركة مياه الشرب والصرف الصحي بالجيزة لاستخدام الشبكة، وتكليف الشركة بأعمال الصيانة الوقائية وتأمين المواقع لحين تشغيل المشروع بالكامل.

كما وجّه محافظ الجيزة بطرح الأعمال المتبقية على الشركات الجادة مع الالتزام بتنفيذها طبقًا للجداول الزمنية والمواصفات الفنية المعتمدة.

وخلال اللقاء، شدّد المحافظ على ضرورة إجراء دراسة ضوئية لرفع كفاءة منظومة الإنارة بالمنطقة الصناعية بالكامل والتنسيق مع شركة الكهرباء لتحديد مصادر التغذية الكهربائية اللازمة .

وفي السياق ذاته كلف المحافظ الجهات المعنية بإجراء معاينات ميدانية لتحديد عدد من الطرق الرئيسية والفرعية بالمنطقة الصناعية ذات الأولوية تمهيدًا لدراسة إمكانية رفع كفاءتها سواء بالرصف بالطبقة الإسفلتية أو تركيب بلاط الإنترلوك، وفقًا للمساحات والاشتراطات الفنية المعتمدة .

حضر اللقاء السادة هند عبد الحليم نائب المحافظ ومحمد نور الدين السكرتير العام ومحمد مرعي السكرتير المساعد ومسئولي المنطقة الصناعية والإسكان والمرافق والأملاك والإنارة والطرق .

طباعة شارك المنطقة الصناعية بأبو رواش محافظ الجيزة مياه الشرب والصرف الصحي مياه الشرب محافظة الجيزة

مقالات مشابهة

  • لتحديث البنية التحتية..محافظ الجيزة يبحث موقف المرافق بالمنطقة الصناعية بأبو رواش
  • حزمة إجراءات عاجلة لتحديث البنية التحتية..محافظ الجيزة يبحث موقف المرافق بالمنطقة الصناعية بأبو رواش
  • مديرية خدمات درعا تنفذ عدداً من المشاريع لتحسين البنية التحتية في المحافظة
  • السليمانية.. مؤتمر لمناقشة البنية التحتية للسيارات الكهربائية في العراق (صور)
  • وزير النفط: تطوير البنية التحتية للغاز ركيزة أساسية لتعزيز الاقتصاد الوطني
  • أوكرانيا تتوعد بتكثيف هجماتها في العمق الروسي
  • النفط الروسي في طريقه إلى آسيا مجدداً.. باكستان تتأهب لاستئناف التوريد
  • أوكرانيا تهدد برد مكثف يشمل العمق الروسي بعد هجمات موسكو الأخيرة
  • مونيكا ويليم تكتب: مقاربة معضلة السجين .. مهلة ترامب ومأزق التصعيد بين إسرائيل وإيران
  • استعداداً للعام الدراسي الجديد.. جامعة الإسكندرية تناقش خطة التحول الرقمي و تطوير البنية التحتية خلال فصل الصيف