عبد الفتاح البرهان: بين التحالفات المتعددة والعداوات المتجددة (1)
تاريخ النشر: 6th, April 2025 GMT
المقدمة
سعادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان لم يكن جزءًا من الثورة ضد نظام عمر البشير. إلا أنه، بعد اندلاع الثورة، وجد نفسه ملزم بأن يقوم بأدوار رئيسية داخل المشهد السياسي السوداني اختارته ولم يختارها. بعد عزل الرئيس عمر البشير، كلف كبار الضباط الذين نفذوا الانقلاب, كلفوا البرهان بان يبلغ الرئيس البشير بقرار عزله من الحكم.
تم التوافق على ترشح البرهان لمنصب الرئيس بواسطة ثلاثة أطراف رئيسية هي: قائد الانقلاب ابن عوف، قوى الحرية والتغيير (قحت)، قائد الدعم السريع. وعليه، وجد البرهان نفسه رئيسًا للجمهورية دون أن يسعى إليها، ووجد نفسه ملتزمًا بالتعامل و التوافق مع هذه القوى التي رشحته وممثلًا للثورة في الداخل والخارج، و ملتزما بتنفيذ برنامجها مثل محاربة الإسلاميين. هذه الديناميكيات كانت ضرورية لفهم كيفية تعامل البرهان مع هذه الأطراف المختلفة وكيف تحولت علاقته مع كل جهة منها. يظل البرهان هو الشخصية المحورية في تحديد حاضر ومستقبل السودان الا ان مساره السياسي مليء بالتحولات والانعطافات، ومن المهم أن نفهم كيف تعامل البرهان من خلال هذه التحولات مع مختلف القوى السياسية والعسكرية في السودان، بما في ذلك قوى الحرية والتغيير (قحت)، الدعم السريع، والإسلاميين، وصولًا إلى تحولات الحرب الأخيرة التي أظهرت جوانب جديدة في شخصيته السياسية والعسكرية.
*أولا الصفات الشخصية للبرهان:*
يتمتع الفريق اول عبد الفتاح البرهان بعدة صفات شخصية معقدة ومرنة وهي محل اجماع بين مؤيديه و معارضيه معا. احاول ان اقدم بعض هذه الصفات و مدى تاثيرها على طريقته في الحكم.
1/ الخداع الاستراتيجي: بهذه الصفة أظهر البرهان قدرة فائقة على التعامل مع مختلف الجبهات وتحقيق أهدافه بعيدًا عن الأنظار، مما قد يكون مفيدًا في بيئة سياسية معقدة. ولكن نظر اليها البعض على أنها سلبية تؤدي إلى فقدان الثقة و ان الشخص لا يُظهر حقيقته للآخرين.
2/ الغموض والكتومة: بهذه الصفة استطاع البرهان الحفاظ على مسافة مع الآخرين، واحتفظ بيقدرته على اتخاذ قرارات استراتيجية او الادلاء بتصريحات هامة بعيدًا عن التأثيرات الخارجية مهما كانت الانتقادات مثل غياب الشفافية او غيرها.
3/ التعامل مع المتناقضات بهدوء وذكاء: يُعتبر البرهان قادرًا على التكيف مع الظروف المتغيرة و الموازنة بين المواقف المتناقضة برونة تامة، وهذه مهارة شخصية ساعدته على التعامل مع بيئة مليئة بالصراعات و التعامل مع المجموعات المختلفة أو التغيرات المفاجئة.
4/ القدرة على اللعب بـ “البيضة والحجر”: اي للبرهان للقدرة على اتخاذ مواقف مزدوجة أو متوازية، و البقاء في منطقة الوسط حتى وان كان في حالة صراع علني. مم امكنه من الحافظ على تحالفات متعددة او حتى امكانية العودة لتحالفاته السابقة او انهاء او تغيير او تبديل كل التحالفات. قد يؤدي هذا التكتيك إلى عدم الوفاء الكامل للمبادئ أو الوعود.
