رمضـان.. دروس وعبر في حياة المسلم
تاريخ النشر: 27th, March 2025 GMT
لم يتبقَّ على رحيل شهر رمضان المبارك سوى أيام قلائل، هو إذن وقت قصير وتنقضي ساعات هذا الشهر الذي سُعدت به النفوس وانشرحت بقدومه حياتنا. شهر مبارك فرض الله فيه الصيام، ويُحييه الناس بالقيام وقراءة القرآن، عَبَر سريعًا كباقي أيام أعمارنا في الحياة الدنيا.
يقول الله تعالى في محكم آياته البينات: «يا أيها الذين آمنوا كُتِبَ عليكم الصِّيام كما كُتِبَ على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، أيامًا معدودات فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أُخر» صدق الله العظيم.
إذن رمضان هو ساعات محددة من أيام معدودة، وقد سهَّل الله على المسلمين صيامهم كلا حسب ظروفه، وهذا التسهيل جزء من رحمة الله بالعباد، والصوم يحمل المسلم على راحتيه ويقرّبه من الله تعالى بالطاعات والقربات، ويسوقه نحو غايات الفلاح والنجاح، ثم تطوي به إلى مراحل النهايات ليأتي من بعده عيد الفطر السعيد ليشعر المسلم بعظمة ومكانة هذا الدين الحنيف بما فيه من إثراء للروح الإنسانية والمكافأة الربانية، فتجلى الله عز وجل في علاه.
من الحقائق المهمة التي يجب أن يعيها الإنسان طالما بقي حيًا يُرزق على ظهر الأرض، أنه كلما انقضت ساعة من عمره دنا أجله، وقرب موعد سفره، وكلما ذهب إلى مرحلة عمرية أخرى من مراحل حياته التي بدأها طفلًا ثم شابًا يافعًا ثم كهلًا، أصبح هناك ضيق في الوقت وفناء مرتقب، لذا عليه أن يتنبه كثيرًا إلى نفسه وأن يعود إلى الله مطيعًا راضيًا بما أوجبه عليه من فرائض وواجبات محددة.
لو فتّشنا في مجالسنا عن الوجوه الغائبة هذا العام عن مشهد رمضان لوجدنا أعدادًا منهم قد توارت ما بين «مرض وضعف وموت»، وجوه لم نرها منذ فترة طويلة، بعضها سكنت أرواحهم في مساكن الموتى.
ومَن يعلم فربما لن تكتب أسماؤنا مع الذين سيكملون مشوار الحياة في رمضان القادم، وقد يمتد بنا العمر لنعيش لمرحلة أخرى جديدة وتجربة مفيدة في هذا الشهر المبارك، هكذا هي دورة الحياة «ذهاب بلا عودة، وأمل يتجدد باللقيا».
رمضان شهر يجمع الناس على المحبة والمودة، وعلينا أن نتذكر مَن كان معنا في رمضان الماضي وقبله، كيف تباعدت بيننا الخطوات وغابت عن وجوهنا البسمات، هو أمر الله لا غالب لأمره شيء.
ولو فتحت سجلات التاريخ وما فيه من أحداث وفتوحات عظيمة لوجدنا أن لرمضان ريادة وشواهد لا تنسى، ومهما تحدثنا طويلًا عن البطولات والمعارك التي خاضها المسلمون في صدر الإسلام، لوجدنا أن رمضان حدثت فيه الكثير من الإنجازات.
التاريخ لا ينسى تدوين الأحداث العظام التي حدثت في شهر رمضان الفضيل ومنها «نزول الوحي على رسولنا الكريم، وأيضًا غزوة بدر الكبرى وصدّ عدوان المشركين (الأحزاب) وغزوة الخندق وفتح مكة وغزوة تبوك»، وغيرها من الأحداث التاريخية العظيمة.
إننا لنجد أنفسنا أمام كمّ كبير من المحفزات نحو طريق الحياة والسعي إلى مرضاة الله تعالى والتقرّب إليه في شهر رمضان الفضيل، وأيضًا هناك الكثير من العبر من الصوم والقيام لا تعد ولا تحصى، فرمضان شهر القرآن والتوبة والغفران، شهر اختصه الله تعالى بنفسه، وأمرنا بأن نعمل جاهدين إلى كسب الثواب والتقرّب إليه بالطاعات، وأمرنا بأن نعمل فيه قدر ما نستطيع، ففي رمضان خير عظيم سواء للذات البشرية أو المجتمع الإنساني.
