كم عدد النمل على الأرض وما دوره البيئي؟
تاريخ النشر: 8th, April 2025 GMT
يُضرب المثل بالنمل في الكثرة، وبما أن تقدير أعداد الحشرات يمكن أن يفتح آفاقا مهمة في النظام البيئي، فقد حاول العديد من العلماء والباحثين إحصاء أنواع النمل وتقدير أعداده في محاولة رسم خرائط لموائلها، لفهم سبب كثرة هذه المخلوقات في أماكن معينة وندرتها في أماكن أخرى، وتأثيراتها على النظم البيئية.
يعتمد النمل على النشاط الجماعي، وتعكس مستعمرات النمل التي تضم الملايين في كل واحدة منها هذا المبدأ.
ويفضل النمل المناخات الاستوائية وشبه الاستوائية، ففي الغابات يعشش الكثير منه بين الأوراق وتحت الأرض. أما في المناطق القاحلة، فيتحرك بسرعة عبر التربة المكشوفة، وتساعد هذه التفاصيل علماء البيئة على معرفة كيفية تأثير درجة الحرارة والنباتات وهطول الأمطار على أعداد النمل.
ومع أعداده الهائلة، يلعب النمل أدوارا إيجابية وأحيانا سلبية، فهو يحافظ على صحة وتوازن النظم البيئية من خلال إعادة تدوير العناصر الغذائية، كما أنه يشكل في بعض الأحيان تحالفات مع النباتات أو الحشرات بطرق تعزز التنوع البيولوجي.
للنمل قوة بيئية لا تتناسب مع حجمه الصغير، فهو ينقل التربة والبذور إلى أماكن بعيدة ويغير أجزاء كثيرة من محيطه. وينقل النمل ما يصل إلى 13 طنا من كتلة التربة سنويا لكل هكتار (10 آلاف متر مربع)، حسب بعض الدراسات، وهو ما يساعد في الحفاظ على دورة العناصر الغذائية.
إعلانوبالإضافة إلى تدوير التربة ونقلها ونثرها، تقوم هذه الحشرات الصغيرة أيضا بتفتيت المواد المتحللة، مما يوفر خدمات قيمة تعمل على إثراء خصوبة التربة، وغالبا ما يستفيد تجديد الغابات من التقلّب المستمر للمواد العضوية، والنمل مساهم رئيسي في ذلك.
كما أن هذه الحشرات، عند الحفاظ عليها في حالة متوازنة، تقدم فوائد عديدة غير مرئية، فعلى سبيل المثال تساعد أنفاقها على تسرب الماء إلى التربة. وهي تعدّ فريسة لأنواع من الحيوانات، مشكلة بذلك روابط في السلسلة الغذائية.
وفي بعض المناطق، ينظر إلى النمل على أنه آفة، خصوصا النمل الناري الذي يدمر الموائل ويطرد الأنواع المحلية التي لا تملك دفاعات ضده، ويمكنه أن يُفسد بيئة بأكملها.
آلاف الأنواعوكانت دراسة قادها عالما الأحياء سابين نوتن وباتريك شولثيس من جامعة يوليوس ماكسيميليان في فورتسبورغ قد أكدت أن هناك حوالي 22 ألف نوع معروف من النمل حول العالم.
وحسب الدراسة، يعتمد نجاح مستعمرة النمل على بنيتها الاجتماعية، وتقسيم العمل إلى مجموعات لها أدوار مختلفة مثل العاملات والجنود والملكات، وجميعهن من الإناث، حيث تتولى الملكات التكاثر، بينما تركز العاملات على مهام مثل رعاية العش (المستعمرة) أو جمع الطعام.
وفي كل مستعمرة نمل، تكون هناك ملكة واحدة (إلا في بعض الحالات)، والملكة هي المسؤولة عن التكاثر، وتستمر ملكات النمل في وضع البيض طَوال العام، كما أن عمر الملكة يكون أطول من غيرها ويصل عمر بعض الملكات إلى 30 عاما.