/ الفطنة، الذكاء، الصبر، التخطيط، والشجاعة: هذه مجموعة من الصفات القيادية الهامة، التي ساعدت البرهان على التفكير بعيدًا عن اللحظة الراهنة والتخطيط في قضايا معقدة خاصة حرب الكرامة التي اكسبت البرهان ثقل جماهيري نادر و اجعلته في مصاف الابطال الوطنيين الذين حققوا الانتصارات لشعوبهم رغم التحديات الكبيرة. وليس اعتمادا على المعايير المادية وحدها لكن بسب الصفات الشخصية للقائد خاصة الصبر و الشجاعة والذكاء و التخطيط.
بشكل عام، يجمع الراي العام على أن البرهان شخصٌ ذكي، استراتيجي، وواقعي في تعامله مع الظروف المتغيرة. ولكن، يمكن أن تكون هذه الصفات من وجهة نظر اخرى سيفًا ذا حدين. فبينما تمنحه القدرة على النجاح في بيئة مليئة بالصراعات، قد يؤدي تكرار هذه التكتيكات إلى فقدان الثقة أو استياء حتى من الأطراف المتحالفة باحساسها بالخادع أو عدم الشفافة.
المفتاح في تقييم شخصيته يكمن في مدى قدرة هذه الصفات على تحقيق الأهداف الوطنية والتعامل مع الضغوط المحلية والدولية بنجاح, كما ظهر ذلك جليا في حرب الكرامة و لكنه اخفق في تحقيق الاهداف الوطنية في حالة التحالفات السياسية. فهل تكرر التجربة نفسها بعد حرب الكرامة؟
*ثانيا علاقة البرهان مع قحت من التحالف الى العداء*
بدأت علاقة البرهان مع قوى الحرية والتغيير (قحت) عندما اختارت قحت البرهان ليكون رئيسًا للسودان بديلًا عن الرئيس البشير وابن عوف. وتوجت هذه العلاقة بتوقيع تحالف بين الطرفين تحت برنامج “الوثيقة الدستورية”.
استمر هذا التحالف لمدة ثلاث سنوات، لكن فشل في تحقيق أهدافه ليس لأي سبب يتعلق بالبرهان، بل بسبب سياسات قحت نفسها، وتحديدًا عدائها للإسلاميين الذي بدد طاقتها الذهنية والنفسية والاقتصادية والسياسية, مما جعلها مطية للقوى الخارجية علها تكيبها شرعية او نجاحات اقتصادية دون أن تحقق أي مكاسب بل كانت فترة حكمها كلها اخفاقات. مما افقدها مع مرور الوقت مكانتها وسمعتها وشعبيتها، وكل رصيدها السياسي. ولهذا السبب أصبح تحالف قحت مع البرهان عبئًا على البرهان نفسه، مما أدى إلى توتر العلاقة بين الطرفين عبر تبادل الاتهامات والضغوط، حتى وصلت العلاقة إلى طريق مسدود في 21 أكتوبر 2021، اتخذ البرهان قرارات وصفتها قحت بالانقلاب، بينما اعتبرها البرهان قرارات تصحيحية.
هنا تظهر الصفات التكتيكية للبرهان في تحالفاته, حيث قام بتغيير جزئي يتمثل في إخراج قحت من التحالف واستبدالها بحركات دارفور الموقعة على اتفاقية سلام جوبا، مع الالتزام ببرنامج ثورة ديسمبر والوثيقة الدستورية, دون ان يعلن عن حكومة جديدة او برنامج جديد او مرحلة جديدة مع وعود متكررة بتشكيل حكومة تكنوقراط بعيدا عن المحاصصة الحزبية. مرت السنوات وحتى كتابة هذا المقال لم يتم الاعلان عن تكوين هذه الحكومة مما ترك المشهد السياسي في حالة فراغ إلى حين تشكيل حكومة تكنوقراط
استمر هذا الفراغ السياسي، ومع نشاط المخابرات الدولية قادت لجنة السفراء الرباعية للسفراء, مبادرة لإعادة التحالف بين قحت والبرهان. وهنا تظهر ذات الصفات التكتيكية ووقع البرهان اتفاقا جديدا مع قحت تحت اسم الاتفاق الإطاري، رغم العديد من الألغام السياسية التي يحملها مثل إعادة لجنة التفكيك وإعادة قحت إلى سدة الحكم. و مرة اخرى فشل هذا الاتفاق ولم يرى النور والسبب ايضا لا يتعلق بالبرهان اي البرهان وقع وكان على استعداد للمضيء قدما في الاتفاق ولكن السبب الذي افشله يعود الى طمع كل من قحت واللجنة الرباعية في تحقيق المزيد من المكاسب السياسية و تحجيم دور البرهان و مؤسسة الجيش، بل حاولوا ابتزاز البرهان ومحاسبته باأثر رجعي على قرارات 21 اكتوبر بعدا أن ضمنوا توقيعه على الاتفاق الإطاري،بل تجاوزا البرهان نفسه وشرعوا في اجراءات تفكيك الجيش أو إعادة هيكلته.
