كيف نقرأ سوريا الأسد عبر الدراما؟
تاريخ النشر: 5th, April 2025 GMT
كان المسلسل التلفزيوني السوري، خلال عقد الثمانينيات، قد بدأ بالتحول التدريجي الواضح من محلية تداوله ليصبح حالة عربية عامة، دون أن يجازف بسورية الموضوع وهمومه، أو حتى بخصوصية الشكل التي عهدناها، بل نجح إلى حد بعيد في «سورنة» ذائقة المشاهد العربي البسيط.
كان لافتًا أن تشهد تلك الحقبة القلقة، وصولًا إلى عام 2011، اهتمامًا ملحوظًا ومتناميًا بهذا القطاع من قبل الدولة السورية، وهي التي سعت بدورها إلى إدراج صناعة الدراما ضمن جدول أعمالها وأجندتها السياسية والاقتصادية، ليصبح المسلسل التلفزيوني السلعة السورية الأغلى والأشهر بين صادرات تلك البلاد إلى محيطها العربي، إلى درجة أن عابد فهد يحكي ساخرًا بأن بشَّار الأسد عندما يذهب إلى اجتماع القمة العربية يُسأل عن «باب الحارة».
ثورة فنية استثنائية صنعتها كوكبة من المواهب الفذة التي صُقلت على خشبات المسرح السوري العريق، ونجاح باهر غالبَ بشراسة التفوقَ التقليديَّ للسينما المصرية، حتى بدا وكأن المصريين والسوريين قد تقاسموا في ما بينهم حصة الإنتاج الفني العربي؛ إذ أصبحت صناعة المسلسلات مهنة من تخصص الفنانين السوريين، بينما يحتفظ نُظراؤهم المصريون بحق احتكار صناعة السينما. غير أن نجاح صناعة الدراما في سوريا لم يكن محصلة فورة إبداعية عفوية؛ بل كان ثمرةً لشراكة خلف الكواليس بدت أقرب لتحالف شديد التعقيد والحذر بين الوسط الفني وكتَّاب النصوص وشركات الإنتاج من جهة، والدولة الأمنية في سوريا من جهة أخرى.
سقوط النظام في سوريا وما تكشف عنه من أقبية تعذيب ومقابر جماعية أعاد لكثير من العرب ذكرياتهم عن سوريا التي عرفوها عن طريق المسلسلات، في محاولة منهم للمطابقة بين الصورة والواقع. أمامنا إذن وقت طويل لنحاول قراءة سوريا الأمس عبر الدراما، عبر أعمال مثل «مرايا» و«بقعة ضوء» و«قلم حمرة» و«ضيعة ضايعة» و«الولادة من الخاصرة»... إلخ. حتى المسلسلات التاريخية، لا بدَّ أنها تقول شيئًا عن سوريا الحديثة. ولنا أن نتساءل في المقابل: كيف صنعت الدراما السورية، في ظل نظام مستبد، حالتها الفريدة في التحرش بالخطوط الحمر؟ كيف عبَّرت عبر النقد الساخر حينًا والجاد حينًا عن المسكوت عنه في بلدان عربية أخرى لطالما نُظر إليها على أنها أكثر حرية من بلاد البعث؟ بل كيف ساهمت جرأة الفنان السوري، رغم تلك الظروف، في تشجيع الدراما العربية في أماكن أخرى وتحريرها من كثير من القيود؟ كيف يمكن تفسير هذه المفارقة التي تشي بتناقض في مكان ما؟
المدخل الأول الذي يلوح لتفسير هذا التناقض هو علاقة النظام البراجماتية مع الفن، بما في ذلك الفن المعارض بالتحديد، أو علاقة الفنانين البراجماتية مع النظام. يمكننا أن نفهم ذلك «التحالف» بين مختلف أطراف الصنعة كحالة صحية تنشأ من تلاقي «المصالح» بين السلطة والفنان ورأسمال، بالطريقة التي شرحها جمال سليمان في حواره المثري مع جاد غصن قبل نحو ثلاثة أشهر فقط على سقوط النظام، السقوط المفاجئ شكلًا وتوقيتًا مهما بدا متوقعًا منذ مدة.