وتشير الدراسة إلى أن فهم أعداد النمل في جميع أنحاء العالم يمكن أن يساعد في توجيه إستراتيجيات الحفاظ المستقبلية، لأنه يسلط الضوء على المناطق التي قد تحتاج إلى اهتمام خاص لحماية التوازن البيئي.
إعلانوحللت الدراسة بيانات من 489 بحثا أصغر حول النمل الذي يعيش على الأرض والنمل الذي يعيش على الأشجار لإنشاء قاعدة بيانات كبيرة، وقدّم هذا النهج نظرة منظمة على أماكن ازدهار النمل وأعداده، وكشفت البيانات عن أمور لافتة.
وحسب تقديرات الدراسة، يبلغ عدد النمل حول العالم نحو 20 كوادريليون نملة (رقم 20 مع 15 صفرا)، أي بمعدل 2.5 مليون نملة لكل إنسان تقريبا، وهو رقم يصعب استيعابه وتقديره حسب العالم سابين نوتن، الذي أشار إلى أن الكتلة الإجمالية لهذه الحشرات مذهلة.
وبحسب عالم الحشرات باتريك شولثيس، فإن العدد الإجمالي للنمل "يتجاوز الكتلة الحيوية المجمعة للطيور البرية والثدييات"، وهو اكتشاف يوضح مدى أهمية النمل في النظم البيئية في كل مكان.
ومع تغير المناخ، ما زال العلماء يرغبون في معرفة كيف ستتكيف هذه المخلوقات أو تغير من نطاق وجودها، فرغم أن النمل ازدهر عبر القارات، فإن تغيير هياكل الموائل والمناخ قد يشكل مخاطر على الأنواع الأقل قدرة على التكيف.
ويمكن لبيانات الرصد العالمي الطويل الأمد أن تكشف عن كيفية تأقلم الأنواع المختلفة مع الجفاف والأعاصير وتقلبات الفصول، كما أن هناك اهتماما باستكشاف كيفية تغير وجود النمل في الأراضي الزراعية بمرور الوقت.
ومن شأن ذلك أن يوفر معلومات للباحثين وكذلك للمزارعين حول مكافحة الآفات، ويشير إلى المناطق المعرضة لخطر الغزو من قبل أنواع النمل الضارة، ويوضح الإجراءات المتعلقة باستعادة الموائل، وما يخفيه النمل من أسرار أخرى.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات بيئي النمل على النمل فی فی بعض کما أن
إقرأ أيضاً:
العراق ودوره في صراعات المنطقة بين التوازن والتجاذب
يونيو 22, 2025آخر تحديث: يونيو 22, 2025
محمد حسن الساعدي
منذ سقوط النظام السابق في عام 2003، بات العراق طرفًا رئيسيًا في خارطة الصراع الإقليمي، سواء بصفته ساحة صراع بالوكالة أو فاعلًا يسعى لاستعادة دوره السيادي، كما أن موقع العراق الجغرافي بين إيران والخليج وتركيا وسوريا، وتركيبته السكانية والسياسية المعقدة، جعلته أحد أهم مفاتيح التوازن أو التفجر في المنطقة، ومع وجود قوات أمريكية وقواعد عسكرية أجنبية من جهة، وفصائل مسلحة مقربة من إيران من جهة أخرى، أصبح العراق ساحة للتجاذب بين واشنطن وطهران، هذا الواقع جعل أي توتر إقليمي ينعكس سريعًا على الأمن الداخلي العراقي، كما حصل في اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس عام 2020، وما تبعه من تصعيد خطير.
يمتلك العراق رمزية دينية عالية، لا سيما في النجف وكربلاء، ما يمنحه دورًا في توجيه الرأي العام الشيعي في المنطقة. كما أن بغداد ما تزال تمثل مركزًا ثقافيًا وإعلاميًا مهمًا، يمكن أن يسهم في إنتاج خطاب عقلاني جامع يواجه خطابات التطرف والانقسام. وللعتبات الدينية دور مؤثر في الدبلوماسية الناعمة، وقد استُثمر ذلك جزئيًا في الحوار بين الأديان.