هنا، وجد البرهان نفسه تحت ضغط مزدوج: من جهة، ضغوط قحت واللجنة الرباعية للمضيء قدما في الاتفاق، ومن جهة أخرى، ضغوط الجيش والرأي العام الرافض مطلقا للاتفاق الاطاري من حيث المبدا المحتج على توقيع البرهان عليه. هذا الضغط المتزايد أدى بقحت و الرباعية السفراء بان يستخدموا الدعم السريع كأداة لاخضاع الرهان و صرح نائب ثاني الدعم السريع مخاطبا البرهان: (سلم السلطة دون لف او دوران) مما ادى إلى اندلاع الحرب التي صرح حميديت في يومها الاول ان هدفه هو قتل البرهان.
الخلاصة في علاقة البرهان مع قحت هي أن البرهان وقع مع قحت تحالفين: الأول “الوثيقة الدستورية” والثاني “الاتفاق الإطاري”. من حيث المبدأ، قد يكون البرهان مستعدًا في أي لحظة لتوقيع تحالف مع قحت، مهما كانت التحديات او الىعتراضات التي قد يواجهها من الجيش أو الرأي العام أو حتى من الإسلاميين او حتى و ان كان هذا التحالف عاجزا عن تحقيق اي انجاز ماموس. السبب في ذلك هي اسباب تكتيكية. يعتقد البرهان أن تحالفه مع قحت قد يمنحه الشرعية الدولية التي ظلت هاجسه الاساسي على الدوام عله من خلالها قد يتمكن من إيجاد حلول للأوضاع الداخلية اعتمادا على أدواته المحلية وصفاته الشخصية كما ظل يفعل.
*ثالثا التحالف بين البرهان و الدعم السريع*
قدم البرهان العديد من التنازلات القاسية جدا و المغريات الكبيرة جدا في سبيل ان يكسب هو ثقة قائد الدعم السريع وان يخلق معه تحالفا استراتيجيا متينا لا تهزه المغريات الاخرى ولا تخترقه المخابرات ولا تتخلله الشكوك. وقد ظلت هذه التنازلات مثار جدل كثيف في الراي العام المحلي و الدولي. نتناول هذه العلاقة وتقلباتها المختلفة في هذه الجزء من المقال
النازلات من جانب البرهان
التنازل الاكبر هو ان البرهان قد ضحى بوحدة القوات النظاميةع بالغاء المادة التي تجعل الدعم السريع تابعا للجيش مما فتح الباب لقائد الدعم السريع للتفكير والتصرف باستغلال امكاناته العسكرية والمادية وعلاقاته لتحقيق طموحه السياسي و بناء تحالفات داخلية وخارجية باستقلالية تامة. كما قام البرهان بحل هيئة العمليات القوة لجهاز الأمن، وكذلك احال عددا كبيرا من كبار الضباط في الجيش فقط بسبب اعتراضهم على تمدد الدعم السريع وتنبؤهم بخطورته على مستقبل البلاد. تعرضت سمعتة البرهان ومكانته داخل الجيش وفي الرأي العام للاهتزاز دون ان يغير سياساته او يحد من تنازلاته تجاه الدعم السريع. ولكن مهما كانت المزايا اثبتت الايام خطا تقديرات البرهان في علاقته مع الدعم السريع و التنازلات التي قدمها لقائده.