غير أن الحديث عن «مصالح» متبادلة بين الفنان وسلطة الأمر الواقع ليس بقصد تعكير براءة تلك الحقبة الفنية أو لمصادرة مصداقيتها. والأهم من ذلك أنه لا يطعن في سمعة المواهب التي صنعت من تناقضات تلك المرحلة عصرًا ذهبيًّا للدراما السورية، والدفع بالتالي لاتهام الوسط الفني دون تمييز بالتواطؤ وخيانة الفن والناس معًا، كما يحدث الآن. قطعًا كلا... بل على العكس! فتلاقي المصالح ليس أكثر من توصيف واقعي وعقلاني، بل وذكي إلى حد بعيد في وصف العلاقة الجدلية والتبادلية التي جرت عليها الأمور دائمًا وأبدًا بين الرقيب والثقافة بصفة عامة، كما يحدث في أي مكان وزمان.
ما يحسب لأجيال من الفنانين السوريين، وما يجعل من تجربتهم مع السلطة حالةً عربية مميزة، هو نجاحهم بنسبة تثير الإعجاب في كسب رهان التعبير عبر تلك العلاقة المصلحية المزدوجة، الرهان الذي يحدده سؤال: من يوظف الآخر في النهاية للتعبير عن نفسه؟ هل تعبر السلطة عن نفسها عن طريق الفن أم يعبر الفن عن نفسه تحت أعين السلطة وبموافقتها وفي عقر دارها؟ فقد يصبح المشهد ذاته الذي يريده الفنان تعبيرًا عن قضية اجتماعية أو سياسية حرجة هو ذاته الذي يريده النظام خدمةً لغرض آخر؛ كالتنفيس عن احتقان الشارع أو تصدير صورة مضادة مغايرة للسمعة الشائعة عن نظام يحارب حرية التعبير ويقمع الفن والثقافة.
هذه القراءة المزدوجة ذات الوجهين، للمشهد التمثيلي الواحد، هي ما تجعل من محاولة تحليل أسلوب صناعة الفن المعارض، في دولة كسوريا أيام البعث، مسألة أكثر تعقيدًا والتباسًا مما يبدو وفقًا للتبسيط الشائع.
وبطبيعة الحال، لم يكن هذا الرهان مضمونًا دائمًا لصالح الفن على حساب السلطة، ولطالما كان مغامرة خطيرة استدعت تطوير الموهبة الفنية، نصًّا وأداءً، بما يؤهلها للتعامل مع الفن بوصفه إيماءً، واحتجاجًا مبطنًا، ومقاومة عبر الحيلة. ومع أنني لستُ من أنصار النظرية التي تقول إن «الإبداع يولد من رحم المعاناة» دائمًا، لكن الحرمان والمنع قد يكون في كثير من الأحيان محرضًا على اكتشاف طرائق تعبيرية جديدة لإنقاذ الفن من التحول للخطابية المباشرة.
سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
حمود وأبوه.. الدراما السعودية تعود بنكهة شبابية
أطلقت منصة "شاهد" مؤخرا مجموعة من حلقات المسلسل السعودي "حمود وأبوه"، في إطار تعاون مشترك مع هيئة الأفلام السعودية. ورغم أن المسلسل لم يُعرض كاملا بعد، إلا أنه استطاع أن يلفت الأنظار سريعا، ليحجز مكانه بين أكثر الأعمال مشاهدة في منطقة الخليج.
ينتمي المسلسل إلى فئة الدراما الكوميدية الاجتماعية القصيرة، ويتكون من 10 حلقات فقط، تتناول بأسلوب بسيط وعفوي التحديات التي تطرأ في العلاقات بين الأجيال المختلفة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"من الأحد إلى الخميس".. دراما كويتية تحظى بفرصة ثانية بعد رمضانlist 2 of 2في مسلسل "لا رحمة لأحد" الكاميرا حاولت منع البطل من قتل خصومهend of listيؤدي أدوار البطولة كل من أحمد الكعبي، عائشة كاي، مهند الصالح، وريم صفية، فيما تولى كتابة النص الكاتب السوداني علاء حمزة، وأخرجه المخرج البحريني حسين الحليبي.
من أول مشهد في #حمود_وأبوه وحنا متورطين مع الضحك والمشاعر! ????
كوميديا اجتماعية فخمة، وشخصيات تخطف القلب قبل العقل ???? شكلنا قدام مسلسل ما يتفوت ????
متشوقين نشوف وش جايينا في الحلقات الجاية! ???? @khalidalfarraj #عائشة_كاي#سعيد_القحطاني
— SHAHID (@ShahidVOD) July 15, 2025
العودة إلى عالم "ثانوية النسيم"يُعد مسلسل "حمود وأبوه" بمثابة امتداد لعالم مسلسل "ثانوية النسيم" الذي عُرض في العام الماضي، ونجح في تسليط الضوء على حياة طلاب المرحلة الثانوية بأسلوب لاقى رواجا واسعا. في هذا العمل الجديد، يعود الكاتب السوداني علاء حمزة لتناول تطورات شخصية "حمود" (أحمد الكعبي)، لكنْ هذه المرة بعد تخرجه من المدرسة، حيث يدخل عالم الكبار بخطوات مترددة بين مسؤوليات الحياة العملية وتكوينه لعلاقته العاطفية الأولى.
