استعرض فايدنر الذي حل ضيفا على برنامج "المقابلة" رحلته الاستثنائية التي قادته من مقاعد الدراسة الثانوية في ألمانيا إلى جامعة دمشق، ومن ثم إلى رحاب الأدب العربي الحديث، ليصبح لاحقا أحد أبرز المستشرقين الألمان الجدد، المهتمين بقضايا الحوار بين الثقافات ونقد الإسلاموفوبيا.

يقول فايدنر إن اختياره للعربية جاء في سياق بحثه عن لغات عالمية مهمة، بعد أن أتقن الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية، مضيفا "عندما أردت أن أسافر، كانت العربية ستكون مفيدة جدا"، وبدأ تعلّم العربية في سن السادسة عشرة في مدرسة مسائية، ليجدها صعبة وممتعة في آن، لكنه لم يكتفِ بذلك.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4لغة الكتاب العربي.. مناقشات أكاديمية حول اللسان والفلسفة والمنطقlist 2 of 4المفكر التونسي الطاهر لبيب: سيقول العرب يوما أُكلنا يوم أُكلت غزّةlist 3 of 4اللغة وتقبّل المجتمع أبرز التحديات التي تواجهها المرأة العربية بألمانياlist 4 of 4أنت في محنة عندما تحيا فلسطينيا في ألمانيا!end of list

بعد سنتين من الدراسة الأولية، قرر فايدنر الانتقال إلى مستوى أعمق في دراسة اللغة والثقافة، فاختار الفلسفة والأدب المقارن، لكنه أدرك أن دراسة العربية ستمنحه تميزا، فانكب على ترجمة الشعر العربي الحديث، لشعراء مثل أدونيس ومحمود درويش ونزار قباني وبدر شاكر السياب.

لم يتردد فايدنر في الذهاب إلى المنطقة "الأصعب"، كما وصفها، مؤكدا أن "التحديات" كانت جزءا من جاذبية هذا المشروع، وبعد ذلك، توجه إلى سوريا لدراسة العربية في معهد تعليم اللغة للأجانب بدمشق، والمعهد الفرنسي للدراسات الشرقية، ليغوص في أعماق اللغة وثقافتها.

إعلان

يصف فايدنر اللغة العربية بأنها "مفيدة جدا وجميلة جدا، لكن لها صعوبات خاصة"، مشيرا إلى الأحرف غير المألوفة، وانتشار اللهجات المحلية، لكنه اختار الفصحى لأنها "تشمل كل شيء ويفهمها كل العرب"، مع إلمامه ببعض اللهجات الشامية والمصرية.

ويلفت فايدنر إلى أن الاهتمام بالعربية في ألمانيا ازداد بشكل ملحوظ، فبعد أن كان عدد الطلاب في صفوف العربية الجامعية قليلا في التسعينيات، أصبح اليوم يصل إلى 50 طالبا أو أكثر، لأسباب سياسية وثقافية.

التحوّل إلى السياسة

تحول اهتمام فايدنر من الأدب إلى السياسة جاء على خلفية التوترات المتصاعدة بين الغرب والعالم الإسلامي، ليصدر كتبا ومؤلفات تناقش جدلية الشرق والغرب، ونقد مفهوم الغرب، والتحذير من الإسلاموفوبيا، وقضايا الهجرة.

في كتابه "ثورة العقل"، يرصد فايدنر التحولات العميقة في العالم الإسلامي بعد أحداث 11 سبتمبر، وصولا إلى الربيع العربي عام 2011، محللا التحديات والفرص التي تواجه العالم الإسلامي في هذا العصر المضطرب.

يتطرق فايدنر إلى مفهوم الاستشراق، معترفا بالحمولة السلبية التي ارتبطت به تاريخيا، من استغلال المعرفة للسيطرة على الشعوب، لكنه يؤكد على الجانب الإيجابي المتمثل في "الاهتمام بالآخر والثقافات الأخرى"، مع التركيز على أهمية المعرفة الخالية من أغراض السيطرة والتجسس.

ويؤكد فايدنر أن الاستشراق الألماني تميز عن نظيره في الدول الاستعمارية، حيث لم يحظَ بدعم حكومي مباشر، ولم يكن المستشرقون الألمان موظفين استعماريين، بل كانوا باحثين وأكاديميين يسعون إلى فهم الآخر بعُمق وموضوعية.

ويتذكر فايدنر رحلته إلى المغرب عام 1985، والتي يعتبرها "بداية عشقه للعربية واهتمامه بالثقافة العربية"، حيث اكتشف تاريخ المغرب الأندلسي، والبعد الروحي الصوفي، وجماليات اللغة العربية، وتأثيرها العميق على ثقافات أخرى.