المزايا والعيوب لتحالف البرهان مع الدعم السريع:
من ناحية، كان تحالف البرهان مع الدعم السريع خطوة استراتيجية ذكية وضرورية، حيث أتاح له وجود طرف ثالث بينه وبين قحت, وموثوق فيه بين الطرفين، وهو ما ظن انه يمكن أن يعزز به سلطته العسكرية والسياسية فلصالح استقرار البلاد و صالح تحالف مستقر مع قحت و شرعية ممنوحة من الخارج. لكنه في نفس الوقت كان يشكل مخاطرة، حيث يضعف هذا التحالف من وحدة الجيش السوداني ويحوله إلى جيشين متوازيين يمكن استغلال التوترات بينهما، من قبل القوى الدولية, مما قد يؤدي في النهاية إلى تهديد الاستقرار الوطني.
نقض التحالف من قبل الدعم السريع:
وضع الدعم السريع البرهان في موضع صعب للغالية حينما قرر نقض التحالف بينهما وتبني برنامج قوى الحرية والتغيير الذي يدعو إلى تفكيك الجيش وإعادة هيكلته. هذا التحول يعكس خطأ رهانات البرهان في تحالفه مع الدعم السريع.
الصراع المفتوح مع البرهان:
قرار الدعم السريع بشن الحرب على البرهان في صراع مفتوح تم استغلاله و تغذيته من جهات اخرى وتطويره الى حرب مفتوحة ضد المجتمع وضد الدولة لتحقيق اهداف خارجية بحتة بعيدة كل البعد عن كل ما كان يدور على الساحة من تحالفات سابقة.
الاستنتاج:
تقييم العلاقة بين البرهان والدعم السريع يظهر أن التحالف كان يحمل في طياته مخاطر كبيرة، بالنظر إلى طبيعة الدعم السريع كقوة عسكرية شبه مستقلة. من جانب البرهان، كانت التضحيات التي قدمها تهدف إلى ضمان استقرار التحالف، لكن عدم استقرار العلاقة مع الدعم السريع، وعدم وضوح أهداف الأخير، جعل التحالف كارثة يدفع ثمنها الجميع. مما يبرز سؤال مهم عن مدى مقدرة البرهان على بناء تحالفات مفيدة و محصنة وقادرة على الوصول الى بر الامان، خاصة في ظل التوازنات السياسية والعرقية والعسكرية المعقدة للغاية. وهو سؤال يتعلق بالمستقبل بناءا على تجربة الماضي و الحاضر.
د. محمد عثمان عوض الله
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: قوى الحریة والتغییر مع الدعم السریع البرهان نفسه البرهان مع التعامل مع البرهان فی تحالف بین مع قحت
إقرأ أيضاً:
السلالية في تركيبة الدعم السريع: رسالتي دي شيروها تصل نائب القائد وحميدتي ذاتو
السلالية في تركيبة الدعم السريع: رسالتي دي شيروها تصل نائب القائد وحميدتي ذاتو
عبد الله علي إبراهيم
ملخص
(اتفق لطائفة من القوى التي كانت من وراء ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 أن “الدعم السريع” هي جيش ثانٍ في يومنا ولا بد لأية تسوية للحرب أن تأخذ حقيقتها هذه بالاعتبار. وهذا منها بخلاف ما اتفق لهم خلال مقاومتهم دولة الإنقاذ وثورتهم حين عدوه ميليشيات “تنحل ولا تحكم دولة”. وقضى اتفاقهم الإطاري للإصلاح الأمني والعسكري عند مغرب حكومتهم الانتقالية بدمجه في الجيش. وطالما راجعت هذه القوى موقفها من “الدعم السريع” فعدتها جيشاً ثانياً لا ميليشيا، صح لها أن تقف من كثب على تراكيبه المهنية والاجتماعية، بما في ذلك المؤسسة الاقتصادية التي بيده، في الاتفاق الوطني الذي يبشرون به بعد وقف إطلاق النار. فكثير منهم منزعج جداً للميليشيات والحركات العسكرية التي تقاتل مع الجيش ويخشون يوماً كريهاً منها على استقرار البلاد. وصح بالمثل أن يقفوا على “السلالية” المستفحلة في “الدعم السريع” التي كشف هذا المقال عنها لاستصحابها في تسكينهم له كجيش ثانٍ في الدولة الوطنية الحديثة المنتظرة).
