صندوق النقد الدولي، ليس مثلما يجري الترويج له، مؤسسة اقتصادية عالمية تسعى لتحقيق النمو والرخاء على أساس مستدام لكل بلدانه الأعضاء، وإنما هو أحد مخلفات الحرب الباردة التي تتحرك ضمن إطار رؤية ومصالح الدول الرأسمالية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، حيث يعمل الصندوق على تدعيم النظام الرأسمالي العالمي لعبور أزماته المستمرة، وذلك عبر التدخل في أوقات الأزمات المالية الحادة عند الحكومات لإقراضها مقابل فرض ما يسمى بـ «الإصلاحات الهيكلية» على اقتصاداتها، وهذه «الإصلاحات» المزعومة هي في حقيقتها تكريس لشكل متطرف من الرأسمالية يسمى النيوليبرالية، يوسّع التفاوت الطبقي ويزيد من تبعية الدول الفقيرة للدول الرأسمالية الكبرى وشركاتها، ويقطع الطريق على خيارات التنمية الوطنية المستقلة، ويجرّ الدول المأزومة إلى مزيد من الديون والارتهان للخارج.

ويوم أمس نشر صندوق النقد الدولي ما يسمى «تقييم خبراء الصندوق» عن مشاوراته السنوية في الكويت، وما يعنينا في هذا التقييم هي تلك التوصيات التي وجهها الصندوق إلى الحكومة الكويتية، خصوصاً تلك التوصيات المصاغة أحياناً بعبارات ملطّفة وملتوية، بينما هي تدس السم في الدسم وتدفع الكويت في حال اتباعها نحو المزيد من التبعية لرأس المال الأجنبي، ونحو مزيد من السيطرة والاستحواذ للقلّة الرأسمالية الطفيلية المتنفذة، ونحو المزيد من المعاناة للطبقات الشعبية في المجتمع الكويتي.

‏بدر نشمي: سنراقب عن كثب استعدادات «التربية» للعام الدراسي الجديد منذ ساعة «التأمينات»: الأراضي المحولة غير قابلة للبيع أو التأجير أو المشاركة منذ ساعة

ومن بين هذه التوصيات الخطيرة ذات العواقب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السيئة:

1- توصية لزيادة إيرادات الدولة عبر فرض ضريبة القيمة المضافة، وهي ضريبة غير عادلة اجتماعياً لا تميز بشكل عام بين المستهلك الثري والفقير.

2- توصية بأن «تركز تدابير الإنفاق على تقليص فاتورة الأجور»، وهذه التوصية تعني أحد أمرين أو كلاهما معاً: الأول هو خفض رواتب الموظفين الحكوميين ومعاشات المتقاعدين، والتي لم تتم زيادتها منذ العام 2012، والآخر هو خفض أو وقف التوظيف في القطاع الحكومي لتقليص الباب الأول من الميزانية، في الوقت الذي تحارب فيه شركات القطاع الخاص العمالة الوطنية وتتعمّد تهميشها لتبقي على استغلالها الطبقي البشع للعمالة المقيمة المحرومة من حقوق الضمان الاجتماعي والحقوق النقابية.

3- توصية تدعو إلى «الإلغاء التدريجي لدعم الطاقة»، وهذه التوصية تستهدف زيادة أسعار الكهرباء والبنزين والغاز، ومن شأنها ليس فقط تحميل مستهلكي الطاقة مبالغ أكبر عند دفع فواتيرهم، وإنما ستؤدي زيادة أسعار الطاقة على الأرجح إلى آثار تضخمية مضاعفة تتمثل في رفع أسعار العديد من السلع والخدمات.

4- توصية بما يسمى من باب التخفيف «تحسين إجراءات دعم الدخل الموجهة»، التي تعني عملياً إعادة النظر في الدعوم عبر تغيير شكلها أو خفض بعضها أو إلغائه تماما، وقد تؤدي لتقليص العدد الصافي للمستفيدين من الدعم وهوياتهم، فليس بالضرورة أن يتم ذلك بمراعاة للعدالة الاجتماعية.

