انتصارات الجيش السوداني في الخرطوم.. نهاية للحرب أم ولادة لأخرى؟
تاريخ النشر: 5th, April 2025 GMT
باستعادة الجيش السوداني السيطرة على القصر الجمهوري ومطار الخرطوم يكون قد أنهي أصعب مهماته في استعادة السيطرة الكاملة على العاصمة التي خضعت لسيطرة قوات الدعم السريع لنحو عامين، وعادت لنفوذ للسلطة الشرعية بعد حرب شرسة أوقعت آلاف القتلى وشردت نحو 10 ملايين مدني، فيما يتناقل السودانيون مخاوف من مشهد ضبابي قادم في الميدان السياسي قد يعيد الأزمة السودانية إلى مربعها الأول.
تحليل / أبو بكر عبدالله
عندما حطت الطائرة الخاصة برئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق عبد الفتاح البرهان في مطار الخرطوم كان ذلك إعلاناً بانتهاء معركة استعادة العاصمة التي تكبد فيها الجيش والسودان عموما خسائر مهولة في عامين من المعارك انتهت بتحقيق الجيش انتصارات كبيرة استعاد من خلالها أكثر المواقع السيادية في العاصمة بما فيها القصر الجمهوري ومطار الخرطوم والبنك المركزي ومقر البرلمان والمخابرات الوطنية وسائر الوزارات ومراكز القيادة العامة للجيش في تطور مفصلي يُرجح أن يكون له تأثيرات كبيرة على الواقع الميداني والسياسي على أكثر من صعيد.
واستعادة الجيش السوداني السيطرة الكاملة للعاصمة كانت متوقعة في ظل القدرات العسكرية التي أعاد بناءها خلال الشهور الماضية، والتي عززت قدراته على تنفيذ عمليات هجومية فعالة في ظل توفر الدعم اللوجيستي والموارد وأكثر من ذلك الحاضنة المجتمعية التي تجسدت في المئات من كتائب القوات الشعبية المساندة للجيش.
طبقا لخبراء عسكريين فإن الاستراتيجية التي اتبعها الجيش السوداني في السيطرة على العاصمة كانت مثالية ولا سيما في تحركاته للسيطرة على الجسور الاستراتيجية التي لعبت دورا مهما في تسهيل استعادة السيطرة على العاصمة ولا سيما جسر أولياء إلى الجنوب من العاصمة وجسر سوبا الاستراتيجي الذي يربط بين شرق العاصمة وغربها وكذلك جسر المنشية الذي يتصل بطريق مباشر نحو القصر الجمهوري.
وكان واضحا أن الجيش السوداني مضى في تحرير الخرطوم بخطة استراتيجية دقيقة حققت إنجازات سريعة وقللت من جحم الخسائر التي كان يتوقع أن تتضاعف في معركة الخرطوم، خصوصا في خطته للتحرك التدريجي نحو المواقع السيادية في المقدمة القصر الجمهوري.
زاد من ذك حرصه على ترك منافذ مفتوحة لانسحاب أو فرار ما تبقى من قوات الدعم السريع التي شوهد جنودها بالمئات يفرون نحو جسر أولياء في طريقهم إلى معاقلهم الرئيسية في إقليم دارفور.
وعلى أن انتصارات الجيش السوداني في العاصمة لم تكن سوى انتصار في جبهة واحدة من جبهات عدة ما تزال مشتعلة أو تنتظر الاشتعال، إلا أنها غيَّرت المعادلات الميدانية وغززت الثقة لدى الجيش والشارع ربما بسبب الرمزية السياسية للعاصمة التي طالما مثلت بالنسبة لطرفي الصراع مركز الثقل السياسي والاقتصادي والعسكري، كونها تضم القصر الجمهوري والبرلمان ورئاسة الحكومة ومراكز القيادة للجيش والبنك المركزي السوداني، والسيطرة عليها من أي طرف يجعل موقفه الميداني والتفاوضي متقدما في كل الأحوال.
أهمية استراتيجية
بعيدا عن الأهمية العسكرية والسياسية للقصر الجمهوري في الخرطوم، ينظر الشارع السوداني لهذا القصر كونه من اهم معالم السيادة والشرعية والحكم في السودان؛ فهذا القصر هو المقر الدائم لرئاسة الدولة السودانية ويوجد فيه ديوان رئاسة الدولة بملامح العهود التي مرت على السودان منذ الاستقلال عن بريطانيا عام 1956.