في وداع هذا الشهر الفضيل، علينا أن نستذكر كيف استقبل الناس شهرهم المعظم، فما أجمله من شهر أوشكت أيامه على الرحيل سريعًا! وما أحوجنا إلى التأمل والتريث وقراءة الأحداث وما شهدناه من مشاعر متضاربة ما بين الأمس واليوم، وفي كل عام يجب أن يسأل كلٌ منا نفسه: هل أدى ما عليه من واجبات تجاه ربه؟ وهل رمضان سوف يكون سلوكًا ممتدًا أم فترة زمنية ويقضي كل شيء؟
إن الإنسان بحاجة ماسة إلى مراجعة نفسه خاصة عندما يلتفت يمينًا وشمالًا في بيته أو في مجال عمله أو في المسجد الذي يصلي فيه، هناك أرواح غائبة بيننا ليس لدينا أي قدرة على وصلها الآن سوى بالدعاء لها بالمغفرة، فكم من شخصيات أثرت في حياتنا ورحلت كغيرها لكنها باقية في أرواحنا وهي تحتاج إلى الدعاء والتصدّق عنها والترحم عليها، فاللهم ارحم جميع موتانا وموتى المسلمين واعفُ عنهم واغفر لهم وأدخلهم جنات النعيم.
من الحقائق التي وردت على لسان العقلاء والنبلاء والسلف الصالح نستجذب شيئًا مهمًا مما قيل وهو «أن الإنسان سواء عد نفسه من العابرين لسبيل الحياة أم من المخلدين المقيمين.. فهو في النهاية سيرحل! وفي سائر الحالات سيعبر مجرى الأيام! فمتى الخلود.. كالظل الزائل.. وهذا ما أكده الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في سورة الأنبياء «وما جعلنا لبشر من قبلك الخُلد أَفَإِن مت فهم الخالدون» صدق الله العظيم.
إذن رمضان يودعنا بكل ما فيه من نفحات إيمانية، ومشاعر إنسانية، هناك أمل يوقد شعلة اللقاء مجددًا به ونحن لا نزال نحلم بتقديم الأعمال الطيبة، رغبة منا ورهبة من حساب سيأتي لاحقًا، لذا نسأل الله تعالى أن يتقبل من جميع المسلمين أعمالهم وأن يعيد هذا الشهر بالخير عليهم وأن يجعل أيام عيد الفطر السعيد أيام خير وبركة وفرحة وحبور.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الله تعالى هذا الشهر
إقرأ أيضاً:
حكم ترك مخلفات نحر الأضاحي في الشوارع.. الإفتاء: من السيئات
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه:ما حكم نحر الأضاحي في الشوارع وترك مخلفاتها في الطرقات وعدم القيام بتنظيف هذا؟.
وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة: إن هذا العمل المسئول عنه من السيئات العِظام والجرائم الجِسام؛ لأن فيه إيذاءً للناس؛ فقد قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 58].
ونوهت بأن فاعل ذلك إنما يتخلق بأخلاق بعيدة عن أخلاق المسلمين؛ لأن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول فيما رواه عنه عديدٌ من الصحابة رضيَ اللهُ عنهم: «المُسلِمُ مَن سَلِمَ المُسلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِه» رواه الشيخان وغيرهما.
وأشارت إلى أن الذابح للأضاحي أو غيرِها في شوارع الناس وطرقهم مع تركه للمخلفات فيها يؤذيهم بدمائها المسفوحة التي هي نجسة بنص الكتاب العزيز، ويعرضهم لمخاطر الإصابة بأمراض مؤذية، وأين هؤلاء من حديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الذي رواه مسلم وغيره عن أبي برزة رضي الله تعالى عنه قال: قلت: يا نبيَّ اللهِ، عَلِّمنِي شيئًا أَنتَفِعُ به، قال: «اعزِلِ الأَذى عن طَرِيقِ المُسلِمِينَ».
فكما أن إماطة الأذى صدقة، وهي من شعب الإيمان، فإن وضع الأذى في طريق الناس خطيئة، وهو من شعب الفسوق والعصيان، ووالله إنه ليجلب الأذى لفاعله في الدنيا والآخرة، وبرهان ذلك قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: «اتَّقُوا المَلاعِنَ الثَّلاثةَ: البَرازَ في المَوارِدِ، وقارِعةِ الطَّرِيقِ، والظِّلِّ» رواه أبو داود وأحمد وغيرهما عن معاذ وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم؛ فإن هذه الخصال تستجلب لعنَ الناسِ لفاعليها، وما نحن فيه مِن تقذير شوارع الناس ومرافقهم وتعريضهم للأمراض والأخطار مثير لغيظ الناس واشمئزازهم وحنقهم على فاعليها ومرتكبيها.
فالواجب القيام بهذا النحر في الأماكن المعدة والمجهزة لمثل ذلك، والواجب الحرص على الناس وعلى ما ينفعهم، والنأي بالنفس عن كل ما يُكَدِّر عيشَهم أو يؤذي أحاسيسهم وأبدانهم.
ودعت المسلمين الى عدم ترك مخلفات النحر في الشوارع والتسبب في إيذاء الناس ونشر الأوبئة والأمراض، امتثالا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا ضرر ولا ضرار».
كما بينت أنه لا يصح تلويث البدن والثياب والممتلكات بدماء الأضاحي؛ لأن النظافة والطهارة سلوك ديني وحضاري.