5- توصية تدعو إلى «إجراء إصلاحات في سوق العمل لتعزيز هيكل الأجور بحيث يكون متوافقا مع السوق. وعلى وجه الخصوص، ينبغي مواءمة الأجور وظروف العمل تدريجيا على مستوى القطاعين العام والخاص، والعمل على تحقيق الاتساق بشكل متواصل بين سياسات سوق العمل المطبقة على المواطنين والوافدين»، وهذه التوصية لا تستهدف زيادة أجور العاملين في القطاع الخاص ولا زيادة أجور العمالة المقيمة، وإنما المساس برواتب وأجور المواطنين العاملين في القطاع الحكومي لتتناسب مع أجور القطاع الخاص وأجور المقيمين، أو بالأحرى لتتناسب مع مصالح أصحاب الأعمال والشركات.

6- توصية تطلب «تخفيف القيود المفروضة على الملكية الأجنبية للشركات»، وهذه التوصية واضحة في استهدافها إطلاق يد الرأسمال الأجنبي في امتلاك الشركات الكويتية من دون ضوابط واضحة لتكريس مزيد من الهيمنة الأجنبية على الاقتصاد الوطني وتعميق الارتباط التبعي للاقتصاد الكويتي بالاقتصاد الرأسمالي العالمي الخاضع للدول الكبرى.

7- توصية تدعو ببراءة كاذبة إلى «تحسين آليات تخصيص الأراضي العامة لفترات تأجير أطول لأغراض التنمية التجارية»، والهدف الحقيقي هو توسيع نطاق استحواذ القطاعين الخاصين الأجنبي والمحلي على أملاك الدولة وذلك بضوابط أقل وبدلات انتفاع أو ايجارات متدنية وإبقائها تحت سيطرتهما لفترات زمنية طويلة.

8- دأب الصندوق على انتقاد ما يسميه «المأزق» و«الجمود السياسي بين الحكومة ومجلس الأمة» على أساس أنه يعيق تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الملحّة، لكن الخطر في الموضوع أن الصندوق لا يذكر من المتسبب في ما يسميه «المأزق» و«الجمود» ولا كيفية معالجتهما، مما يفتح الباب لمعالجات غير ديموقراطية بدعوى متطلبات الإصلاح الاقتصادي.

إننا في الحركة التقدمية الكويتية عندما نسلط الضوء على حقيقة هذه التوصيات الملغومة غير البريئة المقدمة من صندوق النقد الدولي فإننا ندعو إلى التبصّر بما آلت إليه أوضاع العديد من دول العالم التي اتبعت تلك التوصيات، وانعكست سلباً ليس فقط على اقتصاداتها وإنما انعكست سلباً على أوضاعها الاجتماعية والسياسية ومعيشة مواطنيها. وفي الوقت نفسه يمكن أن نتفق مع بعض التوصيات البديهية التي يقدمها صندوق النقد الدولي، مثل ضرورة «زيادة الإيرادات غير النفطية» و«توسيع نطاق ضريبة دخل الشركات ليشمل الشركات المحلية»، لكنها توصيات لا نحتاج لمشاورات مع خبراء الصندوق لنعرفها.