ويضم القصر أضخم متحف رئاسي في السودان يحوي الكثير من الآثار والتحف التي ترقى لعهود مختلفة بدءا بعهد الجنرال تشارلز جورج غردون حاكم السودان في العهد الاستعماري الأول والذي قُتل على سلالم القصر على أيدي الثوار في عام 1885، مرورا بعهد اللورد هربرت كتشنر الذي قاد حملة لغزو السودان في عام 1898، فضلا عن آثار سائر الحكومات الوطنية وقاداتها منذ الاستقلال وحتى اليوم.
لعدة عقود أسندت القيادات السودانية مسؤولية حماية القصر لقوات الحرس الجمهوري التي تمثل قوات النخبة في السودان، غير أن التحولات التي حصلت بعد إسقاط نظام عمر البشير، جعلت القيادة السودانية الجديدة تسند مهام حراسته وتأمينه لقوات الدعم السريع التي انقلبت على الجيش وسيطرت على القصر من الدقائق الأولى للحرب، وهي الخطوة التي القت بظلال كثيفة على الجيش وعززت بالمقابل طموحات قوات الدعم السريع بإسقاط حكم مجلس السيادة الانتقالي والتربع على كرسي الحكم.
منذ اشتعال الحرب اتجهت قوات الدعم السريع للسيطرة على القصر الجمهوري ومطار الخرطوم، أملاً في أن يقود ذلك إلى إضعاف الجيش وتفككه، واستسلام كافة الوحدات العسكرية دون قتال.
ويتذكر الشارع السوداني التعهد الذي أطلقه حينها قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو «حميدتي» مؤخراً باستماتة قواته في القصر الجمهوري، لإدراكه أن القصر يمثل رمزا لسيادة الدولة السودانية وشرعيتها واستقلالها، كما تعد السيطرة عليه ورقة سياسية رابحة على المستويين الداخلي والخارجي.
وفقا لذلك كانت المعركة الأخيرة بمحيط القصر الجمهوري، فاصلة بالنسبة للجيش وقوات الدعم السريع، التي طالما حرصت على إبقاء سيطرتها على القصر الرئاسي، لما يعنيه ذلك من تأثير على مجريات الأحداث وتطوراتها داخليا وخارجيا.
كانت المفاجأة الأخيرة أن قوات الدعم السريع فقدت هذه الميزة تماما وهي التي كانت تستخدمها كأهم أوراق التفاوض التي كانت إلى جانب أوراق أخرى ترغم قيادة الجيش على تقديم التنازلات، قبل أن يعلن قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان سياسته القائمة على الحسم العسكري وعدم التفاوض.
عمليات حاسمة
يمكن القول إن عملية استعادة السيطرة على القصر الجمهوري ومطار الخرطوم، مثلت علامة فارقة في مسار الحرب الأهلية المندلعة منذ عامين، بعد أن عاش الجيش مرحلة إرباكات طويلة في صفوفه أرغمت قيادته على نقل مراكزها إلى مدينة بورت سودان، بما منح الجيش فرصة مثالية لإعادة ترتيب صفوفه وشن عمليات عسكرية نوعية ومركزة.
ومنذ الساعات الأولى لتقدم الجيش نحو القصر الجمهوري اكتسبت المعركة زخما سياسياً وشعبياً كبيراً بالتفاف الشارع مع الجيش الذي تكمن تاليا في فرض السيطرة على أكثر المؤسسات الرسمية والوزارات السيادية في العاصمة ومنها مطار الخرطوم ومقار سلاح المدرعات ومواقع عسكرية أخرى في محيط القصر الرئاسي والمطار، وسط مظاهر ابتهاج شعبي بدت بوضوح في مواقع التواصل الاجتماعي التي اشتعلت تفاعلا مع انتصارات الجيش وأملا في اقتراب الحسم الذي أرهق الشارع السوداني وكبد البلد الفقير نحو 20 ألف قتيل وتشريد أكثر من 10 ملايين مدني.
زاد من ذلك أن هذه العملية جاءت في وقت كانت فيه حرب السودان على وشك الانضمام لقائمة الحروب المنسية بعد أن استنزفت حرب عامين الجهود الإقليمية والدولية لكبحها، وفشل كل الوساطات الإقليمية والدولية لجمع فرقاء الحرب على طاولة المفاوضات وهي الحالة التي أثرت بصورة كبيرة على الشارع السوداني الذي يأس من إمكانية انتهاء الحرب وعودة الحياة إلى طبيعتها.
انتصارات الجيش الأخيرة في الخرطوم لم تأت بصورة مفاجأة، بل كانت نتيجة متوقعة لاستمرار الجيش باتباع استراتيجيات عسكرية نوعية بشن الهجمات المتزامنة على تمركزات قوات الدعم السريع من أكثر من محور وحصار قوات أخرى وقطع الإمداد عنها.
