#الحلم #سيد_الأخلاق
الأستاذ الدكتور يحيا سلامه خريسات
نعيش اليوم مرحلةً خطيرةً تتجلّى فيها أزمة القيم الأخلاقية بأوضح صورها، حيث تفشّت ظواهر العنف المجتمعي وأصبحت جزءًا من المشهد اليومي في أسواقنا وشوارعنا. نلاحظ تصاعدًا ملحوظًا في العصبية وفقدان السيطرة على التصرفات، سواء باللسان أو اليد، حتى بات الانفعال سمةً غالبةً على كثير من الناس، وعلامةً تظهر على وجوههم وجوارحهم.
من المؤسف أن نرى هذا التناقض الصارخ بين جوهر العبادات وسلوك الصائمين، فمن المفروض أن يرتقي الإنسان بأخلاقه في هذا الشهر الفضيل، وأن يكون التسامح والمحبة عنوانًا للتعامل بين الناس. لكن الواقع كشف العكس تمامًا، فالشوارع تحوّلت إلى ساحات سباقٍ محمومة تسودها الفوضى والتهور، حتى أصبح الخروج من المنزل مخاطرةً بسبب رعونة البعض. المشاحنات في الأسواق والأماكن العامة أضحت مشهدًا يوميًا، وكأنّنا ننتظر انتهاء الشهر بفارغ الصبر، لا حبًّا في إتمام الطاعة، بل خلاصًا من موجة الإساءات التي اجتاحت المجتمع.
إنّ العبادات ليست مجرد طقوسٍ شكلية، بل ينبغي أن تنعكس على سلوك الفرد، فمتى ما كانت العبادة نابعةً من إيمانٍ صادق، ظهرت آثارها على التصرفات والأخلاق. أمّا من يمارسها رياءً ومجاراةً للمجتمع، فإنّها لا تترك أثرًا إيجابيًا، بل قد تُنتج سلوكًا متناقضًا يعكس انفصال العبادة عن جوهرها الحقيقي.
مقالات ذات صلة حدث في العيد!! 2025/04/02لا أحد ينكر أنّ ضغوط الحياة كثيرة، وأنّ متطلبات العيش تفوق أحيانًا القدرة على تلبيتها، لكن حسن التدبير والتوازن في الإنفاق يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا. التركيز على الأولويات والتقليل من الكماليات ليس ضعفًا، بل دليلٌ على الوعي والمسؤولية.
إنّ حسن الخلق ليس ترفًا أخلاقيًا، بل هو انعكاسٌ لحقيقة الإيمان، فمن لم تهذّبه صلاته، ولم يضبطه صيامه، فإنّ عبادته لا تعدو كونها حركاتٍ بلا معنى. الأخلاق هي الميزان الذي يُقاس به سموّ الإنسان، ومكانته في قلوب الآخرين، وتأثيره في مجتمعه. بكلمةٍ طيبة تُفتح القلوب، وبابتسامةٍ صادقة تُزرع المحبة، وبسلوكٍ راقٍ يُبنى الاحترام.
وغرس القيم الأخلاقية يبدأ من الأسرة، لكنه لا يكتمل إلا عبر المؤسسات التعليمية، حيث يقع على عاتق المدارس والجامعات دورٌ محوري في تعزيز الأخلاق وترسيخها لدى الأجيال القادمة. ولا يكون ذلك بمجرد تدريسها نظريًا، بل من خلال تقديم نماذج حية تمثل القدوة الحسنة. فالمعلم الذي يتحلى بالصبر والعدل، والأستاذ الجامعي الذي يلتزم بالنزاهة والاحترام، يصبحان مصدر إلهامٍ للطلاب، فيتعلمون منهم أكثر مما يتلقونه من المناهج الدراسية. لذا، فإنّ بناء جيلٍ يحمل القيم الأخلاقية النبيلة لا يتحقق إلا إذا رأى الطلاب هذه القيم مجسدةً في واقعهم اليومي، لا مجرد شعاراتٍ تُقال في المحاضرات والخطب.