أثار الصحافي عثمان فضل الله منذ 2023 مسألة متعلقة بطبيعة قوات “الدعم السريع” وتراكيبها قلت إثارتها في الخطاب حولها. فقال فضل الله إن الوضع في الحرب اقترب من الانفلات، وذكر للجيش عيوبه من هذه الجهة، لكنه قال إن دلائل هذا الانفلات أوضح ما تكون في “الدعم السريع”. فتركيبة هذه القوات، بحسب قوله، اختلفت اليوم عنها في الـ15 من أبريل يوم نشوب الحرب القائمة في السودان. حين كانت قوة شبه نظامية بقانون، لكنها انتهت في يومنا إلى تحالف من ست ميليشيات، بل واستصحبت جماعة مستنفرة معروفة بـ”أم باغة” تقاتل لأجل الغنيمة. كذلك فإن بينها اليوم طلاب غنيمة آخرين مستنفرين من قبلها عرفوا بـ”الكسابة” (جمع كاسب). فلم تعد “الدعم السريع”، بحسب فضل الله، جيشاً موحداً وإنما مجموعات عسكرية يرغب قادة “الدعم” في التنسيق بينها، لكن “المؤشرات جميعها ترجح احتمالية تفككها وتحولها إلى عصابات تهاجم المدن من أجل السلب والنهب في ظل الضعف البائن على الأجهزة الأمنية والعسكرية”.
وفرت وقائع أخيرة في أوساط قوات “الدعم السريع” نافذة لنظرة أخرى لطبيعة “الدعم السريع”. وأسفرت بفضل هذه الوقائع عن تكوينات مغرقة في القبائلية لم تلطف منها 25 شهراً من الحرب. وهذه الوقائع هي معركة أم صميمة في كردفان في هذا الشهر التي خسر “الدعم السريع” فيها البلدة بكلفة فادحة وسط منسوبيه من شعب المسيرية من البقارة. أما الواقعة الأخرى فهي حملة “الدعم السريع” لمحاربة الظواهر السالبة في حاضرته مدينة نيالا في دارفور. وساءت أشياء منها منسوبيه من شعب الفلاتة من أهل جنوب دارفور فعرضوا بهويتهم القبلية. أما الواقعة الثالثة فهي هجوم جماعة قيل إنها منسوبة لـ”الدعم السريع” على شعب دار حامد من سكان شمال كردفان عند مدينة الأبيض. فنهب المهاجمون قرية شق النوم وما حولها وأحرقوا بيوتها وقتلوا نحو 300 شخص. وبالطبع ساء ذلك منسوبي “الدعم السريع” من دار حامد وظاهروا بهويتهم القبلية.
تواترت اللايفات من منسوبي “الدعم السريع” من المسيرية بجنوب كردفان بعد خسارة أم صميمة وعرضوا لتظلمهم من “الدعم السريع” على بينة من هويتهم القبلية. فطغت الشكوى من أن كردفان ناقصة في عتاد الحرب حتى إن أحد “اللايفاتية” قال إنهم فاتحوا قائد ثاني “الدعم السريع” عبدالرحيم دقلو بالأمر حين التقوا به في نيروبي على أيام مؤتمر نيروبي في فبراير (شباط) الماضي للتحضير لقيام حكومة موازية في مناطق سيطرة “الدعم السريع”، فقال لهم عبدالرحيم “أبشروا”، ولكن لا حياة لمن تنادي. وقال إن قيادة الدعم ترسل لهم في كردفان قوى إسناد من دارفور بكامل عتادها إلا أنها لا تغشى الوغى في حين تتوعد بغزو الإقليم الشمالي.
وبؤس تسليح المسيرية قديم حتى إن القائد جلحة، الذي قتل بمسيرة في الخرطوم في يناير الماضي، كان يقول إنه كان “يقلع” السلاح والسيارات قلعاً من الجيش و”الدعم السريع” معاً. وقال سافنا، قائد آخر من مسيرية كردفان، إنه كان كذلك يستولي عنوة على المركبات بل يملأها غازاً من بعض ذهب عثر عليه لأنه لم يكن له مرتب حتى. وبلغ بهم سوء الإعداد في قولهم إن أفراد قوتهم حاربوا وهم ينتعلون “شباشب” لا الأحذية العسكرية.