وكان واضحا في الأسابيع الأخيرة أن قوات الدعم السريع تراجعت كثيرا، وأصبحت غير قادرة على شن الهجمات التي كانت تشنها في الشهور الماضية، بحيث أصبحت عاجزة سوى بعمليات الدفاع والقصف المدفعي واستخدام المسيرات فقط لأثبات الوجود.
بين الحسم والمفاوضات
الانتصارات المتتالية للجيش السوداني وضعت مجلس السيادة الانتقالي وقيادة الجيش أمام استحقاقات كبيرة، وفي المقدمة الإسراع بتشكيل حكومة مدنية تتولى زمام المبادرة في نقل البلد إلى مرحلة ما بعد الحرب، وهي خطوة قد تساهم في إعادة الاستقرار نسبيا إلى السودان، وامتصاص أي تداعيات يمكن أن تعيد الأزمة السودانية إلى المربع الذي أخفقت فيه جميع الأطراف في وضع حلول سياسية توافقية ما مهد الطريق لحرب أهلية أكلت الأخضر واليابس وإعادة السودان وطموحاته السياسية والاقتصادية عقودا إلى الوراء.
ويبدو أن قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان كان مدركا لهذا السيناريو، حيث أعلن في وقت مبكر خطته لما بعد الحرب والتي تضمنت تشكيل حكومة حرب من كفاءات التكنوقراط لاستكمال مهام الانتقال، لكنه أضاف إليها مهمة جديدة ليست في أجندة القوى السياسية المدنية، هي مساندة القوات المقاتلة للقضاء على ما تبقى من قوات الدعم السريع.
والشق العسكري من الخلطة -إن تحقق- فهو بلا شك سيعمل على إضفاء المزيد من التعقيدات على المشهد السياسي السوداني، كما أنه سيعمل على إطالة أمد الحرب وتوجيه الموارد الشحيحة للسودان نحو حرب استنزاف طويلة.
والإشكالية الكبيرة اليوم تكمن في عدم قبول قيادة الجيش في أن يكون قادة قوات الدعم السريع أو الأطراف المدنية والسياسية التي ناصرتها ودعمتها في حربها مع الجيش، جزءا من المعادلة السياسية الجديدة، وهو توجه ينطوي على تجريم العديد من الأطراف السياسية المدنية التي يفترض أن تشارك في قيادة العربة للمرحلة الانتقالية من اجل الحد من أي اضطرابات سياسية جديدة قد تنكأ الجراح من جديد.
ويمكن تفهم أن قوات الدعم السريع لن يكون لها مستقبل سياسي في المشهد السوداني القادم، بالنظر إلى حجم التركة الثقيلة التي تحملها في سلسلة طويلة من جرام الحرب التي ارتكبتها وكانت موضع رصد في الكثير من تقارير المنظمات الحقوقية الدولية والأمم المتحدة.
لكن مواقف القوى السياسية المدنية -التي فسرت على أنها داعمة لقوات الدعم السريع- لم تكن كذلك تماما، حيث أن القوى السياسية بشقيها المحافظ والليبرالي انقسمت بين مؤيد للجيش ومؤيد لقوات الدعم السريع استنادا إلى خلفيات سياسية وتراكمات مرحلة السنوات العصيبة التي سبقت الحرب.
استحقاقات ملحة
المؤكد أن لا مستقبل سياسي أو عسكري لقوات الدعم السريع بعد اليوم، والمرجح أن كل الأطراف الدولية والإقليمية التي دعمتهم خلال عامين من الحرب سوف تتخلى عنهم وسوف يضيق الجيش السوداني الخناق عليهم حتى لو اضطروا مرة أخرى إلى التمترس في التجمعات السكانية أو إلى اتباع تكتيكات حرب المدن فكلها وإن عملت على إطالة أمد الحرب فلن تضمن لهم البقاء في المشهد العسكري السوداني القادم.
هذا المعطى وإن كان في مصلحة الجيش فإنه سيلقي على عاتق مجلس السيادة الانتقالي أعباء كبيرة في العودة بالبلد إلى المسار الانتقالي الطبيعي بمشاركة كل الأطياف السياسية المدنية والعمل على عدم تكرار التجارب السابقة بأقصاء أطراف بعينها فالسودان اليوم يحتاج لجهود كل أبنائه من أجل تجاوز التركة الثقيلة للحرب والتأسيس لمرحلة جديدة تعيد شعب السودان إلى حياته الطبيعية.