بالرغم من التحديات التي تواجهها سعت الحكومات العراقية المتعاقبة إلى لعب دور الوسيط والتهدئة، حيث احتضن العراق حوارات بين إيران والسعودية، في محاولة لرأب الصدع في الإقليم، ما يعكس رغبة حقيقية في أن يتحول العراق من ساحة نزاع إلى منصة للحوار الإقليمي، كما أن اهم التحديات التي تعيق الدور العراقي هو الانقسام الداخلي والمتمثل بالانقسام السياسي والطائفي والذي يضعف القرار الوطني ويُدخل العراق في محاور إقليمية متضادة، بالإضافة الى النفوذ الخارجي تعدد الولاءات والتأثيرات الإقليمية داخل القوى السياسية والأمنية العراقية يحد من استقلالية القرار، كما هو الحال بالوضع الاقتصادي والأمني، إذ أن الأزمات الاقتصادية المستمرة، وضعف فرص الاستثمار يضعفان قدرة العراق على فرض رؤية استراتيجية مستقلة.
هناك فرص مستقبلية يمكن للعراق أن يستعيد موقعه الإقليمي المحوري عبر سياسة خارجية متوازنة تربط بين جميع الأطراف دون الانحياز الكامل لأي محور وتقوية الدولة المركزية ومؤسساتها، لضمان استقلالية القرار الوطني، والسعي في استثمار دوره الجغرافي كبوابة للتجارة والطاقة، لتعزيز نفوذه الاقتصادي والسياسي، لان بلد مثل العراق ليس مجرد متأثر بصراعات المنطقة، بل هو أحد مراكز ثقلها. وإذا ما نجح في تحقيق الاستقرار الداخلي، واستقلالية القرار السياسي، فبإمكانه أن يلعب دورًا مهمًا في التهدئة الإقليمية، لا سيما بين المحاور المتصارعة، وأن يتحول من ساحة نفوذ إلى دولة مؤثرة في صنع موازين المنطقة، وعلى الرغم من أن العراق يملك كل عناصر القوة، إلا أن غياب الاستقرار السياسي، وضعف مؤسسات الدولة، واستمرار نظام المحاصصة، أدت إلى تراجع دوره الإقليمي، وتحوله في بعض الأحيان إلى ساحة صراع بدلاً من كونه طرفًا فاعلًا غير أن التحولات الإقليمية، والانفتاح العربي والدولي على العراق، تمنحه فرصة حقيقية لإعادة صياغة دوره، خاصة إذا استطاع أن يعزز وحدته الداخلية، ويحارب الفساد، وينهض باقتصاده.
إن أهم ما يمكن أن يلعبه العراق اليوم هو دوره كـ ” قوة توازن” بين المحاور المتصارعة، بدلًا من الانخراط في محاور متضادة. فالعراق يمكن أن يكون جسراً للحوار بين طهران والرياض، بين دمشق وبغداد، وبين أنقرة ومحيطها العربي، بل وحتى بين الشرق والغرب. وتحقيق هذا الدور يتطلب دعمًا سياسيًا داخليًا، واستقلالية القرار الوطني، بعيدًا عن الهيمنة الخارجية، كما أن العراق اليوم أمام مفترق طرق إما أن يبني على مقوماته ليلعب دورًا وطنيًا وإقليميًا متزنًا يعزز الأمن والاستقرار في المنطقة، أو يبقى رهينة الصراعات الداخلية والخارجية. إن مستقبل المنطقة لا يُرسم بدون العراق، لكنه لن يكون فاعلًا ومؤثرًا إلا إذا توحد داخليًا وامتلك رؤية استراتيجية واضحة في سياسته الخارجية.