إعلان

في المغرب، اكتشف فايدنر أيضا ابن عربي، الذي أصبح محور اهتمامه وترجماته، معتبرا إياه "قامة فلسفية عميقة وجميلة وخيالية"، وقد ترجم ديوان "ترجمان الأشواق" لابن عربي إلى الألمانية، في مسعى لنقل "المشاعر" و"القوة العاطفية" و"الطاقة الشعرية" في الترجمة.

الترجمة الحقيقية

يؤكد فايدنر أن الترجمة الحقيقية هي "فن وإبداع"، وليست مجرد ترجمة حرفية آلية، مشيرا إلى أن الاستشراق في ألمانيا بدأ بالاهتمام بالتوراة والإنجيل، ثم تطور إلى اكتشاف قيمة اللغة العربية والثقافة العربية بشكل مستقل.

ويشير إلى أن شعراء ألمان كبار، مثل غوته، اهتموا بالأدب العربي وقدموه للجمهور الألماني، وديوان "الديوان الشرقي الغربي" لغوته يشهد على هذا الاهتمام، لكنه يرى أن الأدب العربي لا يزال لا يحظى بالمكانة التي يستحقها في الغرب بشكل كامل.

ويوضح فايدنر أن بداياته في الترجمة كانت مدفوعة باكتشافه قلة الترجمات العربية إلى الألمانية، خاصة في مجال الشعر، معتبرا أن حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، مع وجود كتاب واحد فقط مترجم له بالألمانية، كان "عيبا" في حق الثقافة الألمانية.

عمل فايدنر على تغيير هذا الوضع، فنشر ترجمات في مجلات صغيرة، وتعاون مع شعراء عرب في المنفى، وأسس مجلة "فكر وفن" التي نشرت باللغات العربية والألمانية والفارسية والإنجليزية، لتكون جسرا بين الثقافات.

وفي مقارنة بين الثقافة العربية والفارسية في ألمانيا، يرى فايدنر أن الأدب الفارسي كان أكثر شهرة سابقا، لكن الوضع تغير، معتبرا أن تفضيل الأدب الفارسي أحيانا كان نابعا من "أحكام مسبقة" ونوع من "العنصرية" تجاه الثقافات السامية.

يتطرق فايدنر إلى "العقدة الصهيونية" وتأثيرها على علاقة ألمانيا بالعالم العربي، مشيرا إلى "ظاهرة غريبة" تتمثل في معاداة السامية التي تقترب من الإسلاموفوبيا، معتبرا أن جذور الرفض التاريخي لليهود والعرب في أوروبا متشابهة.

إعلان عنصرية الأوروبيين

ويرى فايدنر أن الحضارة الأوروبية، رغم انفتاحها المعلن، لا تزال تعاني من "كراهية الآخر" و"الانغلاق والتخوف"، وهو ما يظهر في رفض بعض الأوروبيين للاندماج الحقيقي مع المهاجرين العرب والمسلمين.

ينتقد فايدنر الرؤية التي تطلب "الاندماج الكامل" للمهاجرين بمعنى التخلي عن هويتهم السابقة، معتبرا إياها "فكرة عنصرية" مبنية على "فهم خاطئ للإسلام والإنسان العربي"، مؤكدا أن القِيم الأساسية للإنسان العربي والمسلم قريبة جدا من القيم الأوروبية.

ويشدد فايدنر على أن "المشكلة في فهم الإسلام"، وارتباطه في أذهان الكثيرين بـ"الإرهاب"، وهو ما يغذيه الإعلام و"عدم المعرفة"، داعيا إلى تجاوز هذه الأحكام المسبقة من خلال الترجمة والاحتكاك الثقافي والسفر إلى العالم العربي.

ويرى فايدنر أن النموذج الفرنسي والنمساوي ربما يسيطر حاليا على نظرة أوروبا للآخر، لكنه يؤكد أن أوروبا منقسمة، وأن الرؤية "النيوليبرالية" هي المهيمنة، مع ضعف الديمقراطية وتأثير "الأحكام المسبقة" على خيارات الناخبين.

وفي نصيحة للأوروبيين، يدعو فايدنر إلى "دراسة التاريخ الإسلامي" ومقارنته بالتاريخ الأوروبي، لاكتشاف "العلاقات الكثيرة" والتقارب بين الثقافتين، وللعرب والمسلمين في أوروبا، وينصح بـ"محاولة جعل الأوروبيين يفهمون العرب" واكتشاف ثقافتهم وتاريخهم بأنفسهم.

ويرفض فايدنر مقولة "المسلم الطيب هو الذي يترك إسلامه"، معتبرا إياها "مركزية في العقلية والنظرة الأوروبية"، وينتقد تصريح ماكرون بأن "الإسلام في أزمة"، مؤكدا أن "الأزمة الأوروبية ربما أكبر من الأزمة الإسلامية".