وهذا الأمر لا شك سيحسن من موقف قيادة الجيش على المسرح الدولي خصوصا بعد أن خضعت لعقوبات دولية، بعد فشل مساعي الحل السياسي للأزمة عبر منبر جدة وهي حالة ربما قد تتفاقم خلال الفترة المقبلة بسبب التوجهات التي تتبناها القيادة السودانية بالسماح لروسيا بناء قاعدة عسكرية لها على سواحل السودان المطلة على البحر الأحمر، ناهيك عن علاقتها بإيران.
وينبغي على القيادات في مجلس السيادة الانتقالي أن تدرك أن الوقت قد حان للعمل من أجل إعادة تأهيل السودان على أسس مدنية والاستفادة من تجربة الحرب المريرة في إعادة هيكلة الجيش وتوزيعه على الخارطة السودانية على أسس سليمة وتلبية مطالب القوى السياسية والمدنية في نقل المواقع العسكرية الى خارج العاصمة الخرطوم وبعيدا عن المناطق السكنية والاكتفاء ببقاء مقار القيادة العامة ومراكز التحكم والسيطرة مع تحريم إنشاء أي ثكنات عسكرية أو تواجد للجيش داخل المدن وحصر أي إجراءات حماية فيها على الشرطة المدنية.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
30 ألف إسرائيلي يطالبون بالتعويض عن الهجمات الإيرانية في الأسبوع الأول للحرب
القدس المحتلة- أوقفت الحرب مع إيران بشكل مفاجئ إيقاع الحياة الذي اعتاده الإسرائيليون، وفرضت عليهم واقعا جديدا من الخوف وعدم اليقين تغيّر معه كل شيء، فصافرات الإنذار باتت متكررة، والليالي بلا نوم، والضربات الثقيلة على الجبهة الداخلية أصبحت جزءا من تفاصيل حياتهم اليومية.
وفي غضون أيام، تحوّلت صور الدمار إلى مشهد مألوف في قلب إسرائيل، وبدأت المؤسسات الرسمية تحصي القتلى والإصابات كتقرير يومي، إذ لم يعد الأمر متعلقا بالحدود أو بالجبهات البعيدة، بل باتت كل أسرة إسرائيلية تقريبا في مواجهة الحرب بشكل مباشر، سواء بخسارة أو بضرر، أو بخوف مقيم في كل زاوية من زوايا البيت.
ومع تصاعد الهجمات الصاروخية خلال الحرب مع إيران، وتضرر آلاف البيوت والممتلكات، أعلن صندوق التعويضات الإسرائيلي عن تلقيه أكثر من 30 ألف مطالبة بالتعويض منذ اندلاع الحرب مع إيران، في ظل اتساع رقعة الضرر الناجمة عن القصف الإيراني الذي طال العديد من المدن والمناطق.
دعاوى تعويضات أوليةوفقا للبيانات الرسمية لسلطة ضريبة الأملاك الإسرائيلية، فقد تم إجلاء نحو 10 آلاف شخص من منازلهم خلال الأسبوع الأول للحرب، وقُدمت 30 ألفا و735 مطالبة بالتعويض، وزعت على النحو التالي:
أكثر من 25 ألفا منها تتعلق بأضرار لحقت بالمباني والشقق السكنية. 2623 مطالبة تتعلق بأضرار لحقت بالمركبات. 3006 مطالبات تتعلق بأضرار في المعدات والممتلكات الخاصة.وبحسب لوائح سلطة الضرائب، فمن الممكن أن يصل التعويض عن محتويات الشقق السكنية ما بين 100 ألف و200 ألف شيكل (الدولار= 3.5 شيكلات)، وذلك حسب حجم الضرر ومكان السكن.
ويشمل التعويض، الأثاث والأجهزة المنزلية والملابس والطعام التالف في بعض الحالات، حيث يُطلب من المتضررين تقديم تقرير مفصل ومصور خلال 14 يوما من وقوع الضرر، مرفقًا بفواتير أو تقييم خبير مستقل.
إعلانتقول مراسلة الملحق الاقتصادي "مامون" ليتل دوبروفيتسك "يصعب الحديث عن روتين في هذه الظروف، فكل لحظة باتت محمّلة بالقلق، وكل قرار يتخذ في ظل القصف، وكل صوت يسمع، يُعيد التذكير بأن المجتمع الإسرائيلي يعيش في زمن حرب لا يشبه شيئا مما عاشه من قبل".