واستدعى حرج خسارة أم صميمة خروج القائد البارز قجة من شعب المسيرية بقضية جماعاتهم في “الدعم السريع” بقوة مع سعة. فوجه رسالته لحميدتي وأخيه عبدالرحيم مذكراً بأرتال شهدائهم للقضية. وقال إنه لا يؤمن بالقبلية، لكن مكره للحديث عنها. فمهما قلنا عنها سلباً فهي لا تزال العامل الذي من وراء نجاح قضيتهم. ثم وجه حديثه لمنسوبي المسيرية في “الدعم السريع” في كل جبهات القتال للوحدة لكي يثأروا لشهدائهم إذ سقط 50 منهم فقط في معركة أم صميمة. وقال بعد تعديد قادة المسيرية الشهداء إنهم سيقاتلون الكيزان حتى آخر مسيري. وأكد خلوه من الشك في القبائل التي قاتلت معهم جنباً لجنب بولاء وفروسية ولا مطعن. ولأنه ليس بالإمكان جمع مسيرية “الدعم السريع” في مؤتمر عام في يومه فهو يوجه عنهم رسالة للقائد العام ونائبه بما حملته له 35 مجموعة منهم عن نقصهم في عتاد الحرب. وجاؤوا له بالشكوى لأنه بمنزلة القيادة فيهم. وقال إنهم لا يطلبون غير تزويدهم بالعتاد لأداء واجبهم في الميدان حتى الموت على أكمل وجه. فهم يريدون من قيادة “الدعم السريع” أن تزودهم بالسلاح الثقيل من منظومات إلى مدافع 25 إلى مدافع 14 ونصف وأجهزة التشويش، ولتسألهم بعد ذلك إن خذلوها. ونفى العنصرية عن نفسه، بل عرض الأمر بوجهه القبلي لإحسان القتال من أجل القضية التي نزفوا شهداء عدداً من أجلها.
ومع تبرؤ قجة عن الطعن في فروسية غيرهم في الحرب إلا أن كثراً دونه رتبة حملوا على الرزيقات، بخاصة جماعة حميدتي، بغير مواربة. فقال أحدهم إنهم هم من قاتلوا دون غيرهم وبذلوا الشهداء، 489 منهم، في بلدة الخوي وأم صميمة وحتى مدينة نيالا التي هي عاصمة “الدعم السريع” في دارفور. وتساءل أين كان قادة بالاسم من الرزيقات حين كانوا يكتوون هم بالحرب ولا يزالون. بل تجد من عزى في شهيد قائد أخير لهم هو التاج يوسف محمود قولنجنق واتهم قادة من الرزيقات بالاسم قال إنهما من وفرا للجيش إحداثيات أصابت موضع الاجتماع الذي كان انعقد بينهم. وطلب من القيادة أن يخضع القائدان لتحقيق قال إنه عاجل غير آجل. وزاد قائلاً إن قلبهم محروق على قولنجنق وثأره يكون في هزيمة الجيش في مدينة الأبيض، حاضرة كردفان، وولاية النيل الأبيض.
وعاد قائد آخر إلى بؤس تسليحهم بقوله إنه أحصى 1500 مركبة للرزيقات موصولة بالواي فاي “تتحاوم” في الأرجاء بينما هو وجنده، 1750، بلا سيارات في حمى القتال. وشكا آخر من عدم تعزية القائد العام لهم في شهدائهم. وانتقد مجموعات الرزيقات في نيالا التي تحظي بعناية “الدعم السريع” وهم خارج ميدان المعركة الدائرة في كردفان يعانون نقصاً في الطعام والبنزين. وسأل “من أين لي ملء تنك السيارة؟ أنت لم تعطني مرتباً”. واستنكر طريقة القيادة في ترضية خاطر كل من خرج بلايف يشكو حاله. وسأل “هل تحولت حربنا إلى الوسائط؟ هل لم يبق لنا سوى الشحذة من فوق منصاتها؟”. وقال إنهم لا يشحذون من بشر إلا من رب العالمين، وإن الروح بلغت الحلقوم ولن يصمتوا بعد هذا. وجاء أخيراً من قال إن القضية التي يقاتلون من أجلها هي قضيتهم بغض النظر عن “الدعم السريع”، وإن “الدعم السريع” لو قرر أن يتنصل منها فسيحاربونه كما يفعلون مع الجيش.