بل إننا نتساءل كيف يتجاهل خبراء صندوق النقد الدولي أبسط الحقائق التي يعرفها المواطن الكويتي العادي عن أسباب التردي الاقتصادي في الكويت وأولويات الإصلاح، فمن أهم الأسباب: تحكّم المصالح الطبقية الضيقة للقوى الاجتماعية المتنفذة، والفساد المالي والإداري، وضعف كفاءة الإدارة العامة، وعدم محاسبة المتسببين في التردي الاقتصادي، أما أهم الأولويات فتشمل: الإسكان بما يعنيه ذلك من ضرورة خفض أسعار القسائم السكنية والتجارية وأسعار البناء، وإنقاذ القطاعين التعليمي والصحي المتدهورين، وخلق وظائف جدية ومنتجة في القطاعين الحكومي والخاص. فكيف لا يعلن الصندوق عن أي من هذه الأسباب والأولويات رغم زعمه أن مشاوراته مع الدول مبنية على تقييم خبراء موضوعيين غير مسيّسين؟ الجواب هو أن الصندوق لديه منظور رأسمالي نيوليبرالي ضيق ومسبق للمشاكل والحلول، لكن المسؤولية هي على كل دولة أن تحدد هي بنفسها مصلحتها الوطنية ولا تنجرف مع هكذا تصورات خارجية منفصلة عن الواقع وأثبتت فشلها مرارا وتكرارا.

المصدر: الراي

كلمات دلالية: صندوق النقد الدولی فی القطاع

إقرأ أيضاً:

سيف بن زايد يكرم داعمي صندوق الفرج

كرّم الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، كوكبة من المتبرعين والداعمين لـ صندوق الفرج من مختلف المؤسسات والقطاعات والأفراد، تقديراً لجهودهم الملموسة في دعم مبادرات الصندوق الإنسانية، وتعزيز دوره في مد يد العون للنزلاء والمحكومين المعسرين وأسرهم على مستوى الدولة.
وثمّن سموه إسهامات الجهات الداعمة التي كان لها الأثر الكبير في استمرار برامج الصندوق وتحقيق رسالته الإنسانية، مؤكداً أن العمل الخيري في دولة الإمارات يمثل نهجاً راسخاً يعكس قيم القيادة الرشيدة ومجتمع الإمارات.
وقد كرَّم الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، مكتب الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان لدعمه لصندوق الفرج، حيث تسلم الميدالية والشهادة الشيخ زايد بن طحنون بن محمد آل نهيان.
كما كرم سموه مؤسسة الشيخ أحمد بن زايد آل نهيان الخيرية لرعايتها ودعمها لصندوق الفرج وتسلم الشهادة الشيخ زايد بن سيف بن زايد آل نهيان، والشيخ زايد بن حامد بن زايد آل نهيان، والشيخ زايد بن أحمد بن زايد آل نهيان، والشيخ خليفة بن سيف بن زايد آل نهيان، والشيخ أحمد بن سيف بن زايد آل نهيان، والشيخ زايد بن خالد بن زايد آل نهيان، والشيخ أحمد بن خالد بن زايد آل نهيان، والشيخ محمد بن سيف بن زايد آل نهيان.
وكرم سموه أيضاً الداعمين لصندوق الفرج من مختلف المؤسسات والقطاعات والأفراد ومؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية ومؤسسة صقر بن محمد القاسمي للأعمال الخيرية والإنسانية، وهيئة المساهمات المجتمعية (معاً) وورثة معالي الفريق حمد سهيل الخييلي، وبنك دبي الإسلامي وفرج بن حمودة الظاهري، وأبناء غانم بن حمودة الظاهري، وهلال مبارك المنصوري، وحمد هلال ثابت الكويتي، وحمد سلطان الدرمكي، وشبيب محمد الظاهري «رحمه الله» وتسلم بالنيابة عنه ابنه محمد الظاهري، وعبد الجليل عبد الرحمن البلوكي، ومصرف أبوظبي الإسلامي، وسلطان سعيد السويدي وتسلم بالنيابة عنه ابنه محمد السويدي، وعبدالله ناصر بن حويليل المنصوري، وبنك أبوظبي التجاري ومحمد أديب حسن الحجازي، ومصنع البركة للتمور ومؤسسة عيسى صالح القرق الخيرية، ومبارك راشد المنصوري وعبد الغني عبدالله «مجموعة ايفكو»، ومحمد علي الأنصاري وفيروز بن غلام حسین مرشنت أحمد محمد مرزوق المزروعي، وبدرية البناي وحسن بن الشيخ «رحمه الله» وتسلم بالنيابة عنه ابنه أحمد حسن بن الشيخ وعبد العزيز حارب سلطان السويدي.