وعن الربيع العربي، يرى فايدنر أن "التطور مؤسف جدا"، لكنه يحمل "بذرة لمستقبل أحسن ومختلف"، فتشرد العرب أدى إلى "نشاط" كبير للفنانين والأدباء والصحفيين العرب في أوروبا والعالم، مع شعور متزايد بالمسؤولية تجاه العالم العربي والإسلامي.

إعلان 31/3/2025

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان فی ألمانیا فی أوروبا

إقرأ أيضاً:

في لقاء مصري-ألماني بنيويورك.. دعوة لتعزيز الاستثمارات والاعتراف بالدولة الفلسطينية

التقى د. بدر عبد العاطى وزير الخارجية والهجرة مع فلوريان هان، وزير الدولة بوزارة الخارجية الألمانية على هامش أعمال المؤتمر الدولي رفيع المستوى للتسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين، بمقر الأمم المتحدة في نيويورك. 

وأشاد الوزير عبد العاطى بالعلاقات المصرية - الألمانية المتميزة والتعاون والتنسيق المشترك فى القطاعات المختلفة، مؤكداً أن ألمانيا تعد من أهم الشركاء السياسيين والاقتصاديين لمصر، مثمناً الدور الذى تلعبه الشركات الألمانية فى عملية التنمية الشاملة بمصر، داعيا إلى ضخ مزيد من الاستثمارات الألمانية في مختلف المجالات على ضوء الفرص الواعدة التي يوفرها السوق المصرى، والعمل على تعزيز التعاون في مجالات الطاقة، والهجرة المنظمة وانتقال العمالة، والتدريب المهني، والتعاون في أفريقيا. 

وزير الخارجية يدعو لضغط دولي لوقف الكارثة الإنسانية في غزة ودعم حل الدولتين

وعلى صعيد آخر، اطلع الوزير عبد العاطى المسئول الألماني على مستجدات الأوضاع في قطاع غزة والجهود المصرية للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح عدد من الرهائن والأسرى، مؤكداً ضرورة تضافر الجهود الدولية لحقن دماء الشعب الفلسطيني وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع فى ظل ما يعانيه من أوضاع إنسانية مأساوية غير مسبوقة نتيجة العدوان الإسرائيلي، متناولا الترتيبات الجارية لاستضافة مؤتمر التعافى المبكر وإعادة الإعمار فور الإعلان عن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار.

 وشدد الوزير عبد العاطى على ضرورة التوسع فى مسار الاعتراف بالدولة الفلسطينية وفقاً لحل الدولتين، مؤكدا أن خلق أفق سياسى لتحقيق تسوية عادلة ومستدامة للقضية الفلسطينية يمثل ركيزة السلام والاستقرار لكافة شعوب المنطقة. 

وأكد وزير الخارجية على مواصلة مصر دعمها للأشقاء الفلسطينيين للحصول على حقوقه المشروعة وعلى رأسها حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على خطوط ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
 

طباعة شارك بدر عبد العاطى وزير الخارجية والهجرة فلوريان هان وزارة الخارجية الألمانية أعمال المؤتمر الدولي قضية فلسطين حل الدولتين الأمم المتحدة نيويورك

مقالات مشابهة

  • مهندس خطة الجنرالات : لا نصر في الأفق والخطة لم تعد قابلة للتطبيق
  • “إلى أين؟”.. عرض ليبي يُجسّد القلق الوجودي ضمن مهرجان المونودراما العربي في جرش 39 اللجنة الإعلامية لمهرجان جرش بحضور ممثل عن السفارة الليبية في عمان، وجمع غفير من عشاق المسرح، وضمن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان المونودراما المسرحي، قدّمت ا
  • الحكم على نائب ألماني بالسجن في قضية فساد لصالح أذربيجان
  • ألمانيا تكشف "دليل سفر حلال ثنائي اللغة" لمسافري دول الخليج
  • ساكاليان لـ سانا: اللجنة على استعداد تام لمواصلة العمل للتخفيف من تبعات الأحداث الأخيرة في محافظة السويداء على المجتمعات المتأثرة، حيث انضم فريق منها الإثنين الفائت إلى القوافل الإنسانية التابعة للهلال الأحمر العربي السوري التي دخلت محافظة السويداء، ضمن ا
  • محللون: لبنان يريد نزع سلاح حزب الله لكنه لا يضمن إسرائيل
  • توافق أردني ألماني.. الملك عبد الله يطالب برلين بوقف الحرب وإغاثة غزة
  • في لقاء مصري-ألماني بنيويورك.. دعوة لتعزيز الاستثمارات والاعتراف بالدولة الفلسطينية
  • بروتوكول تعاون بين المحكمة العربية للتحكيم والجهاز العربي للتسويق
  • وزير الخارجية الإسرائيلي: الضغط العسكري على حماس فعال لكنه ليس الخيار الوحيد