وأضافت أنه عند تضرر شقة سكنية نتيجة هجوم أو كارثة، تختلف الإجراءات المتبعة بحسب حجم الضرر الذي لحق بالمكان، قائلة إن "المسؤولية تبدأ من جهة رسمية واحدة، وهي ضريبة الأملاك، التي تتولى مسألة التعويض المالي، لكن مسألة إعادة الترميم أو الهدم وإعادة البناء لا تحسم فورا، بل تخضع لتقييم دقيق، إذ يكلف مقيّم معتمد بالتعاون مع مهندس من قِبل الهيئة المختصة، بدراسة وضع المبنى واتخاذ القرار المناسب".
وشددت على أن المستأجرين لا يمولون الترميم من جيوبهم، بل تتحمل الدولة التكلفة، رهنا بنتائج التقييم الفني والحصول على التصاريح اللازمة. وقالت "في الحالات الاعتيادية، تجدد الشقة السكنية وتعاد إلى ما كانت عليه، أما في حال وجود أضرار جسيمة تهدد سلامة المبنى، فيُتخذ القرار بهدمه بالكامل وإعادة بنائه من جديد".
في جولة ميدانية إلى أحد مواقع سقوط الصواريخ في مدينة حيفا، التقى مراسل الشؤون الاقتصادية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، غاد ليئور، بأحد أكثر الأشخاص انشغالا منذ اندلاع الحرب مع إيران، وهو مدير صندوق تعويضات ضريبة الأملاك أمير دهان، الذي يجوب المواقع المتضررة شمالا وجنوبا، ويشرف ميدانيا على تقييم الأضرار.
يقول دهان "لم أرَ شيئًا كهذا من قبل"، مضيفًا لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أن "أربعة مبانٍ مكوّنة من ثلاثة وأربعة طوابق دُمّرت بالكامل في منطقة رامات غان، ولا يمكن ترميمها، بل يجب هدمها كليًا وإعادة بنائها".
وأوضح أن "الضرر الناتج عن الضربات الصاروخية الإيرانية يتجاوز ما اعتدنا عليه بمستويين على الأقل، في السابق كنا نتحدث عن نوافذ محطمة، أما اليوم فنرى أحياء كاملة متضررة، وتأثير الانفجار يمتد لأكثر من 700 متر من نقطة السقوط".
وتشير التقديرات الأولية إلى أن الأضرار المباشرة تجاوزت ملياري شيكل (571 مليون دولار) خلال الأسبوع الأول للحرب، بينما يحتوي صندوق التعويضات حاليا على حوالي 9.5 مليارات شيكل (2.71 مليار دولار).
لكن دهان يحاول أن يطمئن الإسرائيليين قائلا "حتى لو نفدت الأموال، فإن الدولة ستضخ الميزانيات اللازمة، لا أحد سيُترك دون مأوى أو تعويض".
ويعمل أكثر من 80 فريقًا لتقييم الأضرار ميدانيًا، لكن بعض الأحياء لا تزال غير قابلة للوصول بسبب الإجلاء الكثيف، ويضيف دهان "لن نستطيع تقييم الأضرار في كل مكان فورا، لكننا سنصل للجميع".
آلية التعويضفي الحالات العادية، تصل الدفعة الأولى للمتضررين خلال 3 أسابيع إلى شهر إذا كان الضرر طفيفا أو متوسطا. أما الأضرار الكبرى، فقد تستغرق عدة أشهر أو حتى سنة كاملة، وتترافق مع دفعات جزئية أثناء عمليات الترميم.
لكن وبسبب حجم وكثرة الأضرار تم تفعيل مسار "التعويض السريع"، الذي يمكّن من تضررت ممتلكاته بأقل من 10 آلاف شيكل (2857 دولارا) من تقديم مطالبة فورية بالصور وعرض أسعار، ويحصل على التعويض خلال 48 – 72 ساعة، دون انتظار تقرير من خبير.
إعلانوبالأساس يتم تعويض محتويات المنزل حتى سقف 120 ألف شيكل (34.2 ألف دولار)، للعائلات (زوجان + 3 أطفال)، ومن يملك مقتنيات تتجاوز هذا المبلغ (مثل أثاث فاخر أو أجهزة غالية الثمن)، عليه أن يكون قد اشترى تأمينا إضافيا مسبقا للحصول على تعويض كامل.
وبخصوص كل ما يتعلق بالإقامة البديلة للعائلات التي تضررت مساكنها وأخليت من منازلها، يقول دهان " في المرحلة الأولى، ننقل المتضررين إلى فنادق بتمويل من صندوق التعويضات عبر السلطات المحلية، وإذا طالت أعمال الترميم، يمكن للعائلات الانتقال إلى شقق مستأجرة، على أن تتحمل الدولة الإيجار، بما يعادل قيمة سكنهم السابق".