وخرج جماعة من منسوبي شعب الفلاتة بجنوب دارفور بهويتهم القبائلية بعد حملة نظمتها قيادة “الدعم السريع” في بدايات هذا الشهر لمحاربة الظواهر السالبة في مدينة نيالا. فصدر الأمر بألا يوجد عسكري بزيه وكدموله وسلاحه وسيارته العسكرية في سوق المدينة. وبدا أن قيادة “الدعم السريع” استجابت لتجار السوق الذين اشتكوا من الإتاوات التي يفرضها عليهم عسكريون من “الدعم السريع”، أو في لباسه. وبجانب هذا منعت الحملة بيع السلاح والمخدرات.
وحدث أن تعرض لواء بـ”الدعم السريع” من الفلاتة، وهو ابن زعيم فيهم أيضاً، إلى معاملة قاسية من فريق من فرق الظواهر السالبة انتهت إلى جلده في عرض الفضاء. وجاء مرافق له في لايف وحكى الواقعة وهو في غاية الغضب لإهانة الضابط العظيم ابن قبيلته. فلعن الظواهر السالبة ذاتها التي خولت ضرب ضابط زعيم ما كان لأحد أن يمد عليه أصبعاً من قبل. وقال إنه لا يشك في أن تلك الواقعة كانت مقصودة أراد بها الرزيقات في نيالا الإساءة للفلاتة في شخص الضابط. فاحتج أن الحملة لم توقف السيارة لتسأل عن هوية من فيها، بل امتدت يد بعضهم إلى قطع غيار السيارة وأخذوها. وحين احتج الضابط وسأل: هل هذه حملة ظاهر سالبة أم حملة حرامية؟ كان ما كان.
وزاد بأن الضابط الذي أهانه الرزيقات لازم المعارك جميعها ولم يتأخر عن واحدة. وقال لمن تقصدوا أهله بأنهم ليسوا أشرف منهم في حرب بذلوا قصاراهم فيها بضحايا وجرحى لم يحظوا بعلاج بعد. وعاد إلى تقصد الفلاتة ورجع إليهم بـ”العجم” مقابل العرب وقال إنهم إن صمتوا عما حاق بهم من حملة الظواهر كتبهم التاريخ جبناء إلى جنى الجنى. وقال إن بوسعهم كفلاتة إسقاط نيالا المدينة نفسها في يوم واحد. وقال إن “الدعم السريع” لم يفقد الخرطوم إلا لأن المتنفذين فيه لا يقيمون وزناً لغيرهم. وجاء جماعة من منتسبي الفلاتة في “الدعم السريع” من المجموعة 110 لينادوا كل من فيها لمغادرة مقدمات ميادين القتال والعودة إلى تلس، حاضرة الفلاتة، لأن ما تعرض له الضابط العظيم “عنصرية عديل” لا يرضون بها.
وأخرج منسوبو “الدعم السريع” من شعب دار حامد، شمال مدينة شمال الأبيض في شمال كردفان، هويتهم القبلية في ملابسات انتهاكات واسعة قامت بها قوات من “الدعم السريع” على قراهم كما تقدم. وجاء مدثر شمين منهم على لايف ليستنكر خلو ديارهم من الحماية التي تتمتع بها نيالا ومدن آمنة غيرها في دارفور. وحز في نفسه أن ينهب المتفلتون “بنات عمه” ويوسعوا أهله قتلاً بقوة مدججة بالدواشكي والمدافع وهو وجماعته مرابطون في ثغور “الدعم السريع”. وقال إنه إذا كان الخيار بين قبيلته و”الدعم السريع” فقبيلته أولى. وسيحارب “الدعم السريع” بكاكيه وسلاحه هو نفسه. ونفى أن يكون الهجوم على أهله من “الدعم السريع”، ولكن أخذ عليه غياب الحماية منها عنهم. وحيا القائد حميدتي وقال إنه من وحد القبائل. ونسب الهجوم إلى من أرادوا الفتنة بين دار حامد “والدعم السريع”، وهذا مناهم ولن يحصل.