المسلسل يركز بشكل أساسي على العلاقة الفريدة التي تجمع حمود بوالده "خميس" (مهند الصالح)، وهي علاقة تمزج بين روح الصداقة والتصادم الجيلي. فبينما يتمسك الأب بعاداته وقيمه التقليدية، يسعى الابن للتأقلم مع متغيرات العصر ومتطلباته، مما يخلق مواقف إنسانية وكوميدية تعكس تعقيدات التواصل بين الأجيال.
إعلانورغم غياب معظم شخصيات "ثانوية النسيم" في هذا العمل، فإن الثنائي أحمد الكعبي ومهند الصالح واصلا تجسيد دوريهما، مما حافظ على روح العمل الأصلية. كما شهدت الحلقة الخامسة ظهورا خاصا للممثل نايف البحر بدور "مشعل"، في لفتة تربط المسلسلين وتعزز الإحساس بالاستمرارية الدرامية.
كما شهد المسلسل انضمام مجموعة من الوجوه الجديدة التي أضفت حيوية وتنوعا على العمل، من أبرزها عائشة كاي التي قدمت دور الأم المتسلطة "بسمة" بأسلوب قوي، وريم صفية التي برزت في أداء شخصية "أبرار"، مجسدة بتفاصيل دقيقة حالتها النفسية والعاطفية. وشارك أيضا في البطولة كل من سعيد القحطاني، خالد الفراج، وسارة الحربي، مضيفين مزيدا من التنوع في الأداء والشخصيات.
الجدير بالذكر أن المخرج السعودي عبد الرحمن الجندل، الذي لاقى إشادة واسعة بعد إخراجه لمسلسل "ثانوية النسيم"، لم يكن ضمن طاقم العمل هذه المرة. وقد تولى مهمة الإخراج المخرج البحريني حسين الحليبي، مما منح المسلسل رؤية إخراجية جديدة وبصمة مختلفة في الإيقاع والبناء البصري.
مسلسل #حمود_وأبوه مسلسل سعودي على منصة #شاهد ???????? من 10 حلقات
حلقتين لين الحين ومكسره الدنيا والشخصيات رهيبه ????????????❤️
لقيت مسلسل يستاهل ????????❤️
نتفرجه وتمسون على خير ❤️ pic.twitter.com/vVsoOwSKda
— بسووومه???? ???????? (@beessoo098) July 14, 2025
تناول جديد لصراع الأجيالتميز مسلسل "حمود وأبوه" بتقديم طرح مختلف وجديد للصراع بين الأجيال، مبتعدا عن الصورة التقليدية التي لطالما رسختها الدراما العربية، حيث غالبا ما صُورت العلاقة بين الشاب ووالده كتجسيد لصراع سلطة وتسلط. أما في هذا العمل، فقد اختار صناعه مقاربة أكثر إنسانية وواقعية، تركز على التباين في أنماط التفكير والرؤى الحياتية، ضمن علاقة يغلب عليها الود والفكاهة، لا التنافر.
بأسلوبه الكوميدي الذكي، أظهر المسلسل كيف يمكن لجيلين مختلفين أن يلتقيا في منطقة وسطى، يتعلم فيها الأب من ابنه بروح منفتحة، ويستفيد الابن من تجارب والده دون تمرد أو رفض اعتباطي. هذه المعالجة قدمت نموذجا ناضجا لعلاقة أبوية متوازنة، متحررة من الميلودراما والمقولات الجاهزة.
كما تناول المسلسل جانبا اجتماعيا مهما من خلال تسليط الضوء على الصراع بين شخصية "أبرار" ووالدتها المتسلطة "بسمة"، مقدّما رسائل تربوية لطيفة تمس واقع الكثير من العائلات، خاصة الأمهات اللواتي يفرضن وصاية مفرطة على بناتهن تحت غطاء الحرص.
ويُحسب للعمل إيقاعه السريع والمشوق، إضافة إلى الكوميديا الهادفة التي خلت من الابتذال، مما جعله قريبا من الجمهور على اختلاف فئاته، لا سيما في المجتمعات الخليجية التي وجدت في العمل شيئا من خصوصيتها وتفاصيلها اليومية.