وخلال الحفل تم عرض فيديو يظهر جانباً من منجزات صندوق الفرج، وأظهر أبرز ما حققه الصندوق للعام 2024 حيث استفاد أكثر من 5,151 نزيلاً ومحكوماً معسراً من مساعداته في مختلف أنحاء الدولة، بإجمالي 84 مليون درهم، امتد أثر هذا العطاء ليصل إلى أكثر من 8374 مستفيداً، ويسهم في تخفيف الأعباء عن 3223 أسرة عبر مبادرات تسهم في صون الكرامة وتعزيز الاستقرار الأسري والاجتماعي. كما استفادت الأسر من حملات الصندوق والتي شملت المير الرمضاني، وكسوة عيدي الفطر والأضحى، وحملة العودة إلى المدارس.
كما تنوعت مبادرات الصندوق خلال العام لتشمل مبادرات اجتماعية وخيرية في جميع إمارات الدولة، منها: المير الرمضاني، و«عيديتي»، وكسوة الأعياد، والعودة إلى المدارس، وتوفير النظارات الطبية، ودعم مركز الأحداث في إمارة الفجيرة، بالإضافة إلى عمليات التطوير المستمر لموقع الصندوق الإلكتروني وتطبيقاته الذكية، إلى جانب عقد شراكات خيرية واستراتيجية، ومنها اتفاقية تعاون مع مؤسسة زايد للأعمال الإنسانية، وتقديم الدعم لمبادرة «ملتقى السعادة الأسري».
وأعرب سعادة خليل داوود بدران، رئيس مجلس إدارة صندوق الفرج، عن بالغ شكره وتقديره للفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية على رعايته ودعمه المتواصل لرسالة الصندوق، مؤكداً أن تكريم المتبرعين والداعمين يمثل حافزاً كبيراً لمواصلة مسيرة العطاء.
وقال: «إن ما تحقق من إنجازات ما كان ليرى النور لولا دعم القيادة الرشيدة وثقة شركائنا من المؤسسات والأفراد، الذين جسدوا بمعادنهم النبيلة قيم الخير والعطاء في مجتمع الإمارات.
ويواصل الصندوق تعزيز جهوده الإنسانية لخدمة النزلاء وأسرهم، وتوسيع شراكاته، والارتقاء بمبادراته التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار الأسري وتقديم الفرص لبدء حياة جديدة».
وأكد التزام صندوق الفرج بمواصلة مسيرته الإنسانية وفق رؤية القيادة الحكيمة، وبشراكة مجتمعية واسعة تعزز قيم التسامح والتكافل في دولة الإمارات.

أخبار ذات صلة «فيكتوري» بطل العالم للزوارق السريعة انتصارات رائعة للإمارات في مونديال الريشة الطائرة المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • صندوق النقد الدولي يقر المراجعة الرابعة ويُتيح للأردن 240 مليون دولار دعمًا للبرنامج الاقتصادي
  • سيف بن زايد يكرم داعمي صندوق الفرج
  • النقد الدولي يوقف مشاورات المادة الرابعة والعليمي يحمل الانتقالي
  • تدني مدى الرؤية يوقف الحركة الجوية في مطار بغداد الدولي
  • الصين.. تريليون دولار فائض وتهديد الإصلاح المؤجل
  • مدبولي: نتائج إيجابية عقب اجتماع مع بعثة صندوق النقد الدولي
  • صندوق النقد الدولي يدعو الصين لتسريع الإصلاح الهيكلي ويرفع توقعات النمو
  • جهود موسعة لصندوق مكافحة الإدمان في تعزيز الوعي والوقاية داخل الجامعات والمجتمعات
  • صندوق النقد الدولي يحث باكستان على مواصلة سياستها النقدية المتشددة
  • السودان يجدول مديونية لصندوق النقد العربي لمدة 25 عامًا