وخرجت هوية منتسبي “الدعم السريع” من السلامات، وهم من شعب البقارة، لمناسبة بتر رجل قائد منهم هو الليبي. فظهر اللايفاتي فرانكو ليحييه ويكفر له كمدخل لتظلم السلامات. فالقادة منهم، في قوله، لا يحظون بسيارات مصفحة مثل غيرهم. وحكى عن اضطرارهم إلى تأجير عربة ثلاجة في أم درمان لنقل قائد مصاب منهم لأن أصحاب العربات من غير السلامات بخلوا بها عليهم. ومن تكرم “الدعم السريع” منهم عليه بسيارة كانت خربة. وعرض لثباتهم في الحرب دون غيرهم. فجاء بذكر قائد من الرزيقات لم يغش موضعاً حاراً من الحرب إلا غادره إلى موقع خلفي. ثم شكا من إهمال جرحاهم حتى تعفنت جراحهم. ثم عرج على الحكومة التي يزمع “الدعم السريع” تكوينها واحتج على خلوها من سلامي منهم مع أنهم أشجع من سائر غيرهم. وطلب تخصيص وزارة الدفاع لهم، بل قال إنه كان من المفروض أن يكون للسلامات المركز الثاني بعد حميدتي لسابقتهم في “الدعم السريع”.
ثم ظهر لايفاتي آخر منهم احتج على عبدالرحيم دقلو لإهمال جرحاهم وعلاجهم في نيالا في أحسن الحالات في حين يبعثون بجرحى الرزيقات إلى الإمارات العربية المتحدة لتلقي العلاج. وجاء ثالث يحتج على تهميشهم وحرمانهم من عربات للقتال وليطلب في آخر كلمته من الأفراد من السلامات في “الدعم السريع” الانسحاب من كل المواقع المتقدمة.
وكشف متحدث من قبيلة المحاميد وهم من رزيقات شمال دارفور عن هويته القبلية في معرض ما انكشف له عن عنصرية “الدعم السريع” أيضاً وقال إنه كمن كتب عليهم أن يكونوا في مقدم الحرب بينما يتراخى (تلميحاً للماهرية وهم الخاصة من الرزيقات في الدعم السريع) وسماها عنصرية. وإذا وضعوهم في الالتفافات، أي في جانب من الحرب، كثرت الاتصالات بهم أن أفزعونا لأن العدو غلبهم. واشتكى أن العربات تذهب لمن لم يقاتل ولم يتدرب حتى. وقاتل المحاميد في قولهم من الـ14 من أبريل ودفعوا ثمن بنزين من جيوبهم.
اتفق لطائفة من القوى التي كانت من وراء ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 أن “الدعم السريع” هي جيش ثانٍ في يومنا ولا بد لأية تسوية للحرب أن تأخذ حقيقتها هذه بالاعتبار. وهذا منها بخلاف ما اتفق لهم خلال مقاومتهم دولة الإنقاذ وثورتهم حين عدوه ميليشيات “تنحل ولا تحكم دولة”. وقضى اتفاقهم الإطاري للإصلاح الأمني والعسكري عند مغرب حكومتهم الانتقالية بدمجه في الجيش. وطالما راجعت هذه القوى موقفها من “الدعم السريع” فعدتها جيشاً ثانياً لا ميليشيا، صح لها أن تقف من كثب على تراكيبه المهنية والاجتماعية، بما في ذلك المؤسسة الاقتصادية التي بيده، في الاتفاق الوطني الذي يبشرون به بعد وقف إطلاق النار. فكثير منهم منزعج جداً للميليشيات والحركات العسكرية التي تقاتل مع الجيش ويخشون يوماً كريهاً منها على استقرار البلاد. وصح بالمثل أن يقفوا على “السلالية” المستفحلة في “الدعم السريع” التي كشف هذا المقال عنها لاستصحابها في تسكينهم له كجيش ثانٍ في الدولة الوطنية الحديثة المنتظرة.
عبد الله علي ابراهيم
عبد الله علي إبراهيم