ما أحوجنا اليوم إلى إعادة الاعتبار للأخلاق في مناهجنا التربوية، وأن نرسّخها في نفوس أبنائنا من خلال القدوة الحسنة، لا المواعظ الجوفاء. فالتربية ليست خطبًا تُلقى، بل نموذجٌ يُحتذى، فمن فقد الأخلاق فقد تأثيره، ومن كان سلوكه مناقضًا لكلامه، لن يصنع تغييرًا.
إنّ أزمة الأخلاق ليست مجرد حالةٍ طارئة، بل جرس إنذارٍ يُحتم علينا جميعًا مراجعة ذواتنا وإعادة بناء القيم التي تُحصّن المجتمع من الانهيار. فالأخلاق ليست خيارًا، بل ضرورةٌ لحياةٍ متزنةٍ ومجتمعٍ أكثر وعيًا ورُقيًا.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الذی ی
إقرأ أيضاً:
كتر أفراحنا
«كتر أفراحنا».. ليس مجرد تعبير عابر، بل هو لسان حال مجتمع سوق المال هذه الأيام، بعد القفزة التاريخية التى حققتها مؤشرات البورصة المصرية، وصعود مؤشرها الرئيسى إلى قمة تاريخية غير مسبوقة.
أجواء من البهجة والارتياح سادت أوساط المستثمرين، بعد تصريحات محمد صبرى، نائب رئيس البورصة، التى شكّلت نقطة تحول فى المشهد الاستثمارى، وحملت سبع رسائل جوهرية أعادت الثقة وأطلقت طاقات التفاؤل داخل السوق.
رسائل صبرى لم تكن مجرد كلمات دبلوماسية، بل جاءت محملة برؤية مؤسسية عميقة، أكدت أن الإجراءات الرقابية ليست سوطًا يُرفع على المستثمرين، بل مظلة أمان لحماية أموالهم وضمان استقرار بيئة الاستثمار. كما شدد على أن البورصة ليست ناديًا للأثرياء أو ساحة مضاربة مؤقتة، بل هى شريان تمويلى حيوى للاقتصاد الوطنى، وأن الرقابة الفاعلة لا تقوم على المظاهر، بل على جوهر العدالة والشفافية والمصداقية.
هذه الكلمات التى لمست وجدان مجتمع المال، تحولت إلى وقود دفع قوى لحركة المؤشرات، التى بدت وكأنها تعزف لحنًا صاعدًا يروى قصة ثقة متجددة فى السوق المصرى. ارتفعت السيولة، تسارعت التداولات، وبدأت الأسهم تنبض بالحياة من جديد، ليعكس ذلك إصرار إدارة البورصة بقيادة الدكتور إسلام عزام ونائبه محمد صبرى على إعادة رسم خريطة السوق وتطوير المنظومة من الداخل بروح جديدة.
ولم يكن ذلك المشهد منفصلًا عن التحولات الإقليمية، فالتطورات الإيجابية الأخيرة على صعيد وقف إطلاق النار وعودة الاستقرار لقطاع غزة، بجهود دبلوماسية مصرية خالصة، أسهمت فى تهدئة التوترات، وأعادت الثقة فى المنطقة كوجهة استثمارية آمنة، وهو ما انعكس على شهية المستثمرين الأجانب ودخول سيولة جديدة إلى السوق المحلى.
لعبت الصفقات والاستحواذات الكبرى دورًا إضافيًا فى ضخ الزخم داخل السوق، لتتشابك العوامل الداخلية والخارجية فى مشهد واحد، خاصة فى ظل الموجة المتصاعدة من هذه الصفقات التى اجتاحت السوق خلال الفترة الأخيرة، لتضخ مزيدًا من الحيوية فى شرايين التداول، عكست القيمة الحقيقية للشركات المصرية وأنها ما زالت كامنة، وأسعار الأسهم الحالية لا تعبّر بعد عن ثقل أصولها ولا عن إمكاناتها التى تُقدّر بالمليارات.